هدي النبي في ليلة القدر، وفضائلها، وخصائصها، وعلاماتها، وكيف نحيّيها

ذهب نصف شهرنا المبارك وبقي نصفه الآخر، نسأل الله لنا ولكم أن يتقبل ما مضى، وأن يعيننا على ما تبقى، لقد نزلت علينا العشر الأواخر من رمضان وفيها الخيرات والأجور الكثيرة وفيها الفضائل المشهورة والخصائص العظيمة، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يخص العشر الأواخر من رمضان بأعمال لا يعملها في بقية الشهر، وإليك أخي المسلم هدي النبي صلّى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان.



الحمد لله الذي أكرمنا بلوغ شهر رمضان ومنَّ علينا فيه بالتوفيق للصيام والقيام، نحمده تعالى ونشكره ونتوب إليه ونستغفره، ونشهد أنّ لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، يوفّق من يشاء من عباده لطاعته فكان سعيهم مشكوراً وحظهم موفوراً، ونشهد أنّ محمداً عبده ورسوله أفضل من صلّى وصام، وأشرف من تهجّد وقام، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين وسلّم تسليماً كثيراً.

أوشك شهر الصيام والقيام على الانصرام، فها هو يتهيّأ للرحيل، وقد كنّا بالأمس القريب نستقبله واليوم وبهذه السرعة الخاطفة نودّعه، وهو شاهد لنا أو علينا، شاهد للمؤمن بطاعته وصالح عمله وعبادته، وشاهد على المقصر بتقصيره وتفريطه.

فقد ذهب نصف شهرنا المبارك وبقي نصفه الآخر، نسأل الله لنا ولكم أن يتقبل ما مضى، وأن يعيننا على ما تبقى، لقد نزلت علينا العشر الأواخر من رمضان وفيها الخيرات والأجور الكثيرة وفيها الفضائل المشهورة والخصائص العظيمة، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يخص العشر الأواخر من رمضان بأعمال لا يعملها في بقية الشهر، وإليك أخي المسلم هدي النبي صلّى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان.

إقرأ أيضاً: 5 أعمال يجب أن تقوم بها في العشر الأواخر من رمضان

أولاً: أعمال النبي صلّى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان

1. كما أخبرت به عائشة رضي الله عنها:

«كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَجْتَهِدُ في العَشْرِ الأوَاخِرِ، ما لا يَجْتَهِدُ في غيرِهِ» رواه مسلم.

فكان يحيي الليل فيها، من صلاة ودعاء واستغفار ونحوه، كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها: «كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، إذَا دَخَلَ العَشْرُ، أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ المِئْزَرَ» متفق عليه، ومعنى شد المئزر أي كان يعتزل النساء اشتغالاً بالعبادة.

2. وكان صلّى الله عليه وسلّم يوقظ أهله للصلاة والذكر والدعاء حرصاً منه على اغتنام تلك الليالي المباركة، وكان صلّى الله عليه وسلم يطرق باب فاطمة وعلياً ليلاً فيقول لهما: «ألَا تقومانِ فتُصلِّيانِ».

3. وكان يعتكف فيها كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها: «كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَعْتَكِفُ في كُلِّ رَمَضَانٍ عَشَرَةَ أيَّامٍ، فَلَمَّا كانَ العَامُ الذي قُبِضَ فيه اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا.».

والاعتكاف هو لزوم المسجد للتضرع لطاعة الله عز وجل، وهو من السنن الثابتة بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. كما قال تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187]

وشرّع الله عز وجل الاعتكاف حتى ينقطع المسلم عن كل ما يكون سبب في انشغال القلب عن عبادة الله جل علاه، ولذلك ينبغي للمعتكف أن ينشغل بالذكر والقراءة والصلاة والعبادة وأن يتجنّب مالا يعينه من حديث الدنيا.

إقرأ أيضاً: ماهو الاعتكاف في رمضان وهل يجوز الاعتكاف في المنزل بدلاً من المسجد؟

4. وكان يتحرّى ليلة القدر التي تقع فيها، والله سبحانه سماها ليلة القدر لعظيم قدرها وشرفها وجلالة مكانتها عنده ولكثرة مغفرة الذنوب وشد العيوب فيها، ولأن المقادير تقدر وتكتب فيها.

