مفهوم التربية الذكية وأهم الخطوات لتطبيقها بشكل صحيح

انظر في محيطك، لا بد أنَّك ترى نماذج مختلفة من الأطفال، فبعضهم ذو لسان حادٍّ وبعضهم لطيف لدرجة تجعل أقرانه يستهزئون به، وبعضهم المشاغب الذي يقوم بكسر وتخريب ما يقع أمامه فيضع والديه في الكثير من المواقف المُحرِجة، وبعضهم واثق من نفسه يتكلَّم بوعي ويلعب بهدوء فيقف من يحيط به في حيرة من أمره، وكثيراً ما يقولون: "طفلاً أكبر من عمره"، فما هو السبب وراء تلك الاختلافات بين الأطفال؟



غالباً السبب الرئيس هو طريقة التربية المتبعة من قِبل الوالدين، وعلى الرغم من وجود الحب الفطري الذي يربط الأهل بأبنائهم، إلا أنَّهم قد يعتمدون أسلوباً خاطئاً في التربية، أو قد يعتمدون الطرائق التي اتُّبِعَت في تربيتهم، ولكنَّ أطفالكم خُلقوا لزمان مختلف عن زمانكم فالتطورات التي تحدث كل يوم وتدخل إلى بيوتنا من مختلف الجوانب جعلت الحياة مختلفة لدرجة لا يمكن مقارنة حياتنا الحالية بالحياة قبل 10 سنوات؛ لذلك من الضروري التعرف إلى التربية الذكية وكيفية تطبيقها كي تكون قادراً على التعامل مع طفلك بأكثر الطرائق حكمة.

مفهوم التربية الذكية:

التربية الذكية تعني تخلِّي المربي عن الأساليب القديمة للتربية واعتماد الأساليب التي تناسب العصر الحالي؛ وذلك بهدف بناء إنسان بشخصية متوازنة وواعية لما يجري من حولها تعتمد أسلوب الحوار بعيداً عن العنف والقسوة والصراخ، فسابقاً كان ينظر الأهل إلى طفلهم على أنَّه لا يفهم كثيراً ما يحدث ولا يدرك هذه الحياة، ولكنَّها نظرية خاطئة جداً؛ وذلك لأنَّ الطفل يفهم كل شيء في أسرته وفي مجتمعه أيضاً، وهذه هي الفكرة التي تعتمد عليها التربية الذكية.

لأنَّ التطور لم يترك جانباً من جوانب حياتنا إلا وقام باختراقه؛ فأصبح المجتمع بأمس الحاجة إلى تطوير أساليب التربية، فتدني مستوى الأجيال لا يؤثر في الفرد فحسب؛ إنَّما يؤثر في المجتمع والدول فيتسبب في تأخر تقدمهم بشكل ملحوظ.

خطوات لتطبيق التربية الذكية بشكل صحيح:

على الرغم من عدم القدرة على وضع خطة واضحة للتربية واتباع قواعد معينة نتيجة اختلاف كل طفل عن الآخر، فما يمكن أن يطبقه صديقك في تربيته لابنه قد يصعب عليك تطبيقه في تربيتك لطفلك، لكن توجد خطوات تساعد على تطبيق التربية الذكية بشكل صحيح، ونذكر منها ما يأتي:

1. تحديد السلوكات السيئة للطفل:

وهي أهم خطوة في طريق تصويب الأخطاء وتقويم سلوك الطفل، وطبعاً لا نعني التصرفات التي يقوم بها الطفل لمرة واحدة؛ إنَّما الأخطاء التي يكرر فعلها على الرغم من توجيه الانتقادات والتوجيهات إليه، إضافة إلى ضرورة وجود تناسب بين عمر الطفل والسلوكات الخاطئة.

من هذه السلوكات نذكر ما يأتي:

  • عدم الاهتمام بالنظافة الشخصية.
  • عدم الاهتمام بنظافة وترتيب غرفة نومه أو المنزل عموماً.
  • السرقة.
  • الكذب.
  • مشاهدة التلفاز لساعات طويلة.
  • العدوانية في التعامل مع الآخرين وخاصةً الأطفال.
  • اللسان البذيء والسخرية من الآخرين.
  • الخروج دون استئذان.
  • التأخر في العودة إلى المنزل.

2. وضع قواعد تمنع السلوكات الخاطئة:

فبعد تحديد السلوكات الخاطئة يجب وضع قاعدة معاكسة لها وتطبيقها بحزم، فمثلاً ترتيب السرير صباحاً قبل الساعة الثامنة، وعدم استخدام أشياء الآخرين دون استئذان.

