مفهوم الصلابة النفسية وكيفية تقويتها

في ظل الظروف الصعبة التي تعاني منها أغلب المجتمعات اليوم، كان مفهوم الصلابة النفسية أحد طرائق ترويض هذه الظروف وتوجيهها للبناء بدلاً من الهدم؛ ولذلك وانطلاقاً من الأهمية الكبيرة لهذا المفهوم سنتحدث في هذا المقال عن الصلابة النفسية وكيفية تقويتها.



أولاً: ما هي الصلابة النفسية؟ وما هي أهميتها؟

الصلابة النفسية إن جاز التعبير إحدى الطرائق التي يستخدمها الإنسان للدفاع عن نفسه وتطويرها في نفس الوقت؛ وهذا يعني أنَّ الإنسان الذي يمتلك الصلابة النفسية لن يقف في نفس المكان الذي كان عليه قبل مواجهة الأزمات والمصاعب والضغوطات؛ بل سيستغل ظروفه الصعبة هذه ويجعل منها حافزاً لتنمية وتطوير شخصيته، كما أنَّه سيكون قادراً على تجاوز مشاعر اليأس والعجز بنظرته التفاؤلية وإحساسه بأنَّ القادم أفضل، إيماناً منه أنَّ كل شيء مكتوب وهو بيد الله عز وجل؛ وهذا ما يجعله متأكداً أنَّ ما بعد الضيق إلا الفرج.

لقد قدَّمت "سوزان سي كوبازا" المفهوم العام للصلابة النفسية، وقد عَدَّته من سمات الشخصية التي تُبقي الشخص بصحة جيدة على الرغم من تعرضه لظروف صعبة، وقد أوردت "كوبازا" تعريفاً إجرائياً للصلابة النفسية فقالت: "الصلابة النفسية مجموعة من السمات تتمثل في اعتقاد أو اتجاه عام لدى الفرد في فاعليته وقدرته على استغلال كل المصادر النفسية والبيئية المتاحة كي يدرك بفاعلية أحداث الحياة الضاغطة الشاقة إدراكاً غير محرف أو مشوه، ويفسرها بواقعية وموضوعية ومنطقية، ويتعايش معها على نحو إيجابي".

الجدير بالذكر أنَّ "كوبازا" قد توصلت لهذا المفهوم بعد إجراء العديد من الدراسات التي كان هدفها معرفة السبب وراء احتفاظ الكثير من الأشخاص بصحتهم الجسمية والنفسية على الرغم من تعرضهم للضغوطات ومرورهم بتجارب قاسية؛ إذاً فإنَّ مفهوم الصلابة النفسية ينطوي على عدة معانٍ؛ كالتحمل والصبر والمواجهة والشفاء وأخيراً الوصول إلى مرحلة التطوير والارتقاء.

فالصلابة النفسية عبارة عن مزيج من ثلاثة مواقف هي الالتزام، وضبط النفس، والمواجهة، فامتلاك الإنسان للصلابة النفسية يجعل منه شخصاً قادراً على إدارة حياته بشكل أفضل، وعلى مواجهة الظروف الصعبة بعزيمة وقوة وتطويعها لخدمته، فبدلاً من كون هذه الظروف سبباً في تعاسته واكتئابه سيجعل منها طريقاً لفهم الحياة ومواجهتها؛ أي تحويل المحنة إلى منحة، وبناءً على هذا ربط الباحثون بين مفهوم الصلابة النفسية التي تضم في جزء كبير منها عوامل الوقاية، وبين تنمية الصحة النفسية، وعَدُّوها سلاحاً فعالاً في طريق النجاح وإثبات الذات.

لقد أكدت الكثير من الدراسات أنَّ الصلابة النفسية ترتبط بصحة الإنسان النفسية والجسمية؛ إذ إنَّ الأحداث المؤلمة والقاسية تسبب الكثير من الأوجاع التي تؤدي بطبيعة الحال إلى استثارة الجهاز العصبي الذاتي وتسبب إرهاقه؛ وهذا ما يؤدي إلى العديد من المشكلات الجسمية والنفسية.

هنا يبدأ دور الصلابة النفسية التي تعيد التوازن للجسم وتخفف من حدة الانفعالات؛ لأنَّ الأشخاص الذين يتمتعون بالصلابة النفسية هم أكثر قدرة من غيرهم على حل المشكلات وعلى النظر إلى الضغوطات بطريقة مختلفة وأقل تعقيداً، فلا يمكن أن نغفل تأثير الصلابة النفسية في قدرة الفرد على التكيف مع ضغوطات الحياة، ويبدون استجابات تكيفية أعلى مهما تغيرت من حولهم الظروف.

