مصفوفة الوقت

هل تقوم بالأعمال فقط عندما تكون مُلحّة ولابدّ من القيام بها؟ أم تقوم بالأنشطة المُهمة التي تعطي لحياتك معنى وجودة والتي تحقّق لك ما تريد؟ وهل تقوم بالتحضيرات اللازمة لتحقيق أهدافك البعيدة؟



عادةً ما نحاول القيام بالأعمال المُهمة (التي نراها نحن مُهمة) التي يفرضها علينا الآخرون، ونحن نعلم أنّ جودة الحياة واستثمار الوقت بشكّل فعّال يأتي من خلال قيامنا بالمُهم من الأعمال، ولكن وفي غمرة الحياة بدأنا نخلط بين الأمور المُهمة والأمور المُستعجلة، وخاصة لدى الناس الذين يتعاظم شعورهم بأهميتهم ونجاحهم وقوتهم بتعاظم انشغالهم، وتحوّل انشغالهم الدائم إلى نمط وعادة يعطيهم الإحساس بالسعادة (المؤقتة)، خاصة وأنّ جميع من حولهم يتوقع أن يراهم مشغولين ومُحمَّلين بالأعباء، وفي نفس الوقت يُعطيهم انشغالهم هذا مُبرِّراً قوياً للهروب من مواجهة الأمور المُهمة في حياتهم.

أين المشكلة؟ المشكلة أنّنا بدأنا نعتبر الأشياء المُستعجلة هي الأشياء الهامة وهذا غير صحيح، ولننظر إلى مصفوفة الوقت "والتي تُقسّم أنشطتنا إلى أربع مجموعات حسب بُعدي الأهمية والاستعجال" في الجدول الآتي:

أنشطتنا مُوزَّعة إلى أربع مجموعات حسب بعدي الأهمية والاستعجال:

1- المربع الأول (مربع الإنتاج):

وهو الذي يدلُّ على الأنشطة المُهمة والمُستعجلة، ومنها:

  • السيارة تعطلت ولديَّ عمل بها وبالتالي لابدّ من إصلاحها.
  • وجع مُؤلم في أسناني، يضطرني للذهاب إلى طبيب الأسنان.
  • حان وقت تسليم البضاعة ولابدّ من تسليمها.
  • مشاكل تفاقمت ولابدّ من حلها.
  • أتى وقت اجتماع العمل ولابدّ من حضوره.

نحن نُنتج في هذا المربع، ولابدّ لنا من صرف وقت في هذه الأنشطة، وإلّا فإنّنا سنخسر الكثير، ولكن يجب أن نعرف أنّ الأمور الهامة أصبحت مُستعجلة بسبب إهمالها أو تأجيلها أو بسبب عدم التخطيط الجيد لها، وأنّ أنشطة المربع الأول هي التي تتحكّم فينا، إذا لم نحاول نوعاً ما التحكّم فيها.

3- المربع الثالث (مربع الخداع):

وهو الذي يدلُّ على الأنشطة غير المُهمة ولكنها مُستعجلة، ومنها:

إقرأ أيضاً: كيف تتحكّم بالإنقطاعات المحتملة أثناء اليوم (1)

في هذا المربع تخدعنا الأنشطة لأنّها تجعلنا نشعر وكأنّنا نعمل في المربع الأول، وذلك بسبب الإحساس الكاذب بأن الأمور مُستعجلة، ولكنّها في حقيقة الأمر غير مُهمة، وإذا كانت مُهمة فهي مُهمة للآخرين. فهنا جزء من وقتك تستطيع التحكّم فيه، والجزء الآخر يتحكّم فيه الآخرون! وكلّما كان الجزء الذي يتحكّم فيه الآخرون كبيراً، كلّما كانت نتائجك أقل من ناحية الأداء وتحقيق الأهداف، والسؤال هنا: هل أنت تعيش حياتك مثل ما تريد، أم مثل ما يُريد الآخرون؟

وبالتالي: لابدّ من زيادة الجزء الذي تتحكّم فيه، وتقليل الوقت الذي يتحكّم فيه الآخرون، وفي الدورات التي أعقدها أقول للمتدربين (وخاصة الذين يُنفقون الكثير من أوقاتهم من أجل الآخرين، وخاصة النساء): أليس عندكِ حياة، أهداف، غايات، مشاريع؟ ألست إنساناً، ألست بصمة فريدة لم يأت مثلك من قبل ولن يأتي مثلك من بعد؟ أليس عندك طموح؟ (المؤمن القوي أفضل من الضعيف)، أكيد للآخرين جزء من حياتك، ولكن ليبقَ الجزء الرئيسي منه لكِ أنتِ، إنّ الله عزّ وجلّ يوم القيامة يقول: (قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ...)، النجاح مع النفس مطلوب أولاً ثم مع الأهل ثم مع الناس، ولابدّ أن نتعلّم كيف نقول "لا"، فما هو الهدف من وراء العلاقات؟ المبدأ: أنت ماذا تريد؟ وهل تُنفق وقتك في تحقيق ما تريد؟ أم في تحقيق ما يُريده الآخرون؟

فمن يتحكّم في وقتك؟ وهل يستطيع الإنسان أن يتحكّم في وقته كاملاً؟ ماذا تفعل إذا كنت مدعواً إلى حفل زفاف أخ لك؟ أو عند عقد إدارتك لاجتماع؟ أو عندما تنتظر دورك في العيادة الطبية ليتم الكشف عليك؟ أو عندما يكون لديك ارتباطٌ ما؟

وإذا أنفقنا وقتاً في هذا المربع: فنحن نُنفق وقتاً نستجيب فيه لأولويات الآخرين، وبالتالي نُقلّل من الوقت اللازم منحه للأنشطة الأخرى (وخاصة أنشطة المربع الثاني- أنشطة الفعالية)، وللتفريق بين أنشطة المربع الأول والثالث اللذين يحملان سمة الاستعجال، لابدّ من أن تعرف بأنّه: إذا كان النشاط الذي تقوم به يُساهم في تحقيق غاية من غاياتك فهو من أنشطة المربع الأول، وإذا لم يكن كذلك فهو من أنشطة المربع الثالث، وتذكّر "إنّ غياب ما هو مُهم هو الالتزام بما هو غير مُهم".

