مفهوم الحزن الاستباقي وعلاماته والتعامل معه

ميَّز الله تعالى الإنسان بالكثير من المشاعر التي تتخذ أشكالاً مختلفة وتظهر على ملامح الإنسان في الكثير من الأحيان، ومن أبرزها مشاعر الحب التي تتجلى في العلاقات الأسرية والصداقات وغيرها، ومشاعر الفرح التي ترتبط بالرضى والسلام والأحداث الإيجابية في الحياة كالنجاحات الدراسيَّة والعمليَّة، ومشاعر الغضب التي نشعر بها عند تعرُّضنا لمواقف سيئة كالظلم أو الإهانة.



أمَّا مشاعر الحزن، فترتبط بالظروف غير الملائمة وبالخسارات سواء الخسارات المادية أم خسارة الأشخاص المقربين والأحبة أو خيبات الأمل الناتجة عن أحداث سيئة وظروف صعبة، وينتج عنها مشاعر أخرى كالكآبة أو اليأس، لكن كما لاحظنا فلكل شعور سبب معيَّن حدثَ فأدى إلى نشوئه، فهل يمكن أن ينشأ الشعور قبل وقوع الحدث المسبب له؟

نعم يحدث ذلك في كثير من الأحيان، فقد يشعر الإنسان بمشاعر الحزن قبل وقوع الحدث المسبب، وهذا ما يسمى بالحزن الاستباقي؛ وذلك لأنَّ الحزن قد سبق السبب.

يمكننا معرفة الحزن الاستباقي من خلال علامات تظهر على الشخص الذي يشعر به، فما هي العلامات وكيف يمكن للإنسان التعامل معه والتغلُّب عليه؟

هذا ما سنعرفه في مقالنا هذا.

مفهوم الحزن الاستباقي:

هو نوع من أنواع الحزن الطبيعي والشائع بين الناس، وعلى الرغم من كونه من أكثر المشاعر الإنسانية تعقيداً، فهذا الحزن لا يصيب الإنسان نتيجة موقف أو حدث سيِّئ حصل الآن أو سابقاً؛ وإنَّما حزن على نهاية متوقَّع أنَّها قادمة؛ أي إنَّ العقل يذهب باتجاه المستقبل ويتخيل الأسوأ، ثم تبدأ مشاعر التوتر والقلق والحزن حيال الخسارة القادمة.

على سبيل المثال، عند الدخول في علاقة عاطفية جديدة وعلى الرغم من الحماسة والاندفاع الموجود في بداية العلاقة، فغالباً قد تكون النهاية مرسومة في مخيلتك دون وجود أساس صحيح لذلك؛ ربما بسبب الآثار السلبية التي تركتها العلاقة السابقة في داخلك، فتبدأ مشاعر القلق والتوتر التي تتسبب في انهيار العلاقة الجديدة شيئاً فشيئاً، لتنتهي كما توقعت، لكن ليس لأنَّ توقعك هو الصحيح؛ وإنَّما لأنَّك ساهمت في تدهور العلاقة نتيجة حزنك الاستباقي.

أسباب الحزن الاستباقي:

يصيب الحزن الاستباقي الأشخاص الأكثر عاطفية والأقل قدرة على مواجهة المصائب والآلام؛ فهُم أسهل في الوقوع بشباك الأوهام والتخيلات، ويعزى السبب وراء الحزن الاستباقي لأمرين هما:

التجارب ذات النتائج السيئة التي مر بها الإنسان سابقاً فجعلته يفترض الأسوأ دائماً؛ فمثلاً عند مرض شخص مقرب بمرض خطير كمرض السرطان، ورؤية مراحل العلاج الصعبة أمام عينيك ومن ثم موت هذا الشخص، فقد يجعلك الأمر تعتقد أنَّ كل مُصاب بمرض السرطان نهايته الموت حتى إن خضع للعلاج على الرغم من شفاء العديد من الحالات يومياً.

كذلك بالنسبة إلى العلاقات الاجتماعية؛ فمثلاً تقرُّب شخص إليك في العمل بهدف حصوله على معلومات مفيدة لزيادة خبرته أو طمعاً في التفوق عليك، قد يجعلك تعتقد لاحقاً أنَّ كل شخص يتقرَّب إليك في العمل ليس حباً؛ وإنَّما لديه غايات أخرى على الرغم من أنَّ هذا الاعتقاد قد يظلم الكثيرين في الحياة.

الخوف قد يكون أيضاً هو السبب في الشعور بالحزن الاستباقي على الرغم من عدم وجود تجارب سيئة سابقاً؛ كالخوف من فقدان الأحبة؛ وذلك نتيجة الحب الشديد والتعلُّق بهم، أو الخوف من الموت يجعل الإنسان يتوهَّم أنَّه سيموت عند إصابته بأي مرض بصرف النظر عن خطورة المرض.

حتى التغييرات المفاجئة في الحياة تُشعر الإنسان بالخوف من المستقبل، والذي يدفعه إلى الحزن الاستباقي، مثل الانتقال إلى مدينة أخرى مضطراً؛ قد يجعله ذلك يعتقد بأنَّه غير قادر على التأقلم أو الشعور بالسعادة في المكان الجديد، وينطبق الأمر أيضاً على تغيير الوظيفة أو تغيير المنزل.

