تعدُّ آية الكرسي بلا شك أعظم السور في القرآن الكريم بعد سورة الفاتحة، حيث تمتلك قوة خاصة تجذب القلوب، وتمنح النفس السكينة والطمأنينة، ويتساءل الكثيرون عن سر تفوق هذه السورة، وعن أهميتها الفريدة في الإسلام، وهذا ما سنكتشفه في هذا المقال الآتي:
لماذا آية الكرسي هي أعظم آية؟
1. آية الكرسي تضمنت أسماء الله الحسنى:
احتوت السورة على سبعة عشر اسماً لله تعالى، وتتراوح بين الظاهر والمضمر، ويبلغ عدد كلماتها خمسون كلمة مُرَكَّبَةٌ من عشر جمل، وتُعبِّرُ جميعها عن ربوبية الله تعالى وألوهيته مُذَكِّرَةً بأسمائه الحسنى وصفاته التي تدلُّ بوضوح على كماله، وعلى علمه البالغ وقدرته الفائقة مظهرةً عظمة سلطانه الذي لا يُضَاهَى.
2. عظمة أسماء الله تعالى «الحي القيوم»:
إنَّ الاسمين «الحي القيوم» يُظهران اتساقاً واستيعاباً تاماً لجميع الأسماء الحسنى؛ إذ يُعبر "الحي" عمن لديه حياة كاملة، ويتضمن جميع صفات الذات مثل السمع والبصر والقدرة والعلم وغيرها، وكذلك "القيوم" تشير إلى الذي قام بذاته وقائم على الآخرين، وهو يُستخدم لتوجيه جميع الأفعال التي تميز ربنا بدءاً من الاستواء والنزول، ووصولاً إلى الكلام والخلق وجميع أنواع التدبير، ولهذا السبب يروي بعض القائلين أنَّ "الحي القيوم" هما من أعظم أسماء الله، فيجيب إذا دُعي بهما ويُعطى إذا سُئل بهما، فقد كان دعاء عيسى عليه السَّلام عند إحياء الموتى بإذن الله: «يا حي يا قيوم»، ولمَّا أراد سليمان عليه السلام عرش بلقيس دعا قائلاً: «يا حي يا قيوم».
3. إعانة الإنسان على الرضى بالقضاء والقدر:
حينما يدرك الإنسان أنَّ الملك والسلطة تعود لله وحده يتأكد لديه الإيمان بأنَّ كل ما يحدث في حياته هو بإرادة الله، وهذا الإدراك يجعل الإنسان يتقبل الابتلاءات والتحديات بروح مطمئنة عاقلاً بأنَّ الله الرحيم يعلم ما هو خير له، حتى إن كانت الأمور لا تتسق مع توقعاته، وآية الكرسي هي أعظم آية في القرآن، وتذكِّر الإنسان بقوة الله اللامحدودة، وهذا يوجِّه نظره نحو الرضى بقضاء الله وقدره.
4. عظمة «الحي القيوم»:
تتضمن الآية الكريمة اسم الله الأعظم «الحي القيوم»، وإنَّ استخدام هذين الاسمين الكريمين يعكس قوة وعظمة الله، فقد ذُكِرَا في ثلاثة مواضع هامة في القرآن الكريم:
- في سورة البقرة في قوله تعالى: «الله لا إله إلا هو الحي القيوم».
- في سورة آل عمران: «الله لا إله إلا هو الحي القيوم».
- في سورة طه في قوله: «وعنت الوجوه للحي القيوم».
5. جاء في آية الكرسي الرد على من قال: «وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى»:
في قوله تعالى في آية الكرسي: «مَن ذَا ٱلَّذِی يَشۡفَعُ عِندَهُۥۤ إِلَّا بِإِذۡنِهِ» يرد الله تعالى على من قال: «وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى»، فيؤكد الله عز وجل أنَّه لا يوجد شفيع أو وسيط يستطيع الوساطة لدى الله إلا بإذنه ورضاه.
6. تحديد شروط قبول الشفاعة عند الله تعالى:
أثبت الله تعالى شروط قبول الشفاعة في آية الكرسي عندما قال: «إِلَّا بِإِذۡنِهِ»، وشروط قبول الشفاعة محددة برضى الله تعالى عن الشافع والمشفوع لقوله تعالى في سورة النجم [آية 26]: «وَكَم مِّن ملَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُم شَيْئاً إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى».
7. إثبات علم الله:
أُثبت علم الله الواسع واللامحدود في أعظم آية في القرآن آية الكرسي، والله يعلم كل شيء عن خلقه في الماضي والحاضر والمستقبل، وفي الوقت نفسه يُؤكد أنَّ علم الله لا يُحاط به، وأنَّنا لا نعلم إلا ما علمنا الله عنه؛ ويعني ذلك أنَّ علم الله فائق وشامل بينما علمنا محدود ومشروط بما يعلمنا الله منه.
8. عظمة آية الكرسي لقوله تعالى: «وسع كرسيه»:
يتحدث الله عز وجل في آية الكرسي أعظم سورة في القرآن بعد الفاتحة عن عظمة كرسيه، ويُظهر للمؤمنين بأنَّه يتسع للسماوات والأرض، كما تتحدث الآية عن استقرار وثبات الله على عرشه، وهي مُظهرة بذلك سيطرته وقدرته اللامحدودة على الكون بأسره.
