السيرة الذاتية لـ "ماكس فيبر":
رائد علم الاجتماع "ماكس فيبر" اسمه بالتفصيل "ماكسيمليان كارل إميل فيبر"، وهو من مواليد 21 نيسان/ أبريل عام 1864م في مقاطعة "إرفورت - بروسيا"، وكان أكبر إخوته وعددهم ثمانية، وقد تولى والده عدداً من المناصب؛ فقد كان محامياً وموظفاً مدنياً وعضواً في البرلمان، وتنحدر أصول والدته السيدة "هيلين فالنشتاين" من مهاجرين فرنسيين من عرقية (هوغونوتيون).
كان فيبر عالِمَ اجتماع ومؤرخاً واقتصادياً وسياسياً وفقيهاً، وعُدَّ من أهم المنظرين لتطور المجتمع الغربي الحديث، فقد كان لأفكاره أثر كبير وعميق في النظرية الاجتماعية والبحث، كما عاش متأثراً بوالده؛ وذلك بسبب الخلافات والتوترات الزوجية بين والديه، فقد كان والده من محبي الحياة وملذاتها أما أمه فقد كانت تعتنق وتؤمن بأفكار دينية وأخلاقية مطلقة.
قضى "ماكس فيبر" الابن وشقيقه "ألفريد" الذي أصبح كل منهما عالِم اجتماع في جو فكري وأدبي؛ إذ أهدى "فيبر" وهو بعمر 13 مقالين تاريخيين بعنوان (حول مسار التاريخ الألماني مع إشارة خاصة إلى مواقف الإمبراطور البابا)، ومقاله الثاني حمل عنوان (حول العصر الإمبراطوري الروماني).
لم يكن "فيبر" من محبي الذهاب إلى المدارس، ولطالما عدَّها فصولاً مملة وينظر إلى المدرسة نظرة خالية من الإعجاب، وبنفس الوقت كان الكادر المدرسي يعدُّه فرداً ذا سلوك سيئ وغير محترم.
لكنَّ "فيبر" لم يكن يأبه لتلك النظرة؛ حتى إنَّه استبدل الكتب المدرسية بكتب (يوهان غوته) وقرأ تلك الكتب سراً، كما قرأ الأعمال الكاملة لـ "كانط" وذلك قبل دخوله إلى الجامعة، ومثلت قراءاته لمجلدات "غوته" الأربعين نقطةَ تحول في حياته والعامل المؤثر في فكره، ثم التحق بالجامعة في عام 1882م، فدرس القانون في جامعة "هايدلبرغ"، ومن بعدها انتقل إلى جامعة "برلين" بعد أدائه الخدمة العسكرية.
واصل "فيبر" دراسته للقانون والتاريخ في الثمانينيات من القرن العشرين وحصل على شهادة الدكتوراه بعد أن قدَّم أطروحته التي حملت عنوان (تاريخ الشراكات التجارية في العصور الوسطى)، ومن بعدها انضم إلى الكادر التدريسي بجامعة "برلين".
تزوج "فيبر" في عام 1893م من قريبة له تدعى "ماريان شنتير" وكانت تعمل مؤلفة وناشطة نسوية، وقامت بجمع أعمال "فيبر" في كتب ونشرتها بعد وفاته، ولم يُرزق "فيبر" بأطفال، وتوفي في اليوم 14 من شهر حزيران/ يونيو من عام 1920م.
أفكار "ماكس فيبر":
1. أفكار "ماكس فيبر" في تأسيس علم الاجتماع الاقتصادي:
- من بين الأفكار التي اهتم بها المفكر الألماني "ماكس فيبر" هي دراسة الفعل الاجتماعي من خلال فهم السلوكات الفردية والجمعية وما تشكله من قيم وثقافة عند تحليله الظاهرة الاقتصادية، وشدد تركيزه على سمات الطبقة البرجوازية في أوروبا وعلاقتها الوثيقة بتنظيم العمل وأنماط الإنتاج الرأسمالي.
