مرحلة ما بعد التخرج: أيهما أفضل العمل أم الدراسة؟

أجد نفسي يومياً عالقاً في معضلة الاختيار بين هذين الخيارين، أحار أي طريق يجب أن أسلك، لقد أرهقني التفكير، فكيف أتمكن من الاختيار بين أمرين تبدو فيهما المخاطر والمنافع متساوية حقاً؟ أو هل تنصحينني بالاعتماد على الخيار الأول، وترك الخيار الثاني بصفته خطة احتياطية؟ أقدِّر أية نصيحةٍ قد تقدمينها لي".



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن المدوِّنة "سلستين تشوا" (Celestine Chua)، وتناقش فيه معضلة الاختيار بين العمل بعد التخرج من الجامعة أو متابعة الدراسة.

أرسَلَ إلي أحد القرَّاء في مدونتي رسالةً طلبَ فيها نصيحتي في أمر حيَّره، قائلاً:

"الآن، أمامي خياران بعد أن تخرجتُ:

  1. وظيفة أحلامي التي لطالما أردتها منذ أن كنت في الجامعة؛ فهي تتميز بتحقيق أرباح كبيرةٍ وبيئة عملها ممتازة، وأنا تلقيت عرض العمل بالفعل، إلا أنَّه تأخر لنصف عامٍ بعد التخرج، بسبب صعوبة إجراءات الدخول إلى هذه الوظيفة.
  2. التقديم لنيل شهادة الدكتوراه، في الحقيقة كان برنامج الدكتوراه بالنسبة إلي خطة احتياطية نوعاً ما، وفكرت فيه لأنَّني لم أستطع الوصول إلى وظيفة أحلامي لنصف سنة، كما أنَّني انتهيت بالفعل من التحضيرات اللازمة (مثل اجتياز اختبار القبول والحصول على خطابات التوصية)، وتعدُّ فكرة الحصول على شهادة الدكتوراه فكرة محبَّبة بالنسبة إلي وإلى عائلتي، لكن قد تزيد احتمالية الفشل في تأمين عمل بعد الدكتوراه، بسبب ارتفاع التنافس في مجال الأبحاث.

لقد أرسلتُ إليه رداً على رسالته نصحته فيها قائلة: "عندما تجد نفسك عالقاً في وضعٍ الخياراتُ فيه واضحة؛ لكنَّك لا تستطيع استيضاح أي طريقٍ ستسلك، ستساعدك الخطوات الآتية على إيضاح الصورة:

  • تحديد أين ترغب في أن تكون بعد عدد معين من السنين (لنقل خمس سنوات).
  • تحديد المسار الذي سيوصلك إليه، فقد يكون هذا المسار هو الخيار الأول أو الثاني، أو مزيج بينهما، أو شيء جديد كلياً.

خياري المفضل لو كنت مكانك هو العمل؛ فشخصياً، أنصحك باعتماد الخيار رقم (1)، وهو الحصول على وظيفة أحلامك حالاً.

سبق ومررت بسيناريو مشابهٍ؛ إذ كنت أمام الخيارين الآتيين:

  • متابعة الدراسة لمدة عامٍ إضافيٍّ للحصول على درجة الشرف.
  • بدء العمل مباشرةً بعد التخرج، كنت في ذلك الوقت في السنة الجامعية الثانية، وحصلت فعلاً على عقد عمل مع شركة "بروكتر آند جامبل" (P&G) بعد فترتي التدريبية معهم.

مع أنَّني كنت أستطيع أن أتابع دراستي لنيل درجة الشرف، دون أن أخسر عرض العمل الذي سيظل متاحاً لي بعد تخرجي، فإنَّني قررت أن أكتفي بشهادة البكالوريوس، وأبدأ بالعمل؛ لأنَّ تطوير الذات أمرٌ شديد الأهمية بالنسبة إلي، فاختبرت – في أثناء فترتي التدريبية - كيف باستطاعتي أن أتطور بسرعةٍ فائقةٍ في هذا العمل.

إقرأ أيضاً: نصائح للخريجين الجدد لبدء مشوارهم المهني

على سبيل المثال، تعلَّمت في شهرين خلال فترتي التدريبية أكثر مما تعلَّمته خلال سنتين من دراستي الجامعية، كما عايشتُ حالات واجهت فيها نسبة توتر وإجهاد أكثر مما سبق واختبرته خلال عقدين من حياتي، ولست أتحدَّث هنا بمنحنىً سلبي؛ بل على العكس؛ لأنَّ التوتر بمنزلة إشارة إلى أنَّنا غير قادرين على التعامل مع شيءٍ ما (حتى الآن)؛ ومن ثَمَّ إنَّه محفِّز للتطوُّر.

كان الأمر واضحاً بما لا يقبل الشك بالنسبة إلي، وأدركت أنَّ اختياري الدراسة لسنةٍ إضافيةٍ بدلاً من العمل سيكون مضيعةً لوقتي، لهذا اخترت أن أعمل مباشرة على الرَّغم من أنَّني كنت أستطيع أن أدرس لأنال درجة الشرف، ثم ألتحق بالعمل في الشركة بعد أن أتخرج.

