هل يمكن للموظفين أن يكونوا سعداء في العمل؟

هل يمكن أن نكون سعداء في العمل؟ لعلَّ أفضل مَن يجيب عن هذا السؤال هم أصدقاؤنا الذين يعيشون في الدول الاسكندنافية "الدنمارك" (Denmark) و"النرويج" (Norway) و"السويد" (Sweden)؛ إذ يُصنَّفون باستمرار على أنَّهم أسعد شعوب البلدان على وجه الأرض، وهم الأشخاص الوحيدون على هذا الكوكب الذين لديهم كلمة تنمُّ عن السعادة في العمل؛ ألا وهي "أربيجدسكلاد" (Arbejdsglæde).



كيف يمكننا تجربة نفس الشعور حتى نتمكن من التقدُّم في التصنيفات المتعلقة بالسعادة؟

ما هي السعادة؟

في عالم العمل لا تعني السعادة بالضرورة النعيم الذي لا ينتهي، ولا تعني عدم وجود الضغط أو عدم الرضى.

خذ أنواع الرياضات الاحترافية على سبيل المثال، فنحن نشكو من أنَّ الرياضيين المحترفين يجنون مبالغ هائلة من المال لأنَّهم لا يفعلون شيئاً أكثر من "أداء لعبة"، لكن عند تحليل التضحيات الهائلة التي يقدمونها - والتي تتطلب تدريبات رياضية، وأنظمة غذائية محدودة، وآلام بدنية - ثم مقارنتها مع مقدار الوقت الذي "يلعبون فيه لعبتهم"، فإنَّك تدرك أنَّ معظم وقتهم يقضونه في الاستعداد للعب اللعبة؛ أي إنَّهم لا يفعلون ما يجعلهم سعداء في الواقع.

قلة منا سيجدون أنَّ الوقت الذي يقضونه في التحضير للعب ألعابهم أمر ممتع؛ لذا إذا كنتَ لا تشعر بالسعادة في العمل طوال اليوم، فإذاً ما هو معنى السعادة في العمل؟ الجواب المختصر هو: إنَّ هذا المعنى أمر نسبي يعتمد عليك، لكن توجد بعض العناصر الأساسية التي تساهم في الشعور بالسعادة في العمل.

بالنسبة إلى بعضنا، فإنَّ السعادة في العمل تعادل امتلاك الشغف تجاه ما نقوم به، ويمكن القول إنَّ الشغف هو أكثر العناصر التي يستشهد بها الأشخاص الناجحون باستمرار كونه المساهم الرئيس في نجاحهم، ولكنَّ هذا الأمر يحتاج أيضاً إلى أن يكون له أساس في الواقع؛ إذ إنَّك قد تكون شغوفاً بلعب كرة القدم بشكل لا يُصدق، ولكنَّ احتمالية اللعب في اتحاد كرة القدم ضئيلة جداً.

الشغف هو بداية رائعة للشعور بالسعادة في العمل، ولكنَّه قد لا يكون مفتاح السعادة بالنسبة إلى الجميع.

شاهد بالفيديو: 8 نصائح لتبدأ نهارك وأنت في قمة السعادة

عندما تصبح الوظيفة نداءً باطنياً:

بالنسبة إلى الآخرين، فإنَّ أهم عامل يساهم فيما إذا كنَّا سعداء في العمل أم لا، يعتمد على ما إذا كنَّا نشعر بأنَّ العمل الذي نقوم به له أهمية كبيرة أم لا؛ إذ إنَّنا نرى هذا غالباً في المنظمات غير الربحية والمنظمات الدينية ومنظمات الرعاية الصحية.

التمريض على وجه الخصوص هو مثال جيد عن ذلك؛ إذ إنَّ العمل في مجال التمريض لا يشكل دوراً باهراً عندما تفكر في مسؤولياتهم "العديدة" غير المريحة والضغوطات الهائلة الناجمة عن وضع حياة شخص آخر بين يديك، ومن هنا، يأتي معدل الاحتراق الوظيفي المرتفع المرتبط بهذه المهنة.

