مخاطر الإباحية الجنسية، وماذا يجب أن نفعل تجاهها؟

الذي يتغلب على شهوته أحسَبه أكثر شجاعة من ذلك الذي يقهر عدوه، إذ أنّ الانتصار على الذات هو الأصعب كما يقول أرسطوطاليس. تكلّم الكثير من المختصين في الصحة الجنسية عبر العالم عن أضرار الإفراط في مشاهدة الأفلام الإباحية على الانترنت وشعروا بالخطر المحدق مع التطور المذهل في سرعات الانترنت، وإنما في هذا المقال سوف نتطرّق للمشاكل الحقيقية التي تسببها الإباحية الإلكترونية وأيضاً عن الأعراض التي تسببها والتشخيص الطبي، وأيضاً عن الطرق المفيدة والتوصيات للإقلاع عن الإباحية تماماً، مبتعدين كل البعد عن الطرح الديني ومقتربين من الوعي والإدراك بأهمية وخطر هذا الموضوع.



المشكلة حقيقية في وجود الإباحية الجنسية:

"ليست الإجابة هي التي تنير الدرب بل السؤال" كما يقول يوجين يونيسكو. إذا كان حالك مثل حال آلاف الذين أدركوا أن لديهم مشكلة، فعلى الأرجح أن الربط بين متاعبك وبين ارتياد المواقع الإباحية على الإنترنت قد تأخر لفترةٍ طويلة. لعلّك ظننت أنك تعاني من مرضٍ ما، وربما اعتقدت أنك مصابٌ بحالةٍ غريبةٍ من الاكتئاب، أو القلق الاجتماعي، أو حتى العَتَهْ المُبَكّر كما ظن أحدهم بنفسه، أو أنك بت مقتنعاً أنك تعاني من نقصٍ في هرمون الذكورة التستوستيرون، أو أنك ببساطة قد هرمت. لعل طبيبك قد وصف لك بعض الأدوية، وأكّد لك حين صارحته بمخاوفك من أضرار الإباحية الجنسية بأنك مخطئ، وأنه لا يوجد ما يستدعي القلق. كما يشير "غاري ويلسون" في كتابه الممتاز "دماغك تحت تأثير الإباحية".

إن هذه الظاهرة تتفاقم بسرعةٍ كبيرة حتى أن الباحثين يجدون صعوبة في الإلمام بكلّ متغيراتها، على سبيل المثال وجدت دراسة أجريت عام 2008م أن 14.4 بالمئة من الصبيان عُرِضَت لهم مواد إباحية على الإنترنت قبل سن الثالثة عشرة، وعندما أجريت الإحصائيّات عام 2011م قفز هذا الرقم إلى 48.7 بالمئة. وعلى نفس الوتيرة كان ارتياد المواقع الإباحية على الإنترنت يومياً أمراً نادراً عام 2008م، ولا يتعدى 5.2 بالمئة، ولكن في عام 2011م وصلت نسبة المراهقين الذين يدخلون على المواقع الإباحية على الإنترنت بشكلٍ يوميٍّ أو شبه يوميّ إلى 13 بالمئة، ونحن نتساءل ماذا ستُظْهِر الإحصائيات اليوم بعد شيوع الهواتف الذكية الموصولة بالإنترنت؟

