مزايا التعليم عن بعد وعيوبه

أصبحت المعرفة في متناول جميع الأفراد اليوم؛ إذ تنفتح أمامنا آفاقٌ لا حدود لها من المعرفة من خلال نقرة واحدة على زر الكمبيوتر، وهذا ما غيَّر مفهوم التعلُّم وطوَّره.

نُظِر في السابق إلى التعليم من منظور علم النفس التربوي، وأي حديث عن التعلم قادنا مباشرةً إلى التعلُّم المدرسي، وفي الحقيقة هذا الأمر لم يعد كافياً في ظل التطورات الكبيرة التي يشهدها العالم اليوم وفي ظل الثورة الرقمية الهائلة التي اجتاحت المجتمعات.



إضافةً إلى التنافسية التي اشتدت بين الأفراد؛ لذا لم يعد التوسع في اكتساب المعارف رفاهية؛ بل أصبح شيئاً ضرورياً، وهذا ما أدى إلى ظهور نظام التعليم عن بُعد بمختلف أشكاله الذي يعدُّ الداعم الأكبر للتعلم الذاتي، والتعلم عن بُعد مزاياه وعيوبه هو موضوع مقالنا لهذا اليوم:

ما هو التعلم الذاتي وعلاقته بالتعلم عن بُعد؟

يرى بعض التربويين أنَّ التعلم الذاتي يحصل نتيجة تعليم الفرد لنفسه بنفسه أو هو مجموعة من التعليمات التي تساعد على تحسين التعلم، عن طريق تأكيد ذاتية الأفراد المتعلمين من خلال برامج تعليمية مقننة تعمل على تزويدهم بالاتجاهات والمهارات الضرورية، أو هو قيام التلميذ بنفسه بالمرور في المواقف التعليمية المتنوعة لاكتساب المعلومات والمهارات المطلوبة.

التعلم الذاتي هو المجهود الذي يبذله الفرد من تلقاء نفسه لتهيئة المواقف التعليمية، واختيار مصادر التعلم المختلفة لتعلم بعض الحقائق والمعلومات والمهارات.

أهمية التعليم عن بُعد:

كان من الهام والضروري بعد دخول التكنولوجيا إلى شتى مجالات حياتنا، استخدامها واستثمارها في الأنظمة التعليمية؛ وذلك لما لها من دور كبير في تشغيل الحواس جميعها، ومن ثَمَّ نقل المعلومة والاحتفاظ بها جيداً، وما زاد من أهمية التعليم المفتوح اعتمادَه الوسائط المتعددة؛ لأنَّ هدفه ليس تلقين المعلومات؛ بل النمو بأفكار المتعلم وزيادة إمكاناته العقلية وقدراته الفكرية.

لقد تحوَّل الحاسوب مع أنظمة التعليم عن بُعد مثل نظام التعليم المفتوح إلى أداة تعليمية رائعة بكل المقاييس؛ فالتعليم المفتوح قد مر بمراحل مختلفة من استخدام الوسائط برز منها أجيال عدة، وهي:

  • الجيل الأول الذي اعتمد المراسلة بصفته نظاماً تعليمياً.
  • الجيل الثاني الذي وظف الوسائط المطبوعة والمتلفزة.
  • الجيل الثالث عمل على توظيف التقانات الحديثة والرقمية.

عمد نظام التعليم عن بُعد على استخدام الوسائط التي تؤدي إلى الفاعلية في التعلم، وبما يتناسب مع طبيعة المواد والإمكانات المادية والتقانية المتوفرة، مع حرصه على تحقيق التكامل بين الوسائط المباشرة وغير المباشرة.

كل هذا بهدف مساعدة المتعلم على اكتساب المهارات ليستطيع التعامل مع هذه الوسائط وخاصة في التعلم الذاتي، ومن الوسائط المباشرة التي اعتمدها التعليم عن بُعد التي تحقق تفاعلاً مباشراً مع المتعلم: الندوات والمحاضرات واللقاءات التوجيهية والمعارض وغيرها.

أما الوسائط غير المباشرة والتي لا تعتمد على التفاعل المباشر مع المتعلم؛ فهي الأشرطة السمعية والبصرية والأقراص المدمجة وأوراق العمل، إضافة إلى شبكات الحاسوب المحلية والدولية وغيرها، واعتماد التعليم المفتوح على هذه الوسائط كلها يصب في هدف واحد وهو مساعدة المتعلم وتقديم المعلومات له بأسلوب مُحفِّز ومتناسب مع جميع أنواع الطلبة.

