هل يرتبط النشاط البدني بالوقاية من التدهور المعرفي؟

هل تريد أن تحافظ على ذكائك مع تقدمك في العمر؟ إنَّ ممارسة التمرينات الرياضية التي تستغرق أقل من 10 دقائق مرات عدَّة في الأسبوع، يمكن أن تساعد على توقف التدهور المعرفي.



ممارسة التمرينات الرياضية:

نحن نعلم بالفعل أنَّ ممارسة التمرينات الرياضية بانتظام هي واحدة من أكثر العادات الصحية التي يمكنك اتباعها، بغض النظر عن عمرك أو حالتك الجسدية الحالية؛ إذ أظهرت الدراسات أنَّ ممارسة التمرينات الهوائية المكثفة باعتدال، مثل المشي السريع تُعَدُّ آمنة بالنسبة إلى معظم الناس ويمكن أن تقوي العظام والعضلات وتقلل من مخاطر الإصابة بالأمراض؛ بل وتحسن صحة الدماغ أيضاً؛ وهذا يحول دون التدهور المعرفي المرتبط بالشيخوخة.

تشير دراسة نُشِرَت في مجلة "الزهايمرز ريسيرش آند ثيرابي" (Alzheimer’s Research and Therapy) إلى أنَّ ممارسة التمرينات البدنية أكثر من مرة في الأسبوع لمدة 10 دقائق على الأقل، يمكن أن تقلل كثيراً من خطر الإصابة بمرض الزهايمر لدى الأفراد الذين يعانون بالفعل من ضعف إدراكي خفيف.

يمكن تشخيص الاختلال المعرفي المعتدل (MCI) عندما يعاني الشخص من أعراض فقدان الذاكرة بدرجة أكبر من المتوسط أو عندما يعاني من الاضطراب ​​ولكن لم تظهر عليه تغيرات في الشخصية أو أعراض فقدان الذاكرة الأكثر خطورة المرتبط بمرض الزهايمر، كما يُعَدُّ الاختلال المعرفي المعتدل (MCI) إحدى عوامل الخطر الرئيسة التي تساهم في زيادة إمكانية الإصابة بمرض الزهايمر.

إقرأ أيضاً: 10 طرق بسيطة لممارسة التمارين الرياضية أثناء العمل

هل يمكن أن تحافظ ممارسة التمرينات البدنية على دماغك شاباً؟

حقَّق الباحثون من "كلية الطب في جامعة يونسي" (Yonsei University College of Medicine)، "جمهورية كوريا" (Republic of Korea) بشأن الصلة بين ممارسة التمرينات الرياضية باستمرار وخطر الإصابة بالخرف بالنسبة إلى المرضى المصابين بالاختلال المعرفي المعتدل؛ إذ إنَّ الدراسة حلَّلت البيانات التي جُمِعَت بين عامي 2009 و2015 لما يقرب من مليون مريض مصاب بأمراض الدماغ المتوسطة بواسطة قاعدة بيانات وطنية تابعة للتأمين الصحي.

استُبعِدَ الأفراد الذين تقل أعمارهم عن 40 عاماً من الدراسة، وكذلك أولئك الذين شُخِّصَت إصابتهم بالخرف أو الذين لم يتلقوا فحصاً طبياً في غضون عامين من تشخيص إصابتهم بالاختلال المعرفي المعتدل، وحُصِلَ على موافقة خطية مؤكدة لكل مريض مشمول في الدراسة ومن ثم حُصِلَ على معطيات عن النشاط البدني الذي كانوا يمارسونه بواسطة استبيانات التقرير الذاتي؛ إذ قُسِّمَت المجموعة النهائية المكونة من 247149 مريضاً إلى أربع مجموعات بناءً على أساس تكرار ممارسة النشاط البدني وفق الآتي:

  • مجموعة عدم ممارسة النشاطات البدنية على الإطلاق: أولئك الذين لم يمارسوا نشاطاً بدنياً بانتظام.
  • مجموعة البدء بممارسة النشاطات البدنية: أولئك الذين بدؤوا بتنفيذ البرنامج الذي وضعوه لممارسة النشاطات البدنية بعد تشخيص إصابتهم بالاختلال المعرفي الإدراكي.
  • مجموعة الانسحاب من ممارسة النشاطات البدنية: أولئك الذين توقفوا عن ممارسة النشاط البدني بعد تشخيص إصابتهم.
  • مجموعة الحفاظ والاستمرارية في ممارسة النشاطات البدنية: أولئك الذين يمارسون النشاط البدني باستمرار.

