ما هي شبكات اتصالات الجيل الخامس 5G؟ وما هي مخاطر هذه التقنية؟

لقد غيرت الهواتف الذكية طريقة تفاعلنا مع الإنترنت، إذ تطوّرت الشبكات الخلويّة على مرّ السنين لمواكبة طلبنا المتزايد، وإنّ تقنية شبكات اتصال الجيل الخامس (5G) هي أحدث نسخة من شبكات الإنترنت عبر الهاتف المحمول.



وبعد أن أصبحت شبكات اتصالات الجيل الخامس (5G) موجودةً في الاستخدام الآن، كانت هناك تكهُّناتٌ حول سلامة هذه التكنولوجيا. ربما سمعت بعض هذه الادعاءات. لذا، حان الوقت لمعرفة، هل شبكات اتصال الجيل الخامس (5G) آمنةٌ على الصحّة العامّة أم لا؟

ما هي تقنية اتصال شبكات الجيل الخامس (5G)؟

تتمّ الاتصالات بالإنترنت في معظم المنازل عادةً عبر تقنية شبكات "واي فاي" (Wi-Fi). كما أنّ شبكات "واي فاي" شائعةٌ عبر المكاتب أيضاً، وحتى في المقاهي والأماكن العامة مثل مراكز التسوق. أمّا خارج تلك المناطق، فتربطنا بالإنترنت الشبكات الخلوية التي يديرها شركات ومقدمي خدمات الاتصالات.

كانت هناك تطورات وثورات تكنولوجية لتحسين كلٍّ من: سرعات الإنترنت عبر الهاتف النقال، والموثوقية في نقل البيانات، والتغطية لدعم زيادة الأجهزة المتصلة بالإنترنت. أحد أهمّ التطورات في هذا المجال كان شبكات الجيل الثالث أو "إل تي إي" (LTE) وشبكات الجيل الرابع (4G)، مما سمح لنا باستخدام هواتفنا الذكية لبثّ الموسيقى ومكالمات الفيديو وحتى مشاهدة نيتفليكس ويوتيوب أثناء التنقل في الطرقات.

يمثل الجيل الخامس (5G) تطوّر الشبكات الخلوية للتعامل مع التدفق القادم للأجهزة التكنولوجية. تَعِدُ هذه التكنولوجيا بسرعات شبيهة بسرعات "شبكات النطاق العريض" (Broadband) أثناء التواجد خارج المنازل والمكاتب والأسواق، بالإضافة إلى دعمٍ مستقبليٍّ لأجهزة إنترنت الأشياء (IoT). لذلك هناك طرقٌ عديدة ستجعل فيها شبكات الجيل الخامس (5G) الإنترنت عبر الهاتف المحمول أسرع.

سرعات شبكات الجيل الخامس:

سرعات شبكات الجيل الخامس

الفرضية الأساسية لشبكات الجيل الخامس (5G) هي أنها تقدّم نقلةً نوعيّةً للسرعات إلى جيجابت في الثانية. اعتباراً من الآن، يتطلب معيار شبكات الجيل الخامس سرعات تصل إلى 20 جيجابت في الثانية على الأقل، ولكن هذه ليست سوى البداية. لا بُدّ للسرعات أن تتطوّر أكثر مع ظهور المزيد من الإصدارات من هذا المعيار.

بالحديث عن الترددات، تعمل شبكات الجيل الخامس (5G) على نطاقٍ واسع. فنطاق التردد في هذه الشبكات أكبر من جميع الشبكات السابقة، إذ تبدأ هذه الترددات من 600 ميجا هرتز حتى 71 جيجا هرتز.

وهذا يعني أن شبكات الجيل الخامس (5G) ستستخدم جزء الطول الموجي المنخفض من الطيف، والمعروف أيضاً باسم "التردد فائق العلو" (mmWave)، والذي يصل التردد فيه بين 24-100 جيجا هرتز. يعدُّ هذا تعزيزاً كبيراً للسرعات، ولكن على حساب منطقة التغطية.

