مشكلة التفكك الأسري وأسبابها

الأسرة أصغر وحدة من وحدات الجماعات البشرية وأهم منظمة من منظمات المجتمع ونواته المركزية التي ينطلق منها التطور، فهي الوسط الاجتماعي الذي ينشأ فيه الفرد ويترعرع في كنفه، وهي منبع العاطفة والحضن الأول الذي يعتني بالفرد، وصاحبة التأثير الأكبر في شخصية الفرد ونموه وفي نمط علاقاته الاجتماعية، والأسرة هي مجموعة من العلاقات اليومية بين أفراد يتفاعلون مع بعضهم تفاعلاً مستمراً؛ إذ تتشابك أدوارهم وتبرز الاعتمادية المتبادلة بينهم.



يسعى المجتمع إلى جعل هذه العلاقات بين أفراد الأسرة مستقرة بحيث يتسم الجو الأسري بالألفة والمحبة والدفء والتفاهم، ولكنَّ اختلاف الأهداف بين أفراد الأسرة وتباين الطموح والرغبات قد يولد الصراعات فتظهر المشكلات الأسرية التي تؤثر بدورها في المجتمع وتماسكه، فمن قوة الأسرة يستمد المجتمع قوَّته، وأيَّة مشكلة تصيب الأسرة يمكن أن تسبب تفككها وانقطاع صلة الرحم بين أفرادها، وهذا بالتأكيد سوف يؤثر سلباً في تماسك المجتمع، فما هو بالضبط المقصود بالتفكك الأسري؟ وما هي أسباب حدوثه؟ وكيف تتجنب الأسرة الوقوع فيه؟

أولاً: التفكك الأسري

تمثل الأسرة نواة المجتمع والخلية الأولى لكافة مؤسساته؛ إذ تتم العلاقات بين أفرادها بشكل مباشر، كما يتم ضمنها تشكيل شخصية الفرد واكتسابه للمعارف والمهارات الاجتماعية والحياتية، إضافة إلى دورها الكبير في تشكيل اتجاهاته وعواطفه وميوله، فهي الدعامة الأولى المحددة لأخلاق الفرد والضابط لسلوكه والإطار الذي يتعلم فيه الفرد دروسه الاجتماعية الأولى، والأسرة رابطة اجتماعية تتألف من الأب والأم والأبناء وتمتد لتشمل الجد والجدة والإخوة والأخوات والأقارب.

التفكك الأسري يعني انهيار الرابطة التي تجمع الأسرة وحدوث تداعٍ في بنائها وتدهور نظامها، وبشكل أدق يقول "أحمد يحيى عبد الحميد" التفكك الأسري هو انهيار الوحدة الأسرية وتحلل أو تمزق نسيج الأدوار الاجتماعية عندما يخفق فرد أو أكثر من أفرادها في القيام بالدور المناط به على نحو سليم، وبمعنى آخر هو رفض التعاون بين أفراد الأسرة وسيادة عمليات التنافس والصراع بين أفرادها.

كما يوضح "محسن خليل" في كتابه "علم اجتماع الأسرة" معنى التفكك الأسري بأنَّه فشل أحد أعضاء الأسرة في القيام بواجباته نحو بعضهم بعضاً، وهذا يؤدي إلى ضعف العلاقات وحدوث التوترات بين أفرادها، وهذا يؤدي بدوره إلى تفكك الأسرة، وهو مجموعة من المشكلات والأزمات التي تعصف بالأسرة وتؤدي إلى تمزقها وتجعل أفراد الأسرة يعيشون متباعدين منفصلين عن بعضهم بعضاً.

ثانياً: أسباب التفكك الأسري

ضعفت الروابط الأسرية والعائلية في العصر الراهن، ففي حقيقة الأمر لم تعد لها تلك القوة التي كانت عليها سابقاً؛ بل ومن النادر أن تكون حياة الأسرة مستقرة بشكل دائم وطول دورة حياتها، فهي توجد في مجتمع يخضع للتحولات والتغيرات التي بدورها تؤثر في الأسرة، ناهيك عن التغيرات التي تصيب أفرادها، وتختلف اتجاهاتهم وطموحاتهم عن بعضهم فتنشأ الأزمات والصراعات بينهم التي تضعف الروابط العائلية بينهم إن لم تمزقها بشكل نهائي.

