هل تؤمن بنفسك؟

تخيَّل لو أنَّ لديك الثقة بالنفس التي يمتلكها رياضيٌّ مُحترِف وناجح، والذي يعلمُ في قرارة نفسه أنَّ التدريبات البدنية التي يمارسها بانتظام ما هي إلَّا سببٌ بسيطٌ وراء قصة نجاحه، وأنَّ اللياقة النفسية التي يتمتَّع بها هي ما تميِّزه عن منافسيه والتي ينبع جزءٌ منها من إيمانه الراسخ بحتميَّة فوزه.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتبة "كارين كريبس" (Karen Cripps)، وتُحدِّثنا فيه عن الآثار العظيمة التي يمكن أن تُحدِثَها الثقة بالنفس في حياة كل منَّا، وتجربتها الشخصية في ذلك.

يمكن لتقلُّبات الحياة ومنعطفاتها أن تزعزع ثقتنا بأنفسنا:

تبدو الثقة بالنفس أكثر سهولةً حين نكون صغاراً، فالحماسة تملأ عالمنا وكل شيءٍ ممكنٌ في نظرنا، ولم نكن قد خضنا غمار الحياة بعد ولا أنهكتنا تقلُّباتها وتحدياتها، فقد ظننتُ في المرحلة الجامعية أنَّني قادرةٌ على فعل أي شيءٍ يخطر في عقلي إن عملتُ بجدٍّ في سبيله، لكنَّ وجهة نظري تغيَّرتْ كثيراً بعد 20 سنة؛ إذ تبدو الحياة مختلفة جداً بعد كل هذه السنوات.

لا بدَّ من الاعتراف بأنَّ تجارب الحياة رائعة، وتمنحنا متعة اكتساب حكمة بعد كلٍّ منها، ولكنَّنا نحتاج إلى إيجاد طريقةٍ ما تمكِّننا من موازنة التجارب الحياتية الممتعة التي نخوضها بحيث لا تعوق معتقداتنا المُقيِّدة تقدُّمنا في الحياة؛ إذ يمكن لرهنٍ عقاري نلتزم به أو لأطفالنا أو للنكسات التي تصيب أعمالنا أو للرتابة اليومية أو لمرضٍ ما أن توحيَ بأنَّ أحلامنا مُقيَّدةٌ.

إقرأ أيضاً: 7 خطوات هامة تكسبك الثقة في النفس

قوَّة الإيمان بالتعافي:

أتعايشُ منذ 6 سنواتٍ مع متلازمة التعب المُزمِن، وهي مرضٌ مزمن ليس له علاج تقليدي معروف؛ لذا فإنَّ قوة الإيمان قد اتَّخذت منحىً جديداً كُلياً في حياتي، ومع أنَّها مرضٌ جسدي فإنَّني أؤمن بوجود عنصرٍ نفسيٍّ يمكن العمل عليه للشفاء من أي مرض؛ إذ لا يمكن التغاضي عن الأهمية البالغة لتسخير قوة إيماننا بالشفاء واستثمارها في إبقاء أجسادنا مستعدَّةً للتعافي من الأمراض.

ليس من السهل أبداً المحافظة على الإيمان خلال هذه الفترة الطويلة من الزمن، لكنَّني نجحت في ذلك، وربَّما يعود سببُ نجاحي في جزءٍ منه إلى أنَّه من المروِّع التفكير في بديلٍ عن ذلك إن اخترتُ يوماً التخلي عن إيماني، وينبع جزءٌ آخر منه عن طبيعتي في التفكير بصورة إيجابية، وربَّما يرجع بعضه أيضاً إلى قراءتي مرةً تلوَ الأخرى بأنَّ الأشخاص الذين يتحسَّنون فعلاً بعد إصابتهم بمتلازمة التعب المزمن هم الذين يحافظون دوماً على إيمانهم وأملهم خلال فترة التعافي.

إن كان لديَّ إيمان حقيقي بالشفاء، فإنَّني سأبحث عن معلومات تدعم إيماني هذا أو تنقضُه في حين ينجذب الشخص الذي يستسلم لمرضه ويؤمن بأنَّه لن يُشفى أبداً بصورة حتمية للمعلومات التي تدعم اعتقاده السلبي؛ لذلك لا أسمح لنفسي أبداً بقراءة أي مقال يتحدَّث عن الأشياء المجهولة عن مرضي، أو عن مدى صعوبة الشفاء منه، أو عن عدم وجود أجوبة طبية للأسئلة المتعلِّقة به، فثمَّة أشخاص يتماثلون للشفاء فعلياً بعد إصابتهم بمتلازمة التعب المزمن؛ لذا أريد أن أركِّز على قصَّة كل منهم لأستمدَّ الإلهام منها كي أستمرَّ بالقيام بكلِّ ما في وسعي في سبيل التعافي من هذا المرض.

