هل يرتبط ارتفاع الضغط الشرياني بقدرة أقل على قراءة مشاعر الآخرين؟

يُعَدُّ ارتفاع ضغط الدم مرضاً بحد ذاته، ومع ذلك في معظم الحالات لا يوجد له تفسير طبي دقيق؛ إذ يُشار إليه باسم "ارتفاع ضغط الدم الأساسي"، لطالما أرَّق هذا السؤال الباحثين: "هل يمكن أن تؤدي العوامل النفسية دوراً في العلاج؟"



وفي هذا السياق أجرت اختصاصية علم نفس الصحة البيولوجية في كونستانس أليسا أور والبروفيسور بيترا ويرتس دراسة على مدى عدة سنوات مع زملاء من كونستانس "ألمانيا" وسويسرا، وأراد الباحثون من خلالها فهم الآليات النفسية والاجتماعية في ارتفاع ضغط الدم بشكل أفضل؛ إذ ترك العمل السابق في هذا المجال العديد من الأسئلة مفتوحة.

هل يُعَدُّ مرضى ارتفاع الضغط الشرياني أقل قدرة على التقاط الإشارات العاطفية؟

توصَّلت دراسة جديدة إلى أنَّ الأشخاص المصابين بارتفاع ضغط الدم يواجهون مشكلات أكثر من غيرهم في التعرُّف إلى الإشارات العاطفية، وأفاد الباحثون أنَّ المرضى الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم كانوا أقل تفاعلاً عند عرض الصور والمقاطع النصية التي تهدف إلى إثارة المشاعر، ومن ذلك الخوف والغضب والسعادة.

ربطت دراسات سابقة بين ارتفاع ضغط الدم وانخفاض القدرة على إدراك المشاعر السلبية، وكتب الباحثون أنَّ الدراسة الجديدة تظهر أيضاً إدراكاً أقل للمشاعر الإيجابية، وثَبُتَ أيضاً أنَّ ارتفاع ضغط الدم يقلل من الحساسية للألم.

أضاف الباحثون أنَّ التغييرات الفيزيولوجية أو العقلية الكامنة وراء هذا البرود العاطفي لم تُعرف بعد.

مرضى ارتفاع الضغط الشرياني وظاهر البرود العاطفي:

يقول جيمس ماكوبين أستاذ علم النفس في جامعة كليمسون في ساوث كارولينا الذي أشرف على الدراسة: إنَّ هذه الاستجابة العاطفية الضعيفة يمكن أن تُسمى "البرود العاطفي".

يضيف ماكوبين بإعطاء مثال عن كيفية محاولة الناس إدارة الاستجابات العاطفية للآخرين: "عندما نرسل بريداً إلكترونياً ونحاول كتابة نكتة أو مزحة، نحتاج إلى استخدام وجه مبتسم لإخبار القارئ بأنَّها مزحة حتى لا يُسيء المتلقي تفسيرها ويغضب، ومع ذلك بعض الأشخاص الذين يعانون من ارتفاع في الضغط الشرياني قد يجدون صعوبة في التعرُّف إلى المشاعر"؛ على سبيل المثال في العمل قد يعتقد مرضى ارتفاع الضغط الشرياني أنَّ رئيسهم يمزح بينما هو في الواقع يُظهر غضبه.

هل يُعَدُّ مرضى ارتفاع الضغط الشرياني أقل قدرة على التقاط إشارات التهديد والخطر؟

استند عمل ماكوبين إلى البيانات التي جُمِعَت من عام 2000 إلى عام 2002، وكجزء من دراسة تجريبية؛ قاس ماكوبين وزملاؤه ضغط الدم والاستجابات العاطفية لـ 106 من الأمريكيين الأفارقة ذوي الإعاقة في مدينة بالتيمور.

تجول الباحثون في مدينة بالتيمور ضمن رحلة أبحاث متنقلة، كما التقوا بأشخاص في مجمَّع سكني، وقاسوا ضغط الدم لدى المشاركين وطلبوا منهم ربط عواطف معينة كالحزن أو الخوف أو الغضب أو الاشمئزاز أو المفاجأة أو انعدام المشاعر بالجمل وصور الوجوه.