هذا يعني أيضاً أنّ شبكات الجيل الخامس (5G) يمكن أن تستخدم "تشكيل الحزمة" (Beamforming)، لتركيز الإشارات المنبعثة من الهوائيات على المناطق التي بها حركة مرور أكبر، على عكس النهج متعدد الاتجاهات المستخدم في شبكات الجيل الرابع (4G) والشبكات الأقدم.

من المفترض أن تكون شبكات الجيل الخامس (5G) خطوةً كبيرةً في تطور الشبكات الخلوية. هناك اعتقادٌ في الأوساط الصناعيّة أنّ هذه التقنيّة يمكن أن تكون آخر قفزةٍ كبيرةٍ في أجيال الاتصالات، وستحتاج هذه التقنية إلى مراجعاتٍ صغيرةٍ فقط.

إقرأ أيضاً: كيف تعرف الأجهزة المتصلة على شبكتك الواي فاي

هل تعتبر شبكات الجيل الخامس (5G) خطيرةً على الصحّة؟

كان هناك في عام 2019 نقاشٌ عامٌّ حول ما إذا كانت شركة "هواوي Huawei" ستتمكّن من تشغيل شبكات الجيل الخامس (5G). قد يجعلك هذا تشعر بالقلق من الناحية الأمنيّة من تجسس الحكومات على المواطنين. من المحتمل أيضاً أنك سمعت عن بعض المخاوف الصحية التي أثيرت حول هذه الشبكات أيضاً. على سبيل المثال: تمّ الإشاعة خلال جائحة COVID-19 أن تكون أبراج شبكات الجيل الخامس لها علاقةٌ بنشر المرض، وتمّ بالفعل إحراق بعض هذه الأبراج من قبل بعض الأشخاص.

هناك بعض الادعاءات الشديدة الأخرى حول التأثير الصحي لشبكات وتقنيات الجيل الخامس. ومع ذلك، على الرغم من التغطية الإعلامية لمثل هذه الادعاءات، لا يوجد دليلٌ يشير إلى أن شبكات الجيل الخامس (5G) تشكّل خطراً على الصحّة. كما لاحظت صحيفة نيويورك تايمز أنّ العديد من القضايا نفسها أثيرت حول شبكات الجيل الرابع (4G) أيضاً.

وبالمثل لتلك التقنيات القديمة، لا يوجد دليلٌ على أنّ شبكات الجيل الخامس (5G) تعبر خطيرةً على الصحّة. أظهرت الدراسات الأوليّة أنّ كميات الإشعاع الناتجة عن أبراج الهواتف الخلوية التي تُشغّل شبكات الجيل الخامس (5G) والهواتف الذكية 5G التي تدعم تقنيات اتصالات الجيل الخامس، أقلَّ بكثيرٍ من حدود السلامة الرسميّة المصرّح بها.

في مارس من عام 2020، قامت مجلّة الغارديان بعرض تصريحات "اللجنة الدولية للحماية من الإشعاع غير المؤيّن" (ICNIRP)، مشيرةً إلى أنّ تقنيّة اتصالات الجيل الخامس (5G) آمنة، في حين أنّ الخطر الذي يمثله هذا الجيل من الاتصالات لا يختلف عن الشبكات اللاسلكية الأخرى.

ومع ذلك، من المنطقيّ أن تظلّ حذراً - فبعد كلّ شيء، فإن غياب الأدلة ليس دليلاً على غياب الضرر. لهذا السبب تبقي الحكومات حول العالم الوضع قيد المراجعة.

أحد التعقيدات هو أنّ الدراسات العلمية تُعطي نتائج مختلفة عن بعضها البعض. فقد لا تُظهِر الدراسة A أيّ تأثيرٍ سلبي، بينما تُظهر الدراسة B تأثيراً محتملاً صغيراً. في هذا المثال، لن يتمّ الإبلاغ عن الدراسة "A" على نطاقٍ واسع -ليس من المثير للاهتمام أن نقول أنه لم يحدث شيء- ولكن من المرجّح أن تتلقى الدراسة "B" قدراً كبيراً من التغطية الإعلامية.

