ماذا نقصد بالتخطيط التشغيلي؟

التخطيط التشغيلي هو ما يحدث عندما تُوضَع خطة المؤسسة الاستراتيجية تحت المجهر، ويُنظَر في التفاصيل بغية تنفيذها على أرض الواقع؛ وهو موجه نحو المستقبل، حيث يرسم ميزانيات الإدارات وأهدافها لدفع نجاح الخطة الاستراتيجية بأنشطة محددة قائمة على فريق عمل مناسب.



وفي حين أنَّ التخطيط الاستراتيجي عملية منظمة لتحديد استراتيجية المنظمة أو اتجاهها، واتخاذ القرارات بشأن تخصيص مواردها لتنفيذ هذه الاستراتيجية؛ هو يتعامل مع الصورة الكبيرة للمنظمة على الأمد الطويل بدلاً من مجرد وحدات منفصلة، وذلك من خلال التركيز على الأسئلة الرئيسة الثلاثة التالية:

  • مَن نحن؟ وماذا نفعل؟
  • لمَن نفعل ذلك؟
  • كيف نتفوق على المنافسين؟

تُوضَع الخطط الاستراتيجية عادة لـ 3 أو 5 سنوات، رغم أنَّ بعض الأشخاص يوسعون رؤيتهم إلى 20 عاماً (الأمد الطويل)؛ وبسبب الأفق الزمني وطبيعة الأسئلة المطروحة، تفرض الحوادث المؤسفة التي تحدث في أثناء تنفيذ خطة استراتيجية شكوكاً كبيرة، وقد تكون بعيدة جداً عن سيطرة الإدارة مثل الحروب الأهلية والنزاعات الإقليمية والتحديات المناخية والأوبئة، ويعدُّ كوفيد 19 مثالاً واضحاً على ضعف سيطرة الإدارة على المخاطر.

تُسمَّى هذه الحوادث "المخاطر الاستراتيجية"، ويمكن أيضاً النظر إلى الفرص غير المستغلة على أنَّها مخاطر استراتيجية.

بينما يعدُّ التخطيط التكتيكي تخطيطاً قصير الأمد يؤكد على العمليات الحالية لأجزاء مختلفة من المنظمة، ويُعرَّف الأمد القصير عموماً على أنَّه فترة زمنية تمتد نحو سنة واحدة أو أقل في المستقبل.

يستخدم القادة التخطيط التكتيكي لتحديد ما يجب أن تفعله الأجزاء المختلفة من المنظمة حتى تنجح في مرحلة ما بعد عام واحد أو أقل في المستقبل، وعادة ما تُطوَّر الخطط التكتيكية في مجالات الإنتاج والتسويق والتوظيف والتمويل وإدارة المرافق؛ وبسبب الأفق الزمني وطبيعة الأسئلة المطروحة، يجب تغطية الحوادث التي قد تحدث في أثناء تنفيذ خطة تكتيكية بشكوك معتدلة، والتي قد تكون أقرب إلى سيطرة الإدارة مثل: أسعار الشحن في العام المقبل، وتكاليف استهلاك الطاقة، وأسعار تجديد وثائق الشركة؛ والتي تُسمَّى جميعها "المخاطر التكتيكية".

أخيراً: التخطيط التشغيلي، وهو محور حديثنا، يعدُّ عمليةً لربط الأهداف والغايات الاستراتيجية بالأهداف والغايات التكتيكية، وهو يصف معالم وشروط النجاح، ويشرح أي جزء من الخطة الاستراتيجية التي ستُوضَع موضع التنفيذ خلال فترة تشغيلية معينة.

تتناول الخطة التشغيلية أربعة أسئلة هي:

  • أين نحن الآن؟
  • أين نريد أن نكون؟
  • كيف نصل إلى هناك؟
  • كيف نقيس تقدمنا؟

فالمخاطر التشغيلية هي تلك التي تنشأ عن الأشخاص والأنظمة والعمليات التي تعمل من خلالها الشركة، ويمكن أن تشمل فئات أخرى من المخاطر، مثل الاحتيال أو المخاطر القانونية أو المخاطر المادية أو البيئية؛ وهي تلك المخاطر الناتجة عن عدم كفاية أو فشل العمليات الداخلية أو الأشخاص أو الأنظمة، أو قد تكون نتيجة الأحداث الخارجية التي قد تكون من صنع الإنسان أو المخاطر الطبيعية؛ فمثلاً: تجميع النفايات الخطيرة في مناطق غير معزولة، أو تسرب الوقود أو المواد الخطيرة، أو انفجار مصنع لمعالجة النفايات، وغيرها من الأمثلة التي تعدُّ مشكلات تشغيلية تُولِّد مخاطر تشغيلية.

