متى ستنتهي عملية التشافي والنمو؟

متى تنتهي عملية التشافي؟ لا بد أنَّ هذا السؤال قد مر في ذهنك كل صباح تستيقظ به، ولقد قضيت وقتاً طويلاً وأنت تعمل على نفسك سواء كنت تقرأ أم تبحث أم ترقص أم تغني أم تكتب أم تتأمل أم تمارس أي أسلوب آخر من أساليب التشافي، نود أن نخبرك أنَّ سؤالك هذا "متى تنتهي عملية التشافي؟"، أو "متى أشفى؟"، أو "متى أتخلص من كل آلامي؟" هو سؤال خاطئ جملة وتفصيلاً؛ وذلك لأنَّه يجعلك تقع في حفرة عميقة، وخطأ قاتل وافتراض مغلوط أنَّ عملية التشافي لها وقت محدد تنتهي عنده أو نقطة معينة تقف عندها، والحقيقة بخلاف ذلك تماماً.



لأنَّ الحياة هي عملية تشافٍ مستمرة، وأنت تقع في الأخطاء بشكل مستمر وهذا أمر طبيعي ومفهوم؛ وذلك لأنَّ الحياة ليست وعياً واحداً أو مستوى واحداً أو معرفة واحدة؛ إنَّما هي مستويات في الوعي والمرحلة وفي كل عملية خطأ ومن ثم تشافٍ، فإنَّنا نتقدم على سلم الوعي ونصعد إلى مستوى أعلى.

متى ستصبح علاقاتي الاجتماعية ناجحة؟

هذا السؤال يتكرر كل يوم في ذهنك وفي ذهني وفي ذهن كل من حولك، لكن ما يجب علينا فعله هو النظر بطريقة أخرى إلى العلاقات الاجتماعية؛ وذلك لأنَّنا بعد كل علاقة اجتماعية غير ناجحة نقوم بعملية تطهير أو تصفية أو تنقيح لكل أفكارنا ومبادئنا وقيمنا وسلوكنا، وبعدها نجمع النتائج ونقرر حذف ما هو غير مناسب وتعزيز ما هو مناسب وفعال.

هذه العملية سواء كانت واعية أم غير واعية هي عملية حاصلة؛ وذلك لأنَّها جزء لا يتجزأ من الطبيعة الإنسانية والفطرة البشرية، وآلية راسخة في الدماغ البشري، وما نفعله نحن من خلال هذه الأسئلة "متى ستصبح علاقاتي الاجتماعية ناجحة؟" هو التشويش على هذه الآلية أو الفطرة وتأخير عملها وتأخير حصولنا على نتائجها الإيجابية.

هذا يعني أنَّني في كل مرة أدخل بها في أيَّة علاقة اجتماعية أخرج أكثر مهارة ووعياً وخبرة؛ لذا هل يمكن لهذه العملية أن تنتهي وهي جزء من عملية التشافي؟ لا يمكن لهذه العملية أن تهدأ أو تنتهي أو تصمت إلا بالموت، سواء كان موتاً جسدياً أم فكرياً أم روحياً.

إقرأ أيضاً: 20 نصيحة تفيدك في حياتك الاجتماعية والمهنية

ما هي ذهنية الخيميائي؟

هذه الذهنية يسمونها ذهنية الخيميائي التي تستند إلى شيء أساسي هو التنقية المستمرة لكل المعارف والأفكار والخبرات حتى أحصل على المبادئ الأساسية الصافية التي أستطيع السير وفقها بالطريقة الأمثل، وفي كل مرة أحصل على أفكار أكثر نقاوة وفاعلية وذات مفعول أقوى وأسرع، وطبعاً مع بذل جهد كبير وجبار، والوقوع في أخطاء كثيرة والانخراط في تجارب متعددة.