من غير الممكن حصر كافة الأسباب التي تؤدي إلى تفكك الأسرة لا سيما أنَّ هذه الأسباب في كثير منها متغيرة وليست ثابتة، لكن يمكن ذكر أهم تلك الأسباب، وهي:

1. العوامل المزاجية لكل من أفراد الأسرة:

تشير العوامل المزاجية إلى صفات الشخصية التي يتفرد بها كل فرد في الأسرة، فبعضهم يحكم في الأمور بالرجوع إلى عاطفته، وبعضهم يتبع في حكمه التفكير المنطقي وتحليل الأحداث بشكل دقيق، وبعضهم لديه اتجاهات انطوائية ويفضل العزلة، بينما بعضهم الآخر يُفضِّل الاتجاهات الانبساطية، وكنتيجة طبيعية للاختلاف في الرغبات والمزاج والتفضيلات تنشأ الخلافات بين أفراد الأسرة بحيث يحاول كل فرد منهم التعامل بالطريقة التي يحب ويطلب من الآخرين اتباعها فتنشأ الصراعات التي لا تنتهي والتي تقود إلى تفكك الأسرة في نهاية المطاف.

2. الاستجابات السلوكيَّة المختلفة لأفراد الأسرة:

يُقصد بالاستجابات السلوكية السلوكات التي يظهرها الفرد في موقف اجتماعي محدد، وعادةً ما يمكن تغيير هذه السلوكات وتعديلها بالتعلم، لكن من الملاحظ في معظم الأحيان ثبات هذه السلوكات بعد الزواج، فيصبح من الصعب جداً إجراء تعديلات عليها؛ لذا حدوث تعارض في هذه السلوكات بين الزوجين وبين أفراد الأسرة عامة لا سيما إذا تعلقت بأفعال أخلاقية أو اجتماعية عامة، يولِّد المشكلات التي تؤدي إلى التفكك الأسري.

شاهد بالفيديو: 12 طريقة لتعزيز التواصل الأسري

3. الاختلاف في القيم السياسية والاجتماعية والدينية:

منظومة القيم التي توجد لدى الطرفين هامة جداً لحدوث تفاهم وتوافق بينهما، لكن وجود اختلاف في هذه القيم يؤدي إلى نشوء صراعات بينهما، فمثلاً اتباع كل منهم لتيار سياسي أو حزب معين، أو إيمان كل منهما بدين مختلف عن الآخر ولكل منهما معتقداته الخاصة التي يريد أن ينشئ الأبناء عليها، وغير ذلك من الأمثلة عن الاختلافات في منظومة القيم التي تكاد لا تنتهي.

4. دخول الشريكين في دوامة صراع الأدوار:

فكل من الزوجين يريد السيطرة على الأسرة في التخطيط لشؤونها واتخاذ كافة القرارات المتعلقة بها، وينطوي ذلك على محاولة إلغاء الآخر، فيقف كل منهما موقف الند والخصم غير مكترثَين لأهمية ووحدة الأسرة وضرورة تشاطر الآراء المتعلقة بكل ما يخصها من قضايا وأمور؛ بل بخلاف ذلك يتمسك كل منهما برأيه إلى حد التطرف فتشتد حالة التوتر بشكل ينبئ عن تفكك الأسرة في القريب العاجل.

5. التطور التقني الحالي ووسائل التواصل المنتشرة:

على الرغم من الإيجابيات الكثيرة التي حققتها وما تزال تحققها التقنيات الجديدة ووسائل الاتصال الحديثة في تسهيل أمور الحياة وشؤونها وتمضية أوقات الفراغ، إلا أنَّ سلبياتها ربما تطغى على إيجابياتها من ناحية أنَّها سبب رئيس في حدوث التفكك الأسري، فقضاء الفرد لوقت طويل في استخدامها إلى حد الإفراط في بعض الأحيان وإهماله لواجباته نحو أسرته يؤدي إلى نشوء المشكلات، ومن ثمَّ سير الأسرة باتجاه التفكك.

