بين الأدلة العلمية والتجارب التسويقية، نحلل هذا الجدل الأزلي لنتعرف على تأثير الإعلانات العاطفية في قرارات الشراء ولنكشف أيهما يحكم السوق: العقل أم العاطفة؟
الإعلان العاطفي: اللغة التي يفهمها المستهلك قبل التفكير
"تعزز الإعلانات العاطفية ارتباط المستهلك بالعلامة التجارية وتزيد نية الشراء من خلال تحفيز المشاعر والذاكرة."
في عالم الإعلان، غالباً ما يُكمّل المنطق الرسالة الدعائية، لكن ما يحدث في لحظات “ما قبل التفكير”، أي حين يتحرّك المستهلك بفعل الشعور قبل أن يفكر بعقله، هو ما يوضّح تأثير الإعلانات العاطفية في قرارات الشراء. لا تستهدف الإعلانات العاطفية إبراز المزايا أو الأرقام فقط، بل تستثير النظام الحوفي (Limbic System) في الدماغ، وهو الجزء الذي يتعامل مع العواطف، والذاكرة، والإحساس بالانتماء، والثقة. وعند تنشيطه، يزدهر التسويق بالمشاعر.
فعندما تُروى للمستهلك قصة مؤثرة، مثلاً: طفلٌ يسعد بمنتج أو لحظة إنسانية تلامس قلبه، يبداً دماغه بإفراز مركّبات كيميائية، مثل «الأوكسيتوسين»، التي تعزّز الشعور بالثقة والتعلّق العاطفي، ما يُسهّل عملية الشراء. وفي هذا السياق، تنشأ علاقة أعمق بين العلامة التجارية والمستهلك: لا يكون الشراء مجرد اختيار منتج، بل استجابة لإحساس بالانتماء أو الهوية، وبالتالي تنعكس على ولاء العلامة التجارية.
باختصار، في معادلة سلوك المستهلك، يبرز تأثير الإعلانات العاطفية في قرارات الشراء؛ إذ تؤدي المشاعر دور الشرارة الأولى قبل أن يأتي دور المنطق. فحين يرى المستهلك إعلاناً عاطفياً يشعر به أولاً؛ عندها، يمكن أن يتولّد لديه السؤال «لماذا أعجبني؟»، ثم يُبرّره المنطق. وهنا تظهر قوة الإقناع في الإعلان من خلال الجمع بين العاطفة والمنطق.
لا يقلّل هذا التركيز على المشاعر من أهمية منطق المنتج أو المزايا أبداً، بل يُعدّ دعامةً تجعل تلك المزايا تُحسب. وهكذا، يتجاوز الإعلان العاطفي كونه مجرد “شيء جميل لمشاهدته”؛ إذ إنّه عامل عملي في رفع نية الشراء، ودعم الاستراتيجية التسويقية التي تُضمّن التسويق العصبي (Neuromarketing) لفهم كيف يستجيب الدماغ للرسالة.
أظهر تقرير (Harvard Business School) لعام 2022 أنّ الحملات العاطفية تزيد تفاعل العملاء مع العلامة بنسبة 23%.
شاهد بالفيديو: أهمية وسائل التواصل الاجتماعي في التسويق
الأرقام تثبت أنّ العاطفة تبيع أكثر من المنطق
"تتأثر 80% من قرارات الشراء بالعواطف، والإعلانات التي تثير المشاعر تحقق أداء تسويقياً أعلى من المنطقية."
عند النظر في بيانات الحملة والإعلان، يتجلّى بوضوح تأثير الإعلانات العاطفية في قرارات الشراء؛ إذ لا تُعد الإعلانات العاطفية “جميلةً للمشاهدة” فحسب، بل إنها تمثّل قوةً حقيقيةً في سلوك المستهلك. فعلى سبيل المثال، وفق بيانات من (Nielsen)، أدّت الإعلانات التي حقّقت استجابةً عاطفيةً أعلى من المتوسط، بمعنى أنّ الرسالة أثارت مشاعر قوية، إلى رفع المبيعات بنسبة تقريبية 23%.