ما هو هام وأساسي لهذه العملية هو التوقف عن التفكير في المرحلة الأخيرة والتساؤل متى سأصل إلى نهاية مرحلة التنقية؟ ومتى سأنتهي من التشافي؟ أو متى سأحصل على المعرفة الصافية؟ والأفضل هو الاقتناع بأنَّ عملية التنقية هذه هي بحد ذاتها طريق وغاية في الوقت نفسه، ويجب علينا أن نَعُدَّها أسلوب حياة ونتمرن على هذه الفكرة حتى تصبح من المسلَّمات أو البديهيات التي نمارسها بشكل يومي دون أن نبذل الكثير من الجهد أو حتى دون أن نشعر.

ما هي الفائدة من فهم عملية التشافي؟

الفائدة التي ستجنيها من فهم عملية التشافي بهذه الطريقة هي الراحة النفسية أو الاسترخاء الذهني الذي ستحصل عليه؛ وذلك لأنَّك ستريح جهازك النفسي والعصبي من سؤال "متى سأنجح؟" وستعطي بدلاً عنه جواباً أفضل وأسهل وأوضح وهو "أنا في كل مرة أحاول فيها أن أنجح؛ وذلك لأنَّني أعمل على تنقية التجربة وتحسينها، نعم أنا أنجح في كل يوم".

أنت بهذه الطريقة لا تضحك على نفسك أو تُسكت الصوت الذي في داخلك أو تقول لنفسك أنا ناجح وتنتهي القصة؛ بل إنَّك تُقسم النجاح إلى مستويات عدة تصعدها درجة درجة، بدل أن تصف هذه الدرجات فوق بعضها على شكل حائط، وتطلب من نفسك القفز والوصول إلى أعلى درجة، وإذا فعلت ذلك فلن تنجح في الوصول إلى الدرجة الأخيرة، وحتى لو وصلت إليها فلن تحافظ على توازنك؛ وذلك لأنَّك وصلت بسرعة أو دفعة واحدة؛ لذا يمكن أن تسقط أرضاً في لحظة واحدة وتخسر كل شيء دفعة واحدة.

قبل الحصول على إجابات صحيحة يجب عليك طرح أسئلة صحيحة:

بدل أن أقول: "متى أصبح متحدثاً ملهماً أمام الجمهور؟"، من الأفضل أن أعترف بأنَّني في كل مرة أتكلم بها أمام الناس أتعلم شيئاً جديداً في فن الخطابة ولو كان كلمة جديدة أو نطقاً صحيحاً أو لكنة معينة، ومهما كان مقدار التحسن قليلاً فهو كافٍ؛ وذلك لأنَّني في كل مرة أصبح أفضل من المرة السابقة، وإحدى أهم فوائد هذه الطريقة الصحيحة في التفكير هي أنَّك ستتوقف عن مقارنة ذاتك بالآخرين، وستتوقف عن هذه العملية السامة التي تدمِّر قواك وجهودك ومعارفك وتسلبك شعور الرضى وتبقيك محبطاً ومدمَّراً.

ما تحصل عليه من فكر التنقية أنَّك ستقارن نفسك بنفسك فقط، وستقول في كل يوم: "أين كنت البارحة؟"، وتكتشف عندها أنَّك تقدمت خطوة أو اثنتين أو ثلاثاً وربما عشراً، وهذا ما يرفع من معنوياتك بشكل كبير ويجعل وتيرة التقدم متسارعة أكثر؛ وذلك لأنَّها تركز على نفسها وعلى الهدف ولا تنظر جانباً إلى منافسيها.

هذا ما يحوِّل ذاتك إلى مختبر خيميائي حقيقي بكل المقاييس، ويحوِّل طاقاتك إلى نتائج ملموسة من التقدم والتطور، ويجمعها مع بعضها حتى تصل إلى ما تريد، وبدل أن تنتظر مَن يرمي بك في تجارب جديدة تصبح التجارب الجديدة جزءاً من عقيدتك الذاتية التي تدرك تماماً أنَّ السبيل الوحيد للتطور هو التجارب الجديدة وتقبُّل الأخطاء وإصلاح العيوب.

