هل هي مرحلة المراهقة أم سلوك خارج عن السيطرة؟

تقول لنفسك: "كل مراهق يمر بهذا"، لكن في باطن عقلك تتساءل عما إذا كان عدم الاحترام البادر من طفلك وتصرفاته وسلوكاته السيئة أمراً طبيعياً، فعندما تكون والداً، من المزعج والمحزن أن تعتقد أنَّ ابنك يعاني من مشكلة خطيرة، ومن المؤلم التفكير في أنَّه قد يكون مختلفاً عن الأطفال الآخرين؛ ولهذا السبب يقول العديد من الآباء: "إنَّها مجرد مرحلة وستمر، وسوف يكبر ابني المراهق ويتخلص منها"، وهذه وسيلة لبعض الآباء لتجنب الشعور غير السار في باطنهم بأنَّ تصرفات أطفالهم أو سلوكاتهم السيئة تمثل مشكلة كبيرة.



يعتقد آباء آخرون أنَّها مجرد مرحلة، فربما طمأنهم الأصدقاء أو الأقارب بهذه الكلمات، وقد تخبرهم وسائل الإعلام وبعض المستشارين أنَّ ما يفعله أطفالهم أمر طبيعي؛ إذ يحصل الآباء اليوم على الكثير من المعلومات الخاطئة، لكن هذه هي طبيعة ثقافتنا يتم ضخ الآباء بالمعلومات، لكن ليست كلها فعالة لأطفالهم.

كيف تفرق بين مراحل المراهقة الطبيعية والسلوك غير المناسب؟

عندما تنظر إلى مرحلة المراهقة على أنَّها طبيعية، افهم أنَّ ثمة سلسلة متواصلة، وضمن هذه السلسلة المتواصلة سترى أنواعاً مختلفة من السلوك اعتماداً على مكان نمو طفلك وبيئة تربيته؛ لذا تخيلوا أنَّ هناك خطاً بين طفل حسن التصرف يقع على أحد طرفيه وطفل خارج عن السيطرة في الطرف الآخر، لقد وُجِد أنَّ معظم الأطفال في مكان ما في الوسط.

نعتقد أنَّ معظم الآباء يعرفون غريزياً الخط الفاصل بين السلوك الطبيعي وغير المناسب، على سبيل المثال، إذا أصبح سلوك طفلك مسيئاً لفظياً أو جسدياً، أو إذا كان يسرق، أو عاد إلى المنزل ثملاً أو تفوح منه رائحة التبغ، أو لم يعد إلى المنزل على الإطلاق، فهذا هو الخط، فقد يكون الآباء في حالة إنكار لبعض الوقت، لكن في مرحلة ما، لن يتمكنوا من إنكار ذلك أبداً، وفيما يأتي بعض الأمثلة لما يُعَدُّ سلوكات مراهقة طبيعية مقابل سلوكات مراهقة خارجة عن السيطرة.

إقرأ أيضاً: كل ماتريد معرفته عن المراهقة وأفضل الطرق للتعامل مع المراهقين

سلوكات المراهقين الطبيعية:

خلال فترة المراهقة العادية، قد تلاحظ أياً مما يأتي في سلوك طفلك:

  1. متقلب المزاج وسري وكتوم.
  2. يقضي معظم وقته وحده في غرفته.
  3. يصاب بالإحباط بسهولة ويخرج من الغرفة في حال بدأ الأهل بالجدال معه.
  4. سريع الغضب ونفاد الصبر، وخاصةً مع الوالدين.
  5. لا يرغب في قضاء الوقت مع العائلة.
  6. غير دقيق في المواعيد ولا يعود إلى المنزل في الوقت المحدد له.
  7. يقول أشياء مثل: "أصدقائي هم فقط من يفهمونني، أنا أكره البيت وأتمنى أن أتمكن من المغادرة".
  8. ساخط وقلق.

على الرغم من أنَّه أمر مزعج في بعض الأحيان، إلا أنَّ هذا كله جزء من الطريقة التي يتميز بها المراهقون والمراهقات عن والديهم، وإنَّه جزء من الانتقال من مرحلة الطفولة إلى مرحلة البلوغ.

