مشاعر الدونية والنقص عند الطفل: أسبابها وآثارها وطرق التخلص منها

بناء طفلٍ سليمٍ ومستقرٍّ نفسياً ليس بالمهمة السهلة أبداً، وخاصةً أنَّ الكثير من الظروف والعوامل تعزز وترسِّخ مشاعر النقص والدونية عند الأطفال، وهذا ما يؤثر تأثيراً كبيراً وسلبياً جداً في صحتهم النفسية والجسدية؛ ونتيجةً لما سبق سنتناول في المقال الآتي شيئاً من تفصيل هذه المشاعر وطرائق تجاوزها.



أولاً: أسباب مشاعر الدونية والنقص عند الطفل

بدايةً الإحساس بالدونية والنقص نوع من مشاعر عدم الثقة والإحساس بالعجز والاختلاف عن الآخرين والشعور بأنَّ الشخص أقل من غيره ولا يمتلك قدراتهم وإمكاناتهم. ومشاعر الدونية والنقص من أكثر الأحاسيس إيلاماً وإيذاءً للنفس البشرية؛ وذلك لأنَّها ناتجة في الأساس عن تحقير الذات ورفضها، فهي تؤثر في نظرة الشخص لنفسه وفي تقبله لذاته، وهذه المشاعر كفيلة بإحداث الكثير من الأضرار والاضطرابات النفسية للأشخاص البالغين.

كيف سيكون الأمر في حال كانت هذه المشاعر متولِّدة عند طفلٍ صغير؟ وما هي الأسباب التي تجعل طفلاً صغيراً يشعر بهذه المشاعر؟ علماً أنَّ هذه الأحاسيس تتولد في مرحلة الطفولة المبكرة لتكبر وتتفاقم وتصبح أكثر إيذاءً وأصعب معالجةً مع الوقت.

إذاً، ما هي الأسباب التي تؤدي إلى تكون هذه المشاعر عند الطفل؟ هذا ما سنتعرف إليه فيما يأتي:

1. الإحراج:

المواقف المحرجة تؤدي إلى التقليل من ثقة الطفل بنفسه؛ وذلك لأنَّ مشاعر الإحراج غالباً ما تكون ناتجة عن تعرُّض الطفل للسخرية والاستهزاء من قِبل الآخرين.

وهذه التصرفات والمواقف قد يعتقد أحدهم أنَّها تمر مرور الكرام في نفس الطفل، والحقيقة أنَّها تحفر عميقاً في قلبه وتترك آثاراً كبيرة وحفراً من الصعب جداً ردمها؛ وهذا ما يجعل الطفل أقلَّ قدرة من غيره على احترام ذاته وتقبُّلها، فيشعر بالدونية والنقص والخجل من تصرفاته التي أصبحت بنظره تصرفات مثيرة للسخرية وليس لها أيَّة قيمة.

2. خجل الطفل من شكله بسبب معاناته من تشوُّه ما في وجهه أو جسده:

وهذا يسبب له الإحراج في أثناء التواصل مع الآخرين، أو قد يرث إحدى الصفات غير الجميلة من ناحية الشكل عن عائلته؛ وهذا ما يشعره أيضاً بالنقص والدونية وبأنَّه أقل من غيره من ناحية المظهر، فتتأثر ثقته بنفسه وقد يصل به الأمر إلى الرغبة في الانعزال والابتعاد عن الناس، وخاصةً عندما يشعر أنَّه لا يستطيع حل مشكلته.

3. مقارنة نفسه مع غيره ومع ما لديهم وما يملكونه:

وغالباً ما يقوم بهذه المقارنة مع من هم أفضل منه كوضع اقتصادي أو اجتماعي؛ ونتيجةً لذلك سيشعر الطفل بأنَّ الجميع أفضل منه وأنَّه الأقل شأناً ومالاً وجمالاً؛ وهذا بالطبع ما يؤثر في ثقته بنفسه، ويجعله يشعر بالغيرة من الآخرين ويشعر أكثر بفقره ومشكلاته.

4. الفشل والإحباط:

قد يمر بعض الأطفال بتجارب قاسية بسبب فشلهم في تحقيق ما يرغبون فيه ويطمحون له، وإذا لم يجد الطفل من يساعده ويدعمه في هذه المرحلة، فإنَّ هذا الفشل سيتحول إلى قلة ثقة بالإمكانات والقدرات، وسيبقى يقارن نفسه بغيره من الناجحين؛ وهذا ما يزيد إحساسه بأنَّه أقل من غيره فتظهر عليه مشاعر الدونية والنقص.