كما بيّنت تحليلات بريطانية من (Institute of Practitioners in Advertising IPA)، والتي ضمّت قاعدة بيانات بـ 1,400 حالة لحملة تسويقية، أنّ الحملات التي اعتمدت “محتوى عاطفي بحت” تفوّقت تقريباً بضعفين على تلك التي اعتمدت “محتوى منطقي بحت” من حيث الربحية.
ومن جانب “التسويق العصبي” أو (Neuromarketing)، نجد أنّ القياسات التي تستغل نشاط الدماغ أو استجابات العاطفة، مثل موجات الـ (EEG) أو القياسات البيومترية، تؤكد تأثير الإعلانات العاطفية في قرارات الشراء فالإعلانات العاطفية تُخزّن في الذاكرة أقوى، والربط العاطفي يجعل المستهلك لا “يتذكّر” فحسب بل “يشعر” نحو العلامة، مما يرفع نية الشراء ويعزّز ولاء العلامة التجارية.
بمعنى آخر، حين تُطرح الحملة كعملية حسابية عقليّة (هذا المنتج أفضل من ناحية كذا وكذا)، تصل إلى جزء صغير من العقل؛ أمّا عندما تستهدف العاطفة (هذا ما تجده في نفسك، وهذا ما تنتمي إليه)، تصل إلى أجزاء أعمق، وتؤثّر في التفضيل وتحوّله إلى قرار نهائي. لذا، نجد في نموذج “الإعلانات العاطفية مقابل المنطقية”، أنّ المسوّق الذكي لا يتجاهل المنطق بل يبني عليه بعد أن تشبعت الرسالة بالعاطفة.
باختصار: تدعم الأرقام أنّ الإعلانات العاطفية ليست مجرد خيار بل أداة فعّالة وإذا استُخدمت استخداماً صحيحاً ضمن استراتيجيّة التسويق بالمشاعر، فإنّها تغيّر قواعد اللعبة في الإقناع في الإعلان وفي بناء علامة تجارية صامدة.

الإعلانات المنطقية: حين يتحدث العقل بلغة الأرقام والمزايا
"يرى بعض المسوقين أنّ الإعلانات المنطقية أقرب إلى إقناع المستهلك الواعي؛ لأنّها تقدم حقائق ومعلومات دقيقة."
رغم القوة الكبيرة للتسويق بالمشاعر، لا يمكن إهمال أحد الركائز الأساسية في الإقناع: المنطق والعقلانية. في سياق الإعلانات العاطفية مقابل المنطقية، يرى بعض المسوّقين أنّ الإعلانات المنطقية تُعدّ ضرورةً خاصةً في الأسواق التي يعتمد فيها سلوك المستهلك على تحليل المواصفات، مثل التكنولوجيا، أو الخدمات المالية، أو المنتجات ذات الثمن المرتفع.
تعمل الإعلانات المنطقية كآلية لعرض “لماذا يجب أن يشتري المستهلك هذا المنتج"، وذلك بتوضيح السعر، والكفاءة، والمقارنة بين المنتجات، والميزات التقنية، والضمان، والأداء. تساهم هذه العناصر في بناء الثقة والعقلانية لدى المستهلك. فعندما يرى إعلاناً منطقيّاً يُقدّم بيانات صريحة ومقارنات واضحة، يُعزّز ذلك قدرته على اتخاذ قرار شراء مُستنير، بدلاً من قرار مبني على العاطفة فقط.
مثلاً، وُجد في تحليل لـ (McKinsey & Company)، في مقال (Winning the battle for consumer attention)، أنّ نوعية انتباه المستهلك (إلى ماذا يُعطي قيمةً زمنيةً أعلى) تؤثر في الإنفاق. ويُوضّح التقرير أنّ نسبة 67% من المستهلكين التقنيين يفضلون الإعلانات التي تعرض مقارنةً واضحةً بين المنتجات.