نظراً إلى أنَّ الإدارة العليا تتمتع عموماً بفهم أفضل للمؤسسة (نظرة علوية "Helicopter View") مقارنة بقيادات الإدارة الوسطى، تضع الإدارة العليا خططاً استراتيجية عموماً؛ وبينما تتمتع قيادات الإدارة الوسطى عموماً بفهم أفضل للعمليات التشغيلية اليومية، فإنَّهم يطورون خططاً تكتيكية وتشغيلية؛ ونظراً إلى أنَّ الخطط الاستراتيجية تكون عموماً طويلة الأجل وتحيط بها مزيد من أوجه عدم اليقين من حيث حدوثها وعواقبها، فإنَّها أقل تفصيلاً من الخطط التكتيكية.

ما هو دور الخطط التشغيلية؟

تحدد الخطة التشغيلية المهمات التي يتوجب على كل موظف تنفيذها لتحقيق الأهداف المنصوص عليها في الخطة الاستراتيجية، إذ يجب أن تتضمن الخطة الاستراتيجية خطوات حول كيفية تنفيذ ما يأتي في أثناء تحديد استراتيجيتك:

  1. وضع خطة استراتيجية.
  2. تحديد أولويات أهدافك.
  3. استخدام المؤشرات الرائدة.
  4. تطبيق الخطة في مؤسستك.
  5. التواصل الفعال لتنفيذ الخطة.

بينما يركز قسم العمليات في خطة العمل التشغيلية على ما يأتي:

بمعنى آخر: يجب أن توضح خطتك التشغيلية بوضوح وتفصيل الموارد المادية والمالية والبشرية التي ستخصصها يومياً لدعم الأهداف الاستراتيجية الأوسع لمنظمتك؛ ومن أجل إنشاء خطة تشغيلية فعَّالة، ينبغي وضع أهدافاً واضحة يركز كل فرد على تحقيقها؛ وأضف إلى ذلك أنَّ الخطة التشغيلية تساعد القادة والموظفين على التفكير بعناية في المواعيد النهائية والتكتيكات المناسبة لتحقيق ذلك.

يجب أن تقدم الخطة التشغيلية (العمليات) إجابات عن الأسئلة الآتية:

  • من هم الأفراد المسؤولون عن تنفيذ المهمات؟ وما هي الأقسام المسؤولة؟
  • ما هي المهمات التي يقوم بها كل موظف أو قسم؟
  • ما هي المواقع التي تنفذ فيها العمليات اليومية؟
  • ما هي المبالغ المخصصة في الميزانية لكل قسم لإكمال هذه المهمات؟
  • ما هي المواعيد النهائية لإنجاز كل مَهمَّة؟

يجب أن تحتوي الخطة التشغيلية على أهداف محددة بوضوح، ويجب أن يوضح هذا القسم بعبارات واضحة الأهداف التشغيلية للشركة؛ كما يجب التفكير في الأهداف التشغيلية على أنَّها خطتك لتحقيق الهدف الاستراتيجي لشركتك، ويجب أن يكون الهدف التشغيلي الجيد هدفاً ذكياً (SMART) هو:

  1. (Specific محددة): وضع أهداف واضحة ودقيقة.
  2. (Measureable قابلة للقياس): القدرة على متابعة التقدم.
  3. (Achievable قابلة للإنجاز): وضع أهداف صعبة ولكنَّها قابلة للإنجاز.
  4. (Relevant ذات صلة): وضع أهداف ذات علاقة بأهداف الحياة العامة.
  5. (Timely مُقيَّدة زمنياً): يجب على الهدف أن يكون مرتبطاً بتوقيتٍ نهائي.

بينما يجب أن يكون لكل قسم هدف تشغيلي مختلف، ويجب أن يساعد ذلك في تحقيق الهدف العام للشركة؛ وبمجرد تحديد الأهداف، يجب عليك إنشاء خطة لتحقيقها، وتزويد كل قسم أو فريق بالموارد المناسبة؛ كما يجب أن تفكر في الموارد التالية:

  • الموردون.
  • المعدات والأدوات المناسبة.
  • التكنولوجيا المستخدمة.
  • ميزانية كل قسم.

