ما هي قواعد الخط الساطع؟ وكيف تستثمرها في تعزيز قوة الإرادة؟

"يحقُّ لك التزام الصمت، إذ قد يُستخدَم أي شيء ستقوله ضدك في المحكمة؛ كما يحقُّ لك توكيل محامٍ؛ وإن كنت لا تقدر على تحمُّل تكاليف محامٍ، فستُعيِّن لك المحكمة واحداً قبل إجراء أي استجواب. هل تفهم هذه الحقوق؟" - تحذير ميراندا.



في ربيع عام 1966، قُبِضَ على رجل يُدعَى إرنستو ميراندا (Ernesto Miranda)، حيث اشتبهت الشرطة باختطافه واغتصابه امرأةً تبلغ من العمر 18 عاماً، وقد استجوبه الضباط لمدة ساعتين إلى أن اعترف بتهمة الاغتصاب ووقَّع على اعترافاته؛ لكن كانت توجد مشكلة واحدة فقط، وهي أنَّ ميراندا كان بمفرده في أثناء الاستجواب، ولم يبلِّغه أحد بأنَّ له الحق في الاستعانة بمحامٍ قط.

عندما وصلت القضية إلى المحاكمة، استُخدِم اعتراف ميراندا المكتوب كدليل، وسرعان ما أُدين؛ ولكنَّ محاميه استأنف القرار لأنَّ ميراندا لم يُبلَّغ بحقوقه، ولم يكن اعترافه طوعياً، وقد أيدت المحكمة العليا في أريزونا هذا القرار، وأُحِيلت القضية في النهاية إلى المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية.

لقد ألغت المحكمة العليا حكم ميراندا؛ ذلك لأنَّه يجب وبكلِّ وضوح، إبلاغ الشخص المحتجَز أنَّ له الحق في التزام الصمت قبل الاستجواب، وأنَّ أي شيء يقوله سيُستخدَم ضده في المحكمة؛ كما يجب إبلاغه أنَّ له الحق في استشارة وتوكيل محامٍ معه في أثناء الاستجواب، وستعيِّن المحكمة محامياً لتمثيله إذا كان فقيراً؛ وقد وقفت المحكمة العليا إلى جانبه، وأُعيدَت محاكمته، والتهمة ثبتَت عليهِ في المحاكمة الثانية وحُكم عليه بالسجن بين 20 سنة و30 سنة. وبهذا، كانت المحكمة العليا قد أنشأت للتو "قواعد الخط الساطع" (Bright-Line Rules) أو الوضوح التام.

إقرأ أيضاً: 5 قواعد ذهبية مثبتة علميًا في تحديد الأهداف

قوة قواعد الخط الساطع:

تشير قواعد الخط الساطع إلى قاعدة أو معيار محدَّد بوضوح؛ فهي قواعد ذات تفسير واضح ولا تقبل المناورة، وتُسمَّى بقواعد الخط الساطع كتعبير مجازي عن تحديد ما تقوله القاعدة وما لا تقوله باستخدام خط ساطع.

يُعدُّ حكم ميراندا أحد الأمثلة على هذه القواعد؛ فإذا لم يُبلِغ ضابط الشرطة المدَّعَى عليه والمحتجَز بحقوقه، فلن تُقبَل أقوال المشتبه به في المحكمة؛ والأمر واضح وبسيط وبيِّن.

قد يستفيد أغلبنا من وضع خطوط أكثر سطوعاً في حياته الشخصية والمهنية؛ ولنتأمل هنا بعض الأمثلة الشائعة:

  • قد نقول أنَّنا نريد أن نقلِّص مقدار الوقت الذي نقضيه في التحقُّق من البريد الإلكتروني.
  • قد نقول أنَّنا نريد أن نأكل ونشرب باعتدال.
  • قد نقول أنَّنا نريد ادخار مزيد من المال من أجل التقاعد.
  • قد نقول أنَّنا نريد أن نتناول طعاماً أكثر صحة.

ولكن ماذا تعني هذه العبارات حقاً؟ وماذا يعني تقليص مقدار وقت التحقق من البريد الإلكتروني؟ هل ستحاول أن تفعل ذلك بصورة أفضل آملاً أن ينجح الأمر؟ هل ستحدد أياماً أو أوقاتاً معينة لن تفتح البريد الإلكتروني فيها؟ أم ستتحقق من البريد الإلكتروني في عطلات نهاية الأسبوع فحسب؟ أم ستضع البريد الإلكتروني على جهاز الكمبيوتر فقط؟

وما هو الطعام أو الشراب المعتدل بالضبط؟ هل ستحدِّد كمية طعام لتناولها يومياً؟ هل ستحدد عدد أكواب المياه التي تشربها في اليوم؟ وإذا لم تُحدِّد ذلك، فكيف ستعرف إذا كنت تحرز تقدماً؟