شاهد بالفيديو: فوائد الرياضة على الصحة النفسية.

المرضى الذين يمارسون النشاطات البدنية:

قُسِّمَ المرضى الذين يمارسون النشاطات البدنية بنشاط إلى فئتين؛ تُسمى الفئة الأولى "فئة النشاطات البدنية غير المنتظمة"؛ نسبةً إلى أولئك الذين يمارسون النشاطات البدنية بشكل غير منتظم، أمَّا الثانية فتُسمَّى "فئة النشاطات البدنية المنتظمة" نسبة إلى أولئك الذين يمارسون النشاطات البدنية المكثفة لأكثر من ثلاثة أيام في الأسبوع أو يمارسون النشاطات البدنية باعتدال لأكثر من خمسة أيام في الأسبوع.

لا توجد حالياً علاجات مُعتمدة لمرض الاختلال المعرفي المعتدل التي من شأنها أن تغير بشكل فعال مسار تطور المرض؛ وهذا يجعل ممارسة النشاطات البدنية إحدى أهم الاستراتيجيات التي تساهم في الوقاية من الإصابة بمرض الخرف من نوع الزهايمر.

أظهرت الدراسات السابقة أنَّ ممارسة النشاط البدني عالي الكثافة له تأثير وقائي ضد الخرف أكثر من ممارسة التمرينات منخفضة الكثافة، وأنَّ مدة وتكرار ممارسة النشاط البدني من العوامل الهامة التي تؤثر في خطر التدهور المعرفي؛ وفقاً لذلك وُضِعَت مجموعة عدم ممارسة النشاطات البدنية على الإطلاق كمعيار مرجعي وسبب لخطر تطور مرض الزهايمر.

خطر الإصابة بالخرف يرتبط بقلة النشاط البدني:

عُرِّفَ النشاط البدني للمجموعة على أنَّه النشاط البدني القوي أو المعتدل الذي يستمر لأكثر من 10 دقائق، ويُمارَس أكثر من يوم واحد في الأسبوع؛ إذ تضمنت النشاطات القوية الجري، والتمرينات الرياضية، وركوب الدراجات بسرعة، وحمل الأشياء الثقيلة، كما تضمنت النشاطات المعتدلة المشي السريع، وركوب الدراجة بسرعة عادية ومُضاعَفة، والتنس، وحمل الأشياء الخفيفة.

من بين 247149 مريضاً حُلِّلَت إصابتهم؛ أُصيب 23015 مريضاً بالخرف خلال فترة الدراسة التي استمرت ست سنوات، وشُخِّصَ 77% من هذه المجموعة 17733 بإصابتهم بالخرف من نوع الزهايمر، ومقارنةً بمجموعة عدم ممارسة النشاط البدني على الإطلاق، انخفض خطر الإصابة بالخرف في المجموعتين اللتين تمارسان النشاط البدني؛ مجموعة البدء بممارسة النشاطات البدنية ومجموعة الحفاظ على ممارسة النشاطات البدنية.

من بين جميع المجموعات، أظهرت مجموعة الحفاظ على ممارسة النشاطات البدنية - التي تمارس النشاط البدني باستمرار - خطراً أقل للإصابة بالخرف، مع انخفاض فرصة الإصابة بالخرف بنسبة 18% مقارنةً مع مجموعة عدم ممارسة النشاط البدني على الإطلاق.

إقرأ أيضاً: كيف ينظف النوم دماغك ويساعد على تقليل مخاطر الإصابة بالخرف؟

تكرار ممارسة النشاط البدني:

إنَّ تكرار ممارسة النشاط البدني كان نتيجة هامة أخرى من هذه الدراسة؛ فبعد تعديل عوامل الخطر المتعلقة بالعمر والجنس والأوعية الدموية، كان خطر الإصابة بالخرف أقل بنسبة 15% بالنسبة إلى أولئك الذين يمارسون النشاط البدني بانتظام مقارنةً بأولئك الذين يمارسون النشاط البدني من دون انتظام.