وبالإضافة إلى وصف عملية الإنتاج، يجب أن تصف عملية التشغيل بالتفصيل؛ وتشمل الأسئلة التي يجب أن تجيب عنها:

  • أين سيعمل الموظفون، وهل ستحتاج إلى إيجاد مرافق إضافية؟
  • هل سيكون للموظفين جدول عمل محدد أو ساعات مرنة؟
  • من هم الموظفون المكلفون بضمان تحقيق كل إدارة لأهدافها؟
إقرأ أيضاً: الأهداف الذكية "SMART": اجعل أهدافك قابلة للتحقيق

ما هي خطوات بناء خطة تشغيلية فعَّالة؟

ترى المنظمات أفضل النتائج عندما تتشابك خططها الاستراتيجية والتشغيلية وتتألق في نسيج واحد متسق؛ أي ببساطة، التخطيط التشغيلي الفعَّال هو التخطيط الخطي، ويسترشد بخطتك الاستراتيجية على النحو التالي:

  1. البدء بـ "رؤية المنظمة".
  2. تحديد الأهداف.
  3. رسم الاستراتيجيات المتعلقة بالتخطيط.
  4. وضع خطة تنفيذية.
  5. تعيين الموارد، والتي تتضمن: الأشخاص والتكنولوجيا والميزانيات.
  6. مراقبة تقدمك في التنفيذ.
  7. إجراء تعديلات صغيرة على خطة التشغيل خاصتك كلما دعت الحاجة.

ولإنجاح ذلك، ينبغي القيام بما يأتي من خطوات أساسية:

1. تحديد المبادرات التشغيلية:

دائماً ما تأتي الأولويات في التخطيط التشغيلي أولاً؛ لذا حدد المبادرات اللازمة لتنفيذ أولوياتك الاستراتيجية، وهذا هو المكان الذي تحدد فيه كيفية الانتقال من النقطة (أ) إلى النقطة (ب) بأكثر الطرائق فاعلية؛ وسترافق كل أولوية استراتيجية تحددها خطة تشغيلية توضح:

  • الإجراءات التي يجب تنفيذها.
  • الموارد التي يجب تحديدها وإدارتها.
  • المقاييس التي يجب وضعها لضمان تحقيق هذا الهدف.

تذكر القاعدة الذهبية في الإدارة: "لا يمكنك إدارة ما لا يمكنك قياسه"، ناهيك عن تحسينه.

2. خذ خطوات صغيرة:

بمجرد تحديد أولوياتك الاستراتيجية وإنشاء خططك التشغيلية، يمكنك بعد ذلك تقسيم الخطط التشغيلية إلى مشاريع أصغر، بحيث تكون أكثر قابلية للإدارة مع تصميم كلٍّ منها لاتخاذ خطوة صغيرة نحو هدفك النهائي؛ ويُركَّز في هذه المرحلة على التفاصيل الصغيرة، مثل الأطر الزمنية والتكنولوجيا ومتطلبات الأفراد.

3. تحديد الموارد اللازمة:

مع التركيز على أولوياتك الاستراتيجية وبدء التخطيط التشغيلي في أكمل صوره، يمكنك البدء بتخصيص الموارد؛ لذا كن واقعياً، ولا تبخل على الخطة من حيث الوقت والموارد البشرية اللازمة لإكمال كل مَهمَّة.

ستعود مثل هذه التصرفات الخاطئة لتطاردك لاحقاً في شكل مواعيد نهائية وتفاصيل لا يمكن الإيفاء بها؛ لذا انظر إلى الأداء السابق كمؤشر لما يمكن توقعه والتخطيط وفقاً لذلك.

4. تسخير التكنولوجيا لخدمتك:

إذا كنت قائداً مبتكراً، فمن المحتمل أنَّك فكرت بالفعل في كيفية إكمال الأنشطة وإدارة الموارد عبر حلول تقنية ميسورة التكلفة؛ ولكن، لا يمكن أن تكون أي حلول تقنية.

ينبغي على القائد أن يبحث عن حلول تمكِّن موظفيه من اتخاذ قرارات صائبة ودقيقة في الوقت المناسب من خلال تزويدهم بالمعلومات التي يحتاجونها، وتساعدهم على أتمتة (Automation) الكثير من العناصر المملة والروتينية في عملهم مثل إعداد التقارير وتجميع البيانات ومراقبة المؤشرات والأنظمة دورياً.

5. تخطيط الميزانية:

يُعدُّ تخصيص الموارد وإدارتها أمراً بالغ الأهمية في التخطيط التشغيلي؛ ذلك لأنَّه يحدد كيفية تخطيط الميزانية، بالإضافة إلى أين ومتى ستحتاج إلى الدعم المالي بحيث يمكِّنك من توقع اكتمال المشاريع دون عقبات مالية.