ومن الأعراض التي عانى منها أحد الغارقون بالإباحية يقول أنّه: ابتعد عني أصحابي، وأهلي وأسرتي كانوا يحبوني بحق، ولكن وجودي معهم لم يكن مصدر بهجة أو سعادة. وفقدت القدرة على التركيز أثناء أداء وظيفتي، وكذلك في دراستي الجامعية. وكنت أعاني بشكلٍ عام من قدرٍ كبيرٍ من الحصر النفسيّ عند التواصل مع الناس. وكنت أمارس التدريبات الرياضية بشكلٍ مكثّف، ولكن لم يكن يبدو أن لهذه التدريبات أيّ فائدة تذكر. وكان من حولي يقولون لي بأنّ ذهني شارد وأني دائماً في عالمٍ آخر، وفي أحد الأيام شاهدت لقطةً لي في تسجيل فيديو ورأيت بنفسي نظراتي الشاردة، كنت في المنزل ولكن عقلي كان سابحاً في الفضاء الخارجي. وأشعر بأن طاقتي خاوية، وبغض النظر عن عدد ساعات النوم لم يكن عندي طاقة أبداً، وكنت دائما مرهقاً، وأعاني من سوادٍ تحت العينين، وشحوبٍ في الوجه، وبثور وجفاف في البشرة. ولم أكن أعتني بهندامي. وكنت أعاني من العجز الجنسي الناجم عن كثرة ارتياد المواقع الإباحية. وكنت أعاني من الضغط النفسي، والحصر النفسي، وكنت حائراً وضائعاً. ولم أكن ميتاً، وفي نفس الوقت لم أكن أستمتع بالحياة، كنت كالميت الخارج من قبره (زومبي). وأيضاً من الأعراض أنها تسبب تعطل الحياة وخروجها عن السيطرة، والحرمان من متعة الجماع، وانتصاب لا يُعْتَمَدُ عليه، والقذف السريع، واكتساب أذواق جنسية غريبة، وتفقدُ النساء جاذبيتهن، وأنها تؤثر أيضاً على العلاقات العاطفية، وتؤثر في القلق الاجتماعي وتقدير الذات، وعدم القدرة على التركيز، والاكتئاب وهبوط مستوى الطاقة والإحباط.

إقرأ أيضاً: متى تبدأ التربية الجنسية للطفل؟ وكيف نقوم بتثقيف أطفالنا جنسياً؟

ماذا يحصل في أدمغتنا؟

"نعرف ذاتنا بما نفعله مراراً وتكراراً" كما يقول أرسطوطاليس. رغم أن الدوبامين يشار إليه عادة على أنه جزيء المتعة، إلا أنه في الحقيقة يحفز على السعي بحثاً عن المتعة، ولا يسبب المتعة بذاتها. ولأجل ذلك فإن إفراز الدوبامين يزداد في حال توقع الحدث، إنه حافزك وسائقك في تعقب الملذات المرتقبة، والأهداف بعيدة المدى كما يؤكد غاري ويلسون. وقد وضحت أخصائية علم النفس "سوزان وينشنك" الفرق بين الدوبامين والمُرَكَّبَات الأفيونيّة بقولها: الدوبامين يجعلنا نريد، ونرغب، ونسعى، ونبحث. ويعتبر أثر عمل منظومة الدوبامين أقوى من أثر عمل منظومة المُرَكَّبَات الأفيونية، فنحن ننشغل بالسعي أكثر مما نشعر بالقناعة بما حصلنا عليه. فالسعي له أثرٌ أكبر في تأمين بقائنا من الركون إلى القناعة والرضا بكلّ غفلة. ومن هذا المنطلق، يمكننا أن نعتبر الإدمان على أنّه سعيٌ في طلب الشهوات قد ضلَّ وعاث فساداً. ويزداد إفراز هذا الهرمون عن طريق التجديد المتكرر، ويزداد إفرازه بسبب محفزات أخرى موجودة في الإباحية مثل: المفاجأة والصدمة، والحصر النفسي كالذي تشعر به عندما تشاهد أشياء لا تتماشى مع قيمك وأخلاقك، والسعي والبحث. فالدماغ يتأقلم ولكن في الاتجاه الخاطئ، فهي تؤدي إلى التكيف الجنسي أي تقليل عدد المستقبلات العصبية للدوبامين وبالتالي تبلّد الإحساس، وتؤدي أيضاً إلى الإدمان وهو النوع الثاني من التأقلم الدماغي الذي ينتج عن الإفراط في مشاهدة المرئيات الجنسية ومن أعراضه: التوق الشديد إلى تعاطي المخدر أو الانخراط في السلوك المرضي، وفقدان السيطرة على السلوك، وظهور النتائج السلبية للسلوك. فهناك ما يزيد عن تسعين بحثٍ علميٍّ حول ظاهرة الإدمان على استخدام الإنترنت وتأثيرها على الدماغ، وقد أظهرت الأبحاث وجود نفس التغيرات الدماغية لدى المدمن على استخدام الإنترنت كتلك التي وجدت في أدمغة المدمنين على تعاطي المخدرات.