على سبيل المثال؛ كان المقصود من الجملة التالية نقل الغضب: "ولأنَّه متأكد من أنَّ لاعبيه لم يرتكبوا أي خطأ، يطلب المدرب تفسيراً من الحكم بشأن عقوبة الجزاء".

يواجه الأشخاص المصابون بارتفاع ضغط الدم صعوبة أكبر في تمييز هذه المشاعر، بصرف النظر عن تعليمهم وعمرهم وبقية العوامل.

وقال ماكوبين: "نعتقد وجود صلة بين التحكُّم بضغط الدم وتقييم الجهاز العصبي المركزي للمنبهات العاطفية مثل التهديدات أو المخاطر".

شاهد بالفديو: 8 علامات تحذيرية تدل على أنّ قلبك يواجه مشكلة

هل يؤثر البرود العاطفي عند مرضى ارتفاع الضغط الشرياني في الحياة الاجتماعية؟

يعتقد ماكوبين أنَّ البرود العاطفي قد تكون له عواقب وخيمة على الناس؛ وذلك لأنَّهم لا يستطيعون تقييم المواقف بشكل صحيح؛ إذ قال في أحد لقاءاته مع صحيفة (MyHealthNewsDaily): "إذا كان البرود العاطفي يضعف تقييمك للتهديدات في البيئة، فقد يؤدي بك إلى سلوكات عالية الخطورة؛ وذلك لأنَّك تفشل في رؤية العواقب العاطفية لما تقوم به".

كيف يمكن أن يؤثر البرود العاطفي عند مرضى ارتفاع الضغط الشرياني في الحياة المهنية؟

إذا كان رئيسك في العمل غاضباً، فقد تعتقد أنَّ الرئيس يمزح، وهذا ما يمكن أن يساهم في حدوث مشكلات مهنية ونفسية واجتماعية، ويُضعف أداءك، وقد يؤدي أيضاً إلى نقص الثقة بسبب سوء التفسير.

يقول الدكتور مصطفى العبسي من كلية الطب بجامعة مينيسوتا، والذي يدرس العلاقة بين ارتفاع ضغط الدم وانخفاض حساسية الألم: إنَّ هذه الدراسة تكمل مجموعة الأبحاث التي تربط علم وظائف الأعضاء بكيفية تنظيم الدماغ للعواطف.

يضيف: "قد لا يكتشف الأشخاص المصابون بارتفاع ضغط الدم إشارات مثل الألم الناجم عن نوبة قلبية، أو إشارات من أشخاص من حولهم قد يعبرون عن مشاعر سلبية أو إيجابية، وإذا لم تكُن قادراً على تقدير شعور الناس بالضيق، فقد تستمر في سلوكك وتجعلهم أكثر انزعاجاً".

هل توجد حاجة إلى مزيد من البحث لمعرفة سبب وجود علاقة بين ارتفاع ضغط الدم والبرود العاطفي أم أنَّ الأمر محسوم؟

يقول الباحث المشارك في الدراسة الدكتور مارسيلوس ميريت من جامعة ويسكونسن ميلووكي: "نريد التعمُّق أكثر لاكتشاف الأسباب العقلية والفيزيولوجية الكامنة وراء هذه النتيجة"، "هل السبب بأنَّ مريض ارتفاع الضغط الشرياني يعاني بالأصل من مشكلات في إدارة التوتر؟ أم أنَّه جزء من فيزيولوجيا الجسم الخاصة بالشخص؟ أم أنَّ له علاقة بسوابق عائلية من ارتفاع ضغط الدم أو أمراض القلب والأوعية الدموية؟".

في مقال نُشر في (Annals of Behavioral Medicine) في 22 مارس 2022، أظهر الباحثون أنَّه بالمقارنة مع مجموعة ضابطة، فإنَّ الرجال الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم الأساسي غالباً ما يتعرَّفون إلى التعابير الغاضبة عندما ينظرون إلى وجوه الآخرين، بالإضافة إلى ذلك يبدو أنَّ هذا التحيُّز في التعرُّف إلى الغضب يساهم في زيادة ضغط الدم مع مرور الوقت.