3. اعتماد نظام الحوافز:

وتُعَدُّ هذه الطريقة مشجعة جداً لالتزام الطفل بالقواعد التي تم وضعها حتى تصبح ضمن سلوكاته مع مرور الزمن، فلا يحتاج إلى امتيازات ليقوم بها، ويجب مراعاة وجود تكافؤ بين المرحلة العمرية والمكافأة التي سيحصل عليها، فمثلاً طفل بعمر 4 سنوات إذا نام في الموعد المحدد يمكن مكافأته بالحلوى في اليوم التالي، أما طفل بعمر 13 سنة إذا التزم بالعودة في الوقت المحدد يمكن أن تكون المكافأة هي السماح له بزيارة صديقه.

شاهد بالفديو: 18 طريقة تجعل تربية الأطفال سهلة

4. تحديد عواقب مخالفة القواعد:

وهي مشابهة للقاعدة السابقة لكن هنا يجب معاقبة الطفل في كل مرة يقوم فيها بمخالفة القواعد، ويتم اختيار عقوبات غير مؤذية أبداً مثل حرمانه من الحلويات أو مشاهدة التلفاز أو اللعب مع أصدقائه، وفي كل مرة عقوبة مختلفة حتى إن كانت المخالفة نفسها، ومن الضروري الالتزام بتطبيق العقوبة وعدم التعاطف مع الطفل إن بكى أو أبدى حزنه.

5. وجود مرجعية ثابتة:

غالباً يستمد الإنسان القيم والأخلاق الحميدة من دينه ولكنَّ التربية الذكية لا تعني فرض الواجبات الدينية على الطفل؛ إنَّما محاولة جعله يندفع بنفسه للقيام بها من خلال أدائها أمامه بحب والتحدث عن أهميتها والبحث عن أمثلة وأدلة حقيقية توافق عمر الطفل.

6. غرس الصفات الحميدة:

من خلال إيجاد أمثلة لأشخاص يحملون هذه الصفة وإخباره مباشرة بأهمية تحلِّيه فيها من خلال ذكر الآثار الحسنة التي تتركها في نفس من يتعامل معه، ومن ثم وصفه مع مرور الأيام بهذه الصفة ليشعر بأهمية السعي أكثر ليتحلى بها.

إقرأ أيضاً: 8 طرق لتعليم أطفالك الأخلاق الحسنة

7. الحوار:

الحوار الأسري بين الأهل والطفل هو الوسيلة الأفضل في تحقيق التواصل بين أفراد الأسرة، وذلك للأسباب الآتية:

  • يساعد الحوار على تفريغ طاقة الطفل والمشاعر المكبوتة وخاصةً السلبية منها ومعرفة المشكلات التي يعاني منها ومساعدته على حلها.
  • بناء شخصية سليمة من خلال توجيه الطفل إلى الطريق الصحيح بتقديم النصائح دائماً لإنضاج المفاهيم الأخلاقية.
  • تعلُّم احترام رأي الآخرين واحترام الشخص المتحدث وعدم مقاطعة الحديث وحسن الإصغاء، وهذا يساعد على تهيئة الطفل للحياة الاجتماعية لاحقاً.

8. ضرورة الصبر:

فالكثير من المواقف اليومية أو التصرفات التي يقوم بها الطفل قد تتسبب بغضب الآباء، لكن من الضروري التحلي بالصبر وأخذ نفس عميق والصمت قليلاً عند الغضب لتستطيع التصرف بحكمة بعيداً عن الصراخ والتوبيخ، فمثلاً كسر الطفل لإناء زجاجي في أثناء اللعب ضمن المنزل أمر طبيعي جداً لا يستحق الصراخ؛ بل الأفضل إبعاد كل ما هو قابل للكسر ريثما يصبح الطفل أكثر وعياً ونضجاً.

9. عدم تذكير الطفل بأخطاء الماضي:

بل بخلاف ذلك يجب ذكر الصفات الجيدة للطفل وخاصةً أمام الآخرين؛ وذلك لأنَّ تذكيره بالماضي قد يتسبب بغضبه وإضعاف ثقته بنفسه.

شاهد بالفديو: 10 خطوات ليتعلم الأطفال من أخطائهم

10. الإصغاء إلى رأي الطفل:

من الضروري عدم فرض الرأي أو الأوامر على الطفل قبل سماع رأيه بالأمر؛ وذلك لمعرفة ما يدور في ذهنه من أفكار خفية، حتى في حل المشكلات التي تطرأ عليك قد يكون لطفلك رأي يحب أن يعبر عنه رغبةً بمساعدتك فلا تكبت رغبته تلك.

