هل يمكن للعلاقة أن تتعافى من الاستياء؟

بصفتي طبيبة نفسية متخصصة في العلاقات الشخصية بين الناس، يواجهني كثيراً سؤال مفاده: "ما هي أكبر مشكلة يواجهها الأزواج؟". الإجابة سهلة، وهي المال وطبيعة العلاقة، لكن كلتا الإجابتين غير صحيحة تماماً، أو على الأقل ليس هذا ما لاحظتُه في مكتبي أو خلال حياتي.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّنة "نانسي كولير" (Nancy Colier)، والتي تُحدِّثنا فيه عن موضوع التعاطف في العلاقات.

المشكلة الأكثر شيوعاً التي أراها في علاقات الزواج هي موضوع التعاطف، على سبيل المثال: أخبرَت "باولا" (Paula) "جون" (Jon) بأنَّها مستاءة ومنزعجة بسبب رد فعله حول رأيها في قضية عائلية، وطلبت منه فيما إذا كان بإمكانه التحدث في المستقبل بمزيد من اللطف، وعدم انتقادها لمجرد اختلاف رأيه.

استهجن "جون" طلب "باولا" أن يعاملها بلطف، لا سيَّما أنَّها تعاملت معه بطريقة غير لائقة فيما سبق، فشرحت "باولا" أنَّ سبب تصرفها معه بتلك الطريقة، كان رداً على ما فعله قبل شهرين؛ حيث تعتقد بأنَّ تصرفه كان قاسياً وعدائياً، ثم يصرخ "جون" قائلاً إنَّ تصرفه كان رداً على تصرفها الشنيع قبل ثلاثة أشهر، وهكذا دواليك.

يفعل الأزواج هذا الأمر طوال الوقت، فهم يتشاجرون بشأن من يستحق التعاطف أكثر، ومن الطرف الذي عانى أكثر، ومن يجب أن يعتني بالآخر أكثر، ومن الطرف الذي ينبغي تصديق ما مرَّ به واحترام تجربته.

غالباً ما يرفض الأزواج إظهار التعاطف مع بعضهم بعضاً؛ لأنَّهم يشعرون أنَّ ذلك يعني الاعتراف بأنَّ اللوم يقع عليهم، ومن ثمَّ يُفوِّتون على أنفسهم فرصة تعاطف الطرف الآخر معهم؛ إذ يعتقدون جوهرياً أنَّ تعاطفهم مع الطرف الآخر سيحرمهم من تعاطفه معهم.

مع زيادة الأذى ومشاعر الاستياء، يصبح التعاطف مع تجربة شريكك أمراً صعباً؛ بسبب وجود الكثير من الألم لديك، وعندما يزداد الشعور بالألم بين شخصين، فقد يكون من المستحيل تقريباً الإصغاء إلى تجربة الآخر، ناهيك عن فكرة الاهتمام به.

مع مرور الوقت، ينتج عن الجروح غير الملتئمة علاقة خالية من الرغبة في الإصغاء إلى الطرف الآخر؛ وهذا يؤثر في مشاعر اللطف وتقديم الدعم (المكونان الأساسيان للعلاقة الزوجية)؛ لهذا السبب، فإنَّ الاستياء هو أكثر المشاعر سُمِّية في العلاقات.

التعافي من الاستياء:

إذاً، ماذا ستفعل إذا كنت في علاقة يتراكم فيها الأذى على شكل استياء وغضب وألم؟ هل يوجد أمل في استعادة مشاعر التعاطف حتى تزدهر العلاقة الزوجية الحقيقية مرةً أخرى؟ إذا كان الماضي مليء بالمشكلات، فهل يمكن أن يصبح الحاضر أفضل؟

إن سألتَني إذا كان ذلك الأمر ممكناً، فستكون إجابتي: "من المحتمل"، أمَّا إن سألتَني عمَّا إذا كانت توجد طرائق لإعادة خلق رابطة التعاطف في علاقة ما، فسأجيب: "نعم، بكل تأكيد".

الطريقة الوحيدة التي يمكنك من خلالها معرفة ما هو الممكن؛ هي تحديد المشكلة ابتداءً وبذل قصارى جهدك لحلها؛ إذ إنَّك إن لم تحاول معالجة الاستياء، فمن المؤكد أنَّه لن يختفي من تلقاء نفسه؛ لأنَّ الاستياء أشبه بمرض السرطان، ينتشر ويجعل من المستحيل بقاء العلاقة صحية؛ إذاً، ماذا يجب أن نفعل؟

شاهد بالفديو: 6 قواعد أساسيّة لنجاح العلاقة الزوجيّة

الخطوة الأولى، وضع نية:

بدايةً، أقترح أن يضع الأزواج نيةً معاً لاستعادة التعاطف في علاقتهما، فمن المفيد أن تبدأ بقرار واعٍ، وربما يرغب كلاكما في توثيق العلاقة أو زيادة الثقة، أو حتى تخفيف مشاعر الاستياء، ويمكن أن تكون النية مختلفة بالنسبة إلى كل واحد منكما، ولكن ما يهم هو أنَّه توجد رغبة واستعداد متفق عليهما للتركيز على المشكلة في العلاقة.