آخر شيء تحتاجه خلال تنفيذ الخطة التشغيلية هو نفاذ التمويل في منتصف المشروع؛ ذلك لأنَّ التدفقات النقدية والمخرجات لم تُوقَّع على نحو كافٍ؛ لذا أجرِ تحليلات التكلفة والفائدة وعائد الاستثمار مبكراً للحفاظ على تقديرات الميزانية دقيقة قدر الإمكان.

إقرأ أيضاً: نصائح مهمة لإدارة المشاريع الناشئة وإعداد الميزانيّة المناسبة لها

6. النظر دائماً إلى الصورة الكبيرة:

الصورة الكبيرة هامة جداً لبناء الخطط في شكلها الأكمل، ويشمل هذا:

  • تجميع المشاريع والمهمات المتشابهة معاً بحيث يمكن مشاركة الموارد.
  • تحديد جدول زمني محدد ومعقول.
  • النظر في تخصيص الموارد وفقاً للأنشطة والمشاريع.
  • ضمان توافق جميع أنشطة ومشاريع العمليات مع الخطة الاستراتيجية.

هذا ما يبعث على الارتياح، خاصة عند القيادات الوسطى عند مناقشاتها ومطالبتها من الإدارة العليا؛ كما أنَّّه يبني الحجج المقنعة والصائبة.

إقرأ أيضاً: دور القائد في بناء الصورة الكبيرة في المؤسسات

7. تحديد ومشاركة أولوياتك:

تأكد من أنَّ كل من يشارك في إنشاء وتنفيذ الخطة التشغيلية يفهم شيئين: الأهداف الاستراتيجية التي تحاول تحقيقها، ومتى ينبغي تحقيقها؛ وهو "التشارك المباشر للأولويات"، ويحدث من خلاله تعيين الأدوار والمسؤوليات من أجل إنشاء نظام واضح للمساءلة.

8. تعيين الأدوار والمسؤوليات:

يساعد تحديد الأدوار والمسؤوليات بوضوح وتوصيل الأولويات المؤسسية كل فرد من أعضاء الفريق على فهم الصورة الكبيرة فهماً أفضل، حيث يمكنهم أن يروا بالضبط كيف تساعد مساهماتهم الفريدة في تحقيق الأهداف الاستراتيجية وتصب في الوصول السهل والمباشر، وهذه هي الطريقة التي تذكِّر بها الأشخاص بدورهم في الخطة الاستراتيجية باستمرار.

9. مراقبة وإدارة الأداء:

للتأكد من أنَّ خطتك الاستراتيجية ومبادراتك التشغيلية تعمل على نحو جيد، عليك مراقبة الأداء وإدارته، ويتضمن ذلك تحديد المقاييس الرئيسة وقياس التقدم وإعداد التقارير وتجميعها، والتي تسمح لك بقياس نجاح أفعالك بدقة في الوقت الفعلي.

عندما تمنح مديرك رؤية كاملة عن حالة وتقدم خططك الاستراتيجية والتشغيلية في أي وقت، فأنت بذلك تضعهم في موقع قوة لاتخاذ قرارات مستنيرة تخدم المنظمة على أفضل وجه.

يتيح لك قياس الأداء تعديل خطتك لتحقيق الكفاءة؛ إذ يجب في بعض الأحيان إجراء تعديلات لتجنب الفشل، وستحتاج في أحيان أخرى إلى تعديل خطتك للخطوات التالية لأنَّك وصلت أخيراً إلى مراحلك الاستراتيجية؛ وتذكر، أفضل الخطط هي تلك التي تتطور باستمرار مع مرور الوقت.

وأخيراً؛ بمجرد الانتهاء من وضع خطتك التشغيلية التي يجب أن تتضمن أهدافاً ذكية مع تحديد التسليمات والجداول الزمنية والموظفين الضروريين لتنفيذ الخطة، أنشئ آلية للتواصل وتحديث المعلومات باستمرار في أثناء تقدم الخطة؛ حيث سيرغب أصحاب المصلحة ورؤساء الأقسام الأخرى والقيادة العليا في معرفة مستجدات الخطة التشغيلية ومراجعة تقدمها في كل مؤشر، سواء كان ذلك شهرياً أم ربع سنوي أم سنوياً؛ لذا تأكد من تقديم تقرير عن جميع النتائج التي تحققت والتأكد من أنَّ القيادة لا تزال على تواصل ومتابعة للمستجدات.

يمكن أن تكون لوحات المعلومات الإلكترونية (Dashboard) حلاً سهلاً للحصول على تحديثات سريعة ودقيقة للخطة التشغيلية، وأداة مثالية لمتابعة المستجدات.

المراجع: 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8، 9




مقالات مرتبطة