شاهد بالفيديو: 10 نصائح للحصول على الراحة النفسية

علامات الحزن الاستباقي:

الحزن الاستباقي يشبه الحزن الحاصل بعد الفقدان أو الخسارة في الكثير من العلامات، وسنذكر من العلامات التي تدل عليه ما يأتي:

1. الرغبة المستمرة في البكاء:

نتيجة تخيُّل الأشياء السيئة مثل موت شخص تحبه؛ إذ يؤدي بك هذا التخيل إلى البكاء الشديد على الرغم من وجوده في حياتك الآن.

2. الشعور بضغط عاطفي:

هذا ما تؤدي إليه المشاعر السلبية دائماً كالخوف والفراق، ولأنَّ الحزن الاستباقي يقوم على هذه المشاعر، فمن الطبيعي أن يشعر الفرد بالضغط العاطفي.

3. الشعور بالوحدة:

هذا الشعور مرَّ به الجميع عند لحظات الحزن وحتى مع وجود الأهل أو الكثير من الأصدقاء أو المقربين إلى جانبك، إلَّا أنَّ الإنسان يشعر بأنَّه وحيد جداً في لحظات الحزن، ولا أحد يستطيع التخفيف من حزنه.

4. الغضب والانفعال السريع:

يكون رد فعل الشخص الذي يعاني من الحزن الاستباقي مبالغاً به نوعاً ما، لكن نتيجة الضغط الذي يعاني منه قد يغضب بسبب أبسط الأشياء ويصل الأمر إلى الصراخ.

5. الابتعاد عن المناسبات الاجتماعية:

فهو شخص يعيش ضمن جو من الحزن غير المبرر بالنسبة إلى الآخرين، فعندما يتلقى دعوة لحضور مناسبة أو احتفال ما، يشعر بالضيق وغالباً يحاول إيجاد الأسباب التي تبرر عدم حضوره كي يكون محقاً في نظر الآخرين.

6. الرغبة في التحدُّث عن حزنه:

يرغب في إخراج الأفكار السلبية التي تدور في ذهنه، وهذه النقطة هي التي تجعل الأشخاص الآخرين يكتشفون معاناة هذا الفرد من الحزن الاستباقي.

7. التوتر والقلق:

كالقلق الذي يصيب الإنسان عند انتظار شيء معيَّن ليحدثَ والتوتر نتيجة التفكير في كيفية حدوثه؛ فمثلاً جميعنا مررنا بتوتر انتظار نتائج امتحان الثانوية العامة على الرغم من كوننا متفائلين بالحصول على نتائج جيدة، فلك أن تتخيَّل كمَّ التوتر الذي يشعر به الفرد إن كان بانتظار شيء سيِّئ.

8. جلد الذات:

إلقاء اللوم على النفس بسبب اعتقاد الشخص أنَّ بعض الأحداث السيئة تحدث بسبب عدم تقديره الجيد للأمور وعدم إدارتها بتعقُّل، ومن ثم سيكرر ذلك مع التجارب القادمة فيحمِّل نفسه أعباء ثقيلة، فهو غير مدرك أنَّ الإنسان سيقع في الكثير من المشكلات وسيفشل في بعض العلاقات بشكل طبيعي حتى إن كان على قدر كبير من الوعي والإدراك.

9. الاكتئاب:

هذا الاضطراب المزاجي ينتج عنه فقدان الاهتمام بجميع النشاطات التي يقوم بها الفرد وفقدان الشغف والاندفاع تجاه الحياة وانعدام الفرح تجاه أي نجاح، ومن ثم تبدأ الإرادة بالانعدام ليصل الشخص إلى رغبة في عدم القيام بأي نشاط يومي بسيط مثل إعداد الطعام.

10. عدم السيطرة على المشاعر:

نتيجة المشاعر السيئة التي يشعر بها طوال الوقت والضغط الذي يتعرَّض له؛ فنلاحظ أنَّه قد ينهار نتيجة موقف سيِّئ بسيط لا يستحق الحزن والبكاء.

شاهد بالفيديو: تقنيات تساعد على الهدوء والسيطرة على الغضب

 

كيفية التعامل مع الحزن الاستباقي:

بعد معرفة الأسباب والعلامات أصبح في إمكانك تشخيص الحالة لتعلم إن كانت حزناً استباقياً أم لا، وبالطبع لكل حالة نفسية طريقة تعامل معها تخفف من حدتها وتساعد على التغلُّب عليها، وتوجد بعض النصائح والأساليب التي تمكِّنك من التعامل مع الحزن الاستباقي، وهي كالآتي:

1. ابقَ في الوقت الحاضر:

لا يمكن أن يمنع الإنسان نفسه عن التفكير في المستقبل حتى إن قاده إلى الحزن، فذلك أمر يحدث دون قرار مسبق ولا يتوقف التفكير على أوقات الفراغ؛ وإنَّما قد تفكر في مستقبلك بينما تنهي أعمالك المتراكمة أو تعدَّ وجبة الغداء، لكن ما عليك فعله هو محاولة البقاء في الوقت الحالي والاندماج في اللحظة التي تعيشها من خلال التركيز فيما ترى وتسمع وتشم وتتذوق وتلمس؛ أي بملاحظة الحواس الخمس لتمنع عقلك عن الذهاب إلى المستقبل.