11. تجنُّب الحماية الزائدة:

التي تتمثل بالدلال الزائد كالاستجابة لكل طلبات الطفل والتغاضي عن الأخطاء وتلبية احتياجاته واتخاذ القرارات بالنيابة عنه والقيام بواجباته بدلاً منه؛ خوفاً من إصابته بمكروه أو تعرضه للخطر لينتج عن ذلك شخصاً لا يعتمد على نفسه، ويهاب اقتحام المواقف، إضافة إلى حرمانه من فرصة التعلم واكتساب الخبرات التي لا يمكن اكتسابها إلا بالتجربة مهما سمع من نصائح.

كل ما سبق يقوده إلى الفشل في مواجهة مصاعب الحياة لاحقاً، ومن ثمَّ الإفراط في الحماية لا يقل سوءاً عن الإهمال؛ لذلك يجب على الأبوين الإيمان بقدرات طفلهما والسماح له بالتجربة لاكتساب الخبرات بنفسه والابتعاد عن التدخل المبكر؛ بل انتظاره حتى يحاول حل مشكلته بنفسه لتحفيز التفكير بوعي لديه.

إقرأ أيضاً: 11 نصيحة كي تصبح والداً أفضل

12. تجنُّب المبالغة في التوقعات:

فمن غير الضروري أن تربي طفلك ليصح طبيباً في المستقبل إن كنت طبيباً أو كنت تحلم بأن تصبح طبيباً، فليس من واجب طفلك تحقيق أحلامك؛ بل واجبك مساعدته على تحقيق أحلامه؛ وذلك من خلال محاولة اكتشاف مواهبه وتنميتها شيئاً فشيئاً، والأهم من ذلك هو تقديم الدعم النفسي للطفل المحفِّز له ليكون أكثر إيماناً بنفسه وبقدراته.

13. قضاء الوقت مع الطفل:

لا يحتاج الطفل إلى الكثير من الألعاب والملابس والهدايا بقدر حاجته إلى قضاء وقت ممتع مع أبويه، وفضلاً عن كونها الطريقة المثلى للتعرف إلى الطفل، فإنَّ ذلك يعطيه الثقة بالنفس وشعوراً بالتقدير والاحترام؛ لذلك من الضروري تنظيم الوقت وتخصيص ساعة يومياً للعب مع الطفل أو قراءة القصص أو التجول في الحديقة أو حتى مشاركته في بعض الأعمال كإعداد الحلوى المفضلة له.

14. القدوة الحسنة:

فالطفل يتعلم من والديه رد الفعل تجاه ما يحدث ويعيد ما تعلمه لاحقاً؛ لذلك كن حذراً لألفاظك وتصرفاتك أمامه ولطريقة معاملتك للآخرين قدر الإمكان.

في الختام:

تغيير أساليب التربية أصبح أمراً ضرورياً في ظل التطورات الكثيرة التي تحدث في عالمنا الحالي، فبناء إنسان متوازن وواثق من نفسه يبدأ من تخلي الأهل عن العادات البالية والاعتماد على أسلوب التربية الذكية التي تنشئ فرداً قادراً على مواجهة الحياة بقوة أكبر وبثقة أعلى، وخطوات تطبيق التربية الذكية تتمثل في تحديد الأهل للنقاط السلبية والسلوكات الخاطئة التي يقوم بها الطفل، ثم تحديد القواعد التي يجب عليه تطبيقها كي يتخلى عن عاداته غير المحببة.

بالمقابل واجب الأهل مكافأته في كل مرة يقوم بها بتطبيق القواعد ريثما تصبح روتين حياته الطبيعي، وفي حال خالف تلك القواعد يجب أن ينال العقاب بحرمانه من أشياء يحبها بعيداً عن العنف سواء العنف الجسدي أم اللفظي المتمثل بالصراخ أم الانتقادات اللاذعة وخاصةً أمام الغرباء.

من الهام الإصغاء دائماً إلى الطفل وتجنب تدليله بشكل زائد، إضافة إلى تجنب المبالغة في التوقعات المستقبلية، ولا يمكن أن يتم ذلك دون التقرب منه وقضاء الوقت الكافي معه وتحلِّي أبويه بالكثير من الصبر والحكمة كي يكونا قدوة حسنة له.




مقالات مرتبطة