وماذا يعني ادِّخار مزيد من المال؟ ومتى ستبدأ تطبيق هذه الخطوة؟ هل كل شهر؟ أم كلَّما تسلَّمت راتبك؟

وأخيراً، كيف يبدو تناول الطعام الصحي بصورة يومية؟ هل يعني هذا تناول كمية أكبر من الخضار؟ وإذا كان الأمر كذلك، فكم مرَّة ستفعل؟ هل تريد البدء بتناول وجبة صحية مرة واحدة في اليوم؟ أم مرتين في اليوم؟ أم في وجباتك ككل؟

قد يكون من السهل التعهد بالوفاء بمثل هذه الوعود، ولكنَّها لا تخلق خطوطاً ساطعة، إذ تجعل العبارات الغامضة قياس التقدم أمراً مستعصياً؛ لكن هل نحتاج إلى قياس كل مجال من مجالات حياتنا؟ بالتأكيد لا، ولكن إذا كان يوجد أمر هام بالنسبة إليك، فعليك إنشاء خط ساطع له، ولنتأمل البدائل الآتية:

  • يجب أن أتصفح البريد الإلكتروني بين الساعة 11 صباحاً والساعة 6 مساء فقط.
  • يجب أن أتناول 5 أكواب من الماء كحد أدنى يومياً.
  • يجب أن أدخر 500 دولار شهرياً من أجل التقاعد.
  • يجب أن أتناول نوعين على الأقل من الخضار يومياً.

تحدِّد هذه العبارات الخطوط الساطعة، وتجعل خطوات العمل دقيقة وواضحة؛ أمَّا الوعود الغامضة، فلن تؤدي أبداً إلى نتائج واضحة.

استخدام الخطوط الساطعة للتخلُّص من العادات السيئة:

لقد ركَّزت الأمثلة المشار إليها أعلاه بصورة أساسية على بناء سلوكات جديدة، ولكن يمكن استخدام قواعد الخط الساطع بالفاعلية نفسها للتخلُّص من العادات السيئة أو السلوكات القديمة.

يقترح نير إيال (Nir Eyal) استراتيجية مماثلة يسميها "الصرامة التدريجية" (Progressive Extremism)؛ ولشرح هذا المفهوم، يستخدم (نير) مثالاً على توجهه النباتي (كونه نباتياً)؛ فإذا أردت أن تصبح نباتياً، فيمكنك البدء بقول: "أنا لا أتناول اللحوم الحمراء".

الهدف ليس تغيير كل شيء في وقت واحد، بل اتخاذ موقف صارم وواضح للغاية في جزئية صغيرة واحدة؛ حيث ترسم هكذا خطاً ساطعاً حول هذا الموضوع، ويمكنك تحريك خطك الساطع تدريجياً إلى الأمام وإضافة سلوكات أخرى إلى القائمة؛ فعلى سبيل المثال: "أنا لا أتناول اللحوم الحمراء أو الأسماك"، وهكذا.

إقرأ أيضاً: الأهداف الذكية (SMART): كل ما تحتاج إلى معرفته عنها

كيف تطلق العنان لقوة إرادتك الخفية باستخدام الخطوط الساطعة؟

قد يؤدي إنشاء خطوط ساطعة في حياتك إلى تعزيز قوة الإرادة اليومية تعزيزاً كبيراً، ويعود هذا إلى سببين:

  1. تساعدك الخطوط الساطعة على تحويل الحديث الداخلي من العجز إلى التمكين: إذا لم يكن لديك خط ساطع، وكنت تختار عدم القيام بشيء ما، فقد تقول: "لا يمكنني فعل ذلك هذه المرة"؛ أمَّا إذا كان لديك خط ساطع وواضح، فقد يكون ردك ببساطة: "أنا لا أفعل ذلك". تساعدك الخطوط الساطعة على تجنُّب إجراء استثناءات لمرة واحدة فقط، وتتبُّع هوية جديدة أنشأتها لنفسك.
  2. من خلال اتِّخاذ قرارات واضحة في حياتك، تحافظ على قوة الإرادة من أجل خيارات هامَّة أخرى: فدون خطوط ساطعة، يجب أن تقرر ما إذا كان الموقف يتوافق مع معاييرك في كل مرة؛ أمَّا بتحديد الخطوط الساطعة، فيمكنك اتخاذ القرار في وقت مبكر، ويساعدك هذا على تجنُّب التوتر في أثناء اتخاذ القرار، وتخصيص قوة الإرادة للعمل والعلاقات والعادات الصحية الأخرى.

 

المصدر




مقالات مرتبطة