2. لا تنكِر مشاعرك:

قد تلجأ إلى إنكارها لأنَّها غير مبررة بالنسبة إلى الآخرين بعكس الحزن الذي يصيب الإنسان بعد وقوع مصيبة ما، وهذا ما قد يُشعرك بالذنب ثم استنكار المشاعر، لكن عليك التعامل مع الحزن الاستباقي على أنَّه أمر طبيعي.

إقرأ أيضاً: سايكولوجيا التصالح مع الذات

3. فكِّر فيما يمكنك فعله:

يجب عليك تقبُّل فكرة موت شخص تحبه أو مرضه؛ فهذا ليس أمراً يمكن تغييره؛ وإنَّما هو أمر مقدر وخارج عن السيطرة؛ لذلك الحزن والقلق لن يغير شيئاً؛ وإنَّما يزيد الأمر سوءاً، وما عليك فعله هو التفكير فيما يمكنك فعله الآن من تقديم مساعدة أو دعم معنوي للشخص المريض مثلاً كي يستطيع مواجهة مرضه بقوة، أو مثلاً ما هي الأمور التي يجب تجنُّبها كي لا تفشل في علاقتك العاطفية أو في عملك الحالي وتقع في نفس المشكلات السابقة مرة أخرى.

4. انظر إلى الحزن الاستباقي على أنَّه استعداد للمستقبل:

يمكن عدُّ الحزن الاستباقي نوعاً من التحضير للمستقبل؛ إذ يجعل الإنسان يتخيل حياته بعد موت شخص معيَّن أو بعد فراقه، ومن ثم قد يدفعه ذلك إلى تحضير نفسه للتغيير الذي قد يحصل في حياته الاجتماعية أو العملية.

لقد وجدت بعض الدراسات أنَّ الحزن الاستباقي أكثر إرهاقاً من الحزن الحاصل بعد الخسارة، فقد يكون السبب أنَّ الإنسان كان جاهزاً لهذه الخسارة؛ لذلك عليك قضاء وقت أكثر مع من تحب، وعليك إيجاد كل ما يُشعرك بالمتعة ويقلل من حزنك من نشاطات مسلية أو رحلات تساعد على تفريغ الطاقة السلبية وإعادة شحن طاقتك.

5. اطلب المساعدة:

وجود شخص يمكنه تفهُّم ما تمر وتشعر به أمر ضروري ويخفف من الضغط الذي تتعرَّض له، وقد يكون هذا الشخص هو مدرِّب حياة أو معالج نفسي أو شخص يعاني من نفس المشكلة كي تشارك معه ما تشعر به دون الاستخفاف بمشاعرك.

6. لا تستسلم للاكتئاب:

توجد العديد من النقاط التي تساعد على محاربة الاكتئاب؛ ومن أبرزها ممارسة الرياضة بشكل مستمر والابتعاد عن الأشخاص السلبيين ممن ينقلون التوتر والقلق من المستقبل إلى المحيطين بهم، إضافة إلى المحافظة على النظام الصحي المتوازن والابتعاد عن شرب الكحول أو الأدوية ذات التأثير المخدر بهدف نسيان الألم على حد زعم من يشربها.

إقرأ أيضاً: 21 طريقة بسيطة وفعالة لتجاوز الشعور بالاكتئاب

في الختام:

الحزن الاستباقي أمر طبيعي جداً ويعيشه الكثيرون نتيجة ما يتعرَّض له الإنسان من خيبات أمل متكررة، أو خذلان من الآخرين وفشل في العديد من العلاقات العاطفية أو العملية أو الاجتماعية، أو نتيجة الخوف من الوقوع في هذه الخيبات ومن فقدان الأحبة.

لكنَّ الحزن الاستباقي كالكثير من الحالات النفسية التي يمكن التعايش معها ومعاملتها بطريقة تخفف من آثارها السلبية في حياة الإنسان؛ إذ يجب على الإنسان عدم إنكارها؛ وإنَّما يجب تصديقها وعدها أمراً طبيعياً، وعليه التفكير فيما يجب أن يفعله في وقته الحالي كي لا تكون النتائج بالسوء الذي يتوقعه، أو كي يتجنب الوقوع في المشكلات المتوقعة.

من الهام وجود أشخاص تستطيع مشاركتهم ما تمر به دون خجل أو حاجة إلى وجود مبررات كالأصدقاء أو المعالجين النفسيين؛ وذلك لأنَّ وجودهم في حياتنا يساعد على عدم الاستسلام للمشاعر السلبية التي تقود إلى الاكتئاب غالباً.

المصادر: 1،2،3




مقالات مرتبطة