ثبت أنَّ التوقف عن ممارسة النشاط البدني أمر ضار مثل عدم ممارسة أيِّ تمرينات رياضية على الإطلاق، مع خطر الإصابة بالخرف الذي يصيب مجموعة عدم ممارسة النشاط البدني على الإطلاق ومجموعة الانسحاب من ممارسة النشاطات البدنية، ومع ذلك فإنَّ بدء نظام لممارسة النشاطات البدنية بعد تشخيص الإصابة بالاختلال المعرفي المعتدل (MCI) أدى إلى انخفاض خطر الإصابة بمرض الزهايمر بنسبة 11% مقارنة بعدم ممارسة النشاطات البدنية على الإطلاق.

وفقاً لمُعدِّي الدراسة، فإنَّ ممارسة النشاطات البدنية بانتظام قد تزيد من تدفق الدم إلى الدماغ، وتزيد من بقاء الخلايا العصبية، وتمنع انكماش الدماغ المرتبط بالخرف؛ إذ وجد الباحثون في "جامعة ستانفورد" (Stanford University) أيضاً أنَّ جلسة تمرين واحدة تؤدي إلى تغييرات ملحوظة في 9815 جزيئاً في الدم؛ وهذا يعني أنَّ التأثيرات البيوكيميائية للتمرين يمكن أن تكون عميقة وواسعة النطاق.

نظراً إلى انخفاض المخاطر والإمكانية العالية للفائدة، ينبغي توصية المرضى الذين يعانون من ضعف إدراكي خفيف بممارسة التمرينات الرياضية بانتظام، حتى لو لم يمارسوا الرياضة قبل تشخيصهم، وحتى حركات خفيفة من النشاط البدني المعتدل التي تُمارَس مرات عدَّة في الأسبوع، يمكن أن تقلل كثيراً من خطر الإصابة بمرض الزهايمر.

الحد من مخاطر مرض الزهايمر من خلال ممارسة الرياضة:

وفقاً لـ "المعهد الوطني للشيخوخة" (National Institute on Aging)؛ فإنَّ مرض الزهايمر يُصنف حالياً على أنَّه السبب الرئيس السادس للوفاة في الولايات المتحدة، ومع ذلك؛ نظراً إلى قلة التقارير التي تتحدث عنه، قد يكون ثالث أكبر سبب للوفاة بين كبار السن، ومع عدم وجود علاج متعارف عليه، فإنَّ الطب التقليدي لم يجد سبيلاً بَعد لإبطال تأثير هذه الآفة في صحة الإنسان.

لقد توصلت الدراسات التي أُجرِيَت على ممارسة النشاطات البدنية إلى أدلة هامة وقوية تؤكد أنَّ هذا النشاط الطبيعي بالكامل قد يكون فعالاً إلى الحد الذي يمكن أن يقلل من خطر الإصابة بمرض الزهايمر إلى النصف.

نُشِرَ في "مجلة مرض الزهايمر" (Journal of Alzheimer’s Disease) أنَّه تابع باحثون من أربع مؤسسات رئيسة 876 شخصاً بالغاً على مدى 30 عاماً، واحتفظوا بسجلات مفصلة عن كمية ونوع التمرين الذي قام به كل مشارك.

أُجرِيَت فحوصات الصحة العقلية جنباً إلى جنب مع فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي للدماغ لتحديد كمية المادة الرمادية في الدماغ، وكذلك الإدراك العقلي، وأظهرت نتائج الدراسة أنَّ المستويات الأعلى من التمرينات ترتبط بزيادة كبيرة في المادة الرمادية، مقارنة بالبالغين الأقل نشاطاً، بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ أولئك الذين شاركوا في ممارسة النشاطات البدنية بمستويات عالية، شهدوا انخفاضاً هائلاً بنسبة 50% في خطر الإصابة بمرض الزهايمر عند مقارنتهم بالمشاركين قليلي الحركة.

المصدر




مقالات مرتبطة