لقد كنتُ أفضل حالاً في الفترة الأخيرة ولا شكَّ لديَّ بأنَّ قوة إيماني الراسخة قد أدَّت دوراً رئيساً في ذلك، ولا أدَّعي بأنَّ ذلك يُماثِل سهولة التفكير الإيجابي بالنفس، وإنَّما لا يمكننا أبداً الفصل بين العقل والجسم، وهذا ما يُثبته لنا مراراً وتكراراً التأثير القوي والناجح للدواء الوهمي الذي يُستخدَم في حالات طبية عدَّة.

شاهد بالفديو: 8 طرق أثبت نجاحها لبناء الثقة بالنفس

قدرة المعتقدات على تغيير كل شيء:

لقد ذكرتُ المرض بوصفه مثالاً واحداً لمدى قوة تأثير المُعتقدات في حياتنا، إلَّا أنَّها هامة أيضاً في مُختلف مجالات الحياة بدءاً من الأمور بالغة الأهمية وصولاً للأشياء البسيطة ظاهرياً.

لذا أنصح كلَّ شخصٍ منَّا بأخذ برهة من الوقت للتفكير بمُعتقداته الخاصة التي تمتلك القدرة على تغيير كل شيءٍ في الحياة، كالطريقة التي نتصرف بها مع الآخرين والتي نتعامل بها مع أنفسنا، والأمور التي نحن على استعداد للقيام بها، والأهداف التي نسعى إلى تحقيقها، ونوع الطعام الذي نتناوله، وما نرتديه من ملابس.

قبل أن أبدأ بكتابة هذا المقال ظننتُ أنَّني لن أستطيع الكتابة في مُدوَّنة "تشينج يور ثوتس" (Change Your Thoughts)؛ إذ تُعدُّ هذه المُدوَّنة في مستوىً مُختلف كلياً عمَّا وصلتُ إليه، ولم أكن قد مارست التَّدوين إلَّا لعدة شهور فقط، ولم يكُن لديَّ سوى بضعة مئات من المتابعين، وكنت أمتنع عن الكتابة في المدونات الشهيرة التي يتابعها عدد كبير من القرَّاء، ولكنَّني أعدتُ النظر في ذلك، وفكَّرت جدياً بالأسباب التي تمنعني من ذلك، ومن ثمَّ وجدتُ أنَّ حداثة عهدي في هذا المجال لا تعني أنَّني سأفشل في الكتابة فيها، وها أنا الآن أكتب في أكبر المدونات، فلم يتغيَّر أي شيءٍ سوى ثقتي بنفسي وإيماني بقدراتي، ومع أنَّ هذا مثال بسيط فإنَّه يوضِّح الفكرة والمبدأ الذي أتحدث عنه تماماً.

إنَّ الإيمان والثقة بالنفس ليست تذكرة واحدة تأخذنا في طريق النجاح والسعادة الأبدية، لكن ينبغي أن تكون عاملاً مُساهماً في ذلك، فإن كان لديك إيمانٌ عميق وثقة بقدرتك على القيام بشيءٍ ما، فإنَّك ستسعى جاهداً بكل نشاطٍ إلى تحقيقه، وإن كان في إمكانك رفدُ ذلك بإحاطة نفسك بالأشخاص الذين يؤمنون بقدراتك أيضاً، فلن يردعك أي شيءٍ بعدها، ولا بدَّ أن أعترف بأنَّني بذلتُ قُصارى جهدي حين كان لديَّ مدير مؤمن بمهاراتي وقدراتي لدرجة شعوري بأنَّني أستطيع السيطرة على العالم.

إقرأ أيضاً: 10 معتقدات إيجابية يجب أن تتبناها

الحصول على بعضٍ من سحر الشباب:

سأرغبُ في النهاية باستعادة بعضٍ من إيماني وثقتي بنفسي حين كنتُ في عمر الشباب، وهو الإيمان الذي أجده لدى الشباب الذين أعمل معهم، فقد كنتُ أشتري قهوتي البارحة من المكان المُعتاد الذي أذهب إليه، وأجريتُ محادثة قصيرة مع عاملي تحضير القهوة الشابَّين جداً واللَّذين قد بدأا توَّاً بالدراسة في المرحلة الجامعية، فوجدتهما مُفعَمَين بالحماسة والأمل تجاه الحياة، ومع أنَّ ذلك يبدو سخيفاً وساذجاً فإنَّني لا أمانع بامتلاك بعض من حماستهما وتفاؤلهما؛ إذ لا أرغبُ في أن أصبح ممَّن تتضاءل أحلامهم مع تقدُّم العمر.

في الختام:

لقد كنت أتحدث إلى زوجي بخصوص ذلك وسألته عن طريقة أتمكَّن بها من استنساخ الحماسة والاندفاع والثقة بالنفس الموجودة لدى جيل الشباب فأخبرني باستحالة ذلك، ولعلَّ هذه الخطوة صعبة التحقيق وشبه مستحيلة إلَّا أنَّه لا بدَّ من وجود ما يمكن تعلُّمه من هؤلاء الشباب الصغار الذين لم تُرهقهم الحياة بعد.




مقالات مرتبطة