شاهد بالفديو: 7 استراتيجيات لتطوير عقلية النمو إذا كنت تمتلك عقلية ثابتة

ما هي عقلية النمو؟

وفقاً للبروفيسور "كارول دويك" من جامعة "ستانفورد" تُطبَّق تسمية "عقلية النمو" على الأشخاص الذين يعتقدون أنَّ نجاحهم يعتمد على الجهد المستمر والوقت الذي يقضونه في التطور، كما يعتقد الأشخاص الذين يتبعون مثل هذا النهج أنَّهم يستطيعون تحسين مهاراتهم وذكائهم بالتفاني والمثابرة، فإنَّهم يرحبون بالتحديات ويتعلمون من النقد ويستمدون الإلهام من نجاح الآخرين، ويعملون على تصحيح أخطائهم ويركزون على العملية بدلاً من النتيجة، وفي الطرف الآخر يوجد أولئك الذين لديهم "عقلية ثابتة" والذين يركزون على القدرات الفطرية.

تُعَدُّ العقلية الموجهة نحو النمو نقطة انطلاق ضرورية للتطور أو ربما ثورة فيما يتعلق بعلاقتك مع العالم، كما تعتمد عقلية النمو على معرفة أنَّك تستطيع الخروج من الجدران الخانقة لمنطقة الراحة، وأن تفعل أكثر بكثير مما فعلت سابقاً، وأيضاً يمكنك تنمية مهاراتك من خلال التعلم والعمل.

ما هي خصائص عقلية النمو؟

فيما يأتي بعض خصائص عقلية النمو:

  1. السعي إلى التطور باستمرار.
  2. النظر إلى التحديات على أنَّها فرصة لاتخاذ خطوة إلى الأمام على الصعيدين المهني والشخصي.
  3. الثبات والإصرار.
  4. عدم تقدير قيمة الأشياء المكتسبة دون جهد بصفتها ضرورية للنمو.
  5. تقبُّل ردود الفعل والتعلم من النقد البنَّاء.
  6. الاستلهام من نجاح الآخرين.
  7. إدراك أنَّهم لا يعرفون أو لا يستطيعون فعل أشياء معينة، ولكنَّهم يقولون لأنفسهم: "ربما ليس الآن، لكن حتماً في يوم ما".
إقرأ أيضاً: قم بهذه الأمورِ الخمسة لتحظى بحياةٍ عاديّة غير استثنائية

إذا اخترت البقاء في مكان دون المستوى الأمثل، فأنت تقبل نصيبك:

الحياة مليئة بالخيارات، ولكنَّ اختيار قبول موقف سيئ وعدم تصوُّر مخرج أمرٌ لا يمكن فهمه، فهذا الاختيار هو نقطة انعطاف في حياتك، وإذا اخترت البقاء في مكان دون المستوى الذي تستحقه فأنت تقبل نصيبك، والحقيقة الأساسية هي "لن يتغير شيء في حياتك إذا لم تتغير"، فإذا كنت غير سعيد أو غير راضٍ، لكن اخترت عدم القيام بأي شيء حيال ذلك، فلن يتغير شيء.

الغالبية العظمى من الأفراد الذين يختارون تغيير حياتهم لديهم عقليات نمو، وبالنسبة إلى هؤلاء الناس التغيير هو النجاح، والفشل يحدث عندما يتوقفون عن النمو؛ إذ إنَّهم فضوليون، فهم يتخطون أنفسهم إلى حيث يريدون أن يكونوا، ويطورون إمكاناتهم.

في الختام:

إنَّ العقلية هي كل شيء في العمل والحياة، ولقد توصلت إلى نتيجة مفادها أنَّ أكبر فرق بين الأشخاص الذين يتبعون أحلامهم وأولئك الذين لا يتبعون ذلك هو كيف ينظرون إلى إمكاناتهم الذاتية وقدراتهم؛ إذ تُكسبك عقلية النمو إمكانات غير محدودة، وتؤدي العقلية الثابتة إلى تقييدك، والمسيرة المهنية الناجحة مبنية على مبدأ أنَّ المهارات قابلة للتغيير ويمكن لأي إنسان أن ينمِّي القدرات والمعرفة والاهتمامات التي يملكها، وفي الواقع، الاعتقاد بأنَّ المرء يمكنه القيام بأشياء كثيرة - بالدعم والتدريب والجهد - هو قوة دافعة في كل تغيير.




مقالات مرتبطة