مرض الشك: أعراضه وطرق التعامل معه

يُعتبر مرض الشك من الأمراض النفسيّة الأساسيّة التي يُعاني منها العديد من الأشخاص في العالم، والتي تُسبّب لهم الكثير من الأعراض المزعجة التي تعيقهم عن العيش بطريقةٍ طبيعيّة كغيرهم من البشر، ويقول علماء النفس بأنّ هذا المرض هو من فصيلة مرض الوسواس القهري، فيما يلي سنُسلّط الضوء على مجموعةٍ من أهم المعلومات المتعلقة بمرض الشك النفسي، أعراضهُ، وطرق علاجه.



أولًا: ما هو الشك المرضي

هناك العديد من التعريفات التي تحدثت عن مرض الشك المرضي منها:

التعريف الأول:

الشك هو إحدى المشاعر البشرية التي يتميّز بها الإنسان عن غيره من المخلوقات، ويكون الشك بالوقوع بين التصديق والتكذيب، ومحل الشك الفؤاد وليس القلب، وذلك لعدم ورود أدلة ترجيحية كافية إليه تجعله يركن لأحد البدائل.

التعريف الثاني:

مرض الشك هو عبارة عن حالة سيكولوجيّة، تتميّز بوجود بعض الأفكار الغريبة التي تسمى بالهواجس التي لا تفسير لها، والتي تقود الإنسان إلى القيام بأفعال متكررة تسمى بالدوافع، وهذهِ الأفكار والدوافع تتداخل مع الأنشطة اليوميّة التي يقوم بها المصاب مسببةُ لهُ الكثير من المشاكل النفسيّة، وعادةً ما تكون تصرفات المصاب وأفعالهِ خارجة عن إرادتهِ وقصريّة، كأن يقوم بإغلاق باب الثلاجة لعدة مرات وذلك ظنًا منه على أنّه لم يُغلقها جيدًا.

التعريف الثالث:

أمّا الفلاسفة فقد عرفوا الشك على أنّه التردّد بين النقيضين بلا ترجيح لأحدهما على الآخر، والشك في علم النفس، هو التردد بين شيئين تدخل فيهِ النفس في نوع من الحيرة ما بين التصديق والتكذيب، وعلى هذا فإنّ الإنسان يسير في طريق مليئ بالظلام، وينتهي بهِ الحال إلى الإصابة بالوسواس النفسي المرضي، ليتطور إلى حالات مرضية أخطر كالإصابة بالفصام.

التعريف الرابع:

مرض الشك هو عبارة عن اضطراب الشخصيّة الشاذ أو الغريب، ويقوم عن طريق تصرّف الإنسان بسلوك غير عادي بالنسبة للشخص العادي أو الشخص الطبيعي، حيث يُعاني المصاب من مشكلة الشك بالآخرين وعدم الثقة بهم على الإطلاق، ويعتقد كذلك بأنّ كل الأشخاص الذين حوله يُريدون إلحاق الأذى بهِ، ويُحرّف كل الأحداث والتعليقات والكلمات التي توجه إليهِ، وهو عادة ما يكون سريع الغضب والعداء تجاه الآخرين.

ثانيًا: مرض الوسواس القهري والشك

إن علاقة الشك المرضي بالوسواس القهري توصلنا إلى الشك القهري هو شكل من أشكال الوسواس القهوي في حالاتهِ المتقدمة، ويقوم على أنّ هناك أفكار تسيطر على عقل المريض بشكلٍ كامل تمامًا وتبث فيه وسواس الشك في النفس، كأن يعتقد المريض بأنهُ خرج من المنزل ولم يُغلق الباب، ليتخيّل بعدها الكثير من الأفكار الغريبة كأن يقول بينهُ وبين نفسهِ بأنّ هناك لصوصًا دخلوا المنزل وسرقوا كل ما فيهِ من أشياء، وهذا ما يدفعهُ للذهاب بشكل سريع إلى المنزل وإبلاغ الشرطة، لهذا فإنّ المصاب عادةً ما يُسبب المتاعب لنفسهِ ولكل الأشخاص المُحيطين بهِ بسبب تصرفاتهِ غير المنطقيّة.