4- المربع الرابع (الهروب \ الهدر):

وهو الذي يدلُّ على أنشطة غير مُهمة وغير مُستعجلة، ومنها:

  • مكالمات هاتفية غير مُهمة.
  • أعمال غير مُهمة.
  • أفراد يُضيّعون وقتك.
  • اجتماعات غير هامة.
  • قراءة المجلات والروايات السخيفة.
  • مشاهدة التلفزيون للتسلية.
  • الثرثرة في أماكن العمل.
  • لعب الورق.
  • تسكع أو تضييع وقت.
  • الحديث عن مشاكل الآخرين.
إقرأ أيضاً: 8 أمور تضيع وقتك عليك التخلص منها

لا يجب أن نضيع لحظة واحدة في هذا المربع، فنحن قد نحاول الهرب من نغمة الاستعجال في المربع الأول والثالث (اللذان تعودنا على الانغماس في أنشطتهما) إلى المربع الرابع رغبة منا في إنعاش وتجديد حياتنا، ولكن الحقيقة أنّ الفعالية توجد في أنشطة المربع الثاني، فإنفاق الوقت في هذا المربع يؤدي إلى هدر وقتك وطاقتك وبالتالي حياتك، وإذا لم نُنفق وقتاً في هذا المربع سيصبح لدينا وقتاً كبيراً لأنشطة المربع الثاني.

2- المربع الثاني (مربع الفعالية):

وهو الذي يدلُّ على الأنشطة المُهمة ولكنها ليست مُستعجلة، ومنها:

إن إنفاق الوقت في هذا المربع يبني قدراتنا على الفعل في الحاضر والمستقبل ويؤدي إلى عدم تحويل الأمور الهامة إلى مُستعجلة، وبالتالي يُقلِّل من حجم وقت الأنشطة المُنفقة في المربع الأول (ومن هنا عندما نتحكّم في المربع الثاني – القابل للتحكّم – نستطيع التحكّم بالمربع الأول نوعاً ما)، وإذا أهملنا أو أجّلنا أنشطة المربع الثاني أو لم نكن فعّالين فيه، فسيؤدي هذا إلى تحوّل الأمور الهامة إلى أمور مُستعجلة ممّا يؤدي إلى اتساع مساحة المربع الأول، وبالتالي إلى ظهور ضغط العمل، والإرهاق، والقلق، والمزيد من الأزمات، أما إنفاق الوقت في هذا المربع فسيؤدي إلى تقليل مساحة المربع الأول تلقائياً، فالتخطيط والاستعداد، ومنع المشكّلات قبل حدوثها، يجعل الكثير من الأمور غير مُلحّة أو عاجلة. وميّزة المربع الثاني أنّه لا يتحكّم فينا، بل نحن الذين نتحكّم فيه على عكس المربع الأول الذي يتسم بالطوارئ، ولذلك يمكن تسمية المربع الثاني مربع الفعالية.

إقرأ أيضاً: 12 سراً من أسرار أصحاب المليارات في إدارة الوقت

نستطيع أن نُنفق وقتاً أكبر في المربع الثاني، إذا قلَّلنا الوقت المُنفق في المربع الثالث، وذلك من خلال النظر إلى أعمالنا المُستعجلة فقط من منظور الأهمية، وقد ذكرنا سابقاً أن المربع الأول يتحكّم فينا، بينما نحن نتحكّم في المربع الثاني، وكلّما زاد التحكّم بالمربع الثاني كلّما تغيّرت طبيعة المربع الأول، حتى أنني أستطيع أن أقول لك بأنّنا من الممكن وإلى حدٍ كبيرٍ أن نتحكّم بالمربع الأول بهذه الطريقة، وأن نمكث فيه باختيارنا، "بل يمكن أن نُعطي أحد الأنشطة صفة الاستعجال ونضعه في المربع الأول ونُسرع في تنفيذه لسبب واحد فقط أنّه نشاط هام فعلاً".

إنّ قيمة المصفوفة في أنّها تُبصّرنا بأنّ أهمية ودرجة إلحاح الأمور المطروحة علينا هي التي تُحدِّد اختياراتنا في كيفية استغلال الوقت المُتاح لنا، إنّها تُظهر لنا أين يتم إنفاق معظم وقتنا؟ ولماذا نُنفق كل هذا الوقت في أمور معينة؟ إنّها تُبصِّرنا أيضاً بأنه كلّما زادت درجة الإلحاح والطوارئ كلّما قَلَّت درجة الأهمية.

 

المصادر:

  • إدارة الأولويات - ستيفن كوفي - مكتبة جرير
  • من هنا ابدأ إدارة وقتك - فرنسيس كي - مكتبة جرير



مقالات مرتبطة