مساوئ المبالغة في التحفيز

تشير النظرة الكلاسيكية لتحسين الذات إلى أنَّ معظم الناس غير متحفزين بما يكفي؛ فإذا تمكنوا من تحفيز أنفسهم بعض الشيء، فسوف يتحلون بالشجاعة لتحقيق أهدافهم وتأسيس شركاتهم وتقوية علاقاتهم الاجتماعية وممارسة الرياضة والتخلي عن الوجبات السريعة، لكنَّ خلاف ذلك قد يكون صحيحاً في كثيرٍ من الحالات؛ فبعض الناس لا يمتلكون قليلاً من التحفيز، وإنَّما أكثر ممَّا ينبغي.



على سبيل المثال، على وفق وجهة النظر الكلاسيكية؛ فإنَّ معظم الناس يواجهون صعوبةً في  التعلم؛ لأنَّهم لا يمتلكون الدافع الكافي لتعلُّم شيءٍ ما؛ فالتعلُّم صعب، أمَّا اللعب بهاتفك أو مشاهدة التلفاز، فليست كذلك؛ لذلك من المفترض أن يتحلى الإنسان بدافعٍ قوي للتعلُّم لكي يتغلب على تلك المشتتات.

في الواقع، تبيَّن أنَّ خلاف ذلك كان أكثر شيوعاً؛ فالأشخاص الذين لديهم كثير من الحافز قد يرغبون في القيام بعدة أشياء في نفس الوقت، ومن المستحيل أن يُركِّزوا في مشروع واحد حتى تنفيذه كاملاً.

المبالغة في الدافع تؤدِّي إلى فتور في التنفيذ:

ثمة صفتان شائعتان تمنعان الإنسان من تحقيق الإنجازات التي يرغب فيها، وهما:

  1. دافعٌ كبير جداً يُعظِّم الأفكار والسيناريوهات والأهداف.
  2. دافع قليل لتنفيذ الأشياء التي تتطلبها هذه الأفكار.

إنَّ إعطاء أيِّ شخص يملك هذه الصفات خطاباً تحفيزياً أو كتاباً ملهماً، قد يحمل تأثيراً سلبياً؛ لأنَّه سيؤدي إلى تفاقم ميله الموجود مسبقاً للمبالغة في التفكير في الأشياء التي يجب عليه القيام بها.

غالباً ما يكون التحفيز مفيداً خاصة للناس الذين يعيشون حياةً روتينية؛ فإذا كان شخصٌ ما عالقاً في نمط سلوك رتيب، فإنَّ الحافز الإضافي قد يدفعه للتحسن، ومن ثمَّ فإنَّ الدافع يعمل عملاً أفضل عندما يعاني الشخص من نقص في الأفكار والأحلام وليس فائضاً منها.

علاماتٌ تشير إلى فرط التحفيز:

يميل هؤلاء الأشخاص إلى الانغماس في تخيل المشاريع الجديدة ووجهات السفر، ويتطلعون دائماً إلى تحسين الذات، فهذه الأفكار رائعة، لكنَّ الإفراط فيها غالباً ما يقود إلى كارثة؛ لأنَّ الشخص سيحوِّل تركيزه من مشروع إلى آخر من دون الالتزام بمشروع واحد، وإنَّ بناء هيكل واضح للحياة يقلِّل من هذه السمة المدمرة، قد يستغرق وقتاً طويلاً.

لكي تتأكد مما إذا كنت تمتلك قليلاً من الدافع أو كثيراً منه، فكِّر في أهداف حياتك التي فشلت في تحقيقها، فقد تكون هذه أهدافاً قد حسبتها هامة جداً على الأقل في مرحلةٍ ما من حياتك، لكنَّها تعثرت أو حتى فشلت تماماً لسبب ما يمكن تجنبه، مثل قلِّة المحاولة.

اسأل نفسك عمَّا إذا كنت قد توقفت عن بذل الجهد لتحقيق هذه الأهداف؛ لأنَّك ببساطة فقدت الاهتمام بها، أو لأنَّك بدأت العمل على هدف مختلف وأعطيته الأولوية.

إنَّ فقدان الاهتمام بأهدافك الحالية، وعدم بذل الجهد الكافي لتحقيقها لتتحول إلى مجرد عادةٍ روتينية أخرى، هو علامة على انخفاض الدافع؛ أي لسببٍ ما لم تستطع الحفاظ على التحفيز الكافي لإنجاز المشروع لكي يؤتي ثماره.

من ناحية أخرى، عندما يحلُّ هدف جديد محلَّ المشروع القديم، ويفقد المشروع القديم أولويته في حياتك بينما تنشغل في المشروع الجديد؛ فإنَّك غالباً تعاني من إفراطٍ في التحفيز، فعدم قمعك للفكرة الجديدة قد أدى إلى فشلك.