وفي بعض الأحيان يُدرك المصاب حقيقة إصابتهِ وبأنّ كل تخيلاتهِ غير صحيحة، ولكنّه لا يُملك القدرة للسطيرة على هذهِ التصرفات والأفكار، وأكثر الاشخاص الذين يُصابون بهذا المرض هم الذين تخطوا الأربعين عامًا وما فوق، أمّا الأطفال فمن النادر جدًا أن يُصابوا بهذا المرَض.

إقرأ أيضاً: 10 معلومات هامة عن الوسواس القهري

ثالثًا: انواع الشك ودرجاته

الشك الطبيعي:

وهو الشك الذي ينتاب الإنسان في حياتهِ بشكلٍ طبيعي وبدرجاتٍ خفيفة، وذلك لحماية نفسهِ، وحماية أهلهِ، والتأكّد من كل الأمور قبل أن يقوم بها، واطلاعهُ على كافة تفاصيل حياتهِ وحياة كل الأشخاص المُحيطين بهِ.

الشك غير الطبيعي والملازم للإنسان:

وهو الشك الزائد الذي يجعل الإنسان يشك في كل الأشخاص المُحيطين بهِ، لدرجة تجعله عاجزًا عن التواصل مع الآخرين والأشخاص المُحيطين، وعادة ما يشك الإنسان المصاب بهذا النوع من المرض بالآخرين دون وجود أي دليل صريح أو علامة تستدعي الشك، ويتصف كذلك بالتردد حيال كل القرارات التي سيتخذها في حياته، ويقوم بتفسير كل الأمور السيئة على أنها مخططة ضدهُ، وأنّ كل الناس يحقدون عليهِ.

الشك المرضي:

وهو من أصعب أنواع الشك وأكثرها خطورةً على حياة الإنسان وصحتهِ النفسيّة، وفي هذا النوع من الشك يُعاني الإنسان من اضطرابات وأوهام اضطهاديّة، حيثُ يعتقد بأنّ كل الأشخاص الذي يُقابلهم في حياته يُحيكون له المؤامرات والخطط العداوانيّة، وهذا ما يُحوّل حياته إلى جحيمٍ لا يُطاق، وهذا النوع بالتحديد يتطلب التدخل الطبي السريع.

وتقول الدراسات النفسيّة التي تناولت هذا النوع من الشك، بأنّ الشك المرضي لا يؤثر فقط على المُصاب، وإنّما على كل الأشخاص الذين يعيشون معه، وتكون التأثيرات السلبيّة كالآتي:

  1. التعرّض لمشكلة الطلاق والتفكك في العلاقات الأسريّة.
  2. التعرّض للعديد من المشاكل والخلافات مع الأمن والسلطات، وذلك لكثرة الأخبار والبلاغات الكاذبة.
  3. نشوء العديد من الخلافات في العمل، مما يُعرضهُ للكثر من الخسارات المادية، والمشاكل التي قد تؤدي لخسارة وظيفته أو عملهِ.
  4. إقدامه على استخدام العنف الجسدي، وفي بعض الحالات ارتكاب جرائم خطيرة كالقتل، أو حتّى الإقدام على الإنتحار.

رابعًا: أهم أسباب الإصابة بمرض الشك النفسي

1- طبيعة الإنسان:

تلعب طبيعة الإنسان دورًا أساسيًا في تعرّضهِ لخطر الإصابة بمرض الشك النفسي، إذ أنّ صاحب الشخصيّة الضعيفة يكون أكثر عرضةً للإصابة بهذا المرض من غيرهِ، وذلك لتأثره الشديد بكل الأحداث التي تمر معه منذ طفولتهِ ومرحلة المراهقة.

2- بساطة الإنسان:

عندما يكون الإنسان بسيطًا بشكلٍ مبالغ فيهِ، فإنّهُ يقع في العديد من الشكوك التي تراود عقلهُ وتُعيقه عن العيش بطريقةٍ طبيعيّة، وكثيرًا ما يتعرّض كذلك لخداع الناس واستغلالهم له.