في حالتي، لم يكن حصولي على درجة الشرف ليضيف أي شيء إلى مسيرتي المهنية فيما بعد، على ما يبدو هذا حال معظم المسارات الوظيفية في القطاع الخاص، ومع أنَّ بعض القطاعات تمنح أجراً ابتدائياً أعلى لحملة شهادة بدرجة الشرف (لا ينطبق هذا الأمر على الشركة التي عملت بها؛ إذ لا يوجد فارق في الأجر بين حملة البكالوريوس ودرجة الشرف)، فإنَّ هذا التباين في الأجر مؤقتٌ، فما ستكسبه في غضون بضعة أشهر، أو سنة في وظيفتك سيَحُلُّ سريعاً محل أي ميزة ستحصل عليها حينما تبدأ عملك بناءً على درجة الشرف.

إنَّني أفترض هنا أنَّك ستعمل في وظيفةٍ ذات مستوى عالٍ، وهي من شأنها أن تساهم في تطورك إلى الدرجة القصوى، بالمقارنة مع وظيفةٍ تهدر وقتكَ فيها (لقد أشرت إلى أنَّها وظيفة أحلامك؛ لذا أنا على ثقة من أنَّها ستوسِّع آفاقكَ، وتنمِّي فرصك)، فإن كانت الوظيفة من النوع الثاني؛ وظيفة خالية من المسؤولية، فمن الواضح أنَّ متابعة دراستك ستكون الخيار الأفضل، بما أنَّ هذه الوظيفة لن تساهم في تطويرك كما يجب.

شاهد بالفيديو: خمس نصائح لبدء الحياة المهنية بسهولة بعد التخرج

4 أسئلة للنظر في أمرها:

إليك بضعة أسئلة لتأخذها في الحسبان:

  1. هل ستظل الوظيفة متاحة لك بعد إنهائك لدراسة الدكتوراه؟ وهل الشركة على استعداد لترك منصبك شاغراً إلى حين نيل درجة الدكتوراه؟
  2. كيف ترى حياتك بعد خمس سنواتٍ من الآن؟ أي طريق ينسجم أكثر مع هذه الرؤية، دراسة الدكتوراه أو الحصول على وظيفة أحلامك أو شيء آخر مختلف؟
  3. هل ستضيف شهادة الدكتوراه إضافةً عظيمةً إلى مسارك الوظيفي؟ بالطبع سيكون هناك على الأرجح اختلافات، أو فوائد تنجم عن شهادة الدكتوراه (وإلا ما الذي يدفع الناس إلى دراستها؟)، لكن هل هذه الاختلافات جسيمةٌ؟ والأهم من ذلك، هل تهمك هذه الاختلافات؟
  4. هل تضيف شهادة الدكتوراه منافع كبيرةً تتخطى خبرة العمل التي على الأرجح أنَّك ستكتسبها في الوقت نفسه وأنت تعمل (في وظيفة أحلامك)؟ إن كان الجواب نعم، عندها دراسة الدكتوراه هي الخيار الأفضل، وإن كان لا، فاختيارك لوظيفة أحلامك أنجح.

إجابتي عن السؤال الأول: انطلاقاً من خبرتي في عالم الأعمال، لا تعقُد معظم الشركات التزامات مسبقةً مع مرشحين للمنصب لمدةٍ أطول من سنةٍ واحدةٍ، (إلا في الحالات الآتية:

  • إن كان لديك ملفٌّ تعريفيٌّ مميزٌ، وخبرة تجعلهم بأمس الحاجة إلى تعيينك.
  • المجال الذي تعمل فيه يحتاج قَطْعاً إلى بعض الموظفين الجدد كل سنة مثل المحاسبة.
  • أن تكون مرتبطاً مع الشركة بمنحة، وهذا ليس ما نتحدث عنه هنا)، ينطبق هذا الأمر خاصةً على سوق اليوم؛ إذ تخضع شركات عدة إلى إعادة الهيكلة، وتقليل عدد الموظفين.

حتى عندما تقدم الشركات وعداً بالحفاظ على الشاغر، فإنَّ احتمالية تغير كل شيءٍ قائمةٌ دائماً، تخضع بعض الشركات إلى تجميد الأموال، أو تقليص عدد الموظفين بغمضة عين بمجرد أن تتخذ الإدارة قراراً بذلك، وأعرف شخصاً كانت قد عُرضت عليه وظيفة أحلامه قبل أن يتخرج، لكن حدث وتراجعت الشركة عن العرض لاحقاً بسبب تغيرات السوق، مما تركه عاطلاً عن العمل، يبحث عن وظيفة في الأشهر التي تلت تخرجه.

