مساوئ التسويف

إنّ ما يجعل التسويف أمراً خطيراً هو أنك تحمل عبء تلك المؤجلات، والتي تستنزف قواك من الأشياء المهمة الأخرى، وهو ما يمثل عبئاً لا يمكنك تحمله بالفعل، فالأعمال التي تقوم بتأجيلها عادة لا تستغرق الوقت الأطول دائماً، ولكنّها تسرق وقتك بطرق غير مرئية، فإذا لاح في الأفق عمل من هذا النوع، فستجد الكثير والكثير من المغريات التي تصرفك عن عملك بدلاً من إتمامه، وينتهي بك المطاف إلى أن تستغرق بعض الأعمال وقتاً أطول من المعتاد لأنّك تؤجل المواجهة، وكما قال المثل الاستكلندي: "إنّ ما يمكن القيام به في أي وقت، لن يُؤدى في أي وقت"، ومن أهم مساوئ التسويف:



1- إنّ التسويف في فعل المهام يجعل الإنسان يعتاد عليه:

"والعادة إما أن تكون أفضل خادم أو أسوأ سيد"، فإذا رسخت أصبحت من طبيعة الإنسان، ويصعب الإقلاع عنها، حتى أنّ الإنسان يقتنع عقلياً بوجوب المبادرة إلى أداء العمل، ولكنّه لا يجد من إرادته ما يعينه على ذلك، بل يجد تثاقلاً عن العمل، وإعراضاً عنه، وإذا خطا إليه يوماً خطوة، أحس وكأنّه يحمل على ظهره جبلاً كبيراً!

إقرأ أيضاً: 5 أفكار تساعدك على التخلص من التسويف

2- لا يوجد وقت فارغ من العمل:

فلكل وقت عمله، ولكن يوم واجباته، فإذا تم تأجيل هذه الواجبات، ذهب وقتها، وضاع في أمور أخرى على الأغلب تكون غير هامة، وبالتالي تؤجل هذه الواجبات لأوقات لاحقة تكون ذات واجبات أخرى أيضاً.

قال ابن عطاء في الحكم: "حقوق في الأوقات يمكن قضاؤها، وحقوق الأوقات لا يمكن قضاؤها، إنّه ما من وقت يرد إلّا ولله عليك فيه حق جديد، وأمر أكيد، فكيف تقضي حق غيره، وأنت لم تقض حق الله فيه؟!"، و نقل د. نادر أبو شيخة من كتاب طاهر بن الحسين لابنه عبد الله، عندما ولاه المأمون الرقة ومصر، قوله له: "وافرغ من عمل يومك، ولا تؤخره لغدك، وأكثر مباشرته بنفسك، فإنّ لغد أموراً وحوادث تلهيك عن عمل يومك الذي أخرت، واعلم أن اليوم الذي مضى ذهب بما فيه، فإذا أخرت عمله اجتمع عليك عمل يومين، وإذا أمضيت لكل يوم عمله أرحت بذلك نفسك، وجمعت أمر سلطانك".

إقرأ أيضاً: لا تؤجل عمل اليوم للغد وإلا ستصاب بـ"البروكراستيناتسيون"!

3- لا يوجد من يضمن أن يعيش إلى الغد:

ومن يضمن أن يعيش إلى غده؟ فالموت يأتي بغتة وبأسباب شتى؟ فإذا أجلّت عملك إلى الغد، وكان هناك "غد" فهذا يعني أنّه توجد فرصة لدرء مساوئ التأجيل، ولكن إن لم يكن هناك "غد" فلقد ذهبت فرصة القيام به بشكل نهائي، دعا أحدهم رجلاً إلى الطعام، فاعتذر له بأنّه صائم، فقال الداعي: "أفطر وصم غداً". فقال: "وهل تضمن لي أن أعيش إلى الغد؟"، وقال الشاعر:

تزود من التقوى فإنك لا تــدري       إذا جنَّ ليلٌ: هل تعيش إلى فجــــر

فكم من سليم مات من غير عـلة        وكم من سقيم عاش حيناً من الــدهر

وكم من فتى يمسي ويصبح آمنـاً       وقد نسجت أكفانه وهــــو لا يدري

وإذا وُجد من يضمن أن يعيش إلى الغد، فهل يضمن المعوقات الأخرى مثل المرض، أو البلاء؟ لهذا كان لابدّ من الحزم في المبادرة وأداء الواجبات، فالعجز في التسويف والتأجيل، لأنّه يُضيع الوقت ويفُوت الفرص، وإذا ضاعت الفرصة صارت غصة، قال أحد العلماء لبعض الشباب: "اعمل قبل ألّا تستطيع أن تعمل، فأنا أبغي أن أعمل اليوم فلا أستطيع"، وقال الشاعر:

عليك بأمر اليوم، لا تنتظر غدا          فمن لغد من حـــادث بكفيل

وقال آخر:

ولا أُؤخر شغل اليوم عن كسل            إلى غد إن يوم العاجزين غد

وقد وعظ النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً فقال له: "اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك" رواه أحمد.

إقرأ أيضاً: إدارة الوقت في الإسلام، وأهميّة تنظيم الوقت في رمضان

4- إنّ العمل هو مهمة الإنسان الحي:

فالمرء الذي لا يعمل لا يستحق الحياة، والعمل مطلوب من الإنسان ما دام فيه عرق ينبض، سواء كان عملاً دينياً أم دنيوياً"، ومن الحكم المأثورة المشهورة عند المسلمين: "اعمل لدنياك كأنّك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنّك تموت غداً".

ويقول ابن القيم: (وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم، وهو يمرّ مرّ السحاب، فما كان وقته لله تعالى وبالله فهو عمره وحياته، وغير ذلك غير محسوب من حياته، وإن عاش فيه عيش البهائم، فإذا قطع وقته من الغفلة والسهر والأماني الباطلة، وكان غير ما قطعه به النوم، والبطالة، فموت هذا خير له من حياته).

إذاً اتفقنا على أن التسويف يعتبر عادة من أسوأ العادات، واتفقنا على أنّه لا يجدر بنا أن يكون لدينا وقت فارغ من العمل، وبنفس الوقت أنت لا تضمن أن تعيش إلى الغد (وإذا ضمنت ذلك فأنت لن تستطيع أن تضمن المعوقات الأخرى)، وأنت إنسان حي والعمل من صفاتك، وبالتالي لابدّ من التخلص من أية عادة من عادات التسويف والتأجيل، وفهم أسباب التسويف يساعدنا على إيجاد الحلول لهذا المرض.

 

المصادر:

  • الوقت في حياة المسلم - د. يوسف القرضاوي - مؤسسة الرسالة
  • جدد حياتك - محمد الغزالي - دار القلم
  • حفظ العمر - الإمام عبد الرحمن بن الجوزي - دار البشائر الإسلامية - دار الصديق



مقالات مرتبطة