بهذا فإنَّ التعليم عن بُعد من أنواع التعلم الذي يقوم من خلاله الفرد باكتساب المهارات والمعلومات والخبرات بالاعتماد على ذاته، مع كامل القناعة والرغبة الذاتية منه، ومن دون الحاجة إلى مكان تعليمي أو مؤسسة تعليمية؛ بل من خلال القيام بمجموعة من النشاطات التعليمية وحده، لكن عليه أن يحدِّد الأهداف والوسائل، ويقوم بوضع خطة تتناسب مع أهدافه وقدراته وميوله، وتأتي أهمية هذا التعلم في عصرنا الحالي من نقاط عدة:

  1. مما لا شك فيه أنَّ التعلم الذاتي ليس حديث العهد؛ بل تحدثت مفاهيمه واستراتيجياته وطريقة النظر إليه والتعامل معه؛ فالمجتمعات التي أدركت أهميته عملت على تنشيطه وتفعيل دوره. كما أنَّ الأفراد في عصرنا الجديد والمتجدد أدركوا حاجتهم إلى معرفة كيفية التعامل مع المواقف الجديدة ورغبتهم في معرفة مزيد من المعلومات، فكانت الطريقة الوحيدة لإشباع هذه الحاجات هي تعليم الفرد كيف يتعلم.
  2. إتاحة الفرصة للفرد لاكتشاف مواهبه والمجالات التي يستطيع أن يبدع فيها؛ ومن ثَمَّ نستطيع تسخير هذا التطور الفردي لخدمة تطور المجتمع اقتصادياً واجتماعياً وعلمياً وعملياً، وخاصة بعد ما فرضته العولمة علينا من منافسة كل فرد للفرد الآخر، مما جعل التعلم عن بُعد ركيزة أساسية لدفع حركة التنمية والتقدم والتطور إلى الأمام، وهذا يقدم لنا تفسيراً عن السبب وراء اتجاه معظم المجتمعات وأفرادها إلى التعلم عن بُعد.
  3. إضافة إلى ثورة تكنولوجيا الاتصالات وتطور الوسائل التكنولوجية حجماً ونوعاً، والتي ساهمت بتحويل الكون بكامله إلى مجرد قرية صغيرة، وهنا ظهرت حاجة الفرد إلى فهم التنوع، وعن طريق التعلم عن بُعد حتى يستطيع الفرد تنمية مهارات جديدة وإتقانها ليتماشى مع تطورات العالم هذه، مثل تنمية القدرة على اتخاذ القرارات وحل المشكلات.
  4. مواكبته لجميع التطورات التي يشهدها العالم من ثورة معرفية وتكنولوجية هائلة.
  5. نستطيع إسقاط أهمية التعلم عن بُعد أيضاً على إمكانية اكتساب المهارات والمعارف بجهد وتكلفة أقل ودون تقيد بزمان ومكان محددين، إضافة إلى توفيره تغذية راجعة للمتعلم ليستطيع تقييم ذاته تقييماً دائماً.

لذا نستطيع القول إنَّ الثورة المعرفية والتكنولوجية الهائلة وثورة تكنولوجيا الاتصالات جعلت من التعلم الذاتي والتعلم عن بُعد هدفاً ووسيلة في آن معاً بالنسبة إلى الفرد، ليتجلى الهدف بتعليم الفرد لنفسه، ووسيلة لمواكبة الفرد لتطور المجتمع ليستطيع أداء دور إيجابي في تقدمه.

شاهد بالفيديو: أهمية التعليم عن بعد

مزايا التعليم عن بُعد:

يتمتع نظام التعلم عن بُعد بمزايا عدة، وهناك خصائص وسمات عديدة تميز التعليم عن بُعد عن باقي أنظمة التعليم الأخرى، وفيما يأتي سنعدد أهم مزايا التعلم عن بُعد:

  • يسمح التعلم عن بُعد للمتعلم بمتابعة دراسته عند توفر الرغبة والقدرة على متابعة الدروس وحضورها، ولا يشترط عمراً معيناً أو مكان سكن معيناً؛ بل هو مفتوح لكل الأفراد.
  • ترحيب التعليم عن بُعد بأشكاله كلها بالطلاب جميعهم، دون النظر إلى دراستهم السابقة أو خبراتهم الأكاديمية والحياتية؛ لذا كانت معايير القبول في التعليم عن بُعد هي الأقل حسماً بين بقية أنظمة التعليم مثل أنظمة التعليم العادية.
  • قبول نظام التعليم عن بُعد للأفراد ذوي الحاجات الخاصة الذين منعتهم ظروفهم الخاصة بالإعاقة من ارتياد مؤسسات التعليم الجامعية النظامية.
  • يتَّبع نظام التعليم المفتوح نظاماً بإنشاء جدول يوضح فيه كل المواد التي على الطالب دراستها أو إنجاز المهام التي تتعلق بهذه المواد، ويتيح للمتعلم حرية الاختيار بهذه المواد بما يتناسب مع قدراته وظروف حياته؛ ومن ثَمَّ فإنَّ التعليم المفتوح يمنح المتعلم فرصة كي يُنظم وقته ودراسته.
  • لا نستطيع إغفال الدور الأكبر للتعليم عن بُعد بتوجيه الطالب ومساعدته وتعليمه كيفية تحسين أسلوبه الخاص بالدراسة لإبعاده عن سياسة قراءة المعلومات وحفظها فقط، ليوفر له مزيداً من الخبرات التعليمية وتنمية مهاراته وخاصة في مجال عمله.
  • من أهم الصفات التي تميز التعليم عن بُعد هي قلة حاجة الطالب إلى السفر؛ فالطالب يستطيع إنجاز البرنامج الدراسي الخاص به وهو في المنزل أو في العمل، وهذا لا يتعارض مع حقيقة وجود بعض المواد التي تتطلب حضوراً في الجامعة، وبعضها يستطيع متابعته عبر الإنترنت.