إذا كان استخدام الإنترنت بحد ذاته يجعلنا عرضة للإدمان، فإن ارتياد المواقع الإباحية على الإنترنت يجعلنا عرضة للإدمان أيضاً. والتغيرات الدماغية للإدمان هي:

  • تبلّد الإحساس.
  • الحساسية المفرطة.
  • خمول في نشاط الفص الجبهي للدماغ.
  • اختلال في الدوائر العصبية التي تتحكم في الضغط النفسي.

وهذه الأعراض الأربعة مجتمعة هي الأعراض الأساسية في كلّ أنواع الإدمان وهي موجودةٌ في إدمان الإباحية الجنسية. تتراكم مادة "دلتا فوس ب" (ΔFosB) ببطء في جهاز المكافأة في الدماغ، وتتناسب كميات "دلتا فوس ب" (ΔFosB) المتراكمة تناسباً طردياً مع كميات الدوبامين التي يتمّ إفرازها في كلّ مرةٍ ننخرط في متعنا الطبيعية مثل ممارسة العلاقة الحميمة، وتناول السكريات والمواد الغنية بالدهون، وممارسة الرياضة، أو عند تعاطي المخدرات. ويحتاج جزيء مادة "دلتا فوس ب" (ΔFosB) إلى شهر أو شهرين كي يتبدد، تاركاً وراءه التغيرات التي سببها. وأيضاً تؤدي هذه الأعراض الأربعة إلى ضمورٍ في المادة الرمادية في مركز المكافأة وبالذات في النواة المتكئة، وفي مركز الجنس في المهاد.

إقرأ أيضاً: 6 نصائح عليكِ القيام بها إذا علمتِ أنّ طفلك يشاهد الأفلام الإباحية

بعض الاقتراحات للتغلّب على الإباحية الجنسية:

"السير في طريق الإفراط يؤدي إلى قلاعٍ من الحكمة" كما يقول ويليام بليك. ضع في حسبانك أن الظروف تختلف من شخصٍ لآخر، وكذلك طبيعة الأدمغة، والسيرة المرضية، وبالتالي فليس هناك وصفةٌ سحريّةٌ تنطبق على الجميع، عليك أن تختار النصائح والطرق التي تشعر أنها يمكن أن تساعدك على إعادة تأهيل دماغك بما يتناسب مع الظروف الخاصة بك. لا تدع الهواجس تثبطك، كأن تتساءل: هل ما أفعله صواباً؟ أنت الوحيد القادر على أن تقرر ما هو الصواب بالنسبة لك تبعاً لأهدافك ووضعك الحالي. فمثلاً:

  • اعمل على تقليص وضبط فرص استخدام الإنترنت فأزل كلّ ما يتعلق بالإباحية الجنسية حالاً، وغير ترتيب الأثاث، واستخدم برامج حجب المواقع مثل Qustodio و Esafely و OpenDNS وأيضاً برامج لحجب الإعلانات مثل AdblockPlus وغيرها.
  • استخدم عداداً للأيام، وقم بالتدرب على انقراض الإيحاءات كما حصل في تجارب بافلوف على الكلاب بكسر حالة رابط الجرس.
  • احرص على تلقي الدعم واحرص على استشارة الطبيب النفسي والمواظبة على حضور اللقاءات مع مجموعة الدعم.
  • اتخذ مدونة شخصية.
  • تخلّص من الضغوطات واحرص على ضبط النفس والعناية بها، فمارس التمارين الرياضية والضغوطات النافعة، واخرج من البيت، وتواصل مع الناس، وداوم على الاسترخاء وجلسات التأمل الصامتة.
  • حدّد هدفاً لحياتك ونَمِّ هواياتك وإبداعك، وكن إيجابيّاً وأقبل على مناهل العلم وابحث عن الإلهام.
  • ارفق بنفسك، وتعلّم كيف يستجيب دماغك للشهوات، وابحث عن الإلهام.

ومن أعراض الانسحاب بعد الإقلاع عن الإباحية الجنسية:

  • الموت السريري.
  • الأرق.
  • الإيحاءات المحفزة.
  • العواطف الجياشة.
  • التأثير المطارد.
  • الكوابيس واسترجاع الذكريات.
  • دوامة العار.

هكذا نكون قد أشرنا للمشاكل والتشخيص وبعض الاقتراحات للتخلص من الإباحية الجنسية لعلنا نستعيد الصحة الجنسية لما كان عليه أجدادنا قبل تطور تقنيات الإنترنت السريعة.




مقالات مرتبطة