- بدأ "ماكس فيبر" بحثه بِعَدِّ الفرد كائناً نشيطاً وواعياً بكل أفعاله ونشاطاته بمعزل عن مجتمعه، على خلاف ما وجده كل من "هيغل" و"ماركس" وغيرهما من الفلاسفة الذين رجحوا الفكر الاجتماعي، ومن هنا بدأ مقاربة العلاقة بين الدولة والسياسة بِعَدِّها مفهوماً للسيطرة والإخضاع والرأسمالية والدين.
تضمن أحد كتب "ماكس فيبر" الذي حمل عنوان (مقالات في علم الاجتماع الاقتصادي) - الذي تمت ترجمته من قِبل "ابتسام خضرا" وتم جمعه من قِبل "ريتشارد سويدنبرغ" ونُشر باللغة الإنجليزية عام 1999م، ويعد من أهم الكتب التي كتبها - أكثر المحاولات تطوراً وجاذبية لإنتاج علم اجتماع اقتصادي، وانتظمت موضوعات الكتاب حول الموضوعات الرئيسة وهي الدين، الثقافة، القانون، السياسة، علاقة الرأسمالية الحديثة بكل ما سبق.
من خلال قراءة هذا الكتاب سوف يجد القارئ أنَّ ما جعل "فيبر" يتشجع على بحثه في علم الاجتماع والاقتصاد هو الإنجاز الذي يتشارك فيه اليوم اقتصاديون وعلماء اجتماع كثر، وبيَّن أيضاً الصلة الدائمة لمساهمة "فيبر" في علم الاجتماع والاقتصاد.
ظهر اهتمام "فيبر" في علم الاجتماع الاقتصادي من خلال أعمال هامة له مثل (تاريخ الاقتصاد العام) و(الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية) التي أضاءت محاولات "فيبر" لوضع أساس مفاهيمي لعلم الاجتماع الاقتصادي.
- ناقش "فيبر" في (الرأسمالية الحديثة) مسائل تتعلق بدور السلطة في ضبط الأسواق والأسرة بوصفها أقدم وحدة تدعم نشاطاً تجارياً مستمراً في كل مكان، أما الجزء الثاني يتناول الرأسمالية والقانون والسياسة أو ما سمي (نظرية الهيمنة عند فيبر)، والجزء الثالث تضمن أفكاراً تتصل بتأثير تطورات الدين وتأثيره في الاقتصاد تحت عنوان (الرأسمالية والثقافة والدين)، أما فيما يخص الجزء الرابع فتناول الجوانب الاجتماعية وحللها من أبسط العلاقات الاجتماعية ضمن مجال الاقتصاد.
2. أفكار ماكس فيبر في السياسة:
- أثارت أفكاره السياسية خلافات بين أتباعه، فقد سعى "فيليب راينو" في كتابه (ماكس فيبر ومقارنات العقل الحديث) إلى تقديم شرح واسع عن سوسيولوجيا "ماكس فيبر" ولفت النظر إلى "فيبر"، وربط بين الحداثة والعقلانية، ولولا ما قدمه "فيبر" لما كانت الحداثة الأوروبية المنشودة في كافة المجالات السياسية والتقنية وكذلك البيروقراطية.
- جعلت نظرة "فيبر" الكلية من فكره يتقوقع في بوتقة تجتمع فيها السوسيولوجيا مع فلسفة التاريخ والنظرية النقدية بالاقتصاد والسياسة ويتقاطع فيها المجتمع والأخلاق، وتتشابك كذلك فيها البروتستانتية بالرأسمالية، وهذا كله جعل "ماكس فيبر" من الشخصيات المميزة وعُدَّ عالم اجتماع فضلاً عن كونه فيلسوفاً يتفرد بأفكاره.
- جعلت أفكار "فيبر" مفكري تلك المرحلة يدققون ويعيدون النظر والبحث عما سيكون عليه الإنسان في ذلك القرن، وكيف ستكون علاقاته واتصالاته بعالم الآخرين الذين غزاهم فكرياً وعسكرياً وتقنياً، وبقدر ما قدموا للآخرين أفكاراً رائعة وسامية أعطوهم أفكار الحرب والاستعمار والعبودية.