المنهج العلمي في البحث:

تمّ إيجاد المنهج العلمي للتعامل مع النتائج غير المتسقة. إنّ المنهج العلمي طريقةُ بحثٍ يستخدمها الباحثون، حيث تتمّ ملاحظة البيانات دون تحيّزٍ أو افتراضٍ، قدر الإمكان. في هذا السيناريو، لنفترض أنّ لدى شخصٍ ما سؤالٌ، ولديه أيضاً مجموعاتٌ على وشك محاولة الإجابة عليه من خلال تطوير اختبارٍ ومن ثمّ إنشاء قاعدةٍ للبيانات والنتائج.

ثمّ يستخلص الباحثون استنتاجاتٍ من البيانات. بمجرد الانتهاء من الدراسة، تتمّ مراجعتها مراجعةً أوّليّة، وإذا وُجدَ أنها بدون أخطاء، فسيتمّ قبول نشرها في مجلّةٍ علميّةٍ. وهذا النشر يسمح بالتدقيق العام لكلٍّ من الدراسة والاستنتاجات التي تمّ استخلاصها منها.

قد يسأل علماء آخرون نفس السؤال أو سؤال مشابه، ولكن لديهم طريقةٌ مختلفةٌ للاختبار. من المحتمل أن تعطي هذه الطريقة المختلفة نتائج مختلفة أيضاً. وبسبب هذا الاختلاف، سيصبح لدينا دراستان تعطيان نتائج مختلفة، علماً أنّهما تدوران حول نفس الموضوع بشكلٍ عام.

لمواجهة هذه المواقف، يبحث العلماء والحكومات عن إجماعٍ حول قضيّةٍ معينة. ومع ذلك، قد يكون من الصعب تحقيق مثل هذا الإجماع. على سبيل المثال، كشفت مقالتان في مجلة ساينتفيك أمريكان عن وجهات نظرٍ مختلفةٍ بشأن سلامة شبكات الجيل الخامس (5G). حيث نُشر أولاً مقالٌ بقلم "جويل موسكويتز" (Joel M. Moscowitz) يثير جدلاً بأنّ شبكات الجيل الخامس (5G) غير آمنة. في نفس الوقت، تؤكّد دراسةٌ أخرى بقلم "ديفيد روبرت غرايمز" أنّ المثاليّة الشخصيّة والدراسات منخفضة الجودة هما ما قادتا دراسة "موسكويتز" للوصول إلى هذه النتائج.

هل تعتبر شبكات الجيل الخامس (5G) آمنة؟

أجرت منظمة "أوفكوم" (Ofcom) البريطانية للاتصالات، إحدى أولى الدراسات في البلاد في مجال شبكات الجيل الخامس (5G). حيث قاموا بأخذ قياسات في 16 موقعاً مختلفاً في 10 مدن في المملكة المتحدة. أفادت شبكة بي بي سي الإخبارية بما يلي: "أظهرت نتائجهم أنّ الحدّ الأقصى للإخراج الإشعاعي كان 0.039 في المئة من حدود السلامة الرسمية".

يعتمد الإجماع العلمي حول أمان شبكات (5G) على البيانات المتوفرة لدينا حالياً. لذا، بالطبع، قد يتغير هذا في المستقبل.

إنّ كميّة الدراسات حول موضوع شبكات الجيل الخامس (5G) محدودةٌ حالياً نظراً لأنّ التقنية لا تزال قيد التنفيذ. هناك عددٌ قليل من المستخدمين والهواتف المتوافقة مع هذه التقنية أيضاً. ومع توفر تقنية شبكات الجيل الخامس (5G) على نطاقٍ واسع، سيكون هناك المزيد من الفرص للدراسات، والأهمّ من ذلك، البحث طويل المدى في التقنيات اللاسلكية.

استناداً إلى فهمنا الحالي، لا تمثل تقنية شبكات الجيل الخامس (5G) خطراً على صحة الإنسان.

إقرأ أيضاً: 10 حقائق عن كابلات شبكة الإنترنت تحت البحر

الشبكات اللاسلكية والسرطان:

الشبكات اللاسلكية والسرطان

أحد المزاعم القديمة حول الشبكة الجديدة هو أن شبكات (5G) قد تسبب السرطان، لذا يجدر إلقاء نظرة على هذه المزاعم.