شاهد بالفديو: فضل قراءة القرآن الكريم
9. تحذير الإنسان من الطغيان:
يحذر الله تعالى الإنسان من طغيانه على الآخرين داعياً إياه من خلال آية الكرسي، في قوله تعالى: «وهو العلي العظيم»، فيتعين على الإنسان أن يتذكر عظمة وسلطة الله عندما يكون متعالياً في نفسه أو عظيماً في مكانته، فالله هو العلي في منزلته وقدرته وعظمته عن خلقه.
10. الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قال عنها: «أعظم آية في القرآن»:
عن أبي بن كعب أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم سأله فقال: "يا أبا المنذر أتدري أيُّ آية من كتاب الله معك أعظم؟ قال: قلت الله ورسوله أعلم، قال: يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟ قال: قلت الله لا إله إلا هو الحي القيوم، قال: فضرب في صدري وقال: والله لِيَهنِك العلم أبا المنذر».
ما هو سبب تسمية آية الكرسي بهذا الاسم؟
الكرسي يُعبر عن أساس الحكم ويُعدُّ رمزاً للسلطة والملك، وفي الوقت نفسه يُعكس بوضوح الألوهية المطلقة لله تعالى، لذا فقد سُميت آية الكرسي بهذا الاسم نظراً للإشارة الواردة فيها إلى مفهوم الكرسي بهذا المعنى، فيقول الله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}، وهذه الآية هي الآية الوحيدة في القرآن الكريم التي أشارت إلى الكرسي.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آية الكرسي: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ لَهَا لِسَاناً وَشَفَتَيْنِ تُقَدِّسُ الْمَلِكَ عِنْدَ سَاقِ الْعَرْشِ، لِكُلِّ شَيْءٍ سَنَامٌ وَإِنَّ سَنَامَ الْقُرْآنِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَفِيهَا آيَةٌ هِيَ سَيِّدَةُ آيِ الْقُرْآنِ هِيَ آيَةُ الْكُرْسِيِّ».
ما هي فضائل آية الكرسي؟
1. أعظم آية في القرآن الكريم:
احتوت على اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى، وهو: «الحي القيوم».
2. حافظة للإنسان في نهاره:
الإنسان الذي يقرأ آية الكرسي في الصباح ويقول بعدها يا حفيظ ثلاث مرات، حفظه الله في يومه.
3. حافظة للإنسان، وحامية له في نومه:
يروى عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «إذا أوَيتَ إلى فِراشِكَ فاقرَأ آيَةَ الكُرسِيِّ، لَن يَزالَ معكَ مِنَ اللَّهِ حافِظٌ، ولا يَقرَبُكَ شيطانٌ حتَّى تُصبِحَ».
4. حامية للإنسان من شرور الحسد والسحر والمس:
قراءة آية الكرسي وتداولها في المنزل وحول الأفراد والأماكن من وسائل الوقاية من الشرور والأذى.
5. آية الكرسي سبب لدخول الجنة:
يقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: "مَن قرأَ آيةَ الكرسيِّ دبُرَ كلِّ صلاةٍ مَكْتوبةٍ، لم يمنَعهُ مِن دخولِ الجنَّةِ، إلَّا الموتُ).
6. حماية المنزل وساكنيه:
تعدُّ آية الكرسي درعاً روحياً، وقراءتها تُعزز حماية المنزل وسكانه من الشرور والآفات، وفي فضل آية الكرسي قال الرسول الكريم: «سورة البقرة فيها آية سيدة آيات القرآن لا تقرأ في بيت فيه شيطان إلا خرج منه: آية الكرسي».
7. مباركة الرزق وطارحة البركة، وتُستخدَم في الرقية الشرعية:
من فضائل آية الكرسي أنَّها ترفع بركة الرزق وتجعله مباركاً، كما تُقرأ في الرقية الشرعية، فتكون وسيلةً فعَّالة للحماية من السحر والأمراض الروحية، ومُجلبة للشفاء والسلام الداخلي.
4. آية الكرسي سبب للحصول على آلاف الحسنات:
فقراءة كل حرف في القرآن الكريم له حسنة والحسنة بعشر أمثالها، وآية الكرسي تتضمن خمسين كلمة، وقال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "منْ قرأَ حرْفاً مِنْ كتاب اللَّهِ فلَهُ حسنَةٌ، والحسنَةُ بِعشرِ أَمثَالِهَا".
5. التحذير من الطغيان:
إذا فكر الإنسان بأن يتكبر ويطغى على عباد الله عليه أن يتذكر عظمة الله تعالى وكبريائه، فقال تعالى: «وهو العلي العظيم».
6. تكرار قراءة آية الكرسي:
قراءة آية الكرسي ثلاث مرات على الأقل أو أكثر تكون علاجاً ووقاية لصاحبها من الأمراض والهموم وتحفظ له نفسه وتصون عائلته وأولاده.
في الختام:
يظهر أنَّ آية الكرسي أعظم آية في القرآن بعد سورة الفاتحة، وتحمل رسالة سماوية وتحمل معها أيضاً بذرة التواصل مع الله والتأمل في عظمته، وإنَّ حفظها وتلاوتها بانتظام يشكلان جسراً متيناً يربط المؤمن بربه، وتدخل السكينة والطمأنينة إلى قلبه، آية الكرسي مصدراً للقوة والهدوء، ترسخ في نفس قارئها إيماناً راسخاً بقدرة الله وحكمته.
المصادر +
- مريم بنت داوود بن أحمد العلواني، آية الكرسي دراسة تحليلية، جامعة جدة، السعودية.
أضف تعليقاً