مقايضة إكراميات المطاعم مقابل تحقيق مشاركةٍ أفضل في العمل

يعمل ما يقرب من 10 ملايين أمريكياً في مجال المطاعم، والتي تُعَدُّ واحدةً من قطاعات الأعمال القليلة الدخل؛ إذ المرتَّبات أقل من الحد الأدنى الفيدرالي للأجور الذي قدره 7.25 دولاراً في الساعة.



تُظهِر البيانات الحالية لوزارة العمل الأمريكية أنَّ 19 ولايةً أميركية ما زالت تدفع إلى عمال المطاعم "الحد الأدنى الفيدرالي للإكراميات"، الذي قدره 2.13 دولاراً في الساعة، في حين أنَّ 7 ولاياتٍ فقط تفرض أجراً أعلى من الحد الأدنى الفيدرالي، بينما تأتي الولايات الـ 24 المتبقية في منتصف تلك السلسلة.

وعلى مدى عقودٍ من الزمان، كان من المتوقع أن يحصل النُّدُل وعمال الصالة والمديرون وما إلى ذلك على الحصة الأكبر من أجورهم من خلال الإكراميات.

أزمة معدل دوران القوى العاملة:

ولكن، ما مدى روعة هذا النظام في الحقيقة؟ عندما يواجه قطاع المطاعم معدلات دوران قوى عاملة تتراوح بين 44% و100%؛ يكلفهم هذا نحو 4.3 مليار دولار كنفقات توظيف وتدريب للعمال كل عام.

وكما يعلم أيُّ شخص عمل في مطعمٍ من قبل، فإنَّ هذه ليست الوظيفة الأكثر استقراراً؛ إذ لا يحصل الجميع على النسبة نفسها من الإكراميات في نهاية كل يوم عمل، وقد يؤدي انحسار العمل إلى ضعف الدخل، كما أنَّ الغالبية العظمى من وظائف المطاعم تفتقر إلى المقومات الأساسية كالتأمين الصحي، أو الإجازات السنوية أو المَرضية، أو حتى إلى جدول عملٍ أسبوعي دقيق.

خذ الحقيقة من الموظفين:

"تُوفِّر المطاعم الكثير عبر إلزام طاقم الخدمة إنجاز أكبر قدر ممكن من العمل، وفضلاً عن أنَّ هذا يُعَدُّ مخالفاً للقانون وغير أخلاقي، فإنَّه أحد أسباب التلوث الغذائي وإصابات مكان العمل؛ فعندما كنت نادلة، كان علينا تنظيف الحمامات وكان الناس يتركونها في حالةٍ مثيرةٍ للاشمئزاز".

"على الرغم من تمتُّع مديري المطاعم عادةً بامتيازاتٍ إضافية، كأسبوع إجازة والحصول على تأمينٍ صحي جماعي، إلا أنَّهم لا يحققون أداءً أفضل بكثير من الموظف العادي الذي يعمل بالساعة؛ فمن الشائع أن يعمل مديرو المطاعم من 60 إلى 70 ساعة في الأسبوع، يقضون منها 12 إلى 15 ساعة في اليوم واقفين على أقدامهم، كما أنَّ المديرين وكذلك الموظفين بنظام الساعات، مُطالَبون بالعمل حتى في حالة المرض".

كان هذا ما علَّقَت به على التوالي، النادلة "لين روتش" (Lynn Roach)، ومديرة المطعم لفترة طويلة "لوري فليمنج" (Lorre Fleming)، على مقالٍ حديثٍ للصحفي "بيل مويرز" (Bill Moyers) يتحدث فيه عن الوضع، وقد دعا الصحفي "مويرز" العاملين في المطعم إلى الحديث عن تجاربهم في العمل، وأظهرت التغذية الراجعة التي قدموها أنَّ هناك سبباً وجيهاً لكون معدلات دوران القوى العاملة في هذا القطاع كبرى إلى هذا الحد.