5. طرائق التربية غير السليمة:

و التعرض لحالات فقدان أو صدمات نفسية تجعل من شخصية الطفل ضعيفة بطبيعة الحال، وكل هذا سيؤثر بالتأكيد في الطفل وفي نظرته لذاته فلن يكون واثقاً من نفسه وقوياً كغيره.

6. عدم الشعور بمحبة الآخرين له:

أو تعرُّضه للرفض من قِبل الوالدين أو أحدهما، أو سماعه لكلمات جارحة بشكل دائم والتقليل من شأنه بشكل مستمر داخل الأسرة؛ وهذا يسبب له الكثير من مشاعر النقص والألم والخيبة، وهذا ما ينعكس انعكاساً مباشراً على نظرة الطفل لنفسه وتقبله لذاته.

7. التخويف:

قد يلجأ بعض الأهالي إلى تخويف أطفالهم دائماً بقصد حثهم على إطاعة أوامرهم وتلبية طلباتهم، وقد يكون التخويف محاولة من الأهل لحماية الطفل من المخاطر، ولكنَّ المشكلة هي أنَّ الأهل لا يدركون أنَّهم بمحاولتهم هذه يشوهون صورة الطفل أمام نفسه ويزجون به في حرب نفسية مع ذاته غالباً ما يخرج منها وهو شخصٌ خائفٌ دائماً وضعيف الشخصية.

8. التحكم بالطفل وخياراته في الحياة:

عدم السماح له بتجربة شيء وحده، وأيضاً فرض القيود على كل تحركاته وعلى تجاربه وطريقة لعبه وتعبيره عن مشاعره؛ وهذا ما سيجعل منه شخصاً خائفاً، ويولِّد لديه إحساساً بأنَّه غير قادرٍ على خوض الحياة بنفسه وأنَّه دائماً بحاجة إلى من يسنده ويقدم له العون حتى يتمكن من تجاوز الصعوبات.

وفي سياق متصل فإنَّ تلبية احتياجات الطفل دون السماح له بفعل أي شيء ودون إعطائه القليل من الاستقلالية تجعله يتعلم الاتكالية والاعتماد على غيره؛ ونتيجةً لذلك ونتيجة الإحساس العميق لديه بأنَّه عاجز عن فعل أي شيء وحده، سيكره نفسه ويحتقرها ويشعر بالدونية والنقص بسبب ذلك.

شاهد: 10 طرق لتعزيز ثقة الطفل بنفسه

ثانياً: آثار الشعور بالنقص والدونية

لا يجب الاستخفاف أبداً بمشاعر النقص والدونية التي يشعر بها الطفل؛ بل يجب محاولة التعامل معها بشكل جدي وإيجاد حل جذري لها؛ وذلك لأنَّ الآثار المترتبة عليها سيئة جداً في الطفل نفسه وفي سلوكاته وتصرفاته وفي أسرته ومحيطه، وقد ينتج عنها في نهاية المطاف شخص منعزل ومنبوذ وغير قادر على الانسجام مع المجتمع والانخراط به؛ وهذا ما يكون له الكثير من التبعيات.

فقد يشعر الطفل بسبب هذه المشاعر كما ذكرنا آنفاً بالغيرة ممن هم أفضل وضعاً منه نتيجة مقارنة نفسه الدائمة بأقرانه الذين يتمتعون بصفات أفضل أو يتميزون بوضع معيشي أو اجتماعي أفضل، وقد يصل الأمر بالطفل إلى مرحلة الكره والحقد؛ وهذا ما سيجعل منه شخصاً غير اجتماعيٍّ وغير محبوب، وفي نفس الوقت سيكره هو المجتمع؛ وذلك لأنَّه يشعر أنَّه مجتمع ظالم يحيك المؤامرات ضده طوال الوقت، ويوجِّه طاقاته لإيذائه فيبتعد عن الجميع بسبب ضعف شخصيته وقلة ثقته بنفسه التي لا تؤهله للمواجهة والدفاع عن نفسه.

قد يصبح الطفل بسبب مشاعر الدونية والنقص أكثر عدوانية من غيره، ويتبع هذا الأسلوب للتعويض عن مشاعر النقص التي يشعر بها، وتُعَدُّ هذه السلوكات طرائق لدفاع الطفل عن نفسه وتحقيق بعض التوازن في حياته، وفي كثير من الأحيان قد يغضب وينفعل لسبب لا علاقة له بالسبب الرئيس والمباشر لإحباطه.