قد يكون هذا الميل لاستبدال هدف قديم بهدف آخر أكثر أهمية أمراً حكيماً إذا حدث لمرات محدودة؛ فإحساسك بأولوية الأهداف هو وسيلةٌ لتستفيد من جهدك، ووقتك المحدودين بالحد الأقصى، لكن إذا أصبح نمطاً متكرراً في حياتك وألغى قيمة أهدافك لأنَّها تُستبدل بسرعة كبيرة، فقد يصبح هذا النمط مدمراً.

منحنيات الدافع:

إنَّ التحفيز ليس حالةً نفسيةً موحدة؛ لأنَّ عقلك مليء دائماً بالدوافع التي تتنافس فيما بينها، وقد يبدو المنحنى النموذجي للتحفيز بالشكل الآتي:

يزداد الدافع المعين شدةً حتى يصل إلى عتبة تبدأ عندها باتخاذ إجراءات أولية لتحقيق هدفك، ويستمر الدافع مع استمرار العمل، لكن كما هو الحال في جميع الحالات العاطفية، سيعود في النهاية إلى مستوياته الطبيعية.

إذا حالفك الحظ، قد تُصمم مشروعك وهدفك بطريقةٍ تجعل عتبة مواصلة العمل عليه بمستوى أخفض من حالتك العاطفية الراهنة، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فمن المحتمل أن تتخلى عن العمل على المشروع بسبب قلة الدافع.

قد تكون قادراً على زيادة تحفيزك زيادة متقطعة، وهذا الأمر ضروري جداً بالنسبة إلى الأهداف طويلة الأمد خاصة، لكنَّه يبقى عاملاً أقل أهمية من خفض عتبة مواصلة العمل لأنَّ زيادة التحفيز أمرٌ غير ثابت.

إنَّ العادات وتحديد الأهداف وتصميم المشروع، هي أفكارٌ تهدف إلى حد كبير إلى الاستفادة من فيض الدافع الذي تمتلكه في بداية المشروع؛ لذا يجب أن تستخدم هذا الدافع الإضافي لتصميم الأنظمة تصميماً استراتيجياً؛ إذ تبقى الإجراءات اللازمة على الأمد الطويل بمستوى أخفض من عتبة مواصلة العمل.

ملحوظةٌ: إنَّ عتبة الإجراءات الأولية تبدأ بمستوى أعلى بكثير من عتبة مواصلة العمل؛ لأنَّ هذه الإجراءات ما زالت جديدةً، ولم تصبح عادات متأصلةً بعد، وعلى النقيض من ذلك تصبح مواصلة العمل أسهل وأسهل مع مرور الوقت؛ لذلك ينحدر الخط إلى الأسفل؛ وذلك لأنَّ مزيداً من الإجراءات تتحول إلى عاداتٍ وسلوكات تقوم بها تلقائياً سعياً إلى تحقيق هدفك.

لماذا يؤدي التحفيز المفرط إلى تعقيد الأمور؟

توضح المنحنيات السابقة الدافع وراء هدف أو مشروع واحد، لكنَّ الأمور تختلف جذرياً عندما تأخذ بالحسبان أنَّك قد تتحفز بأهداف أو مشاريع مختلفة، وعندما يحدث ذلك ستتعقد الأمور كثيراً؛ إذ سيفقد هدفك الأساسي أولويته ليس لأنَّ السعي إليه كان مُرهقاً لك؛ وإنَّما بسبب اهتماماتك الجديدة التي حلَّت محلَّه.

تبقى المنحنيات هي نفسها في هذه الحالة، لكن لديك الآن دوافع متعددة تتنافس فيما بينها لتشغل وقتك المحدود وجهدك وحماست

غالبًا ما يؤدي ذلك إلى دورةٍ لا متناهية من الأفكار الجديدة التي تستبدل بعضها بعضاً؛ إذ تحمل الفكرة الجديدة تحفيزاً شديداً، ممَّا يدفعك إلى تجاهل مرحلة القيام بالفعل؛ لأنَّها لا تحمل هذا التحفيز نفسه، فلكي تُحقق النجاح عليك أن تُهدِّئ من هذا الدافع بدلاً من السعي وراءه.

إقرأ أيضاً: كيف تتغلب على نقص التحفيز وتبقى متحمساً دائماً؟

كيف تُخفِّف الإفراط في التحفيز؟

الاستراتيجية الأفضل هي اتباع نهج المشروع الواحد؛ لذا قرِّر العمل على مشروع رئيسي واحد فقط واجعله أولويتك القصوى، أما المشاريع الأُخرى، فهي ثانوية ولا يمكنها أن تستبدله حتى تنتهي من تنفيذه.

