هل أنت جاهز لتصغي: مشكلة قلة الإصغاء بين الأزواج

أرادت الزوجة إخبار زوجها عن جدالٍ مزعج ومحبط دار بينها وبين أختها، كما أرادت معالجة التجربة، واحتاجت إلى تفهُّمه وتعاطفه؛ أي أرادت أن يكون صوتها مسموعاً. ولكن حين حاولت مشاركة أفكارها ومشاعرها حيال الموقف، بدا زوجها منزعجاً من الاضطرار إلى الإصغاء؛ فحين أرادت التحدُّث عن تفاصيل حياتها، بدا الأمر وكأنَّه بالكاد يطيق ذلك.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المُدوِّنة والمُعالجة النفسية "نانسي كوليير" (Nancy Colier)، والتي تُحدِّثُنا فيه عن مشكلة الاستماع لدى الأزواج وطرائق حلها.

وصفت محاولتها لجذب انتباهه كمَن يصارع ليركز معها، فكانت متعبة من اضطرارها إلى الحصول على انتباهه والإبقاء عليه.

كثيراً ما يتردَّد هذا النوع من التجارب في جلسات الأزواج؛ الشريك الذي يجعلك تشعر وكأنَّ حياتك مصدر إزعاج أو عبء يضطر إلى التركيز فيه، والذي يتعيَّن عليك دفعه ليُبديَ انتباهاً.

عادةً، وحينما تتمحور المشكلة الأساسية للزوجين حول الإصغاء، غالباً ما ينتظرنا عمل مضنٍ؛ إذ إنَّ الإصغاء هو الحب فعلاً وليس قولاً، ويُقصَد بهذا أنَّه وحين يكون الإصغاء هو المشكلة، فمن المحتمل أنَّنا نتَّجه نحو قضية معقَّدة ومؤلمة، وغالباً ما تكون مرتبطة بالطفولة، ولكنَّنا نكون محظوظين أحياناً ويكون لمشكلة الإصغاء سبب صغير ومباشر، فتُصلَح.

وفي حالات معيَّنة، يمكن لنا إصلاح المشكلة بتغيير صغير في السلوك، الذي هو التوقيت؛ كيف ومتى نعرُض أمورنا الهامة أمام انتباه الشريك؛ إنَّه لأمر غريب فعلاً، فنحن نتغاضى عن أهمية التوقيت في التواصل، ونَعُدُّ التوقيت عاملاً أسهل وأوضح من أن نأخذه في الحسبان، وبالإضافة إلى ذلك نحنُ مكيَّفون للاعتقاد بأنَّ الاهتمام شيء يجب على أحبائنا أن يكونوا جاهزين لمنحِهِ على الفور، ولكنَّ هذا خاطِئ، ولربَّما صحيح فقط مع شخص محب ومتناغم. في الواقع إنَّ الاهتمام ليس متاحاً دائماً وحتى في الحب.

حين نريد أو نحتاج إلى مشاركة شيء هام، نشاركه عادةً دون وعي حقيقي عن حالة الشخص الآخر ولا نأخذ في الحسبان ما يقوم أو يفكر فيه أو كيف حاله في تلك اللحظة؛ بمعنى آخر، نحن نضغط على الشريك ونريد منه فهم ومشاركة تجربتنا.

يمكن أن يكون كل هذا طبيعياً وعادياً، فإنَّ جزءاً هاماً من العلاقة يكمن حقاً في القدرة على مشاركة الحياة، ولكنَّ المشكلة هي أنَّنا نتوقع أن يكون الشريك مستعداً إلى الإصغاء إلينا، وتحديداً أن يتلقى شعورنا باللحظة ذاتها التي نكون فيها جاهزين لمشاركته.

شاهد بالفديو: 10 أمور تزيد من سعادة الزوجين

واقعنا الشخصي:

تنشأ هذه المشكلة بسبب حقيقة سهلة من التجربة الإنسانية: كل فرد منَّا يعيش ضمن عالم تلوِّنه أفكارنا ومشاعرنا وتجاربنا وفهمنا وتاريخنا.

وهذا بحدِّ ذاته ليس مشكلة؛ فتلك تظهر حين ننسى أنَّ هذا العالم الداخلي هو جانب أساسي من جوانب الحياة البشرية، وننسى أنَّ شريكنا لا يعيش الواقع نفسه الذي نعيشه، فهو ربما يعيش واقعنا الخارجي، ولكنَّه لا يعيش واقعنا الداخلي.