على أي حال، يظهر، في الأسواق التقنية مثلاً، أنّ المستهلك غالباً ما يحلل مواصفات متعددة؛ إذ يقارن بين المنتجات ويُقيّمها عقلانياً، وهنا يأتي دور الإعلانات المنطقية في دعم هذه العملية. فيمكن أن يقول، مثلاً: “هذا المعالج أسرع بنسبة 20%”، و“هذه البطارية تدوم 30 ساعة”، و“هذا الضمان يغطي 5 سنوات”. تستهدف هذه الرسائل جزءاً من الدماغ يُعنى بتحليل المعلومات، واتخاذ القرار العقلاني؛ بالتالي، يُعزّز ما نسميه في التسويق بـ "الإقناع في الإعلان من خلال المنطق".
إذا دُمجت هذه المنطقية مع عنصر الثقة، مثل تقييم المستخدمين أو شهادات الخبراء، فإنّها تدعم ولاء العلامة التجارية على الأمد الطويل؛ لأنّ المستهلك يشعر بأنّه اتخذ خياراً صحيحاً وليس مجرد تفاعل عاطفي عابر. ومع ذلك، لا ينبغي الاعتماد على المنطق وحده؛ فكما أشرنا سابقاً، فإنّ العاطفة تسبق المنطق في مسار القرار الشرائي.
شاهد بالفيديو: 5 مهارات مهمة بالتسويق الرقمي
الدمج هو السر: العقل يبرّر ما يختاره القلب
"تمزج أكثر الإعلانات نجاحاً بين النداء العاطفي والإقناع المنطقي لتحقيق تأثير فوري ومستدام في المستهلك."
في واقع سلوك المستهلك، يُعدّ العامل العاطفي هو الشرارة الأولى لقرار الشراء، لكن ما يميّزه عن مجرد تفاعل لحظي هو دمجه مع منطق واضح وإقناع مدروس. فيظهر تأثير الإعلانات العاطفية في قرارات الشراء حين تُستخدم المشاعر لجرّ المستهلك نحو العلامة، ثم يأتي دور الرسائل المنطقية ليقول: “ها هي الأسباب التي تجعل هذا القرار منطقياً أيضاً”.
وفق تحليل من (Kantar) يتعلق بفعالية الإعلانات، يُشير التقرير إلى أنّ الحملات التي تمزج بين الرسالة العاطفية القوية والحقائق المنطقية تحقق عوائد أعلى مقارنة بحملات تكتفي بأحد العنصرين فقط.
على سبيل المثال، تجسّد علامتا (Apple) و(Coca‑Cola) هذا الدمج ببراعة؛ إذ تراعي الأولى الابتكار والتجربة العاطفية مع إبراز المزايا التقنية، وتستثمر الثانية في القصص والانتماء مع معلومات واضحة عن المنتج والخدمة. بهذا الأسلوب، لا يصبح الإعلان مجرد عرض ميزة أو إثارة شعور بل رحلة متكاملة للمستهلك، تلتقط عاطفته أولاً وتُرضي عقله بعد ذلك، ما يعزّز ولاء العلامة التجارية.
بالتالي، عندما تفهم أنّ الإعلان ليس “إما عاطفيّ أو منطقيّ” بل “وعاطفيّ ومنطقيّ”، فإنك تنتقل من مجرد الإقناع في الإعلان إلى بناء علاقة حقيقية وطويلة الأمد مع المستهلك وهو جوهر التسويق بالمشاعر الناجح.

الإعلان الناجح لا يبيع منتجاً: بل شعوراً بالانتماء
"الإعلان الفعّال هو الذي يجمع بين التأثير الشعوري والمعلومة المقنعة ليصنع علاقة طويلة الأمد بين العلامة والمستهلك."
