ممارسة الاستسلام

يواجه كلٌّ منا المشاعر السلبية بطريقته الفريدة؛ فقد يميل بعضنا لمعرفة كيفية الاستفادة من المشاعر السلبية للوصول إلى النضج العاطفي وزيادة الوعي، وفهم كيفية عمل هذه المشاعر كأداة مساعدة على النمو؛ حيث ينأى هؤلاء بأنفسهم بعيداً عن المشاعر السلبية عبر محاولة السيطرة الذهنية عليها للحفاظ على صحتهم النفسية.



كما يسعى بعضنا إلى خلق مسافةٍ آمنة بعيداً عن هذه المشاعر باتباع بعض الاستراتيجيات، مع التركيز على كيفية تغييرها وتحسينها، أو إظهار المشاعر الإيجابية والتمسك بها. ويدير آخرون المشاعر بتحويلها إلى قصص سردية وسردها باستمرار لأنفسهم والجميع من حولهم.

سواء فهمنا طبيعة المشاعر السلبية أم سعينا لنتعلم الدروس من تجاربنا الفاشلة أم استعملنا طريقة شرح ورواية المشاعر، فكلها حيل ذكية يتبعها البشر لإيجاد طرائق لعدم الشعور بالمشاعر السلبية مباشرةً.

وهناك مَن يحاول تجنُّب الشعور بالمشاعر تماماً، من خلال نقلها إلى الآخرين باللوم. والفكرة سواء تعاملنا مع المشاعر السلبية بطرائق حكيمة، مثل فهمها، والتعلم منها، ودراستها، والتلاعب بها، وإدارتها، وإصلاحها، أم تجنَّبناها بتحميل العوامل الخارجية مسؤوليتها؛ فنحن على درجة عالية من الذكاء لإيجاد طرائق عدم الشعور بمشاعر الإخفاق مباشرة.

تعلَّمنا منذ نعومة أظافرنا عدم إظهار مشاعرنا، وبالتأكيد علينا ألا نترك المشاعر السيئة تنمو وتتكاثر داخلنا، فنحن لا نريد أن نعاني؛ لذا نخلق مسافة أمان بعيداً عنها، ونختبئ خلف كثيرٍ من استراتيجيات الحماية الذاتية. ونظن أنَّنا إذا استسلمنا لإظهار مشاعرنا الحقيقية فقد لا ننجو من آثارها المدمِّرة.

ولكن تكمن هنا إحدى أعظم أسرار الحياة؛ إذ تعمل المشاعر آلياً وتدريجياً. فبقدر ما نتوقف عن محاولة تغيير مشاعرنا أو التلاعب بها ونحاول الإحساس بالعواطف الحقيقية مثلما هي؛ ستتحسن مع الوقت. فتذهب المشاعر السلبية في حال سبيلها تدريجياً، حالما نعطي أنفسنا مطلق الحرية للإحساس الحقيقي دون سرد القصص المبررة، أو تطبيق نظريات تجنُّب إظهار الشاعر. وبخلاف ذلك، بقدر ما نتجاهل ونبتعد عن مشاعرنا الحقيقية؛ ستتعقد مع الوقت.

لن تشعر بالراحة عندما تستسلم أول مرة لخروج المشاعر السلبية بهذه الطريقة السهلة، التي لا تُعَدُّ هيِّنةً في الوقت نفسه. لن تشعر مباشرةً بجدوى تدفُّق المشاعر السلبية دون تنظيمٍ أو إدارة ذهنية للموقف. وسيبدو الأمر مضيعةً للوقت، وهذا الشعور بحد ذاته سيوسع دائرة المشاعر السيئة التي تحاول إخراجها إخراجاً صحياً. إذاً لماذا سنحتاج إلى الشعور بها بعدُ، ولم علينا مواجهتها مباشرةً؟ وكيف سيساعد ذلك؟

حقيقةً سيبدو تقبُّل وجود مشاعر سلبية مباشرةً دون الاحتماء بخواطر لتأليف قصة درامية حولها، أو الاستعانة بنظريات دحضها وتجاهلها، للوهلة الأولى مربكاً للعقل الذي يحاول استعادة النظام القديم وإحباط مساعي الطرائق الجديدة لإطلاق المشاعر السلبية بحرية؛ ولكنَّ الواقع سيعكس راحةً عظيمة بعيداً عن الخواطر الذهنية.

شاهد: 8 أمور يجب القيام بها عندما ترغب في الاستسلام

تخلَّ عن مسؤولية التغيير:

عندما تُطلَق المشاعر بحريِّة، من الداخل إلى الخارج، فستتغير من تلقاء نفسها تغييراً مذهلاً. كما اتضح أنَّ المشاعر نفسها تستطيع عن طريق التروِّي توليد طاقة للتغيير والتحسن. لن تحتاج إلى التدخل وإدارتها في كل مرة. كل ما كان عليك فعله، الابتعاد والسماح بإظهارها بحريَّة للتعايش معها. وبهذا، ستخف حدة المشاعر وتتحول من تلقاء نفسها.

فاختبار المشاعر السيئة لمرة سيحدِث فرقاً مباشراً، ويؤثر في الجسم وصحة القلب تأثيراً خاصاً؛ وهذا سيخفف المعاناة الداخلية. ومن المفارقات، أنَّك تتعلم مهارة الاستسلام من مشاعرك. ففكرة الاستسلام لواقع المشاعر السيئة سيعمل على تغييرها من تلقاء نفسها، وتطبيق المَثل القائل إنَّ أفضل طريقة للتعامل مع العاصفة هي انتظار انقضائها؛ وذلك لأنَّ أي جهود لتجنُّب الأمر ستبوء بالفشل، وقد تسبب أضراراً جسيمة.

إقرأ أيضاً: نصائح مهمة للتخلّص من مشاعر الحزن

عند المخاطرة بالسماح لقلبك بأن يشعر بما يرغب فيه دون قيود، فستشعر بسحر تجربة التغيير الغامضة على أرض الواقع.

ستكشف هذه الممارسة عن إمكانية الاستسلام للحياة، وتبديل معتقد التغيير المتعمَّد للمشاعر الداخلية، أو إدارة التجربة العاطفية بيقظة للوصول إلى النتيجة المرجوة. ستمكنك المخاطرة من البقاء على سجيتك في أثناء القيام بالعمل بطريقة مختلفة. فالحصول على نعمة التجربة الحقيقية، سيدفع الأمور للتحسن والتطور بما في ذلك نضجك الذاتي.

تدفعنا المخاطرة بترك التحكم لتجربة السير مع تيار الحياة نحو الأمام، بصرف النظر عن محاولة العقل إقناعنا بأنَّنا في موقع المسؤولية. فما نتعلمه من خلال هذه الممارسة هو مواكبة التغيرات قلباً وقالباً. فهذا يوحِّد التجارب ضمن كيانٍ واحد ونفسٍ واحدة، ويخلق انسجاماً يساعد على تجاوز الأوقات العصيبة بسلام، بدلاً من التجارب المتذبذبة بين ما نبديه وما نشعر به ونحاول السيطرة عليه.

كما تدفعنا هذه الممارسة لاكتشاف قدرة المشاعر على التغيير من تلقاء نفسها تغييراً واعياً تدريجياً للشعور بتحسن. وبهذا يمكننا الاسترخاء والسير مع التيار برويَّة، والثقة بمجريات الحياة، ونعمة التسليم، والثقة بعملية التغيير نفسها لأنَّ كل ذلك يحدث من تلقاء نفسه في وقته المناسب.

المصدر




مقالات مرتبطة