إقرأ أيضاً: كيف تتخلّص من الفتور في علاقتك العاطفية؟

هل يُدرك مرضى ارتفاع الضغط الشرياني مشاعر الغضب أكثر من أيَّة مشاعر أخرى؟

في دراستهم التي أُجريَت على 145 رجلاً يعانون من ارتفاع ضغط الدم، قدَّم الباحثون صوراً مختلفة لأشخاصٍ غاضبين، ومع ذلك فإنَّ الصور لم تعرض الغضب فقط؛ بل جمعت الغضب مع واحد من ثلاثة مشاعر أخرى وهي: الخوف والسعادة والحزن، والتفسير وراء ذلك أنَّه في الحياة اليومية نادراً ما تُظهِر وجوه الناس عاطفة واحدة فقط، والمشاعر المختلطة هي الأكثر انتشاراً.

تقول أليسا أوير: "يتعرَّف الرجال المصابون بارتفاع ضغط الدم إلى الغضب أكثر من أيَّة عاطفة أخرى"؛ "لذلك بالغوا في قراءة الغضب الظاهر على وجوه الآخرين مقارنة بالمجموعة الضابطة"، وتضيف بيترا ويرتس: "يبدو أنَّ الغضب المفرط الذي يظهره الأشخاص الآخرون يساهم في ارتفاع ضغط الدم مع مرور الوقت.

ومن ثم يبدو أنَّ العوامل الشخصية تؤدي دوراً في ارتفاع ضغط الدم الأساسي، وكان توقُّع الارتباط بين ارتفاع ضغط الدم والجوانب الاجتماعية أحد أسباب دعم العديد من المؤسسات البحثية للدراسة".

هل يمكن الاستفادة من الدراسات السايكولوجية في علاج ارتفاع الضغط الشرياني؟

يأمل أوير وويرتز أن يفحص الباحثون الآخرون نتائجهم ويؤكدوها، وتقول أليسا أوير التي تكمل حالياً شهادة الدكتوراه في علم النفس: "بعد ذلك ستكون الخطوة التالية هي تقديم دعم أكثر نوعية للأشخاص الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم الأساسي"، ويفكر أوير في "العلاجات التي تعدل تصوُّر الشخص للبيئات الاجتماعية من أجل حمايته من غضب الآخرين".

إقرأ أيضاً: ماهي المشاكل التي يسببها الغضب؟ وماهي طرق التخلص منه؟

ما هو سبب أهمية العلاجات السايكولوجية في علاج ارتفاع الضغط الشرياني؟

قد تكون مثل هذه التداخلات العلاجية هامَّة؛ وذلك لأنَّ أدوية خفض ضغط الدم تعالج فقط عواقب ارتفاع ضغط الدم، ولكنَّها لا تعالج الأسباب المحتملة، وبالإضافة إلى ذلك يُعَدُّ ارتفاع ضغط الدم أحد عوامل الخطر الرئيسة لأمراض القلب والأوعية الدموية.

في عام 2020 كما في السنوات السابقة أدرجَ المكتب الفدرالي للإحصاء (Destatis) أمراض القلب والأوعية الدموية على أنَّها السبب الرئيس بالوفاة في ألمانيا؛ وذلك لأنَّ 338،001 حالة وفاة أو أكثر من ثلث مجموع الوفيات 34% يمكن أن تُعزى إلى أمراض القلب والأوعية الدموية وفقاً لتقرير ديستاتيس.

أمراض القلب والأوعية الدموية مميتة خاصة لدى كبار السن؛ وذلك لأنَّ 93% ممن ماتوا بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية كانوا بعمر 65 سنة أو أكثر.

في الختام:

قد تسأل نفسك هذا السؤال: ماذا عن النساء؟ في الحقيقة، يأمل الباحثون أن تشمل الدراسات المستقبلية النساء، ونظراً لأنَّ النساء قد يختلفن في طريقة التعرُّف إلى عواطفهن عن الرجال، ونظراً لأنَّ قلة من النساء يعانين من ارتفاع ضغط الدم، فقد ركزت الدراسة في البداية في الرجال.

لأنَّ ارتفاع ضغط الدم يسير جنباً إلى جنب مع انخفاض القدرة على اكتشاف مشاعر الآخرين، يأمل الباحثون إيجاد طرائق لمساعدة الناس على التعامل مع التوتر وتحسين صحتهم العاطفية؛ وذلك لأنَّك عندما تعالج ضغط الدم فإنَّك تعزز العمليات العاطفية والقدرات الشعورية.

المصدر




مقالات مرتبطة