- وجد "فيليب راينو" أنَّ سوسيولوجيا "فيبر" لا تتضمن نقل النظرية النقدية للمعرفة إلى حقل العلوم الاجتماعية فحسب؛ بل إنَّ "فيبر" يدافع عن فكرة وجود تباين أساسي بين علوم الذهن والعلوم الطبيعية وهذا التطور يمثل خلاصة تراث طويل.
- وفقاً للكثير من أفكاره اقترح "فيبر" أنَّ السياسة هي تقاسم سلطة الدولة بين مختلف المجموعات، في حين أنَّ القادة السياسيين هم أولئك الذين يمارسون هذه السلطة وأوضح ذلك بنظريته المشهورة.
نظريات "ماكس فيبر":
1. النظرية الاجتماعية (الطبقات الاجتماعية):
تضمنت دراسات عن الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية والسلطة الملهمة والبيروقراطية والعقلانية، ودرس "ماكس فيبر" أخلاق البيوريتانية وروح التقشف والزهد، ووجد أنَّ مهمة العلم الذي يهتم به هو دراسة القيم الأساسية التي تحدد السلوك الاجتماعي، ووضع فرضيات عدة وعُدَّت أساسية ومنها:
- الفعل الاجتماعي الوجداني أو ما سمي (السلوك الوجداني العاطفي).
- الفعل الاجتماعي له معنى عند القائم به، فالفاعل يضفي معنى ذاتياً على الفعل مراعياً سلوك الآخرين وموجهاً سلوكه.
- الفعل الاجتماعي متفاوت ومتباين حسب مستوى عقلانيته، وذكر أربعة أنماط للفعل الاجتماعي:
- الفعل التقليدي.
- الفعل الاجتماعي الوجداني.
- الفعل العقلاني الموجه نحو قيمة مطلقة.
- التوجيه العقلاني للفعل نحو الغايات الفردية.
- العلاقات هي علاقات وروابط؛ إذ تعتمد أساليب الضبط الاجتماعي على السلطة، أما الأفعال التي تحكمها العقلانية والإيمان مرتبطة بالسلطة التشريعية.
- أما عن أشكال السلوك الاجتماعي الأكثر عقلانية، فينتج عن عملية التنافس التي كان لها دور كبير في انتقاء هؤلاء الذين يتحلون بأفضل الخصائص، وربما يتحول هذا النوع من التنافس السلمي إلى التنافس العنيف.
- رأى "فيبر" أنَّ العقلانية تؤدي إلى نوع خاص من البيروقراطية وتؤدي إلى ظهور طابع من نوع معين يحدد نسق الأدوار والمعايير والجزاءات.
2. النظرية البيروقراطية:
البيروقراطية تاريخياً تشير إلى الجهاز الإداري الحكومي الذي يدار بالوزارات من قِبل مسؤولين غير متخصصين، أما اليوم هي النظام الإداري الذي يحكم أيَّة مؤسسة كبيرة، وتعد الإدارة العامة في كثير من بلدان العالم مثال البيروقراطية.
كان "ماكس فيبر" أول من درس البيروقراطية رسمياً، ومن خلال أعماله انتشر هذا المصطلح وذلك بعد مقاله البيروقراطية في عام 1922م في كتابه الرابع (الاقتصاد والمجتمع)؛ إذ قدم ثلاثة أنواع للهياكل في السلطة:
- السلطة البطولية الكاريزماتية.
- السلطة التقليدية.
- السلطة القانونية الرشيدة.
أوضح "ماكس" أنَّ هذه الأنواع الثلاثة لا يمكن أن يتضمنها تنظيم واحد، كما أوضح أنَّ النوع الأول يمارس السلطة من خلال اعتماد المواصفات الشخصية، أما الثاني فيمارس سلطته من خلال مكانه في التنظيم، وأما الثالث فتكون ممارسته من خلال البيروقراطية للتنظيم.
وجد الباحثون في هذه النظرية أنَّها تتمتع بخصائص منها:
- التسلسل الهرمي.
- التخصص الوظيفي.
- تقسيم العمل.
- القواعد الرسمية.
- التوظيف على أساس الجدارة.