ثانياً: فضائل ليلة القدر وخصائصها

وقد خص الله تعالى الليلة بخصائص كثيرة منها:

1. نزول القرآن الكريم فيها، الذي به هداية البشر وسعادتهم في الدنيا والآخرة والمعجزة الخالدة، قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1].

2. وصفها بأنّها خير من ألف شهر أي أكثر من ثمانين سنة قال تعالى: {لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍۢ} [القدر: 3].

3. وصفها بأنّها مباركة أي كثيرة البركات والخيرات كما قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ} [الدخان: 3].

4. أنّها تنزل فيها الملائكة والروح أي يكثر تنزل الملائكة في تلك الليلة لكثرة بركتها فينزلون إلى الأرض للخير والبركة والرحمة، والروح هو جبريل عليه السلام بالذكر لشرفه ومكانته قال تعالى: {تَنَـزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} [القدر: 4].

5. وصفها بأنّها سلام أي سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءاً أو يعمل أذى، أو سلام للمؤمنين من كل مخوف لكثرة من يعتق فيها من النار ويسلم من عذابها، كما قال تعالى: {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر:5].

6. وقال تعالى عنها: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 4]، يعني يفصّل من اللوح المحفوظ إلى الكتبة ما هو كائن من أمر الله تعالى في تلك السنة من الأرزاق والآجال والخير والشر وما يقدر به لعباد من أعمال وغير ذلك، وقوله تعالى: {كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} أي أوامر الله المحكمة المتقنة التي ليس فيها خلل ولا نقص ولا سفه ولا باطل ذلك تقدير العزيز العليم.

7. أنّ الله يغفر لمن قامها إيماناً واحتساباً ما تقدّم من ذنبه كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ»، إيماناً أي تصديقاً بوعد الله بالثواب عليه، واحتساباً: أي طلباً للأجر لا لقصد آخر من رياء ونحوه.

8. أنّ الله أنزل في فضلها سورة كاملة تتلى إلى يوم القيامة تتلى بين الناس.

إقرأ أيضاً: أحاديث نبوية عن فضل ليلة القدر

ثالثاً: في أي ليلة تكون ليلة القدر؟

1. ليلة القدر في شهر رمضان لأن الله أنزل القرآن الكريم فيها وقد أخبر سبحانه وتعالى أنّه أنزل القرآن في شهر رمضان كما قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185]

2. وليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ في العَشْرِ الأوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ».

3. وهي في الأوتار أقرب من الأشفاع، كما أخبر به النبي صلّى الله عليه وسلم: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ في الوِتْرِ، مِنَ العَشْرِ الأوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ». 

4. وهي في السبع الأواخر أقرب، أي ليلة خمسة وعشرين وسبعة وعشرين، وتسعة وعشرين لقول النبي صلّى الله عليه وسلم:«التمسوها في العشرِ الأواخرِ، فإنْ ضعُفَ أحدُكُم أو عجزَ فلا يُغْلَّبنَّ على السَّبعِ البَواقِي».

ولقوله صلّى الله عليه وسلّم: «أَرَى رُؤْيَاكُمْ قدْ تَوَاطَأَتْ في السَّبْعِ الأوَاخِرِ، فمَن كانَ مُتَحَرِّيَهَا، فَلْيَتَحَرَّهَا في السَّبْعِ الأوَاخِرِ».

5. وأقرب أوتار السبع الأواخر ليلة سبع وعشرين وهو ما عليه جماهير العلماء لحديث أبي بن كعب قال: وَاللَّهِ إنِّي لأَعْلَمُ أَيُّ لَيْلَةٍ هي، هي اللَّيْلَةُ الَّتي أَمَرَنَا بهَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بقِيَامِهَا، هي لَيْلَةُ صَبِيحَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ.