سلوكات المراهقين الخارجة عن السيطرة:

لكن بعض السلوكات ليست طبيعية، فإنَّها علامات تحذير، وتتناسب السلوكات الآتية مع هذه الفئات:

  1. السرقة.
  2. الإساءة الجسدية للآخرين أو التخريب في المنزل.
  3. التلفظ بألفاظ مسيئة أو مخيفة أو تهديدية.
  4. الإساءة إلى الأخ الأصغر.
  5. العودة إلى المنزل في حالة سكر أو انتشاء.
  6. البقاء في الخارج طوال الليل.
  7. القبض عليه من قِبل الشرطة لارتكابه جنحة ما.

يوجد خطأ ما في هذه السلوكات، فالآباء الذين يقولون لأنفسهم: "إنَّها مجرد مرحلة" أو "هذا ما يفعله المراهقون" يهيئون أنفسهم لإيقاظ متمرد أو ربما مجرم في وقت لاحق، وإذا حدث أي من هذا في منزلك، فتذكر أنَّه كلما تدخلت مبكراً مع طفلك كان ذلك أفضل، وكلما أسرعت في إخبار طفلك بأنَّ ما يفعله غير مقبول ومنحته الأدوات التي يحتاجها للتصرف بشكل مختلف كان ذلك أفضل.

افهم أنَّ الأطفال الذين لا يعرفون كيفية حل المشكلات يسعون إلى السيطرة من خلال التصرف أو الإساءة الجسدية أو اللفظية أو التخريب أو إساءة استخدام المواد، فإنَّهم لا يعرفون كيفية تكوين صداقات أو التواصل لتلبية احتياجاتهم، لذلك يلجؤون إلى طرائق أخرى لتلبية احتياجاتهم، فقد يلجؤون إلى المخدرات والكحول والسلوك غير اللائق.

شاهد بالفديو: نصائح للتعامل مع المراهقين

التعامل مع أخطاء التفكير لدى طفلك:

يسأل بعض آباء الأطفال المتهورين والمتمردين "هل ابني غاضب؟ وهل هو محبط؟"، والإجابة هي "نعم هو كذلك، لكن ربما ليس للأسباب التي يخبرك بها"؛ إذ سيقول الطفل المتمرد: "إذا تركتني وشأني، فسوف أتصرف بشكل أفضل" أو سيخبرك أنَّه خطأ المدرسة: "إنَّهم لا يفهمونني هناك ويستمرون في مضايقتي".

الحقيقة هي أنَّ مشاعر الغضب والإحباط لدى طفلك تأتي من عدم قدرته على حل المشكلات مثل التعايش مع الآخرين وإدارة الدوافع واتباع التوجيهات، كما يأتي غضبهم وإحباطهم من عدم الرغبة في فعل الشيء الصحيح أو طلب المساعدة.

طفل في هذه الحالة يرتكب ما يسميه علماء النفس أخطاء في التفكير، فمثلما توجد أخطاء إملائية ورياضية، توجد أيضاً أخطاء في التفكير، وعندما يلوم طفلك شخصاً آخر على مشكلة تسبب فيها، فهذا خطأ في التفكير، وإنَّه أيضاً خطأ في التفكير عندما يخبرك أنَّه خطأ شخص آخر في كسر أحدثه هو في النافذة مثلاً.

ترى الأطفال يستخدمون جميع أنواع أخطاء التفكير؛ فسوف يلومونك ويبررون سلوكهم ويكذبون، كما أنَّهم مستعدون لدعم أخطاء تفكيرهم من خلال لكم الحائط أو رمي شيء في يدهم أو مناداتك بأسماء كريهة.

ركز على الأفكار والسلوك وليس المشاعر:

إذا كان طفلك لا يعرف كيفية التعايش مع الناس، فقد يحاول السيطرة عليك من خلال السلوك والتلاعب والخداع، وإذا سألته عما يشعر به، فلن يجيب أو سيصبح أكثر عدوانية؛ هذا لأنَّه لا يعرف كيف يشعر، وغالباً ما تكون مشاعره غير متزنة لدرجة أنَّه لن يعترف بها في المقام الأول، ولهذا السبب من الضروري التركيز على الأفكار والسلوك وليس المشاعر.

إذا تمكنت من السيطرة على أفكارك وسلوكك، فستتحسن مشاعرك عموماً؛ ولهذا السبب يعلمك معظم علماء النفس السلوكي التصرف والتفكير بشكل مختلف لتحسين مزاجك ومشاعرك، وخلافاً للاعتقاد الشائع، لا يطلب منك علماء النفس السلوكي "التواصل مع مشاعرك"، وبدلاً من ذلك يخبرونك بتغيير تفكيرك حتى تتحسن مشاعرك، فالأطفال يفقدون السيطرة للحصول على السيطرة.