- الإنصاف.
- الاتصال الكتابي وحفظ السجلات.
وجدوا إيجابيات لنظرية "ماكس فيبر" بتقسيم العمل والكفاءة والمساءلة والشفافية واتخاذ القرار والقواعد واللوائح وسهولة الإدارة، أما عن سلبياتها فكان الروتين والتأخير والفساد والبيروقراطية وتغيير الأهداف والأعمال الورقية المملة والمحسوبية وصعوبة صنع القرار وإغفال جوانب هامة.
3. نظرية الترشيد والتفكير العقلاني:
المقصود بهذه النظرية تنظيم الحياة الاجتماعية والاقتصادية بدءاً من مبادئ الكفاءة المعتمدة إلى المعرفة التقنية، فقد كان الدين والعادات المتوارثة هي التي تقوم بالدور الأساسي في تحديد ما يحمله الأفراد من قيم واتجاهات في المجتمعات التقليدية.
لقد بدأت المجتمعات الحديثة بالترشيد العقلاني؛ إذ تتزايد فيها مجالات الحياة بما فيها السياسية والدينية والاقتصادية، كما تخوف "ماكس فيبر" من نتائج الترشيد العقلاني، فقد كان خائفاً من المجتمع الجديد من تدمير الروح الإنسانية بمساعيه إلى تنظيم وتقنين مجالات الحياة الاجتماعية كافة، ومن المخاوف التي راودته أيضاً الآثار الخانقة للإنسانية البيروقراطية وتداعياتها ومضاعفاتها في مصير الديمقراطية.
4. نظرية علم اجتماع الدين:
حلل "فيبر" دين الصين ودين اليهود ودين الهند، ومع هذا توقف بحثه في موضوع الديانات الأخرى بسبب وفاته في عام 1920م، وهذا أدى إلى وقف بحثه عن دراسة الدين المسيحي والإسلامي، فتمحورت مقالاته هنا حول تأثير الأفكار الدينية في النشاطات الاقتصادية وحول العلاقة بين التقسيم الطبقي الاجتماعي والأفكار الدينية، فقد وجد "فيبر" أنَّ الدين من القوى الأساسية في المجتمع، واقترح نموذجاً تطورياً اجتماعياً للتغير الديني موضحاً أنَّ المجتمعات عموماً انتقلت من السحر إلى تعدد الآلهة، ثم إلى الوجود والتوحيد ومنها إلى التوحيد الأخلاقي.
إسهامات "ماكس فيبر":
- استطاع "ماكس فيبر" أن يصوغ نظرية محددة للبيروقراطية وهي من النظريات الكبرى.
- الفعل الاجتماعي هو الموضوع الأساسي لعلم الاجتماع.
- علم الاجتماع الديني: التصورات الدينية هي من محددات السلوك الاقتصادي.
- نظرية التنظيم الاقتصادي والاجتماعي (النظريات الاجتماعية).
في الختام:
تشعبت نظريات "ماكس فيبر" وتميزت بدراستها لآفاق كثيرة وتم تداولها وتحليلها وشرحها شرحاً مفصلاً من قِبل الكثير من الباحثين، واعتمدت في معظم الدول، فقد طُورت منهجية "فيبر" على نطاق أوسع ضمن منهجية العلوم الاجتماعية، ولقد كان موقفه قريباً مما يعرف بالتاريخية، فقد أكد على أنَّ الأفعال الاجتماعية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بسياقات تاريخية معينة وعلينا فهم الدوافع الذاتية للأفراد، فلا يمكن لأحد إغفال ما قام به "ماكس فيبر" وما قدمه من نظريات ساهمت في تطور البشرية وتقدُّمها، ومهما جاء من علماء اجتماع يبقى تأثير "ماكس فيبر" واضحاً جلياً.
المصادر +
- صلاح هلال، مفاهيم أساسية في علم الاجتماع ( ماكس فيبر )
- ماكس فيبر المؤلِّف الألماني
- ماكس فيبر.. في تأسيس علم الاجتماع الاقتصادي
- ماكس فيبر
- ماكس فيبر
أضف تعليقاً