6. وذهب ابن حجر والنووي وغيرهم من العلماء على أنّها لا تختص ليلة القدر بليلة معينة في جميع الأعوام، بل تنتقل فتكون في عام ليلة سبع وعشرين مثلاً وفي عام آخر ليلة خمس وعشرين تبعاً لمشيئة الله وحكمته لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «التَمِسُوهَا في العَشْرِ الأوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ لَيْلَةَ القَدْرِ، في تَاسِعَةٍ تَبْقَى، في سَابِعَةٍ تَبْقَى، في خَامِسَةٍ تَبْقَى».

والحكمة في إخفاء تلك الليلة عن العباد رحمه بهم ليكثروا في طلبها في تلك الليالي الفاضلة بالصلاة والذكر والدعاء فيزدادوا قربة من الله تبارك وتعالى.

إقرأ أيضاً: كيف يُمكن للمرأة الحائض قيام ليلة القدر؟

رابعاً: علامات ليلة القدر

هناك علامات تعرف بها ليلة القدر ذكرها لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومنها:

1. أنّها ليلة سمحة طلقة لا حارة ولا باردة، كما قال صلّى الله عليه وسلّم: «ليلةُ القدْرِ ليلةٌ سمِحَةٌ، طَلِقَةٌ، لا حارَّةٌ ولا بارِدَةٌ، تُصبِحُ الشمسُ صبيحتَها ضَعيفةً حمْراءَ». رواه ابن خزيمة.

2. أنّ الشمس تطلع في صبيحتها ليس لها شعاع صافية ليست كعادتها في بقية الأيام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «صبِيحةَ ليلةِ القدْرِ تَطلُعُ الشَّمسُ لا شُعاعَ لها؛ كأنَّها طِسْتٌ حتى تَرْتَفِعَ». رواه مسلم.

إقرأ أيضاً: علامات ليلة القدر وفضلها وأدعيتها

خامساً: ماذا يفعل المسلم في يومها

إحياؤها بالتهجد وكثرة الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ».

كثرة الدعاء في تلك الليلة، خاصة دعاء عائشة رضي الله عنها حينما قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: «قلتُ يا رسولَ اللَّهِ أرأيتَ إن عَلِمْتُ أيُّ لَيلةٍ لَيلةُ القَدرِ ما أقولُ فيها قالَ قولي اللَّهمَّ إنَّكَ عفوٌّ كَريمُ تُحبُّ العفوَ فاعْفُ عنِّي».

كثرة قراءة القرآن والذكر والاستغفار، فاجتهدوا رحمكم الله في طلبها فهذا أوان الطلب واحذروا من الغفلة ففي الغفلة العطب.

إقرأ أيضاً: كيف تحيي ليلة القدر بالشكل الصحيح

وكما قال الشاعر عن تلك الليلة المباركة:

تولي العمر في ســـهو *** وفي لهو وفي خسر

فيا ضيعة مــــا أنفقـــت *** في الأيام من عمري

ومالي في الذي ضيعت *** من عمري من عذر

فما أغفلنا عن واجبات *** الحمد والشكر

أما قد خصنـــــــــــا الله *** بشهر أيما شهر

بشهر أنزل الرحمـــــن *** فيه أشرف الذكر

وهل يشبهه شهــــــر ***وفيه ليلة القدر

فكم من خيـــــر صــــح***بما فيها من الخير

روينا عـــــن ثقـــــــات *** أنها تطلب في الوتر

فطوبــى لا مـــــــــرئ *** يطلبها في هذه العشر

ففيها تنــــزل الأمـلاك *** بالأنوار والبر

وقد قال سـلام هــــي*** حتى مطلع الفجر

ألا فادخروهـــــا إنهـــا ***من أنفس الذخر

فكم من معتق فيــها *** من الناس ولا يدري

وختماماً اللَّهُمَّ اجعلنا ممّن صام الشهر وأدرك ليلة القدر، وفاز بالثواب الجزيل والأجر، اللهم وفقنا لاغتنام الخيرات وضاعف لنا في الدرجات واجعلنا ممّن غنم في هذا الشهر أوفر الحظ والنصيب إنّك سميع مجيب يا أرحم الراحمين وصلّى الله وسلّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم.

 

المصدر: موقع الأسرة السعيدة




مقالات مرتبطة