لكن يوجد القليل من الأدوار المرتبطة بهذا المجال التي تحمل معنى جوهرياً أكثر، وإذا سألت العاملين في مجال التمريض وغيرهم ممن كرسوا حياتهم للعمل في المهن المرتبطة بمجال الرعاية الصحية، فسوف يخبرونك بأنَّهم لا يرون أنَّها وظيفة أو حتى مهنة؛ بل إنَّها نداء باطني.

إنَّ هذه السعادة تعتمد على شعور الأفراد كما لو أنَّهم قادرون شخصياً - ويفعلون ذلك - على المساهمة في مهمة أكبر؛ فدون هذا الرابط، قد تفقد الثقة بتأثير العمل الذي تقوم به في منظمة هادفة.

كثير من الأفراد يجدون سعادة أقل في نفس العمل، ولكنَّهم كثيراً ما يجدونها في مواجهة التحديات وتحقيق النتائج؛ إذ إنَّ هؤلاء الأفراد هم من شخصيات الفئة "أ" الذين يحبون العمل على شيء يَعُدُّه الآخرون أمراً مستحيلاً، فهُم يزدهرون حرفياً في الشدائد ويحصلون على مكافأتهم عندما يُنجَز هدف يبدو غير قابل للتحقق.

نرى أيضاً أنَّ هذا الأمر يحدث فيما يُشار إليه كثيراً باسم التلعيب، وعلى وجه التحديد؛ استخدام "آليات التقدم"؛ فإنَّه من المفاهيم النفسية الأساسية أن نستجيب جيداً للرؤية المنتظمة للتقدم والتطوير اللذين نحققهما؛ إذ يتمثل هذا الأمر في النقاط والشارات ولوحات المتصدرين في الألعاب المسببة للإدمان مثل لعبة "كاندي كراش" (CandyCrush).

بدأت شركة "كوربوريت أميريكا" (Corporate America) بالانتباه إلى هذا الأمر من خلال تنفيذ منصات مماثلة أشبه بتلك التي استخدمناها في مجال الفنادق والطيران لعدة سنوات؛ إذ إنَّ القدرة على النمو وتطوير مهارات وقدرات جديدة هي أيضاً هبة فطرية لهذه الأنواع من الأشخاص.

إيجاد هدف في علاقات العمل:

يوجد أولئك الذين يجدون أيضاً معنى السعادة خارج نفس العمل - أو بالأحرى - سعادتهم متجذرة في العلاقات التي يشكلونها ويحافظون عليها، فيمكن أن يكون هؤلاء الأفراد سعداء بالجلوس في زنزانة السجن ما دام يوجد أشخاص بجوارهم يتفاعلون ويتحدثون معهم، كما أنَّهم يميلون إلى العمل في مهن تتطلب بشكل أساسي تواصلاً وتعاوناً مع الآخرين باستمرار، فهم يستنبطون المعنى والسعادة من هذه التفاعلات.

بالنسبة إلى الأفراد الذين يعملون في المهن "المتعلقة بالتواصل مع الناس" مثل العمل الاجتماعي، فإنَّ الموظفين هم العمل، ومن ثم فإنَّ السعادة في العمل مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بتفاعلاتهم الشخصية، حتى إنَّهم يتبنون استراتيجية واسماً لهذا على موقع متجر التجزئة عبر الإنترنت "زابوس" (Zappos.com)، كما يشجعون موظفيهم أيضاً على إيجاد رابط عاطفي شخصي مع كل عميل.