لنفترض أنَّك أخبرت طفلك البالغ من العمر 14 عاماً أنَّ الوقت قد حان لإغلاق الهاتف والقيام بالواجب المنزلي، وهو لا يريد ذلك ويبدأ بالهلع والغضب ولكم الجدران، وبعد عدد قليل من هذه الحوادث، تتوقف عن إخباره بما يجب عليه فعله لأنَّك تعتقد أنَّ الأمر لا يستحق القتال، فهذا أمر طبيعي بالنسبة إلى معظم الآباء؛ إذ يمنعون أطفالهم من التصرف بشكل غير لائق من خلال عدم مطالبتهم بأداء واجباتهم المدرسية أو أي شيء يحتاجون إلى القيام به.

هذا هو الخطر، فقد أصبح طفلك الآن أكثر سيطرة عليك؛ إذ يبدو أنَّه فقد السيطرة، لكن على الأمد الطويل اكتسب السيطرة، فلقد دفعك سلوكه الخارج عن السيطرة إلى التوقف عن إخباره بما يجب عليه فعله، وقد جعله يتهرب من أداء واجباته المدرسية، فهو في محل سيطرة الآن.

لكن افهم أنَّه نوع غير صحي من السيطرة، وصدقني إذا كان طفلك يفعل ذلك فسوف يزيد من تسامحك مع السلوك المنحرف، وسوف يجعلك تقبل سلوكه السيئ، وقد يجعلك تراه أمراً طبيعياً، وسوف يدفعك إلى ما وراء حدود ما كنت تعتقد أنَّه خطأ وغير مناسب، وفي نفس الوقت سوف يقلل من توقعاتك للسلوك المناسب، فلن تتوقع الكثير منه، وشيئاً فشيئاً سيشعر طفلك بالراحة في استخدام التمثيل لحل مشكلاته.

إقرأ أيضاً: الانحرافات السلوكية لدى المراهقين: أسبابها وعلاجها

يمكن للأطفال اتخاذ الخيارات المناسبة:

إنَّ الفكرة القائلة إنَّ المراهق الخارج عن السيطرة أو الطفل الذي يعاني من مشكلات سلوكية لا يمكنه اتخاذ الخيارات المناسبة هي فكرة خاطئة تماماً، فلقد عمل علماء النفس مع هؤلاء الأطفال لسنوات عديدة، وحتى أكثرهم صعوبة يمكنهم اتخاذ الخيارات المناسبة، وهم يفعلون ذلك كل يوم؛ ولهذا السبب تجدهم يتعاملون مع بعض المعلمين لكن ليس مع الآخرين، أو يتصرفون بتمرد في المنزل لكن ليس في المدرسة، أو مع أحد الوالدين دون الآخر.

يقول عالم النفس "جيمس ليمان" إنَّه يرى آباءً لأطفال يُفترض أنَّهم خرجوا عن السيطرة، ثم كان يزور هؤلاء الأطفال في مركز احتجاز الشباب؛ حيث أرسلهم ضابط المراقبة، ولم يكونوا يشتمون الحراس هناك؛ بل كانوا يقولون "نعم سيدي" و"لا يا سيدي".

في الختام:

فكرة أنَّ الطفل سينمو من هذا السلوك المدمر هي فكرة غير واقعية، فافهم أنَّ ابنك المراهق إذا كان يتصرف بطريقة غريبة ويستخدم الترويع ليشق طريقه، فقد وضع هذا السلوك في مكانه بوصفه آلية لحل المشكلات.

الشيء المحزن هو أنَّه يستفيد منه ويراه مناسباً لتحقيق متطلباته أو التهرب من واجباته، فيتراجع الناس في حياته ويسمحون له بشق طريقه كما يريد حتى يصل إلى سن الرشد، لكن بعد ذلك تبدأ الكوارث وتظهر المشكلات الحقيقية.

إذا بلغ طفلك سن الرشد ولم يتعلم المهارات الحياتية الهامة للغاية المتمثلة في التسوية والقبول والسلوك المناسب، فسيواجه صعوبة في الحصول على وظيفة أو البقاء في علاقة صحية، والحقيقة القاسية هي أنَّ ترك الطفل يفلت من هذه السلوكات سيعوقه لبقية حياته.




مقالات مرتبطة