"ذا هوسبيتاليتي غيلد" (The hospitality Gild)؛ وهو اتحادٌ لأصحاب المطاعم يهدف إلى تعزيز الكفاءة المهنية في هذا المجال، يتحدث بكل صراحة:

"إنَّ ساعات العمل الطويلة مع غياب التقدير الكافي أو أيِّ زيادةٍ على الأجور، تُجبر العمال على تغيير وظائفهم، كما أنَّ الأجور المنخفضة أو قلة الامتيازات المُقدَّمة أو انعدامها أحياناً، لا تساعد على تعزيز ولاء الموظفين؛ إذ أفاد نحو 50% من مديري المطاعم أنَّهم لا يتوقعون الاستمرار في مزاولة العمل نفسه خلال السنوات الخمس القادمة".

شاهد بالفديو: 8 شروط يجب توافرها لضمان نجاح الحوافز

الإكراميات ممنوعة:

يمكنك بالتأكيد تشغيل مطعم يكون معدل دوران القوى العاملة فيه عالياً؛ لكن لماذا تريد ذلك؟ وإلى متى سيستمر هذا؟ لقد أصبحت العديد من المطاعم أكثر حكمةً في التعامل مع أزمة المشاركة هذه، وباتت تجرِّب اتباع أساليب جديدة لجعل الموظفين أكثر سعادة وصحة.

حظر مطعم "سموك آند ووتر" (Smoke and Water) الكندي في مقاطعة "بريتيش كولومبيا" (British Columbia)، الإكراميات كلياً في العام الماضي، وبدأ بدفع أجور معيشة جميع الموظفين، بما يتراوح بين 20 و24 دولاراً كندياً (18.37 إلى 22.05 دولاراً أمريكياً) في الساعة للنادلين، ومن 16 إلى 18 دولاراً كندياً (14.70 إلى 16.53 دولاراً أمريكياً) في الساعة لعمال المطبخ.

وقد سئم المالك "ديفيد جونس" (David Jones) من "الظلم الفادح" الذي يقع عندما يقوم النُّدُل وموظفو الواجهة الأمامية بدسِّ معظم الإكراميات في جيوبهم، بينما يحصل قسم المطبخ والموظفون في الواجهة الخلفية على الفتات حرفياً، وهو أمرٌ شائعٌ جداً، وقد عبَّر "جونز" عن رأيه في زيادة الأجور قائلاً: "إنَّ الدفع إليهم بهذه الطريقة يساعدهم على شق طريقهم سعياً وراء مهنة".

يتم تعويض الزيادة في الأجور جزئياً بزيادة الأسعار على قائمة الطعام بنسبة 18%. ولكن مع استقرار متوسط ​​الإكرامية ليتراوح بين 15 و20%، ما يزال الزبائن يدفعون المبلغ نفسه تقريباً مقابل ليلةٍ من الخدمة الجيدة، وفي الوقت نفسه، لا يقلق النُّدُل وطاقم الخدمة بشأن الفواتير التي يترتب عليهم سدادها.

وأضاف "جونز": "عندما تتخلص من الإكرامية، تجد أنَّك حصلت على مزيدٍ من النادلين المتمرسين، وأنَّك قادر على تحسين جودة طاقم عمل الواجهة الخلفية".

إقرأ أيضاً: 6 طرق تُحفّز الموظفين على العمل

العاملون المالكون:

مضى مطعم "بار ماركو" في مدينة بيتسبرغ (Bar Marco in Pittsburgh) قُدماً بموضوع مقايضة الإكراميات في مقابل المشاركة؛ إذ عرض على العاملين بدوامٍ كامل مرتباً أساسياً قدره 35 ألف دولار، يُضاف إليه تعويضات الرعاية الصحية و500 سهم؛ علاوة على ذلك، ضمن للموظفين العمل لـ 40 إلى 44 ساعة في الأسبوع، إضافةً إلى ليلتين إجازة في الأسبوع، و10 أيام إجازة في السنة. كل ذلك مقابل العمل من دون إكرامية.