6. خروج المرأة إلى العمل:

لقد حقق خروج المرأة إلى العمل العديد من الفوائد الشخصية للمرأة في مجال إثبات نفسها في المجتمع بوصفها عضواً فعالاً وقادراً على العمل وتحقيق التفوق والإبداع في أي مجال يمكن أن تعمل به، لكن هذا الأمر على الرغم من فوائده الكبيرة على كافة الأصعدة، إلا أنَّه حمَّل المرأة عبئاً كبيراً وصعوبة في تحقيق التوافق والانسجام بين عملها في الخارج وبين واجباتها الأسرية في المنزل، وهذا الأمر شكَّل وضعاً صعباً بالنسبة إليها وولَّد لديها صراعات أدت إلى حالة من الصراع النفسي وعدم التوازن في التعامل مع نفسها وكذلك الأمر التعامل مع الآخرين.

7. غياب أحد الزوجين الطويل عن المنزل:

لكل من الزوجين دور معين في الأسرة ولا يمكن لأحدهما أن يحل محل الآخر أو يعوض مكانه؛ لذا فإنَّ غياب أحدهما عن المنزل وإهمال شؤون الأسرة ومتابعة همومها والقضايا التي تتعرض لها باستمرار يولِّد الخلافات التي قد تبدأ ولا تعرف نهاية لها، ومن ثمَّ التفكك الأسري.

8. أوضاع الأسرة الاقتصادية:

لا نقصد بالأوضاع الاقتصادية هنا الفقر فقط؛ بل أيضاً الثراء، فالثري قد ينشغل بزيادة ماله ويهمل أسرته، والفقير قد لا يستطيع تأمين حاجات أسرته، وفي كلتا الحالتين ستنشب خلافات داخل العائلة.

الانحرافات التي قد يسلكها أحد أفراد الأسرة:

مثل الخروج عن القانون أو تعاطي المخدرات أو الإدمان على الكحول وغيرها من العوامل التي تؤدي إلى إضعاف الروابط الأسرية لا محالة.

  1. الافتقار إلى الإخلاص والصراحة في العلاقة الزوجية سواء أكان ذلك بقصد أم بغير قصد.
  2. انعدام العواطف الأسرية أو حدوث خلاف ذلك واتقاد الغيرة الزائدة

قد تقل عاطفة أحد الزوجين تجاه بعضهما بعضاً أو حتى تنتفي مع مرور الوقت فتصبح الحياة ثقيلة وتمثل عبئاً على واحد منهما أو كليهما معاً، وهذا الجفاف سيؤدي إلى حدوث المشكلات مهما حاولا تدارك المواقف، وبالمقابل قد تؤدي العاطفة الزائدة كالغيرة إلى ابتداع أشياء غير موجودة وظهور ظنون تعكر صفو الحياة، ومن ثمَّ الانتهاء إلى انفصال وتفكك أسري.

9. عدم إنجاب الأطفال:

عدم إنجاب الأطفال يضعف الروابط الأسرية بين الزوجين وتخف شيئاً فشيئاً حتى الانطفاء واتخاذ قرار الانفصال.

التدخل من قِبل الأصدقاء والأقارب في شؤون العائلة الداخلية:

التدخل في شؤون العائلة ومحاولة التغيير في مجريات حياتها يولِّد التوتر والصراع ويؤدي بالأسرة إلى أماكن لا تحمد عقباها وبالتأكيد إلى التفكك الأسري.

إقرأ أيضاً: ماهو السنّ الأنسب لتنجبي طفلك الأول؟

10. تعدد الزوجات:

من الأسباب الرئيسة لحدوث التفكك الأسري اتخاذ الرجل أكثر من زوجة والميل إلى واحدة دون أخرى، ومن ثمَّ التقصير في حق إحداهن وعدم الإيفاء بمتطلبات الأسرة، ومن ثمَّ الوصول إلى تفكك الأسرة.

إقرأ أيضاً: تعدد الزوجات: حق رجولي أم أذية نفسية ومجتمعية؟

في الختام:

التفكك الأسري في حقيقته آفة اجتماعية خطيرة تصنع المناخ الاجتماعي السلبي، وتتعدد الأسباب التي تُحدث المشكلات والأزمات في العائلة، فمنها ما يكون محدود النطاق وتستطيع الأسرة التعامل معها وحلها وحماية الأسرة بذلك، ومنها ما لا تستطيع حلها أو إيقاف التوتر والأزمات التي تسببها فلا يتوفر حل إلا الانفصال ومعاناة أفراد الأسرة من التفكك الأسري الذي يمثل الأرضية الخصبة لبداية انحراف أفراد الأسرة.




مقالات مرتبطة