السرطان هو نموٌّ لا يمكن السيطرة عليه لخلايا الجسم. يحتوي حمضنا النووي على تعليماتٍ حول كيفية تصرّف الخلية، والتحكم في نموّ الخلية أيضاً. إذا كان هناك تغييرٌ أو طفرةٌ في هذه الهياكل، فإن التعليمات تصبح غير صحيحة، مما يؤدي إلى نموٍّ وتكاثرٍ غير طبيعيٍّ الخلايا.

يمكن للإشعاع أن يتلف الخلايا، مما يؤدي إلى هذه الطفرات. هناك أنواع وطاقات متعددة من الإشعاع. إذا كان للإشعاع طاقةٌ كافية، فهو قادرٌ على التفاعل مع الذرات وفصل الإلكترونات، وهذا هو الإشعاع المؤين ويعتبر الأكثر خطورةً على البشر. على الرغم من الأضرار التي يمكن أن يلحقها الإشعاع المؤيّن، يتمّ استخدام الإشعاع المؤيّن أيضاً في العلاج الإشعاعي للسرطان.

أمّا الإشعاع منخفض الطاقة وغير المؤيّن فهو غير قادرٍ على التفاعل مع الذرات، وبالتالي هو غير قادرٍ على التأثير على خلايانا أيضاً. تندرج التقنيات اللاسلكية، مثل "واي فاي" (Wi-Fi) والراديو (Radio) وتقنية "إل تي إي" (LTE)، ضمن هذه الفئة من الإشعاعات، وينطبق ذلك على تقنية الجيل الخامس (5G) أيضاً. ومع ذلك، منذ إدخال الهواتف المحمولة في التسعينيات، كانت هناك اقتراحاتٌ بأنّ الإشعاع غير المؤيّن المنبعث من هذه الأجهزة اللاسلكية يمكن أن يضرّ بنا.

هل تسبب إشعاعات تقنية الجيل الخامس (5G) السرطان؟

تنصّ إرشادات منظمة الصحة العالمية لعام 2014 على أنّه: "...تمّ إجراء عددٍ كبيرٍ من الدراسات على مدى العقدين الماضيين لتقييم ما إذا كانت الهواتف المحمولة تشكل مخاطر صحية محتملة. لم يثبت حتى الآن وجود آثار صحيةٍ ضارّةٍ نتيجة استخدام الهاتف المحمول".

في حين أنّ هذا النوع من الإشعاع غير المؤين قد لا يسبب طفراتٍ مباشرة، فقد كانت هناك أيضاً دراساتٌ حول التأثيرات الأخرى لإشعاع التردد اللاسلكي. على سبيل المثال، يمكن أن يسبب إشعاع الترددات اللاسلكية منخفضة الطاقة زيادةً في درجة الحرارة. ومع ذلك، أظهرت التحقيقات في هذا الصّدد أيضاً أنّه لا توجد آثار ضارّة على صحتك نتيجةً لذلك.

كان هذا هو الحال في أستراليا، مثلما أفاد موقع ZDNet الإخباري، حيث وجد مشغّلو شبكات الهواتف اللاسلكية، أنّ شبكات الجيل الخامس (5G) لم تكن أكثر ضرراً من الأدوات المنزلية الأخرى مثل أجهزة مراقبة الأطفال (الكاميرات) وأجهزة الميكروويف.

إقرأ أيضاً: ما هي مخاطر الهاتف المحمول على الصحة؟

هل تقنية الجيل الخامس (5G) هي المستقبل؟

على الرغم من أنّه من الضروريّ توخي الحذر بشأن التقنيات الجديدة، إلا أنّه لا يوجد دليلٌ يشير إلى أنّ شبكات الجيل الخامس (5G) أكثر خطورةً من شبكات الجيل الرابع (4G) أو شبكات "واي فاي" (Wi-Fi) أو أيّ أنظمةٍ لاسلكيةٍ أخرى موجودةٍ اليوم. حتى ذلك الحين، فإنّ تأثير هذه الشبكات قابلٌ للنقاش، حيث خلصت معظم الدراسات إلى عدم وجود أدلةٍ كافيةٍ لإبلاغها بأنّ شبكات الجيل الخامس (5G) غير آمنة.

 

المصادر: 1، 2




مقالات مرتبطة