نصائح لدخول حالة من التركيز الكامل

ليس من السهل في عالم اليوم المليء بمشتتات الانتباه التركيز على شيء واحد تماماً، بين طنين الإشعارات المستمر على هاتفك وتحديثات وسائل التواصل الاجتماعي تحتاج إلى قدرة هائلة من ضبط النفس لتتوقف عن التصفح؛ فالاستسلام للرغبة في الاستمرار بالانتقال من منشور إلى آخر سهل، لكن لدخول حالة التدفق فوائد تفوق بكثير السعادة اللحظية الناتجة عن هذا الاستهلاك غير الواعي على الأمد القصير.



مكتشف حالة التدفق:

كان في "جامعة شيكاغو" (University of Chicago) في السبعينيات أستاذ يدعى "ميهالي كسيسنتميهالي" (Mihaly Csikszentmihalyi)، وقد كان مهووساً بمعرفة كيف يصرف الفنانون انتباههم بعيداً عن العالم من حولهم حين يعملون؛ لذا درس كيف ينهمك المبدعون تماماً في مشاريعهم لدرجة أنَّهم ينسون مؤقتاً أشياء أخرى مثل الطعام والماء، فسافر حول العالم للقاء الرياضيين والفنانين والموسيقيين، وخلال عشرات المقابلات ذكروا دائماً الكلمة نفسها: "التدفق".

بينما كان كسيسنتميهالي يجري بحثه عمَّا يسمى "حالة التدفق" (Flow state)، لاحظ أمراً هاماً، أولئك الذين يمرون بالتدفق شعروا بسعادة من العملية التي أدت إلى حدوثه أكبر من سعادتهم بالنتيجة النهائية؛ بمعنى آخر ينبع التدفق من الرحلة وليس الوجهة.

التدفق ليس شعوراً لحظياً جميلاً، ويؤكد العلم ذلك؛ إذ قارنت إحدى دراسات كسيسنتميهالي بين المراهقين الأمريكيين الذين يفضلون الأنشطة "عالية التدفق" التي من المحتمل أكثر أن يصلوا عند ممارستها إلى حالة التدفق مثل الهوايات والرياضة النشطة، ومع أولئك الذين يختارون أنشطة "منخفضة التدفق" الأقل احتمالاً أن يصلوا عند ممارستها إلى حالة التدفق، وتبيَّن أنَّ أفراد المجموعة الأولى يتمتعون بمستويات أعلى من احترام الذات والسعادة طويلة الأمد والنجاح الاجتماعي والأكاديمي والوظيفي مقارنة بالمجموعة الثانية.

الوصول إلى حالة التدفق:

يمتاز الشخص الذي يتحكم بوعيه بقدرته على تركيز انتباهه على ما يشاء متى يشاء، دون أن تقطع تركيزه مشتتات الانتباه، والتركيز للمدة التي يتطلبها تحقيق الهدف وليس لفترة أطول.

عندما يكون الشخص قادراً على تنظيم وعيه للوصول إلى حالة التدفق قدر الإمكان، ستتحسن حياته حتماً، ولا حاجة لأن تكون فناناً أو رياضياً أو موسيقياً كي تشعر بالتدفق، لكن ربما يجب عليك إطفاء هاتفك؛ لأنَّ الوقت مكون من أجزاء صغيرة يمكن أن تضيع منك بسهولة بين مكالمات الفيديو والاجتماعات والتحقق من البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية أو وسائل التواصل الاجتماعي.

تمنعك هذه النشاطات القصيرة من الوصول إلى حالة التدفق؛ لأنَّ عقولنا مصممة لتكون سريعة التشتت، على سبيل المثال عندما تخوض محادثة مع شريكك أو صديقك ويشتت صوت إشعار من هاتفك انتباهك، يمكنك إلقاء اللوم على التطور.

ففي حين نجا جنسنا البشري بفضل قدرة البشر القدامى على لحظ أقل حركة من حيوان مفترس بين الأعشاب القريبة، إلا أنَّ هذه السمة التطورية لا تحمل القيمة نفسها في العالم الحديث، وهذا سبب كون الهواتف الذكية والضجيج المستمر لوسائل التواصل الاجتماعي سيئين للغاية.