لكن أياً كان ما يساهم في سعادتك في العمل، فإنَّ الاختبار الحقيقي لتحديد ما إذا كنتَ تؤدي الدور الصحيح هو الإجابة عن هذا السؤال البسيط وهو: كم مرة تمر بحالة "التدفق الذهني"؟

يعتقد عالم النفس الذي صاغ مصطلح "التدفق الذهني" "ميهالي سيكسزينتميهالي" (Mihaly Csikszentmihalyi) أنَّه: "يكون الناس أكثر سعادة عندما يكونون في حالة من التدفق الذهني؛ وهو حالة من التركيز أو الاستيعاب الكامل للنشاط والحالة التي في متناول اليد؛ إذ إنَّها حالة يندمج فيها الناس في نشاط لا يبدو أنَّ شيئاً آخر أهم منه؛ لذا تتسم هذه الحالة بشعور كبير بالتركيز والاندماج والإنجاز والمهارة، وخلال هذه الحالة يتم تجاهل المخاوف الزمنية: الوقت، والطعام، والذات وما إلى ذلك".

إقرأ أيضاً: بناء علاقات عمل جيّدة، كيفية جعل العمل أكثر متعة وإنتاجية

نمط واحد لا يناسب الجميع:

إذاً كيف نكون سعداء في العمل؟ وماذا علينا أن نفعل لنكون سعداء؟ خلاصة القول هي: إنَّ الطريق إلى الشعور بالسعادة في العمل يختلف من شخص إلى آخر؛ إذ يفضِّل بعض الأشخاص قضاء معظم حياتهم في اتباع توجيهات وقواعد صارمة؛ فإنَّهم يشعرون بالراحة من خلال الحماية التي تحدد عملهم وتضمن لهم نتيجة يمكن التنبؤ بها.

بينما يفضِّل بعضهم الآخر قضاء وقتهم في مساعدة الأشخاص في مشكلاتهم العاطفية، وهو مجال يتطلب مزاجاً مختلفاً تماماً ونتائج محددة أقل بكثير، ومن النعم أنَّه لدينا أشخاص مهتمين بكلا الأمرين.

لكي نكون سعداء في العمل، يجب علينا التنسيق بين محفزاتنا الشخصية وبين الوظائف والمهن المتاحة، وقد يحتاج بعضنا إلى المساعدة في هذا الأمر، واستُخدِمَ كتاب "ما هو لون مظلتك" (What Color is Your Parachute) لعدة سنوات لمساعدة الأشخاص على تحديد "باختصار":

  1. ما الذي تحب القيام به؟
  2. ما الذي تجيد القيام به؟
  3. ما هي المهن الموجودة التي من شأنها أن تمنحك القدرة على دمج كل من "1" و"2"؟
إقرأ أيضاً: ما هي أسرار السعادة في العمل؟

الحياة أقصر من أن تعيشها تعيساً:

توجد تقييمات وأدوات متاحة حديثاً لمساعدتك على تحديد "الملاءمة السلوكية" لمختلف الوظائف والمهن، ونجد أنَّه من المثير للاهتمام أنَّنا نسمح لمواقع مثل "ماتش دوت كوم" (match.com) باختيار شريك لنا، ولكنَّنا لم نسمح بعد للبيانات الضخمة والخوارزميات المعقدة بفعل نفس الشيء لمهنتنا.

الحياة أقصر من أن نقضي وقتنا في فعل شيء لا نستمتع به، ونُقِل عن "توني هسيه" (Tony Hseih) المدير التنفيذي لشركة "زابوس دوت كوم" (Zappos.com) قوله: "في حين أنَّه كَثُر الحديث على مر السنين عن الفصل بين العمل والحياة الشخصية أو التوازن بين العمل والحياة الشخصية، إلَّا أنَّ الأمر برمته يدور حول التكامل بين العمل والحياة الشخصية؛ لأنَّها مجرد حياة"، وبالمثل، قدَّم رجل الأعمال "ريتشارد برانسون" (Richard Branson) وجهة نظره عندما قال: "لا أفكر في العمل على أنَّه عمل واللعب على أنَّه لعب؛ فهذه كلها أنماط حياة متداخلة".

المصدر




مقالات مرتبطة