ما تزال هناك مجموعة من العاملين بدوامٍ جزئي، لكنَّ أجورهم ارتفعت إلى ما يتراوح بين 10 إلى 12 دولاراً في الساعة.

لا يخطط أحد مُلَّاك المطعم "روبرت فراي" (Robert Fry) لزيادة أسعار لائحة الطعام لتعويض الأجور، وبدلاً من ذلك، اختار التركيز على توسيع اللائحة وزيادة الحجم الإجمالي للمبيعات، ويتوقع "فراي" من خلال هذا الاتفاق بذل مزيدٍ من الجهد من قِبل موظفيه، فهو يعيِّنهم في مجلس الإدارة ويعطيهم عقود عمل، ويترافق ذلك مع العديد من المسؤوليات الإضافية كحضور الاجتماعات المالية مرتين في الشهر، والتصرف عموماً كمالكين للمطعم أكثر من كونهم موظفين.

وأضاف "فراي": "نريد شفافية تامة، ونحتاج إلى وجود أشخاصٍ يريدون أن يكونوا جزءاً ممَّا نقوم به، ويرغبون في أن يكبروا معنا"، وعلى الرغم من أنَّ نتائج تجربة "فراي" لم تظهر بعد، لكن من المؤكد أنَّه كلما جعلتَ الموظفين يفكرون كالمالكين، كان ذلك أفضل لتعزيز المشاركة في العمل.

إقرأ أيضاً: كيف تعزز وتحفز مشاركة الموظفين في العمل؟

على طريقة واشنطن:

السؤال الأهم هو، هل سيؤثر دفع أجر المعيشة إلى طاقم الخدمة في جودة خدماتنا وزيادة سعر وجبات العشاء لدينا؟ وإذا كانوا لا يعملون من أجل الحصول على إكراميات بعد الآن، فمن أجل أيِّ غاية يعملون؟

إذاً، تكمن الفكرة في جعلهم يشعرون بأنَّهم يعملون لصالح شركة تهتم برفاهيتهم، وتفعل كل ما بوسعها لضمان جودة الخدمة وتحقيق الكفاءة، فإذا كانت ما تزال هناك أيُّ شكوك حول ما إذا كان مطعم ما سيحقق نجاحاً بينما يدفع أجور معيشة، فلينظر المرء وحسب إلى ولاية واشنطن، التي يُعَدُّ الأجر الأساسي الذي يُدفَع إلى طواقم الخدمة فيها (وقدره 9.32 دولاراً في الساعة) هو الأعلى في البلاد.

إنَّ من الخطأ الاعتقاد بأنَّ دفع أجرٍ لائقٍ لطاقم الخدمة يؤثر سلباً في الخدمات المُقدَّمة، فالمطاعم في ولاية واشنطن ليست أغلى ممَّا هي عليه في أيِّ مكان آخر، ومستوى الأداء الذي يقدمه طاقم الخدمة لم يتأثر على الإطلاق.

في الختام:

لكي نكون منصفين، هناك بالتأكيد مطاعم تعمل على الإكراميات، وتُعامل موظفيها بشكل جيد، وتؤمِّن لهم بيئة عملٍ مريحة، لكنَّ القضية الرئيسة المتعلقة بمطاعم مثل "بار ماركو" (Bar Marco) و"سموك آند ووتر" (Smoke and Water)، هي الارتقاء بعمل المطاعم ليصبح مشابهاً لوظيفةٍ ذات أجرٍ عادي، والتخلي عن ذلك الترابط غير المُبرَّر بين إكراميات الزبائن وممارسات العمل الظالمة، لضمان سعادة موظفيهم والتزامهم بالعمل هناك.

وقد تكون مقايضة الإكراميات في مقابل المشاركة هي الحل الأكثر فاعلية.

المصدر




مقالات مرتبطة