تحدث حالات التدفق عندما تنغمس بعمق في العمل عندما تنسى كلَّ شيء آخر في الحياة، لكن يمكنك أيضاً تحفيزها عن طريق إطلاق العنان لمخيلتك، على سبيل المثال إذا شعرت أنَّك بعد يوم حافل من العمل لم تنجز شيئاً، حاول تنظيم يومك ومارس أحلام اليقظة أو اخرج في نزهة طويلة دون وجهة محددة؛ اترك مساحة في ذهنك لتتدفق الأفكار فإنَّك تجد الإلهام عندما لا تتوقعه.

شاهد بالفديو: 12 عادة لتعزيز القوة الذهنية

6 نصائح للوصول إلى التدفق:

1. تخلَّص من عوامل التشتيت:

ضع هاتفك في وضع الطيران أو ضعه في غرفة مختلفة وأوقف الإشعارات واستخدم تطبيقات مثل "مومنت" (Moment) أو "سكرين تايم" (Screen Time)؛ وذلك لمنع نفسك من الوصول إلى التطبيقات المشتتة للانتباه، وإذا اضطر الأمر أطفئ شبكة الإنترنت على الكمبيوتر المحمول.

2. غيِّر مكانك:

إذا لم تشعر بالإلهام في مكان عملك المعتاد، انهض وغادر واخرج للمشي أو اعمل في الخارج وابحث عن ركن مختلف في منزلك أو مكتبك يمكنك الاسترخاء فيه.

3. اربط التدفق بنشاط تحبه:

ادمج التدفق مع نشاط يسرع وصولك إليه، على سبيل المثال، اعزف أو ارسم أو استمع إلى الموسيقى؛ ركز أولاً ثم انتقل إلى النشاط التالي.

4. حرك جسدك:

تؤثِّر الحالات الجسدية في الحالات الذهنية، فإذا كنت تشعر بالخمول ولا تستطيع التركيز، انهض وتحرَّك وسر بين غرف منزلك أو حول مكتبك أو مارس بعض التمرينات الخفيفة ثم عد إلى العمل.

إقرأ أيضاً: أهم المعلومات عن حالة الخمول وطرق علاجها

5. تأمل:

ابدأ بعشر دقائق في الصباح، فإذا كان بإمكانك تدريب ذهنك على التركيز في أثناء عدم القيام بأيِّ شيء على الإطلاق، سيسهل عليك الدخول في حالة التدفق عندما تكون في حالة نشاط.

6. خصِّص وقتاً للتدفق:

هذا أسهل وأصعب شيء فإذا لم تخصص الوقت لفعل شيء فلن تفعله؛ لذا لا تترك التدفق للصدفة؛ بل خصص وقتاً في جدولك للعمل بتركيز ووقتاُ للإبداع، فإذا سمحت لجدولك بالتحكم بك، فلن تدخل في حالة التدفق أبداً.

لتكن الجائحة محفزاً للتدفق، فبعد أن ألغى الحجر الصحي ثمة كثير من الأنشطة التي توهمنا بالإنتاجية؛ لذا إذا كان بإمكانك تجنُّب ملء جدولك بمهام قصيرة تقاطعك ومقاومة الرغبة في تفقُّد هاتفك، يمكنك إزالة المشتتات في يومك واستعادة الوقت والمساحة اللازمين للوصول إلى التدفق.

في الختام:

يتطلب الوصول إلى حالة التدفق جهداً، فمن الأسهل الاستسلام للمشتتات والاستسلام للانشغال باسم الإنتاجية دون إنتاج شيء يذكر، لكن إذا بذلت الجهد للوصول إلى التدفق فستجني الفوائد.

النبأ السار هو أنَّ التدفق يعزز رغبتك فيه، فكلَّما شعرت به زاد سعيك إليه؛ لذا توقف بعد قراءة هذا المقال وفكر فيما يمكنك فعله اليوم للدخول في حالة التدفق، ابدأ فقط بشيء بسيط وإذا التزمت به ستكون قريباً في طريقك إلى  السعادة والنجاح.

المصدر




مقالات مرتبطة