3- وجود الخوف:

إنّ الخوف والشك وجهان لعملة واحدة، لهذا فإنّ خوف الإنسان المفرط يقودهِ إلى الشك الزائد، لدرجةٍ تصل فيهِ إلى حد المرض النفسي.

إقرأ أيضاً: تعرّف على أنواع الخوف وأهم طرق السيطرة عليه

4- البيئة المحيطة:

تلعب بيئة الإنسان دورًا أساسيّا في تعرّضهُ لمشكلة الشك النفسي، إذ أنّ عيشهُ ضمن بيئة مليئة بالأشخاص الشكاكين سيُساهم في تنمية صفة وغريزة الشك داخلهُ لتصبح جزءًا أساسيًا من شخصيتهِ.

5- التعرّض للإعتداء الجنسي:

إنّ التعرّض للتحرّش الجنسي خلال مرحلة الطفولة يجعله أكثر عرضةً للإصابة بمشكلة الشك المرضي.

6- أسباب وراثيّة:

تلعب الوراثة دورًا أساسيًا في إصابة الإنسان بمشكلة الشك المرضي، كأن يكون أحد أفراد العائلة المقربين مصابًا بهذا المرض كالأب، الأم، الجد، الجدة، أو الأعمام والأخوال.

خامسًا: اعراض مرض الشك

  1. اتّخاذ المصاب للكثير من الحيطة والحذر من كل الأشخاص المُحيطين بهِ، لاعتقاده الراسخ بأنّهم يريدون إلحاق الأذى بهِ، وكل هذهِ الأفكار عبارة عن أوهام كاذبة فقط.
  2. فقدان المصاب للثقة بنفسهِ وبكل الأشخاص المُحيطين مهما كانوا مُقربين منه من أفراد العائلة أو حتّى الأصدقاء.
  3. كتمان كل المعلومات الخاصة المتعلقة بهِ، وعدم إخبار الآخرين بها، وذلك لكي لا يستخدمونها لإلحاق الأذية بهِ، والشك الدائم بمن حوله دون وجود أي مبرر واضح.
  4. حساسيّة المصاب وعدم تقبلهِ لأي نوع من الإنتقادات التي قد توجهِ إليهِ من الآخرين، حتّى وإن كانت صائبة وصحيحة.
  5. عدم قدرتهِ على مسامحة الآخرين، ونسيان أي تصرف سيئ منهم اتجاههُ، وتفسير كلمات الآخرين حسب معتقداته الخاصة.
  6. الهروب من العلاقات الإجتماعيّة، والميول للعزلة والوحدة، والتمسك الشديد بالآراء الخاصة، وعدم التنازل عنها حتّى وإن كانت خاطئة.
  7. الميول إلى القيام بتصرفاتٍ عدائيّة، والإنزعاج أثناء التواجد في الأماكن الملوثة والتي تنتشر فيها الفوضى.
  8. القيام ببعض التصرفات المكررة، وكإغلاق الباب لأكثر من مرة، أو التأكد من إطفاء الضوء لأكثر من مرة.

سادسًا: علاج مرض الشك

قد يخطر لك التساؤلات التالية:

  1. هل مرض الشك له علاج؟
  2. هل يمكن علاج الشخص الشكاك؟

يُعالج مرض الشك عن طريق زيارة الطبيب المختص، الذي يُحاول أن يُدرب المصاب على زيادة مهاراتهِ الإجتماعيّة، مع التكيّف بالظروف العامة المحيطة بهِ، وزيادة القدرة على الإتصال بالذات واحترامها، ويعمل الأخصائي ضمن خطة عمل وعلاج واضحة ومنظمة، بالإضافة لوصف بعض الأنواع من الأدوية التي تساعد على تحسين نفسيّة المصاب وتسريع عملية الشفاء، كمضادات القلق، مضادات الإكتئاب، وبعض الأنواع من الأدوية المضادة للذهان التي تساعد على علاج الشك المرضي.

