هل تعد الوظائف التقليدية مصدر أمان؟

يقول الممثل الأمريكي الكندي والكوميدي "جيم كاري" (Jim Carey): "علمني والدي كثيراً من الدروس، منها أنَّك ستفشل في أيِّ شيء لا تريده؛ لذلك لا تتردد باقتناص الفرصة لكي تفعل ما تحب".



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن المدوِّنة "شونسيه مادوكس" (Choncé Maddox)، وتُحدِّثنا فيه عن تأثير العمل الحر في حياتها، خاصةً بما يخص جانب الأمان والحرية والتحكم بالوقت والمال.

ستتحرر في اللحظة التي تستقيل فيها من عملك، وهذا ما نحن بصدد الحديث عنه؛ الأمان، ليس الأمن الوظيفي فحسب؛ وإنَّما حماية السعادة لتدوم مدة أطول.

نحن نعيش في مجتمعٍ منفتحٍ تسوده حاجة جماعية للعمل، مثلما يقول البليونير "ديف رامزي" (Dave Ramsey)، مقدِّم البرنامج الإذاعي الأشهر "حلول رامزي" (Ramsey Solutions).

سوف يُجمِع الجميع على أنَّنا تعلمنا منذ نعومة أظفارنا أن نجتهد بالدراسة لندخل جامعةً مرموقة، ونتفوق في جامعاتنا حتى نتمكن بعد ذلك من الحصول على وظيفةٍ رائعة؛ إذ يرسم العمل التقليدي مسار حياةٍ أنيقاً ومرتباً، ومن السهل التسليم أنَّه "الطريق الوحيد"، وبما أنَّ الجميع يفعل ذلك، فلا شك أنَّ الأمر صحيح، لكن ماذا بعد ذلك؟

لن تصمد توقعاتنا المتفائلة كثيراً، خاصةً بعد مرحلة التخرج واستلام أول عملٍ لنا، وبعد أن نشعر أنَّنا حققنا الحلم ووصلنا إلى نهاية الطريق المرسوم لنا، لكنَّك سوف تدرك مع الوقت أنَّك لم تحقق شيئاً ولم تصل إلى شيء.

الحقيقة هي أنَّ الحياة تتحرك تحرُّكاً ديناميكياً متغيِّراً باستمرار؛ إذ ستعلم أنَّك تعيش حياتك عيشة صحيحة عندما لا يوقفك شيءٌ عن التجربة إلا الموت، ولأنَّنا لا ندرس فكرة الحياة الديناميكية في المدرسة، فلن يدركها إلا قليلٌ من الناس من واقع خبرتهم العملية.

لقد تعلَّمنا أنَّ الحياة ثابتة، فنحن نعمل للحصول على أجرٍ جيد في وظيفة "آمنة" مستقرة، لنتوقف عن القلق ونسعى إلى تسلُّق السلم الوظيفي حتى نتقاعد، ومن ثم نرتاح ونسافر إلى مختلف بقاع الأرض، غير أنَّ هذه الأفكار تثبت عدم فاعليتها؛ وذلك لأنَّها مبنية على أساسٍ خاطئ، وهو "أنَّ الحياة ثابتة"، إضافةً إلى أنَّها تروِّج للأمن الوظيفي التقليدي، الذي هو أبعد ما يكون عن الأمان.

مفهوم الأمان يعني الحماية من الخطر:

هل فكرت يوماً في معنى الأمن الوظيفي، وبماذا يُستعمَل؟ فكِّر في الأمر كالآتي: أنت لن تحتفظ بهاتفك في علبة مقفلة تضعها في جيبك؛ وذلك لأنَّك واثق بأنَّه في مأمن ما دام بين يديك، وهذا يكفي، لكن مع ذلك، قد تكون أحمقَ إن تركت دراجتك من دون أقفالٍ بعيداً عن ناظريك؛ الآن بتنا نتحدث عن دواعي الأمان؛ إذ يتأكد الناس من أمان الدراجة لأنَّهم يعلمون الخطر المحدق بها، بينما قد لا يبالون بوضع الهاتف لأنَّه في متناول يديهم.

والحقيقة المحضة أنَّنا قد نستخدم مصطلح "الأمن الوظيفي" للإشارة إلى بعض الأخطار المتعلقة بالوظيفة التقليدية.

إقرأ أيضاً: 9 نقاط تشترك فيها أكثر الوظائف إرضاء

قد يتعرض الموظفون في الوظائف التقليدية للخوف من فقدان الوظيفة أو الطرد أو ترك العمل باستمرار، وهذا يسلط الضوء على عجزنا عن السيطرة على مصيرنا المهني عندما نعمل في وظيفة تقليدية؛ وهذا يقودنا إلى استنتاج التشابه بين حياتنا ووظائفنا سريعة التغيُّر، وهو ليس أمراً جيداً.