إذاً، الصلابة النفسية تحقق التوافق النفسي الذاتي والاجتماعي والمهني، ولها تأثير كبير في صعيد التوافق في العلاقة الزوجية، وتخفف إن لم نقل إنَّها تلغي التبعية العاطفية بين الزوجين، فهي تجعل الإنسان راضياً عن نفسه ومقتنعاً بقراراته ومدركاً لقدراته ومهاراته.

 أهمية الصلابة النفسية:

يتمتع الأشخاص ذوو الصلابة النفسية المرتفعة بالعديد من الخصائص والميزات، وهذه الخصائص هي بالضبط ما يدل على أهمية الصلابة النفسية، ويؤكد قيمتها وضرورة تمتع الإنسان بها، ومن هذه الخصائص نذكر ما يأتي:

1. القدرة على بناء علاقة اجتماعية سوية:

تشتمل على عنصرين هامين هما الأخذ والعطاء، فالكثير من الناس يفشلون في بناء وإدارة علاقاتهم الاجتماعية لأنَّها ترجِّح عنصراً على آخر؛ وهذا يسبب فشلاً في هذه العلاقات وتوتراً دائماً وغياباً للأمان، على عكس العلاقات الاجتماعية التي يبنيها الأشخاص ذوو المستويات المرتفعة من الصلابة النفسية، فتجد علاقاتهم متينة وقوية وتعزز الشعور بالانتماء لديهم، ويسودها التفاهم والطمأنينة.

2. قراراتهم تنبع منهم شخصياً:

فلا يتبنون آراء غيرهم ولا يحتاجون إلى مَن يملي عليهم أفكاره، وببساطة هم أشخاص مستقلون معتزون بأنفسهم، ولديهم قدرة عالية على تحمُّل ومواجهة الإحباط وحدهم والخروج من التجارب السيئة بصحة وعزيمة أقوى دون الضياع في دهاليز الأمراض النفسية والاضطرابات السلوكية.

3. غير متسرعين:

ولا يُنصِّبون العواطف والمشاعر حَكَماً على تصرفاتهم؛ بل على العكس تماماً فهم يفكرون جيداً قبل اتخاذ أي خطوة، وقادرون على حل المشكلات التي تواجههم؛ نظراً لتمتعهم بمستوى عالٍ من مهارة حل المشكلات، وإضافةً إلى هذا هم ليسوا انفعاليين، ويمتلكون القدرة على التحكم بأعصابهم؛ وهذا ينعكس على الخاصة الأولى التي تكلمنا عنها؛ لأنَّ القدرة على ضبط النفس من شأنها أن تقلل من المشكلات في أثناء التفاعل الاجتماعي مع المحيط.

4. إدارة الانفعالات السلبية أو الإيجابية:

فالصلابة النفسية تؤهل صاحبها لإدارة أي ظرف بشكل إيجابي ومنظم بكثير من الثقة والإحساس بالحرية.

5. العزيمة والإصرار:

أيضاً من الخصائص التي تُميِّز الأشخاص الذين يمتلكون مستويات عالية من الصلابة النفسية، وربما تأثير هذه الخاصة سيكون كبيراً في جميع الخصائص السابقة؛ لأنَّ المثابرة والاجتهاد يساعدان الشخص على المضي في طريقه مهما اشتدت المصاعب وقست الظروف.

من جهة أخرى، فإنَّ الأشخاص الذين لا يتمتعون بالصلابة النفسية تظهر عليهم أيضاً العديد من السمات والخصائص وسنذكر منها:

  1. غير قادرين على التفاعل بشكل إيجابي مع المحيط الاجتماعي.
  2. قدرتهم على احتمال الضغط والظروف الصعبة ضعيفة.
  3. لا يجدون هدفاً لحياتهم؛ وهذا يجعلهم فريسةً سهلة للاكتئاب والعزلة.
  4. لا يجيدون التعامل مع الآثار السلبية للأزمات التي يمرون بها وغالباً ما يستسلمون لها ويخضعون لآثارها ونتائجها.
  5. سلبيون وانهزاميون.

