هل أنت مظلوم بالفعل أم أن القضية لها علاقة بالوعي؟

نحن نعيش ضمن مجتمع عاشق لتمثيل دور الضحية؛ حيث يعزي جميع إخفاقاته ومحاولاته الفاشلة في الوصول إلى أهدافه؛ إلى الظروف الخارجية والناس من حوله.



يحترف أغلب الناس مهارة إلقاء اللوم على الخارج، ولا يمتلكون جرأة الاعتراف بأخطائهم وهفواتهم، معتقدين أنَّ الأخطاء من المحرَّمات وأنَّهم خُلِقوا ليكونوا كاملين، فلطالما سمعنا جملة "أنا شخص مثالي، ولكنَّ الحياة كانت ظالمة معي، لقد تعرَّضت للكثير من القهر على مدار سنوات الحياة، لقد تزوَّجت من زوج خائن، وعملت عند مدير ظالم، وعانيت بشدة من أصدقائي المنافقين".

نحن نحيا في وسط مجتمعي يتقن استخدام حالات الشكوى والتذمُّر، ويتبنَّى نظرية المؤامرة بكل أشكالها، فلا يعترف بالإرادة الإنسانية وقوَّتها؛ بل يعترف بالحظ والظروف فقط لا غير.

يمتلك أغلب البشر مفهوماً مشوهاً عن الألم؛ حيث باعتقادهم أنَّه مأساة حقيقية وأنَّه أكبر معذِّب في الحياة، ويغيب عن أذهانهم أنَّه النعمة الحقيقية في الحياة، وأنَّه فرصة حقيقية لكي يتطور الإنسان ويرتقي ويكتشف نقاط ضعفه.

هل أنت مظلوم أم أنَّ الأمر له علاقة بالوعي؟ هذا ما سنجيب عنه من خلال هذا المقال.

ما هو الظلم؟

لطالما سمعنا كلمة "أنا مظلوم" خلال حياتنا الواقعية، ومن ثمَّ نستمع إلى وابل من الشكاوي والمآسي التي لا تُفضِي إلَّا إلى المزيد من الحزن والنكد، والسؤال هنا: "ما هو الظلم؟".

في الحقيقة الظلم هو إحساسك باللَّاعدل واللَّامساواة بينك وبين الآخرين، أو إحساسك بعدم تقدير الآخرين لجهودك وقيمتك وسعيك الدائم إلى سعادتهم، أو إحساسك بعدم إنصاف الحياة معك، وبكثرة المشكلات المتراكمة خلال مسار حياتك.

ما علاقة وعيك بإحساسك بالظلم؟

ماذا لو قلت لك إنَّه لا يوجد ما يسمى "ظلم" في الحياة، وإنَّك وحدك مَن فسَّرت ما تختبره من أحداث على أنَّها "ظلم" في حين أنَّه قد يكون أمراً مختلفاً تماماً.

يختفي وراء شعور الظلم الذي تشعر به رغبة كبيرة في التملُّص من مسؤوليتك تجاه حياتك، وتبنٍّ مطلقٍ لوعي الضحية بكل أبعاده، وسعي دؤوب إلى الراحة والكسل وإلقاء اللوم على غيرك والظروف، أنا أعلم أنَّك تستهجن كلامي هذا وتعتقد بأنَّني لا أشعر بما مررت به من تجارب قاسية خلال سنوات حياتك.

وأنا أعلم في الحقيقة حرقة قلبك عندما صُدِمت بخيانة شريك حياتك لك، وأعلم مدى صعوبة اكتشافك نفاق صديقك بعد عشر سنوات من الصداقة والثقة، ولكن ما أريدك أن تقوم به، هو أن تكفَّ عن ندب حظك وإصدار الأحكام السلبية في حق الآخرين وإظهار نفسك على أنَّك ذلك الضعيف والمغلوب على أمره، وإدمان حالات الشكوى والتذمر الدائمة، أنا أريدك أن تبدأ بتحمُّل مسؤولية الحدث الواقع عليك، والبحث عن الدرس الكامن وراءه.

نعم، ستتغير ردة فعلك تجاه الحدث في حال غيَّرتَ تفسيرك له، فبدلاً من تفسيرك للحدث على أنَّه ظلم أسود قد حل بك، وخيانة كبرى قد ألمَّت بك، تستطيع تفسيره على أنَّه فرصة حقيقية لكي تتطور وتكتشف نقاط ضعفك وتعمل على تحسينها، فقد تكون قد فشلت في اختيار شريك حياتك لذلك تعرَّضتَ للخيانة من قِبله، أو قد تكون تسرعت ووثقت بصديقك لذلك تعرَّضتَ لموقف صادم من خلاله، وقد تكون من الأشخاص المغرورين لذلك أرسل لك الكون شخصاً يقهر غرورك لكي تتعلَّم درس التواضع.

