مفتاح السعادة هو المرح والترفيه

يمكن أن تُلخَّص هذه الأيام بمقولة الكاتب "ستيفن كينج" (Stephen King) من روايته "التألق" (The Shining): "العمل دون أخذ وقت للراحة يجعل من "جاك" - شخصية في الرواية - شخصاً مملاً ومضجراً"؛ حيث إنَّه كتبها متحدثاً قبل وقت طويل عن قصة "جاك تورانس" (Jack Torrance) في القرن السابع عشر، وبصرف النظر عن الفترة الزمنية، تظل الرسالة كما هي: العمل المستمر ليس فكرة جيدة أبداً؛ حيث نحتاج جميعنا إلى بعض أوقات الفراغ بانتظام.



قدمَت دراسة مشتركة جديدة رائعة من "جامعة روتجرز" (Rutgers University) و"جامعة ولاية أوهايو" (The Ohio State University) و"جامعة هارفارد" (Harvard University) وجهة نظر علمية جديدة حول هذه الفكرة؛ حيث تشير أبحاثهم إلى أنَّ الاعتقاد أو الشعور بأنَّ نشاطات أوقات الفراغ أو الوقت الذي نقضيه للاسترخاء هو "مضيعة للوقت" يؤدي إلى المزيد من التوتر والاكتئاب وزيادة القلق وانخفاض السعادة عموماً.

ما هي أهمية وقت الفراغ؟

تقول القائمة على الدراسة "غابرييلا تونييتو" (Gabriela Tonietto)، الأستاذة المساعدة في التسويق في "كلية روتجرز للأعمال، نيوارك آند نيو برونزويك" (Rutgers Business School–Newark and New Brunswick): "في حين أنَّ العمل يمكن أن ينقل المعنى والشعور بالهدف في الحياة، فإنَّ الترفيه - مثل قضاء الوقت مع العائلة والأصدقاء والهوايات والتمرينات الرياضية - وهو ما يجعل حياتنا سعيدة وصحية.

لكن لا يرى الجميع قيمة للوقت الذي يقضونه في أوقات الفراغ، ويعتقد الكثيرون أنَّ هذه النشاطات مضيعة للوقت على حساب سعادتهم؛ حيث نجد أنَّ الاعتقاد بأنَّ وقت الفراغ هو إهدار للوقت يجعل الوقت الذي يقضيه المرء في أوقات الفراغ أقل متعة".

لا يتعين على المرء أن يتصفح الويب ووسائل التواصل الاجتماعي لفترة طويلة للعثور على أمثلة لا حصر لها من المقالات والمشاركات والمؤثرين الذين يخبرون الجميع أنَّه "إذا لم تكن تعمل بجد وتهتم، فإنَّك فاشل في الحياة"، إنَّها بالتأكيد فكرة جيدة أن يكون لديك أهداف والعمل على تحقيقها، ولكنَّ الإنتاجية تحتاج إلى أن يقابلها بعض الراحة والاسترخاء.

تضيف القائمة المشاركة على الدراسة "سيلين مالكوك" (Selin Malkoc)، أستاذة التسويق في "كلية فيشر للأعمال في جامعة ولاية أوهايو" (Ohio State University’s Fisher College of Business): "هناك الكثير من الأبحاث التي تشير إلى أنَّ الترفيه له فوائد للصحة العقلية وأنَّه يمكن أن يجعلنا أكثر إنتاجية وأقل توتراً، ولكنَّنا نجد أنَّه إذا بدأ الناس بالاعتقاد بأنَّ وقت الفراغ مضيعة للوقت، فقد ينتهي بهم الأمر إلى أن يصبحوا أكثر اكتئاباً وتوتراً".

إليك سيناريو توضيحي: انتهيتَ للتو من عمل يوم طويل، وأخيراً، لديك بعض الوقت لنفسك، ولديك الكثير من الكتب والبرامج والهوايات التي ترغب في متابعتها، ولكن لا يمكنك إلا التفكير في المشكلات والمسؤوليات الأخرى في حياتك التي تحتاج إلى حل، وحتى القائمون على الدراسة يقولون إنَّه شيء يتعاملون معه كثيراً.

تضيف "تونييتو": "من بين أعضاء فريق البحث المشارك، فنحن جميعاً إما لدينا هذه المشكلة بشكل شخصي أو مقربين من شخص لديه هذه المشكلة"، إذاً ما هو سبب هذه المشكلة؟ هل هي ظاهرة حديثة أحدثَتها المقارنة المستمرة التي يتم تشجيعها على وسائل التواصل الاجتماعي؟ فبعد كل شيء، قد يكون من الصعب الاسترخاء بعد تصفُّح وسائل التواصل الاجتماعي ورؤية الآخرين ينجحون، أو على الأقل تصوير أنفسهم على أنَّهم ناجحون.