ليس لنا رأي بقرار الشركة في رفد كادر عملها بموظفين خارجيين، أو إقالة بعض الموظفين الداخليين، ولن نستطيع التأثير في حكم المدير على أدائنا الوظيفي بأنَّه لم يرقَ إلى المستوى المطلوب، ولن نستطيع إقناع المدير باستحقاقنا الترقية الوظيفية، فضلاً عن أنَّنا لا نستطيع التحكم بمعايير التوظيف للوظيفة الجديدة، ومدى إمكانية الحصول عليها.

بالتأكيد، سنتحمل جميعاً مسؤولية أفعالنا، لكن ما إن يخرج القرار عن سيطرتنا، ونضع مصيرنا في أيدي الآخرين، لن نستطيع القول إنَّ وظائفنا في أمان، مهما خدعنا أنفسنا وأوهمناها بذلك.

هذا ما لا نتعلمه في طرائق التعليم التقليدية؛ لذا نقول لمن يؤمن بأنَّ العمل في وظائف ضمن الشركات يمنح الأمان: تملك الشركات الكبيرة المال الوفير، وتقدِّم فوائد رائعة متزايدة مع الوقت، لكن ثق بأنَّ كثيراً من الموظفين ممَّن كانوا يعملون سابقاً في قسم تطوير "نظارات غوغل" (Google Glass) على سبيل المثال، أو في شركة "ياهو" (Yahoo) حين أُجبروا على ترك العمل بعد قرار رائدة الأعمال "ماريسا ماير" (Marissa Mayer) إلغاء العمل عن بعد، لن يوافقوا على مبادئك القديمة والبالية للأسف.

شاهد بالفديو: كيف تعزّز وجودك في عملك الجديد؟

ما يبدو غير آمن هو في الواقع آمن:

لقد بدأ العمل الحر بوصفه حركة سرية مقتصراً على نذرٍ قليل من الأشخاص، أمَّا الآن، فقد انتشر أخيراً، وسواء كان العمل الحر بتنظيم المشاريع أم الاستشارات أم الأعمال الحرة الأخرى، فقد بدأ الناس يدركون فوائد العمل لحسابهم الخاص:

علينا أن ندرك أنَّنا سنواجه تنوعاً في التدفقات النقدية:

يمكنك إدراك الأمر باستخدام الرياضيات السهلة؛ إذ إنَّ حصولك على ألف دولار من خمسة مصادر دخل لهوَ أكثر أماناً من الحصول على خمسة آلاف دولار من مصدر دخلٍ واحد.

إن اتَّبعت التفكير التقليدي الذي يركز على القيمة وليس الاستمرارية، فسيقودك إلى ترجيح كفَّة الخمسة آلاف من مصدرٍ واحد، لكن بعد أن تتخيل فقدان أحد مصادر الدخل من كِلا الجانبين، فستجد نفسك في الكفَّة الأولى أمام خسارة مصدرٍ وبقاء أربعة آلاف، مقابل خسارة المبلغ الكامل على الجهة الأخرى؛ وذلك لوجود مصدرٍ واحد فقط.

من المُلاحَظ أنَّ الناس قد يحجمون عن بذل الجهد الشاق لبناء المصادر الخمسة، وطبعاً في البداية، لن تحصل على المصادر الخمسة بكاملها، وقد لا تحصل على شيء، إلا أنَّ السر يكمن في الاستمرار وتحدي الالتزام، وهو ما يأتي بالنتائج والفوائد الملموسة.

الفوائد الملموسة من العمل الإضافي:

لن يثمر العمل الإضافي في الوظيفة التقليدية براتب تقليدي، وسواء عملتَ أربعين أم أربعمئة ساعة، فلن يتغير دخلك، وقد تقول إنَّك تستطيع زيادة دخلك بالعمل الجاد والحصول على الترقية التي تطمع بها، لكن انتبه مرة أخرى، فهذا ليس قرارك وحدك، ومقدار الجهد المبذول في المهمة لا يؤدي مباشرةً إلى ارتفاع الدخل.

أمَّا في العمل الحر، فسيؤدي الجهد المبذول في أيِّ مشروع إلى دخل أعلى مباشرة، على سبيل المثال، إن كان عملك الحر عبارة عن بيع التجزئة، فأنت تجني الأرباح بعد كل عملية بيع، وهنا ستكون نتيجة الأعمال الإضافية الشاقة زيادة الدخل الشهري بمقدار خمسة دولارات على الفور، فلا حاجة إلى إقناع مديرك أنَّك تقوم "بعمل جيد"، خاصة عندما يكون مقياس العمل الجيد ذاتياً.

شاهد بالفديو: غياب الأمان الوظيفي والعوامل التي تؤثر فيه

تصميم نمط حياة خاص:

لعلَّ أعظم آثار العمل الحر هو التحكم التام بالوقت؛ إذ إنَّك لن تتقيد بمكان، كما أنَّك لن تشعر بالذنب إن تركت المكتب مبكراً، ولن يقيِّدك أحدٌ بلباس موحد لا يريحك؛ فأنت تعمل لحسابك الخاص.