إنَّ الاتكالية أيضاً إحدى أكثر المشكلات والآثار ضرراً التي تنتج عن مشاعر الدونية والنقص للطفل، فنتيجة هذه المشاعر لن يشعر الطفل بأنَّه قادر على اتخاذ أي قرار مهما كان بسيطاً دون الرجوع إلى شخص آخر وأخذ رأيه واستشاراته، وبذلك سيكبر الطفل وهو معتاد على وجود شخص آخر يقرر عنه؛ وهذا سبب لكثير من مشاعر الألم والعجز والإحباط، ناهيك عن مشاعر الخجل التي يشعر بها الطفل فهو ليس كغيره؛ بل هو طفل عاجز عن التعبير عما يريد وطلب ما يحب ولا يقدر على المواجهة بسبب ضعف شخصيته ومشاعر الدونية التي يشعر بها مع شعوره الدائم بأنَّه لا يستحق شيئاً جيداً، فهو عاجز عن التعبير عن نفسه بشكل صحيح.

من أكثر المشاعر إيذاءً للنفس أيضاً إحساس الطفل بأنَّه لا يوجد أحد يهتم لما يريد وما يرغب وأنَّ كل ما يخصه يُعَدُّ غير هام وليس له ضرورة أو قيمة، فحتى هو نفسه يخجل منها ولا يمتلك الجرأة لطرحها.

لن تتوقف الآثار على شخصية الطفل؛ بل ستنعكس أيضاً على حياته الاجتماعية، فجو العزلة الذي يعيشه سيؤدي إلى تراجعه الدراسي؛ ويرجع ذلك - إضافةً إلى العزلة - إلى خجله وخوفه من معلميه وعدم قدرته على تكوين صداقات أو طرح الأسئلة، وفي كل مشكلة تواجهه في الحياة ستجده يلجأ إلى الانسحاب مباشرةً، فلا طاقة له ولا قدرة على المواجهة وخوض الحياة بجرأة.

إقرأ أيضاً: العنف النفسي والجسدي ضد الأطفال

ثالثاً: خطوات لمساعدة الطفل على التخلص من مشاعر النقص والدونية

تقع على عاتقنا مسؤوليةٌ كبيرة تجاه أطفالنا؛ لذلك لا يجب أن نتركهم فريسةً سهلةً للأفكار السوداوية والمشاعر السلبية والسيئة الناتجة عن الإحساس بالنقص والدونية.

فيما يأتي مجموعة من الخطوات التي تساعد على تخليص الطفل من هذا الكابوس:

  1. العمل على رفع ثقة الطفل بنفسه؛ وذلك من خلال التعامل معه بصفته كائناً مستقلاً بحد ذاته واحترامه واحترام أفكاره والسماح له بالتعبير عن رغباته دون تجاهله أو تسخيفه.
  2. التخفيف من مشاعر الإحباط والفشل التي قد يشعر بها الطفل بعد تجربة سيئة، وبدلاً من لومه وعتابه يجب إشعاره بوجود شخص إلى جانبه لا يهتم بما ينجز؛ بل يهتم له هو.
  3. مساعدته على تطوير هواياته ومهاراته ليشعر بأنَّه يمتلك شيئاً مميزاً ومختلفاً عن غيره؛ وهذا يجعل كفة الميزان تميل لصالحه عند أيَّة مقارنة.
  4. الابتعاد عن إهانة الطفل وتوبيخه وخاصةً أمام الناس؛ بل يجب احترامه وتقديره والعمل على الحديث عن ميزاته ومدحه.
  5. الحب دائماً هو أفضل الحلول عند خروج كل شيء عن السيطرة في أثناء تعاملنا مع أطفالنا، وتقديم الحب غير المشروط للطفل يساعده كثيراً على تقبل نفسه وحب ذاته.
  6. على الرغم من أهمية قبول الطفل كما هو، يجب ألا نكتفي بذلك؛ بل يجب أن نحفزه ونشجعه دائماً ليطور من نفسه ويحقق النجاح، ويجب أيضاً أن نغرس في نفسه الإصرار ونعلمه إعادة التجربة مراراً وتكراراً دون الخوف من الفشل ودون السماح للإحباط أن ينال منا.
إقرأ أيضاً: للأهل: 7 نصائح تساعد على تخليص طفلك من الخجل

في الختام:

أطفالنا أمانة في أعناقنا وتربيتهم التربية الصحيحة واجبٌة علينا؛ لذلك علينا الحرص دائماً على تقديم الحب والعطف والمساعدة لهم؛ لأنَّنا بذلك نبني طفلاً قوياً وواثقاً من نفسه؛ طفلاً لا يخاف ولا يخجل من ذاته ولا يقارن نفسه بغيره.

المصدر




مقالات مرتبطة