قد تكون الأمور أكثر تعقيداً على أرض الواقع، فقد يكون لديك مشروع واحد مختلف في كلِّ مجال من حياتك، ولا تتنافس عادةً مع بعضها بعضاً، مثل أهداف العمل، والأهداف التي تعمل عليها في وقت فراغك، وقد يصعب عليك أن تعرف تماماً ما الذي يمكنك عدَّه مشروعاً؛ ومن ثمَّ يخضع لهذه القاعدة، وما يمكنك عدَّه عادةً؛ ومن ثَمَّ هو واحد من الأشياء المتعددة التي تتوقع أن تقوم بها عادة في اليوم أو الأسبوع.

لكنَّ هذه الاستراتيجية تبقى مفيدةً على الرَّغم من كلِّ هذه التعقيدات؛ لذلك خطط كما لو كنت تمتلك مشروعاً رئيساً واحداً فقط، وامنع نفسك من الانجرار وراء الأفكار الجديدة بينما ما تزال تعمل على المشروع القديم.

توجد استراتيجية أخرى مفيدةٌ للتعامل مع الحافز المفرط، ألا وهي التخطيط للمشاريع من دون البدء في تنفيذها، والهدف من ذلك هو ألَّا تفقد تركيزك نتيجة التفكير في الأشياء المتعددة التي يمكنك القيام بها، لكن بدلاً من تخصيص جزءٍ حقيقي من وقتك وطاقتك، ممَّا قد يضر مشروعك الحالي، ربما يكون من المنطقي أن تخطط ببساطة لكيفية تنفيذ المشروع الجديد بعد اكتمال مشروعك الحالي.

دوِّن بعض النقاط، وضَع جداول زمنية، واكتشف ما الذي يحتاج إليه مشروعك، فهذه الإجراءات الواقعية البسيطة، قد تلبي عادةً رغبتك بما يكفي لمنعك من فقدان التركيز.

توجد استراتيجية أخيرة نادراً ما يتبعها الناس، لكنَّها قد تحمل فائدةً كبيرة، وهي وضع أهدافٍ أقل طموحاً، ولكنَّها أقصر أمداً؛ فإذا كنت تعلم أنَّك تتحفز للمشاريع الجديدة أكثر من اللازم، حاول اختيار المشاريع التي يمكنك إنجازها في شهرٍ واحد، بدلاً من المشاريع التي تتطلب سنوات لإكمالها.

قد تكون المشاريع الصغيرة أقل طموحاً، لكن على الأقل يمكنك أن تحافظ على تحفيزك لشهرٍ أو شهرين، وقد تتطلب بعض المشاريع الأخرى مزيداً من الوقت، لكن ربما ليس وقتاً مستمراً، ويمكنك على سبيل المثال أن تمارس الرياضة بجهدك كاملاً لمدة شهر واحد، ثم تُجرب شيئاً آخر بينما تحاول الحفاظ على هذه العادة القديمة فقط، وفي وقت لاحق عندما يتلاشى الدافع لممارسة الرياضة، يمكنك أن تعمل مجدداً على هذا المشروع محاولاً بلوغ مستوياتٍ أعلى.

الاختلاف الرئيسي بين نهج المشروع الصغير، وما يفعله الأشخاص الذين يملكون حافزاً مفرطاً هو أنَّك تنوي حقاً إنجاز هذه المشاريع، وتُخطط وفقاً لذلك، وعندما تترك المشاريع تنجح وتفشل بناءً على حالتك المزاجية، قد لا تصل هذه المشاريع إلى استقرار كافٍ لكي تتحول إلى عادةٍ تلقائية، بينما إذا كنت تعلم أنَّ مشروعك يستغرق شهراً واحداً فقط، فهذا يجعلك تعيد التفكير في كيفية تصميمه؛ إذ تضمن أنَّه سيصبح مجرد عادةٍ أخرى.

إقرأ أيضاً: 8 خطوات للحفاظ على استمرارية التحفيز الذاتي حتى في الأوقات الصعبة

في الختام:

إنَّ نقمة التحفيز المفرط هي نعمةٌ أيضاً؛ لأنَّها تعني أنَّ لديك دافعاً لتحقيق الأهداف وإمكانيةً لجعل ذلك حقيقة، ولكنَّها تتطلب قدرة تحكُّم هائلة؛ لأنَّه عليك مقاومة بعض الدوافع لكي تُحسِّن حياتك، وإذا كان بإمكانك تحقيق ذلك، لن تُطارد الحماسة العالية التي ترافق الأفكار الجديدة؛ بل ستلتزم بتنفيذ العمل، وسوف تكون حياتك أكثر سعادةً على الأمد الطويل.

المصدر




مقالات مرتبطة