حين نفهم أنّ الهدف من الإعلان ليس فقط جذب انتباه المستهلك بل تحويله إلى عنصر يشعر بأنّه “جزء من شيء أكبر”، ندرك عمق تأثير الإعلانات العاطفية في قرارات الشراء. فالإعلان الفعّال يُشكّل هوية وجدانية للعلامة التجارية، ويغذّيها بالمصداقية والمعلومة.
بحسب بحث نشرته (Harvard Business Review) بعنوان: (An Emotional Connection Matters More Than Customer Satisfaction)، وُجد أنّ العملاء المرتبطين عاطفياً بالعلامة التجارية، يتضاعف ولاؤهم لها مقارنةً بالعملاء «الراضين» فقط.
بهذا المعنى، عندما تُروى قصة إنسانية في الإعلان وليس مجرد سرد للمزايا، فإنّها تُشعل العاطفة أولاً، ثم تعقبها المعلومات المنطقية لتدعم هذا الشعور، فتتحول عملية الإقناع في الإعلان إلى [تجربة شعورية + عقلانية]. وهكذا، تحول رسالة الإعلان من “اشترِ هذا المنتج” إلى “انضم إلى هذه القصة، وهذه الهوية”. ويدعم هذا ولاء العلامة التجارية دعماً ملحوظاً، ويُعزّز علاقة طويلة الأمد مع المستهلك، لا مجرد بيع لمرة واحدة.
الأسئلة الشائعة
1. ما الفرق بين الإعلانات العاطفية والمنطقية؟
تركز الإعلانات العاطفية على المشاعر والقصص لخلق ارتباط وجداني، بينما تعتمد المنطقية على المزايا والأرقام والإثباتات العقلانية.
2. متى تكون الإعلانات العاطفية أكثر فعاليةً؟
عندما يكون الهدف بناء ولاء طويل الأمد أو خلق علاقة وجدانية مع الجمهور.
3. هل يمكن الجمع بين العاطفة والمنطق في إعلان واحد؟
نعم؛ يعزز الجمع بينهما التأثير والإقناع، ويزيد من احتمالية تذكّر الرسالة.
4. كيف تُقاس فعالية الإعلان العاطفي؟
بتبّع مؤشرات، مثل: نية الشراء، وتذكّر العلامة، ومعدلات التفاعل العاطفي من خلال أدوات التسويق العصبي.
5. ما علاقة التسويق العصبي بفعالية الإعلانات؟
يستخدم التسويق العصبي تقنيات، مثل تتبّع حركة العين وتخطيط الدماغ، لفهم كيفية استجابة المستهلكين للعواطف في الإعلانات.
في الختام
تبيّن لنا أنّ تأثير الإعلانات العاطفية في قرارات الشراء ليس مجرّد ظاهرة عابرة، بل علم متكامل يقوم على فهم سلوك المستهلك وتفعيل التسويق بالمشاعر بذكاء. فالعاطفة تُلهم القرار، والمنطق يُبرّره؛ أمّا الدمج بينهما، هو ما يصنع إقناعاً حقيقياً في الإعلان ويبني ولاءً للعلامة التجارية على الأمد الطويل.
لا يسعى المسوق الناجح اليوم فقط إلى بيع منتج، بل إلى خلق قصة يعيشها المستهلك ويؤمن بها. لهذا، يجب أن تكون كل حملة رحلةً شعوريةً تتكامل فيها البيانات والتحليل مع اللمسة الإنسانية.
إذا كنت تسعى لتطوير استراتيجيتك التسويقية وجعل رسالتك تترك أثراً لا يُنسى، يسعدنا التواصل معك لمساعدتك في بناء حملات تمزج بين العقل والعاطفة بأسلوب يحقق نتائج ملموسة.
"تواصل معنا اليوم لتبدأ في صياغة قصة علامتك القادمة قصة تُقنع المنطق وتُحرّك القلوب."
هذا المقال من اعداد الكاتبة "ديانا خرما"
أضف تعليقاً