سابعًا: نصائح مهمة لمواجهة مرض الشك والتغلّب عليهِ

1- التعرّف على سبب الشك:

ليتغلّب المصاب على مشكلة الشك التي يُعاني منها، عليهِ أولًا أن يتعرّف على الأسباب الأساسيّة التي تقفُ وراء الإصابة بهذهِ المشكلة النفسيّة، وذلك عن طريق تسجيل كل الأمور التي تجعلهُ يشعر بالشك، والعبارات التي يقولها لنفسهِ، والمواقف التي تُثير شكوكهُ، وذلك لكي يعمل على تجنّبها.

2- طلب المساعدة:

يجب على المصاب ألّا يتردد في طلب يد العون والمساعدة من الأخرين، وبشكلٍ خاص من الأصدقاء وأفراد العائلة الذين يُحبونهُ، وذلك لأنّهم سوف يلعبون دورًا فعّالًا في تشجيعهِ ومساعدتهِ على تحويل الطاقة السلبيّة التي تختزن داخلهِ إلى طاقةٍ إيجابيّة رائعة لتسريع عمليّة الشفاء.

3- التخلّص من العبارات السلبيّة:

إنّ العبارات السلبيّة التي تهاجم عقل المصاب هي التي تزيد من شكوكهِ وهواجسهِ اتجاه نفسهِ والآخرين، لهذا عليهِ أن يعمل دائمًا على استبدال هذهِ العبارات السلبيّة بعباراتٍ إيجابية، كأن يقول لنفسهِ بشكلٍ دائم، أنا أحب الجميع، جميع الناس يُحبونني، أنا أثق بالجميع، أنا لا أشك بأي أحد، العالم مليئ بالناس المحبين الرائعين، أنا سعيد بحياتي.

إقرأ أيضاً: عبارات لتعزيز التفكير الإيجابي داخلك

4- ممارسة التنفس العميق:

إنّ تمارين التنفس العميق تلعبُ دورًا أساسيًا في تسريع عملية الشفاء من مرض الشك النفسي، وذلك لأنّها تساعد على استرخاء الجسم، والتخلّص من كل الأفكار التي تسبب التوتر والقلق، لهذا على المصاب أو يُواظب على ممارسة تمارين التنفس العميق لعدة مرات في اليوم، وبشكلٍ خاص عندما يشعر بأنّ الشك بدأ يتسلل إلى عقلهِ.

5- التطوّع:

وهو من أهم العلاجات المستخدمة لمساعدة المصاب على مواجهة مرض الشك، وذلك لأنّ مساعدة الآخرين تساعد على بث مشاعر الخير والمحبة داخلهِ، وتُبعد عنهُ كل أنواع الشكوك والظنون.

إقرأ أيضاً: أقوال وحكم رائعة عن العطاء

6- ممارسة الهوايات:

تساعد الهوايات على تحسين نفسيّة الإنسان وتعديل مزاجهِ العام، لهذا من الضروري أن يواظب مريض الشك على ممارسة هواياتهِ المفضلة كل يوم، بالإضافة لتعلّم بعض الهوايات الجديدة التي تملأ كل أوقات فراغهِ.

7- القراءة:

يستطيع مريض الشك النفسي أن يُعالج نفسه بنفسه، وذلك عن طريق القراءة، وبشكلٍ خاص قراءة الكتب التي تتحدث عن مرض الشك، وأن يحاول تطبيق كل النصائح المقدمة فيها، بالإضافة لقراءة بعض الكتب التي تساعد على تقويم الشخصيّة وتقويتها.

إقرأ أيضاً: 6 نصائح هامة لقراءة الكتب دون الشعور بالملل والضجر

8- تقوية الإيمان بالله:

إنّ التقرّب من الله سبحانهُ وتعالى وأداء العبادات اليوميّة، يُساهم كثيرًا في تحسين نفسية الإنسان والقضاء على كل مواطن الضعف فيها، لهذا على مريض الشك أن يواظب على أداء الصلاة وقراءة القرآن، والتوجه بالدعاء لرب العالمين بطريقة يشعر فيها بالمزيد من الراحة والأمان النفسي.

وأخيرًا نتمنى عزيزي أن تكون قد استفدت من كافة المعلومات المهمة التي قدمناها لك عن مرض الشك النفسي.

 

المصادر:




مقالات مرتبطة