شاهد: 6 عادات خاطئة تقضي على صحتك النفسيّة

ثانياً: كيف تقوي الصلابة النفسية؟

كما ذكرنا آنفاً فإنَّ الصلابة النفسية هي مزيج من ثلاثة أبعاد: الالتزام، والضبط والتحكم، والمواجهة والتحدي؛ ولذلك فإنَّ زيادة وتقوية الصلابة النفسية لديك تتطلب منك تطوير هذه الأبعاد الثلاثة، فيجب أن تصبح شخصاً أكثر التزاماً وتقديراً لذاتك ولأهميتك وأهمية الحياة التي تعيشها وأكثر قدرة على ضبط نفسك في المواقف الصعبة، ولا تجعل عواطفك وانفعالاتك أسياداً عليك؛ بل استخدم عقلك دائماً، وفكر جيداً قبل اتخاذ أي قرار مهما كان بسيطاً، ولا تكن شخصاً مستسلماً وانهزامياً؛ بل درِّب نفسك على المواجهة والمثابرة والجد في العمل مهما اشتدت الظروف وزادت صعوبة، ومهما بدت المشكلات صعبة لا تهرب منها؛ بل ابذل جهداً لحلِّها.

تذكَّر أنَّك وفي هذا العصر تحديداً بحاجة دائمة إلى التعامل مع الظروف المتغيرة والمتجددة من حولك، والتي تحتاج منك كثيراً من القدرة على التحمل لتحقيق التوازن الداخلي والخارجي، وهذا لن يحدث إلا إذا تمكَّنت من الوصول إلى مرحلة تستطيع فيها تحقيق الانسجام بين ذاتك والظروف المحيطة بك وتعديل نظرتك للصعاب، بحيث تشعر أنَّك قادر على المواجهة والفوز دائماً.

إقرأ أيضاً: 9 نصائح لتنجح في تحقيق السعادة النفسيّة

ثالثاً: ما هو الفرق بين المرونة النفسية والصلابة النفسية؟

يستخدم الكثيرون مصطلح المرونة النفسية بدلاً من مصطلح الصلابة النفسية، ظناً منهم أنَّ المصطلحين يحملان نفس المعنى، لكن للأسف وعلى الرغم من الارتباط والتشابه بينهما، إلا أنَّهما لا يحملان الدلالة ذاتها؛ إذ إنَّ تعريفات كلا المصطلحين تتداخل وتتشابك مع بعضها؛ لذلك سنحاول تبسيط الفرق من خلال مثال بسيط.

فالمرونة النفسية تعني القدرة على التعامل مع الشدائد، وإذا تعامل شخص ما مع موقف سلبي مرَّ معه، يمكن وصف هذا الشخص بالمرونة النفسية، ولكنَّ السؤال هنا كيف تتعامل مع هذا الموقف؟ وهل تتمكن من خوض التجربة والتصرف بشكل إيجابي؟ وهل كان التعامل خيارك أم كان على مبدأ "مجبر أخاك لا بطل"؟ بمعنى أنَّه اضطر إلى التعامل مع المشكلة، وفي حال تكرر الأمر، قد يتعرض للانتكاس ولن يتعامل بنفس القوة مع ذات الموقف.

يمكن القول إنَّ الأشخاص ذوي الصلابة النفسية مرنون بالضرورة، في حين أنَّ الأشخاص المرنين ليسوا ذوي صلابة نفسية بالضرورة، فالشخص المرن ليست إحدى صفاته أن يكون إيجابياً بشكل دائم تجاه الظروف الصعبة والضغوطات، أما الشخص الصلب نفسياً فأهم صفاته النظرة التفاؤلية الدائمة.

يمكن القول إنَّ الشخص المرن سيكون قادراً على الوقوف بعد الوقوع، أما الشخص الصلب نفسياً لا يقف فقط؛ بل يتقدم ويتطور ويرتقي، وهذا هو الفرق بين المصطلحين.

إقرأ أيضاً: 8 خطوات لتصبح أكثر مرونة

في الختام:

من خلال ما سبق بات واضحاً أنَّ مفهوم الصلابة النفسية يعني قدرة الشخص على التعامل مع الظروف الصعبة التي يعيشها والخروج منها بصحة دون المساس بصحته الجسدية والنفسية، ويمكن اكتساب الصلابة النفسية من خلال التدريب والالتزام بالخطوات التي توصل الإنسان إلى الاستقرار النفسي وتعزز لديه نظرته الإيجابية للحياة.

المصادر: 1،2،3




مقالات مرتبطة