ووفقاً لـ "تونييتو"، فإنَّ الفكرة العامة القائلة بأنَّ العمل يأتي قبل المتعة موجودة منذ فترة طويلة، ولكن ليس هناك من ينكر أنَّها أصبحَت أكثر انتشاراً في العقود الأخيرة، و"لا أعتقد أنَّه تطوُّر حديث، لكنَّني أعتقد أنَّ تجليات هذا الاعتقاد جديدة، فطوال تاريخنا الحديث، تبنَّت العديد من الدول الأعراف الاجتماعية التي تؤكد العمل والإنتاجية وتأخير المتعة، ومع ذلك، يمكن للإنترنت وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي أن تجعل هذا الأمر أكثر وضوحاً.

ومثل العديد من المواقف والمعتقدات، من المحتمل أن يكون لها الكثير من المصادر؛ حيث تُظهر الأبحاث الحديثة أنَّ الناس يتفاخرون بكونهم مشغولين على وسائل التواصل الاجتماعي، ويمكن أن يعزز هذا بالتأكيد فكرة أنَّ العمل يعود بفوائد بينما يكون وقت الفراغ مضيعة للوقت".

إن عدَّ الإنتاجية والربح قاعدة أساسية طريقةٌ أمريكيةٌ واضحة للنظر إلى العالم، لكنَّ الدراسة تشير في الواقع إلى أنَّ الناس في جميع أنحاء العالم يعانون من هذا الكره للترفيه؛ حيث تضمَّنَت إحدى التجارب التي أُجرِيَت لهذا البحث بالغين من الولايات المتحدة وفرنسا والهند، وفي حين كان المشاركون الفرنسيون أقل احتمالية لرؤية الترفيه على أنَّه أمر سلبي، إلا أنَّ جزءاً كبيراً من البالغين الفرنسيين ما زالوا مترددين.

تقول البروفيسورة "تونييتو": "الأهم من ذلك، بين هذه الثقافات المتنوعة، وجدنا أنَّ الأفراد الذين يعتقدون أنَّ وقت الفراغ مضيعة للوقت، أبلغوا عن مستويات أعلى من الاكتئاب والقلق والتوتر".

تقول المؤلفة المشاركة في الدراسة "ريبيكا ريكزك" (Rebecca Reczek)، أستاذة التسويق في "ولاية أوهايو": "نحن نعيش في مجتمع عالمي وهناك أشخاص في كل مكان يسمعون الرسائل نفسها عن مقدار أهمية أن تكون مشغولاً ومنتجاً، وعندما تؤمن بذلك، وتستوعب الرسالة القائلة بأنَّ وقت الفراغ هو مضيعة لوقتك، فإنَّ نتائجنا تشير إلى أنَّك ستكون أكثر اكتئاباً وأقل سعادة، بصرف النظر عن المكان الذي تعيش فيه".

شاهد بالفديو: 8 طرق لترفع مستوى هرمون السعادة في جسمك

ما هي قيمة وقت الفراغ؟

اكتُشِفَت ثغرة واحدة جديرة بالذكر، فحتى أولئك الذين ينظرون إلى الاسترخاء على أنَّه إهدار لوقتهم، يمكنهم الاستمتاع بالنشاطات الترفيهية إذا رأوا قيمة في النشاطات المذكورة، كالتمرين أو ممارسة التأمل، على سبيل المثال، ومع أخذ هذه النتيجة في الحسبان، يمكن أن تكون الرسالة الأكبر لهذا العمل رداً شافياً على من يرى الترفيه مضيعة للوقت، وفي المرة القادمة التي تشعر فيها بالقلق حيال الجلوس لمشاهدة فيلم أو ببساطة إيقاف عقلك لبضع دقائق، ذكِّر نفسك أنَّ عدم الإنتاجية الآن سيساعدك على تحقيق المزيد والشعور بالتحسن لاحقاً.

وتضيف "تونييتو": "قد يكون من المفيد التفكير في الطرائق المثمرة؛ حيث يمكن للنشاطات الترفيهية أن تخدم أهداف الأفراد طويلة الأمد"، و"ابحث عن طرائق لجعل النشاطات الممتعة جزءاً من هدف أكبر في حياتك"، وتخلُص "مالكوك" إلى النتيجة نفسها؛ إذ تقول: "فكر في طريقة يكون بها الأمر منتجاً وفعالاً ومفيداً".

إذا استُطلِع 100 شخصاً، فسوف يقول كل منهم إنَّهم يريدون أن يكونوا سعداء عموماً، وستظهر الاختلافات بلا شك عندما يُسأَل كل شخص عن معنى السعادة بالضبط، فقد يقول الكثيرون، على الأرجح: إنَّ السعادة مرادفة للمال، وقد يقول بعضهم الآخر إنَّ السعادة هي ليلة هادئة مع الأحباء، فمهما كان تعريفك الشخصي للسعادة، تأكَّد من إضافة بعض الراحة ووقت الفراغ إلى حياتك؛ إذ قد يؤمِّن العمل لنا مأوى، ولكن ما هي الفائدة منه إن لم نستمتع في حياتنا.

المصدر




مقالات مرتبطة