إقرأ أيضاً: كيف تميز الفارق بين اللوم والمسؤولية؟

لماذا نميل إلى اختبار مشاعر الظلم بدلاً من مواجهة الحدث؟

1. الراحة:

يميل معظم البشر إلى تسمية أي تجربة قاسية يختبرونها على أنَّها تجربة ظالمة لهم؛ وذلك لأنَّ تلك المشاعر تبقيهم في حالة من الراحة والأمان، بحيث يعدُّون أنفسهم ضعفاء وطيبين وغيرهم خبيثون وأشرار، ومن جهة أخرى، يتطلب تبنِّي أي تفسير آخر للتجربة القاسية؛ وعياً وسعياً وعملاً ومسؤولية، وهو ما لا يستطيع معظم البشر القيام به.

2. الألم:

ينظر معظم الناس إلى الألم على أنَّه نقمة في حياتهم، في حين أنَّ كل ما في الحياة مصمَّم لخير الإنسان، بما في ذلك تجارب الألم؛ حيث تُولد الحكمة من رحم الألم والسواد؛ فتجربة الألم التي عانيت منها بعد وفاة والدك، هي التي ساعدتك على أن تكون على ما أنت عليه الآن من قوة وإصرار وعزيمة، وهي التي استخرجَت أجمل وأبهى ما لديك من طاقات وقدرات.

3. القصة:

يغوص معظم البشر في رواية القصة السلبية التي اختبروها، وفي إصدار الأحكام والاتهامات في حق الأشخاص الآخرين، الأمر الذي يبقيهم في حالة من المشاعر السلبية المستمرة، والذي يمنعهم من اكتشاف الدروس المستفادة من التجربة.

على سبيل المثال: الأنثى التي تواظب على الكلام السلبي في حق زوجها الذي خانها، وتستحضر على مدار الساعة الموقف الصعب الذي رأت زوجها فيه، وتستمر في الدعاء عليه؛ لن تستطيع اكتشاف الدرس الخفي وراء تجربة الألم تلك، ولن تتمكَّن من الوصول إلى جزء الحكمة الذي بداخلها؛ لذلك عليها أن تُهدِّئ من أعصابها ومن ثمَّ تستحضر المشاعر السلبية من دون قصة، وتختبرها في جسدها، فقد تشعر بألم في معدتها، ومن ثمَّ تسأل نفسها: "ما هو مصدر هذا الإحساس بالظلم والخذلان؟"، وعندها قد تكتشف أنَّ مصدره فكرةٌ داخلية كانت قد اشترتها عن ذاتها وهي أنَّها "غير كافية" أو "أنَّها مُهمَلة وغير محبوبة"، وعندها تستطيع تحويل الإحساس السلبي بالظلم والخذلان إلى نعمة وفرصة لتطوير الذات واكتشاف مكنوناتها الداخلية، فقد اتَّضح لهذه الأنثى أنَّ أفكارها قد جذبت الخيانة إلى حياتها، وأنَّ عليها العمل على تقدير ذاتها ومن ثمَّ تغيير الصورة الذهنية عن ذاتها، لكي تنعم بالحياة السعيدة.

أو قد تكتشف المرأة بعد تحييد القصة والأحكام السلبية أنَّ المصدر الأساسي لإحساسها بالخذلان هو فكرتها عن ذاتها بأنَّها غبية ولم تُحسِن انتقاء شريك حياتها، وهنا عليها أن تتعلَّم الدرس الكامن وراء الألم الذي تعرَّضت له، وهو أن تفكر ملياً قبل اختيار شريك حياتها وأن تضع معايير دقيقة لاختياره.

4. التوقعات:

لا تبنِ توقعات عالية على الآخرين فتنصدم وتشعر بالظلم من تصرفاتهم غير المتوقعة معك؛ بل ابنِ توقعاتك العالية على الله، ومن ثمَّ على نفسك، وفي حال تعرُّضِك لموقف سلبي غير متوقع من شخص ما؛ عِشْ مشاعر الظلم ولكن دون إسهاب، واعمل جاهداً على تحييد القصة واختبار المشاعر السلبية في جسدك ومن ثمَّ الكشف عن مصدرها الأساسي وتعلَّم الدرس الكامن وراءها.

إقرأ أيضاً: متى يكون من الجيد وضع توقعات عالية لنفسك؟

5. النظرة إلى الحياة:

إن كنت ممَّن يمتلكون تلك النظرة القاصرة عن الحياة، بحيث تقبع في ظل مقارنات خاسرة مع الآخرين؛ فستشعر بالمحصلة بمشاعر الظلم على الدوام، أمَّا في حال تركيزك على ذاتك وعدم خداعك بمظاهر الأشياء والأشخاص، وفي حال محاولاتك الدائمة لتطوير مستوى حياتك، وثقتك التامة برحمة الله وإيمانك المطلق بأنَّ كل شيء مصمم في حياتك لمصلحتك وإن كان ظاهره سلبياً وقاسياً؛ فأستطيع أن أقول لك إنَّك حينها ستشعر بمشاعر من السعادة والرضا والامتنان.

في الختام:

تحرَّر من مظلوميتك واعتنق حريتك ومسؤوليتك تجاه حياتك؛ حيث تليق بك السيادة لا العبودية، ويلائمك العمق لا القشور، ويناسبك التعلُّم لا الشكوى والخنوع.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة