مشكلات تمكين المرأة

لا شك في أنَّ المرأة الآن تُعَدُّ أيقونة المجتمع ومجده؛ إذ تمثل نصف المجتمع كما يقال، هذه العبارة التي سمعناها مراراً وتكراراً وتتردد على ألسن الجميع حول العالم كباراً وصغاراً على الرغم من اختلاف الثقافات والعادات بينهم، لكن لا نعلم مدى مصداقية كل قائل لهذه العبارة.



في الواقع عند عودتنا إلى التاريخ نجد المرأة دائماً في قفص الاتهام دون جريمة تُذكر، ولطالما خضعت للمحاكمة من قِبل المجتمع أو الرجل الذي لطالما صاغ لها حقوقها بالطريقة التي تلائمه غالباً، فكل المجتمعات وجدت لنفسها المبررات والمسوغات سواء القانونية أم الأخلاقية.

حتى إنَّ بعض المجتمعات منعت المرأة من المساهمة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وخير مثال نستذكره هي المرأة في الجاهلية التي كانت تدفَن وهي حية، ولم تكن المجتمعات الأخرى أفضل حالاً، فقد احتوى كتاب المؤرخ الأمريكي "ويل ديورانت" وزوجته "أريل ديورانت" الذي حمل عنوان "قصة الحضارة، الشرق الأقصى، الصين" على رسالة فتاة صينية لإحدى الطبقات الراقية آنذاك قالت فيها: "نشغل نحن النساء آخر مكان في الجنس البشري، ونحن أضعف قسم من بني الإنسان، ويجب أن يكون من نصيبنا أحقر الأعمال".

أما في العصر الحالي ومع كل التغيرات الإيجابية التي توصف بالإيجابية تجاه نيل المرأة لحقوقها يبقى وضعها مختلفاً بين بلد وآخر تبعاً لنوع الحكم والسلطة فيه، فثمة الكثير من البلدان التي أعطت للمرأة حقوقاً مساوية للرجل لا سيما في التعليم والعمل والحماية الاجتماعية.

أما بالنسبة إلى مجتمعنا العربي فما يزال جزء كبير منه مصبوغاً بصبغة الماضي، ففي دراسة أجرتها مؤسسة "تومسون رويترز" في عام 2013 لتقييم وضع المرأة في العالم العربي من حيث قضايا العنف وحقوق المرأة الإنجابية والمعاملة والاندماج في المجتمع ودور المرأة في الاقتصاد والسياسية وجدت أنَّ "مصر" هي أسوأ دولة يمكن للمرأة العيش فيها، تليها "العراق"، ومن ثم "السعودية" بفارق بسيط.

نصل إلى القول إنَّ المجتمع العربي حصر دور المرأة بمهمة الإنجاب وتربية الأطفال والعناية بالمنزل في أغلب بلدانه؛ أي الدور التقليدي لها؛ لذا كثيراً ما تُقابَل الدعوات لتمكين المرأة وإشراكها في الحياة وسوق العمل والحياة الاقتصادية والسياسية عموماً بالرفض والعداوة أو بالشك والحذر، لكن مع الدعوات الكثيرة المحلية والعالمية للنهوض بالمرأة وتقوية دورها بات من الضروري البحث في الأسباب التي تعوق تحقيق ذلك.

تمكين المرأة:

نقصد بالتمكين كل ما من شأنه تنمية قدرات المرأة وزيادة وعيها وتفعيل مشاركتها في حياة المجتمع ونشاطاته، ومن ثم تحقيق ذاتها على جميع الأصعدة، فتمكين المرأة يعني بناء قدراتها لكي تصبح قادرة على الاعتماد على نفسها، وهي مستقلة بذاتها، ولديها من القوة الداخلية ما يكفي لتجابه مصاعب الحياة، وأيضاً هي قادرة على اتخاذ القرارات واحتلال المراكز القيادية والخروج من حالة التهميش الاجتماعي وتحصيل حقوقها كاملة.

التمكين هو عبارة عن مجموعة من العمليات والخطط المقصودة التي تستهدف تنمية قدرات المرأة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والصحية والتعليمية والقانونية بحيث تصبح قادرة على التعامل مع مشكلاتها وحلها، إضافة إلى تنظيم نفسها لزيادة الاعتماد على الذات وتحقيق الاستقلالية.

تعرِّف (Vanessa) تمكين المرأة قائلة: "إنَّه إضفاء القوة على المرأة، والقوة هنا تعنى أن تكون للمرأة كلمة مسموعة ولها القدرة على التحليل والابتكار والتأثير في القرارات الاجتماعية المؤثرة في المجتمع ككل، وأن تكون موضع احترام بوصفها مواطنة متساوية ولها إسهاماتها على كل المستويات في المجتمع، وإدراك قيمتها ليس فقط في المنزل؛ بل في المجتمع".

يرى (Muller) أنَّ التمكين يعني قدرة المرأة أو مجموعة من النساء على أن يقاومن التحكم المفروض لضبط سلوكهن أو إنكار حقوقهن، والحصول على المصادر الاجتماعية والمادية التي تشتق منها القوة، إلا أنَّ مصادر القوة تعوقها عناصر ثقافية جامدة.

كما ترى "أماني صالح" بأنَّ تمكين المرأة هو استخدام السياسات العامة والإجراءات التي تهدف إلى دعم مشاركة النساء سواء في الحياة السياسية أم الاقتصادية أم غيرها وصولاً إلى مشاركتهن في صنع القرارات التي تؤثر في مختلف مؤسسات المجتمع.

مجالات تمكين المرأة:

1. التمكين الاجتماعي:

الذي يركز على القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة وزيادة دورها ونسبة مشاركتها في قضايا المجتمع المحورية والأساسية، إضافة إلى مساندة المرأة لتحقيق التوازن بين مسؤوليتها ودورها في التنمية، كما يتناول قضايا أخرى مثل التعليم والصحة والغذاء والتملك والإرث والتحرر من السيطرة وسوى ذلك.

2. التمكين الاقتصادي:

تفعيل دور المرأة في التنمية الاقتصادية من خلال زيادة حجم مشاركتها في سوق العمل وتسهيل دخولها إليه وضرورة تشجيعها لتحقيق استقلالها المادي.

3. التمكين السياسي:

يتمحور حول زيادة تمثيل المرأة في أماكن صناعة القرار وزيادة نسبة مشاركتها في الأحزاب السياسية والجمعيات المختلفة ومنظمات المجتمع المدني ودعم المشاركة السياسية عموماً.

4. التمكين القانوني:

يهدف تمكين المرأة على المستوى القانوني إلى تعديل التشريعات التي تقف عائقاً في وجه ممارسة دورها كاملاً، إضافة إلى العمل على تطبيق الاتفاقيات الدولية التي تضمن حقوق المرأة.

5. التمكين المؤسسي:

الذي يهدف إلى دعم كافة المؤسسات الداعمة لحقوق المرأة التي تسعى إلى النهوض بها وبعملها وتحسين وضعها في كافة المجالات.

شاهد بالفديو: 4 نصائح ذهبية لتصبحي امرأة ناجحة

لماذا تمكين المرأة هدف هام في حياة المجتمع؟

  1. التمكين هو قوة وإبداع وإطلاق القدرات الكامنة لدى المرأة.
  2. التمكين حاجة من حاجات المرأة الإنسانية وهدف رئيس من أهداف رعايتها وحمايتها.
  3. التمكين وسيلة لتحقيق أهداف المجتمع وتحقيق النمو في المؤشرات المجتمعية.
  4. التمكين وسيلة لتحقيق العدالة ومحاربة الفساد.
  5. التمكين وسيلة بناء الثقة في المجتمع وتحقيق التضامن الاجتماعي.
  6. التمكين يساعد على تحمل المسؤولية وإيجاد الحلول للمشكلات التي تعترض المرأة بنفسها دون الاعتماد على غيرها.
  7. المشاركة في المسؤولية سواء ضمن العائلة أم في العمل أم في المجتمع عامة.
  8. امتلاك الحرية في انتقاء الخيار المناسب لها وتفضيل العمل بأسلوب محدد يلائمها.
  9. إحساس المرأة بمكانتها ودورها وأهمية ما تقوم به.
  10. الإيمان بقدرتها على التأثير الفعال في الآخرين واتجاهاتهم وسلوكاتهم وأفعالهم.
إقرأ أيضاً: عمل المرأة: تعريفه، دوافعه، أثره على المجتمع، وحكمه في الإسلام

مشكلات تعوق تمكين المرأة في المجتمع العربي:

1. الأمية وتدني مستوى المرأة التعليمي:

تمثل قضية الأمية العائق الأول في وجه تمكين المرأة؛ وذلك لما تنطوي عليه من تهميش وإقصاء واستبعاد لقوة بشرية كامنة وتجعلها خارج سياق الاندماج في المجتمع لا سيما إذا أخذنا في الحسبان أنَّ النساء هن المسؤولات عن تربية الأطفال، فيمكننا من خلال التفكير بذلك فهم مدى خطورة مسألة الأمية ليس على المرأة نفسها فقط؛ بل على أجيال المستقبل أيضاً.

لقد أصبح محو أمية المرأة مطلباً مجتمعياً ودولياً بطابع عالمي، وسعياً من دول العالم إلى الحث على محو أمية المرأة والتأكيد على حقها في التعلم دعت مجموعة من المؤتمرات مثل مؤتمر "المكسيك" عام 1975 ومؤتمر "نيروبي" عام 1985 و"بكين" عام 1995 و"بكين" عام 2000 وكذلك مؤتمر "الأمم المتحدة" للمرأة الذي حمل عنوان "المساواة والتنمية والسلام" في عام 1976 إلى ضرورة تأمين حق المرأة في تكافؤ فرص التعليم.

على الرغم من كل الجهود إلا أنَّ منطقتنا العربية ما تزال تحتوي على نسبة 50% من النساء الأميات بحسب منظمة المرأة العربية؛ إذ توجد أعلى نسبة من النساء الأميات في "العراق" بنسبة 61% تليها "السودان" بنسبة 50% ثم "مصر" بنسبة 42% و"اليمن" 39%.

2. القيم والعادات الاجتماعية السائدة:

يتميز المجتمع العربي بمحافظته على جزء كبير من العادات والتقاليد التي كانت سائدة في الماضي، وهذا بدوره عقبة حقيقية أمام محاولات تمكين المرأة من جميع النواحي، فمثلاً ما تزال المرأة في مجتمعنا تخضع للرجل خضوعاً مطلقاً، وما زال الزواج المبكر هو السائد وما تزال ثقافة عمل المرأة خارج منزلها مستهجنة في الكثير من المجتمعات العربية وفي مجتمعات أخرى تنظر إلى عمل المرأة بعين الشك من حيث قدرتها على أداء دور فعال في الحياة العملية والاجتماعية.

إقرأ أيضاً: 4 أمثلة عن مغالطة الاحتكام إلى التقاليد

3. افتقاد المساواة بين الرجل والمرأة:

يعج مجتمعنا العربي في القضايا التي تُظهر تفاوتاً بين الرجل والمرأة، مثل انخفاض نصيبها من التعليم عن الرجل وانخفاض مشاركتها في سوق العمل وغير ذلك.

4. عدم تقبل الرجل لمشاركة المرأة في مسؤولية المنزل:

يرى الرجل في المجتمع العربي أنَّ كل ما يتعلق بالمنزل من عمل هو مسؤولية المرأة وحدها، وإنَّ مشاركته لها في ذلك إهانة لرجولته؛ لذا نجده عازفاً عن تقديم أيَّة مساعدة لها في هذا الشأن.

5. افتقار المرأة إلى الحركية:

ذلك بسبب العادات والتقاليد السائدة التي تحد من حريتها في الحركة وتعوق قيامها بأعمالها.

  • السلبية التي تواجهها المرأة في العمل من قِبل الرجال بسبب عدم تقبلهم لفكرة استقلالية المرأة.
  • عدم موافقة الزوج على عمل زوجته أو مشاركتها بأعمال خارج المنزل.
  • النظر إلى مهارة المرأة بأنَّها أقل من الرجل في الإدارة والتخطيط وتولي المناصب القيادية.

شاهد بالفديو: 4 خطوات لتكوني امرأة ناجحة

في الختام:

تُعَدُّ قضية تمكين المرأة وإشراكها في نشاطات المجتمع قضية محورية في العصر الحالي ومن ضمن أولويات دول العالم؛ إذ أصبح مفهوم تمكين المرأة من المفاهيم السائدة التي تدعم إمكانية المرأة وقدرتها على التأثير في مؤسسات المجتمع الذي تعيش فيه.

لذا توجد مجموعة من المقومات التي لا بد من الأخذ بها فيما إذا أردنا تمكين المرأة، وأهمها التعليم وتحطيم قيود الاستعباد والانعزال ومشاركتها في العمل وإعطاؤها فرصة للازدهار وإثبات نفسها وبلوغها قمة العمل بطاقاتها ومواهبها.




مقالات مرتبطة