قد يبدو الأمر رائعاً لبعض الناس ومحبِطاً لبعضهم الآخر؛ لهذا نوصي القارئ بتجربة الأمر؛ لأنَّ تجربتك الشخصية ستنمُّ عن نتائج مذهلة، أهمها أنَّك سيد وقتك وطاقتك، فأنت حرٌّ بالتصرف في 100% من يومك، وحتى إن كنت مشغولاً بشدة، فهذا لن يوازي شعورك بالإنهاك بعد العمل التقليدي من 9 صباحاً إلى 5 مساءً، فضلاً عن أنَّك لن تشعر بمرور الوقت أو الإنهاك مع العمل بما يزيد عن 12 ساعة، وستشعر بالراحة في العمل عن بعد أكثر من العمل التقليدي الذي قد تقضي نصفه في العمل، والنصف الآخر في تصفح "فيسبوك" (Facebook).

تصبح الحياة أكثر شمولية من خلال تصميم نمط الحياة المناسب:

ما زلتُ أستيقظ في الساعة 6 صباحاً، لكنَّني لا أستيقظ قلقاً ممَّا أرسله مديري في أثناء الليل؛ لأنَّني قررت أن أعيش عيشة مختلفة؛ إذ إنَّني أنهض اليوم وأستمع لبعض التسجيلات الملهمة، ثم أُعِدُّ الإفطار، وأقوم ببعض تمرينات التمدد الرياضية، ثم أتأمل بعض الوقت، وقد أذهب في نزهة، وبعدها أعود وأكتب لمدة ساعة، ثم بعد أن أشعر بالهدوء النفسي، أفتح البريد الإلكتروني لأقرأ رسائل العمل.

يزدحم وقتي بالنشاطات، لكن عندما ترى نتائج جهدك وتحكُّمك بحياتك، فلن يعدو الأمر عن كونه لعبةً طويلةً ممتعة أكثر من كونه وظيفةً مجهِدة، فتستطيع التمرُّن في صالة الألعاب الرياضية ظهراً، ثم الاستحمام والتوجه إلى مقهىً قريب، وإنهاء يومك بمتعة.

الانتباه لضرورة ترتيب الأولويات الحياتية حسب الأهمية:

أي بمعنى أوضح، عندما تقرر دخول عالم العمل الحر أول مرة، فاعلم أنَّك لن تحقق ثروةً أو أرباحاً عالية، وقد لا تكسب أيَّ سيولة مالية على الإطلاق في البداية، وهنا يكمن سر النجاح؛ في الاستمرار وعدم الخوف والعودة للعمل.

سيمر الجميع بتجربة الفقر أو قلة السيولة المالية، لبعض الوقت على الأقل، لكنَّ أولى ثمار العمل الحر ستكون في بناء الشخصية، وتجربة العيش على ميزانية ضيقة في البداية، كما أنَّه سيمنحك فهماً أدق لأهم أولوياتك؛ إذ إنَّ حصولك على دخلٍ كلَّ أسبوعين سيدفعك إلى التورط في عقلية استهلاكية، وقد تنفق كثيراً من المال في سبيل سعادتك وترفيهك.

لكن ماذا لو لم تغطِّ أموالك سوى الحد الأدنى لمصروفاتك؟ فما هي النفقات التي ستحتفظ فيها؟ فعلى سبيل المثال، لفتَ تخفيض تأميني الصحي انتباهي إلى تعزيز أساليب الحياة الصحية؛ فستبدأ بالتفكير في ممارساتك الروتينية للتمرينات الرياضية ونظافة الأسنان حتى لا تتعرض لزيارة الطبيب العام أو لمراجعةٍ مكلِفةٍ من قِبل طبيب الأسنان.

إقرأ أيضاً: تحديد الأولويات: أفضل استثمار للجهد والوقت

الخبرة المكتسبة ومعرفة الأولويات هي ما سيدوم، أمَّا تقليل المصاريف وفقاً للدخل فهو أمر مؤقت، وهو ما يعيدنا إلى غايتنا الأساسية: الوصول إلى السعادة.

قد يخطئ الناس بتحديد مصادر سعادتهم، وقد يبدو أفضل تطبيق لمصطلح "السعادة في العمل" عن طريق الإنهاك في العمل لمصلحة شخصٍ آخر، لتحصيل ساعتين من الترفيه مع زملاء العمل آخر الأسبوع، لكن ماذا لو لم تعمل هذه الساعات الإضافية، ولم تذهب مع الزملاء ساعتين لتنفق المال، حتى تتمكن من تحقيق أحلامك البعيدة، وتكون سيد وقتك.

ذكَّرَني هذا بكلمات مغني الراب "شون العظيم" (Big Sean) "أفضل ميزة في تقليل ميزانيتك هي عدم صرف النقود على أشياء تافهة، أتذكُر عيد الميلاد الماضي؟ بعد كتابة قائمة أمنيات لم نحقِّق منها شيئاً وبقيَت على حالها، مع ذلك، فقد شعرتُ أنَّني الأغنى؛ لأنَّني لم أنفق نقودي على شراء أشياء تافهة".

المصدر




مقالات مرتبطة