نحن نفترض دون علمنا أنَّنا نتشارك تجربة داخلية مع شريكنا، ولكن عادة لا تكون هذه هي المشكلة؛ إذ نحن ننسى أنَّ شريكنا قد لا يكون جاهزاً أو قادراً على تلقِّي شعورنا، أو لأن يشغلَ مساحةً مناسبة لشعورنا في تفكيره.

يُخيَّل إلينا أنَّه ولكوننا جاهزين، فإنَّ الشريك سيكون أو يجب أن يكون جاهزاً، ومن ثم نشارك شعورنا دون أن نسأل إن كان يستطيع أو يريد منحنا اهتمامه الكامل في تلك اللحظة. نحن ننسى في صميمنا أنَّ الطلب من أحدهم أن يصغي بحق هو طلب عميق حقاً، وحين نصغي نَهِبُ اهتمامنا حرفياً إلى الشخص الآخر؛ أي أغلى ما نملك من ثروة.

حين نصغي بكامل عنفواننا، فنحن نقدم الحب؛ ولذلك فإنَّ الطلب من أحدهم أن يصغي ليس بطلب صغير، بغض النظر عن سهولة تقليلنا من أهميته. وحين نشارك شعورنا، فمن الهام مشاركته بوعي واحترام لذاتنا وللشريك، وعلاوة على ذلك أن نُشمِلَ الفطنة والصبر وأن نأخذ في الحسبان واقع ما هو ممكن في تلك اللحظة، وليس ما نريده أن يكون ممكناً فقط.

علينا تذكُّر أنَّ شريكنا ليس ما نحن عليه وأنَّنا لسنا مكانه، فنحن نعيش بعوالم داخلية مختلفة، بغض النظر عن عمق العلاقة. في حين أنَّ ذلك قد يبدو ثقيلاً في البداية، إلَّا أنَّ التحقق من توفُّر شريكنا قبل المشاركة وجدولة الوقت لإعارة الاهتمام الكامل لبعضنا بعضاً حتى، هي طرائق لإعطاء أنفسنا وشعورنا الفرصة المثلى لنتلقى منهم الاهتمام والانتباه الذي نبتغيه.

إقرأ أيضاً: 8 قواعد ذهبية للشجار مع شريك حياتك

الاستعداد إلى التواصل:

عندما نطرح مشاعرنا وضعفنا أمام الآخرين، فهذا يوجب علينا تحضير البيئة المناسبة لذلك مسبقاً، وإنَّ وجوب القيام بذلك لا يتناقض مع المودَّة؛ إذ إنَّ نيَّة وقدرة الشريك على الإصغاء متى ما كنَّا جاهزين للمشاركة ليست مقياساً لشراكة صحية. فإنَّ الشراكة الصحية تعني إدراك متطلباتنا الخاصة ومنح أنفسنا الفرصة الأمثل لتُلبَّى تلك المتطلبات، وبالوقت ذاته أن نحترم متطلبات شريكنا المختلفة عن متطلباتنا.

تقع على عاتقنا مسؤولية التعامل مع شعورنا وحقيقتنا بالعناية الذاتية والحذر المطلوبين، وليس المستحقين فقط، وعلينا القيام بذلك من أجل أنفسنا ومن أجل شريكنا على حدٍّ سواء.

إنَّه تغيير صغير ولكنَّه قوي أن نسأل شريكنا ما إذا كان متاحاً للإصغاء إلينا في تلك اللحظة ونجعل من ذلك السؤال عادة، وإن لم يكن جاهزاً، فنعيد السؤال حين يكون الإصغاء الحقيقي ممكناً. يمكن أن يكون السؤال شيئاً سهلاً مثل "هل لديك وقت لنتحدث؟" أو شيئاً أكثر رسمية مثل "أحتاج منك إلى الإصغاء حقاً إلى شيء أعاني منه".

ليس القصد هنا أنَّه يتعيَّن علينا جدولة موعدٍ في كل مرةٍ نريد بها الخوض بنقاش. ولكن، إن كان ما نشاركه هاماً لنا، فأنا أقترح أن نتعامل معه هكذا؛ وذلك يقتضي تأدية دورنا لضمان الاستجابة بالاهتمام الذي نريده ونستحقه.

وأقترح أيضاً أن ندرك أنَّ فعل الإصغاء هو هبة بحدِّ ذاته؛ إذ إنَّ هذا التغيير الصغير في الفهم والسلوك له القدرة على صنع تغييرٍ عميقٍ في علاقاتنا، ليس بكيفية إصغائنا إلى بعضنا بعضاً فقط؛ وإنَّما بكيفية فهمنا واحترامنا وحبنا لبعضنا بعضاً أيضاً.

المصدر




مقالات مرتبطة