بالنسبة إلى السؤال الثالث، إن كانت الاختلافات بين نيل شهادة عليا وعدم نيلها، ليست من اهتماماتك؛ فعندها لا جدوى من التفكير فيها إذاً، ولتعرف مدى اهتمامك بالاختلاف، قسه بمدى تأثيره في نظرتك إلى حياتك (وهو جواب السؤال: 2) على سبيل المثال، توجد اختلافات بالطبع بين نيلك درجة الشرف، ودرجة البكالوريوس فقط؛ إذ ترفع درجة الشرف قليلاً من مستوى حاملها من ناحية المكانة والتميز؛ إذ تعطي بعض الشركات أجراً أعلى بقليل للخريجين بدرجة الشرف، من أجر خريجي البكالوريوس.

مع ذلك، لم تكن أي من هذه الأمور تعنيني، أو بالأحرى أدركت أنَّ الاختلافات التي كانت تبدو لي هامةً في ذلك الوقت، لن تظلَّ ذات أهمية بعد ثلاث أو خمس أو عشر سنوات من وقتها، ولم أكن مهتمة بالتميز الذي يناله حامل شهادةٍ بدرجة الشرف؛ لأنَّني سأكسب أكثر بكثير خلال عملي في وظيفة تحفزني على التطور باستمرار.

لم تكن الشركة التي حصلت على عرض عملٍ فيها تعطي أجوراً أعلى لحملة شهادة بدرجة الشرف، ولم تطبِّق هذه السياسة إلا بعد سنواتٍ عدة من عملي هناك، ليصبح في رصيدي وقتها سنوات عدة من الخبرة القوية في مجال العمل، لم أخطط يوماً للعمل في القطاع العام؛ لذا لم تكن الأهمية التي تحظى بها درجة الشرف في هذا القطاع تعنيني.

شاهد بالفيديو: 6 مهارات يبحث عنها أصحاب العمل عند اختيار الموظفين

إليك ما فكرت به حينها: إن رغبتُ يوماً في متابعة دراستي، أو إن بدأتْ درجة الشرف تثير اهتمامي، سيكون خيار العودة للمتابعة بعد سنواتٍ عدة من العمل متاحاً دوماً، بالنسبة إلى الدراسة فهي أمر باستطاعتي العودة إليه متى رغبت، أما العمل فلن تظل الوظيفة بانتظاري إلى الأبد، كما وضعت في حسباني المعرفة العظيمة، والخبرة التي يمكنني اكتسابها في العمل لأصل إلى قرار أنَّني لا أرغب في قضاء مزيد من الوقت في الدراسة، لقد آن الأوان لأتخرج، وأشق طريقي خارج حدود الكلية.

يعود القرار كلياً إليك في نهاية الأمر، وأنا هنا فقط لأطرح وجهة نظري، فما هي رؤيتك الشخصية لنفسك؟ وأي طريقٍ يساعدك أكثر على تحقيق تلك الرؤية؟ فكِّر في الأمر واختر طريقك، ولا تنظر إلى الخلف مجدداً بعد ذلك.

حتى إن لم تكن رؤيتك الشخصية واضحةً بنسبة 100%، (معظمنا لا تتضح رؤيتهم لحياتهم قبل سن الثلاثين أو الأربعين، أو حتى الخمسين؛ لذا لا يوجد ما يدعو لأن تتوقع رؤيةً واضحةً بنسبة 100% في مثل عمرك)، اتخاذ فكرة عامة يمكن أن ينفع أيضاً.

على سبيل المثال، لم أكن أعلم بدقةٍ أنَّني أرغب في أن أكون كوتشاً، أو حتى مدوِّنة عندما كنت في سن الحادية والعشرين (عندما تخرجت في هذا العمر)، بأي حال، فقد علمت أنَّني:

إقرأ أيضاً: خمس نصائح لبدء الحياة المهنية بسهولة بعد التخرج

  • شغوفة بالتطور وأريد الاستفادة من أقصى إمكانات التطوير لدي.
  • أريد إحداث أكبر قدر من التأثير في حياتي، وبناءً على هذه التوجُّهات العامة، أدركت أنَّ الشروع في العمل حالاً في وظيفة أحلامي وفقاً لذلك الوقت هو الأساس، وباستطاعتي أن أستقيل لاحقاً عندما أشعر بأنَّني قد تعلَّمت ما فيه الكفاية لمتابعة طريقي.

مع أنَّ ما تواجهه الآن سيبدو لك كأنَّه قرار جَلَل في هذه اللحظة، (وهو كذلك، لا شكَّ في الأمر)، فإنَّك بعد عشر سنواتٍ من الآن ستنظر إلى الخلف، وتدرك أنَّ هذا القرار كان بالكاد واحداً من أفكار صغيرة عديدة جعلتك تبلور فكرتك الشاملة عمَّا تريده حقاً في حياتك، وما هي أفضل طريقةٍ للوصول إليه.

في الختام:

لن يشكِّل قرار واحد في حياتك الصورةَ الكاملةَ لنجاحك وتميُّزك في الحياة؛ فهذه النتيجة هي حاصل موقفك تجاه الحياة وأخلاقياتك في العمل، والقرارات الصغيرة التي تتَّخذها يومياً على مر الوقت.




مقالات مرتبطة