استطاعت هذه الخصائص جعل التعليم عن بُعد مرغوباً في معظم الدول ومن قبل غالبية الأفراد.

إقرأ أيضاً: التعليم التقليدي والتعليم عن بُعد: إيجابيات وسلبيات

عيوب التعليم عن بُعد:

كما أنَّ للتعليم عن بُعد إيجابيات ومزايا تساعد على جعله مرغوباً من قبل الأفراد والمتعلمين، هنالك أيضاً بعض السلبيات والعيوب التي لا نستطيع صرف النظر عنها، ولا بُدَّ من ذكرها وأخذها في الحسبان، ومن عيوب التعليم عن بُعد:

  • إنَّ مصادر المعلومات مجانية على الشبكة، وهذا يؤدي إلى غياب الحافز والدافع لدى مطوري هذه المصادر للقيام بتطويرها وتحديثها، كما أنَّه يتعارض مع حقوق الملكية الفكرية، مما يسبب مشكلات قانونية في بعض الأحيان.
  • تعدُّ أكثر السلبيات انتشاراً في عصرنا الحالي هي المشكلات التكنولوجية وضعف الاتصال بالإنترنت، ووجود بعض المصادر التي تحتاج إلى تطبيقات برمجية متطورة وهي غير متوفرة عند المتعلمين جميعهم.
  • من عيوب التعلم عن بُعد أيضاً هو توفر معظم المصادر التعليمية باللغة الإنجليزية، مما يؤدي إلى تحجيم الفائدة منها، بسبب عدم تمكُّن جميع الطلاب من التعامل وفهم هذه اللغة.
  • ما نستطيع عدَّه سلاحاً ذا حدين هو تقديم طلب الاختبارات إلكترونياً، وفي الواقع نستطيع عدَّ الأمر إيجابياً في بعض النواحي، لكن توجد بعض السلبيات لهذا الأمر؛ إذ لا يستطيع مدرس المادة معرفة ما إذا كان الطالب هو من يقدم الامتحان أو بمساعدة شخص آخر، وهذا هو الشيء السلبي بسبب زيادة احتمالية التلاعب والغش.
  • التعليم عن بُعد يفتقر إلى شيء هام وضروري وهو التفاعل المباشر بين الطالب والمعلم، ويفتقر إلى التغذية الراجعة التي قد يقدمها المعلم.
  • الأكثر سلبية هو عدم الاعتراف بشهادة التعليم المفتوح في بعض الدول، ومقارنتها بشهادة التعليم التقليدي؛ ما يدفع بعضهم إلى التفكير بهذه الطريقة بأنَّ مجالات التعلم في التعليم المفتوح محدودة.
  • يفتقد نظام التعليم عن بُعد إلى الجانب التطبيقي العملي، إضافة إلى وجود بعض الجامعات التي تمنع خريجي التعليم المفتوح من التسجيل في الدراسات العليا وإكمال دراستهم، هذا كله من شأنه أن يشكِّك بكفاءة خريجي التعليم المفتوح ومقارنتهم مع خريجي أنظمة التعليم الجامعي الأخرى.
  • في بعض الدول تكون تكلفة التسجيل في التعليم المفتوح مرتفعة التكاليف، بما لا يتناسب مع الأفراد من ذوي الدخل المحدود.
إقرأ أيضاً: التعلم عن بعد: الصعوبات والمشاكل والتحديات

 في الختام:

أصبح واضحاً أنَّ أنظمة التربية والتعليم الحديثة اليوم تتجه اتجاهات جديدة بعيدة عن جعل المتعلِّم مجرد متلقٍ، فهو اليوم يُعدُّ جزءاً أساسياً من هذه العملية انطلاقاً من مبدأ التعلُّم الذاتي؛ فالرغبة في التعلم يجب أن تخرج من داخل الشخص وتنبعث من داخله ليكون قادراً على إحداث التغيير المنشود الذي يطمح إليه.

ليس نظام التعليم عن بُعد إلا واحداً من أنظمة التعليم التي تدعم الأفكار السابقة وتؤكدها مراعيةً الظروف الصعبة لمتعلمين كثيرين، سواء الذين يعيشون في أماكن نائية أم أولئك الذين فاتهم قطار التعليم في السابق وغيرهم؛ لذلك أصبح التعليم عن بُعد مطلباً من متطلبات العصر الحديث.




مقالات مرتبطة