في بعض الأحيان، قد لا يرغب أحد الشركاء في وضع نية؛ غالباً بسبب الاستياء الذي تجري معالجته، وإذا كان هذا هو الحال، فما يزال بإمكانك تحديد نية بنفسك، وعلى الرغم من أنَّ هذا الأمر ليس مثالياً، إلا أنَّه يمكن أن يحقق نتائج إيجابية.

الخطوة الثانية، البدء من جديد:

بمجرد وضع نية، أوصيك بالاهتمام بإعادة تحسين علاقتك؛ إذ يمكنك الاحتفال بموعد إعادة بدء العلاقة كذكرى سنوية جديدة (اليوم الذي التزمتَ فيه بالبدء من جديد من دون سموم ومشكلات الماضي)، ومن الهام أن تحدد تاريخاً لذلك بطريقة تجعله حقيقياً ومقدساً.

يعني تاريخ إعادة بدء العلاقة أنَّك تبدأ من جديد؛ لذلك عندما تعبِّر عن مشاعرك لشريكك، فإنَّ هذه المشاعر هامة لمجرد أنَّها موجودة، ولا يمكن إبطال مفعولها من خلال الأحداث الماضية، كما يعني الحصول على بداية جديدة أن يكون كلٌّ منكما بريئاً ويمتلك الحق في تلقِّي مشاعر اللطف والدعم، ويمكن أن توفر هذه الخطوة حيزاً جديداً للالتقاء والاعتناء ببعضكما بعضاً مرةً أخرى.

إقرأ أيضاً: 10 احتياجات عاطفية يجب مراعاتها في العلاقات

الخطوة الثالثة، محاولة تبادل الأدوار:

إلى جانب البدء من جديد، أوصيك بتجربة طريقة جديدة للتواصل أسميها "تبادل الأدوار"؛ التي تعني أنَّه عندما يشعر أحد الطرفين بمشاعر مزعجة تجاه الآخر، يجب الإصغاء إليه وفهمه تماماً، من دون دحض كلامه، أمَّا دفاع الشريك الآخر عن تصرفه الذي أدى إلى هذا الاستياء فيؤجل إلى اليوم التالي.

في اليوم التالي، يمكن للطرف الآخر التعبير عن رأيه فيما قاله شريكه إن رغب في ذلك، أو إجراء نقاش آخر مختلف، ومرة أخرى، يجب عدم دحض كلام الطرف المشتكي.

في حين أنَّني أقترح طريقة مفروضة للتواصل بشأن المشكلات الصعبة، إلا أنَّ هذه العملية يمكن أن تشجع الإصغاء غير الدفاعي وحتى التعاطف، كما أنَّها مُصممة لمعالجة الاستياء بطريقة آمنة بمجرد ظهوره لمنعه من التفاقم.

ما دمت تعلم أنَّ دورك في النقاش لن يحين حتى يوم الغد، فقد تكون أكثر قدرةً على الإصغاء إلى تجربة شريكك والحضور معه، كما يمكنك الشعور بالاسترخاء؛ لأنَّك لست مضطراً إلى محاولة كسب النقاش، ويمكنك أيضاً محاولة تكرار ما يقوله الشريك والتعبير عمَّا يشعر به، فالقيام بهذا الأمر سيجعله يشعر بأنَّك فهمت تجربته فهماً صحيحاً.

إنَّ القدرة على الإصغاء إلى شريكك من دون الدفاع عن نفسك، يمكن أن تقلل من فرص انتهاء الجدال بمشاعر استياء جديدة؛ إذ إنَّ تبادل الأدوار ومعرفة أنَّه يوجد ملاذ آمن لسماع تجربتك، سيخفف من قلقك وغضبك ويأسك، كما أنَّه سيحسن تحسيناً كبيراً من إمكانية بناء علاقة تعاطفية جديدة.

من خلال التواصل مع الطرف الآخر، فإنَّك تُنشئ مشاعر لطف وفضول ودعم - العناصر اللازمة للعلاقة - للحصول على فرصة لترسيخ علاقتكما ونموها.

تضر مشاعر الاستياء بالعلاقة، وتقتل أفضل جزء منها، ألا وهو التعاطف؛ وهو الجزء الأكثر إرضاءً من العلاقة؛ إذ يجب عليك أن تمنح التعاطف لتحصل عليه؛ لهذا السبب، إذا كانت علاقتك مع شريكك مشحونة بالحقد والبغضاء، فيمكنك تجربة هذه الاقتراحات؛ فمن المؤكد أنَّها لن تضرك؛ بل وقد تساعد حقاً، وحتى عملية المحاولة ستكون لها فوائدها.

المصدر




مقالات مرتبطة