ما هي الصورة الذاتية، وكيف تغيرها من أجل حياة أكثر سعادة؟

لكلٍّ منَّا طريقته المختلفة للنظر إلى نفسه، حيث يثق بعضنا بنفسه، وبأنَّه يملك قدرات تتجاوز بكثير قدرات الآخرين الأقلَّ ثقة بأنفسهم وبقدراتهم.



عادة ما يرى هؤلاء أشياء إيجابية عندما ينظرون إلى أنفسهم في المرآة، على عكس الآخرين الذين لا ينظرون إلى أنفسهم بإيجابية؛ وتشكل كلُّ هذه العوامل المتشابكة التي تحدد طريقة رؤيتنا لأنفسنا ما يُسمَّى بـ "صورتنا الذاتية".

إنَّ صورتنا الذاتية هي وجهة النظر الشخصية التي نتبناها تجاه أنفسنا، والتي تصف خصائص مثل: الذكاء، والجاذبية، والمواهب، واللطف، والعديد من الصفات الأخرى.

لذا سنلقي في هذا المقال نظرة أعمق على ماهية الصورة الذاتية، وكيف يمكن أن نغيرها لنعيش حياة أكثر سعادة.

1. ما هي الصورة الذاتية؟

ترتبط صورتك الذاتية بطريقة رؤيتك لنفسك داخلياً وخارجياً على حدٍّ سواء.

لقد بالغ معجم "Random House Dictionary" -الذي يعتمد موقع Dictionary.com عليه كقاعدة أساسيّة- بوصفِ مفهوم الصورة الذاتية، وعرَّفها على أنَّها: "الفكرة أو التصور أو الصورة الذهنية التي يمتلكها المرء عن نفسه".

ما سبب أهمية الصورة الذاتية إذاً؟

تؤثر الصورة الذاتية في طريقة رؤيتنا لأنفسنا، وطريقة تفاعلنا مع الآخرين، وطريقة شعورنا تجاه محيطنا؛ فلها تأثيرٌ واسعٌ في حياتنا ككل.

للصورة الإيجابية عن الذات المقدرة والإمكانية على تعزيز سلامة قدراتنا الجسدية والعقلية والاجتماعية والعاطفية والروحية؛ في حين يمكن للصورة الذاتية السلبية أن تضعف سلامتنا في كلٍّ من هذه المجالات، وتقلل الرضا العام عن الحياة والأداء.

مفهوم الصورة الذاتية في مقابل مفهوم الذات:

يميل الكثير من الناس إلى الخلط بين الصورة الذاتية ومفهوم الذات، إذ يتشابه المصطلحان جداً؛ لذا فإنَّ الالتباس الحاصل فيما بينهما غير مستغرب، رغم وجود فارقٍ هامٍّ فيما بينهما، وهو:

إنَّ مفهوم الذات مصطلحٌ أوسع بكثير، ويتعلق بكيفية رؤيتك وتفكيرك وشعورك تجاه نفسك؛ بينما تعدُّ الصورة الذاتية جزءاً ممَّا يشكله المفهوم الأوسع للذات، وهي الكيفية والطريقة التي ننظر بها إلى أنفسنا، لا كيف ننظر أو نفكر أو نشعر تجاه أنفسنا.

الصورة الذاتية مقابل الهوية الذاتية:

كما هو الحال مع مفهوم الذات، فإنَّ الهوية الذاتية مصطلحٌ أوسع وأشمل من مصطلح الصورة الذاتية، وأفضل طريقةٍ للتمييز بين هذين المصطلحين المتقاربين هي أن نقول أنَّ الصورة الذاتية محددة، وتتعلق بجوانب مختلفة من رؤيتنا لأنفسنا؛ في حين تشكل كلُّ هذه اللمحات المختلفة التي نشعر بها عندما ننظر في المرآة هويتنا الذاتية.

إنَّ هويتنا الذاتية هي الصورة الكاملة للشخص الذي نعتقد أنَّنا عليه، وكيف يمكن أن نقدم أنفسنا للآخرين من حولنا.

إقرأ أيضاً: 7 خطوات لبلوغ الرضا عن الذات

2. أمثلة عن الصورة الذاتية:

يجب أن نلقي نظرةً سريعةً على بعض الأمثلة عن الصورة الذاتية للتأكُّد من فهمنا لهذا المصطلح جيداً.

يمكن أن يكون لديك كلٌّ من الصور الذاتية الإيجابية والسلبية، ويمكن حتى أن تمتلك كلا النوعان، وأن يختلفا فيما يتعلق بجوانب متعددة من صورتك الذاتية.

ما يمكننا استخلاصه من هذا غالباً هو أنَّه مع الصورة الإيجابية للذات، نحن نتعرَّف على أصولنا وصفاتنا وإمكاناتنا الشاملة؛ بالإضافة إلى أنَّها تسمح لنا بأن نتقبَّل نقاط ضعفنا وعيوبنا وقيودنا، وأن نكون منفتحين عليها.

وعلى النقيض، نميل مع الصورة الذاتية السلبية إلى التركيز أكثر بكثير على نقاط عيوبنا وضعفنا؛ فيكون تقبلنا لها أقل، ونُشَوّه هذه العيوب أكثر، ونجعلها سبباً في إخفاقاتنا.

لنلقي نظرة أولاً على بعض الأمثلة السلبية للصورة الذاتية، ومن ثمَّ نطرح العديد من الأمثلة الإيجابية:

أمثلة سلبية عن الصورة الذاتية:

عادة ما توصفُ صورة الذات بأنَّها سلبية عندما يكون لديك نظرة سيئة عن نفسك؛ فعلى سبيل المثال: قد يشعر الناس أنَّهم غير جذابين، أو أنَّهم غير مرغوبين أو غير أذكياء أو تعيسون.

ترتبط الصورة الذاتية السلبية بوجهة نظرنا التي تقول بأنَّ النسخة المثالية عن أنفسنا غير جيدة؛ وبالمحصلة، عادةً ما يكون شعورنا سلبياً تجاه أنفسنا عندما ننظر في المرآة.

قد يشكل هذا مشكلة؛ ذلك لأنَّ الصورة الذاتية المتدنية يمكن أن تؤدي إلى أمراض مثل الاكتئاب.

أمثلة إيجابية عن الصورة الذاتية:

الآن، يجب أن يكون تخيُّل الصورة الإيجابية عن الذات سهلاً جداً، فببساطة؛ ستكون الصورة الإيجابية للذات عكس الأمثلة التي قُدِّمت لك أعلاه، لذلك ستشير رؤية نفسك على أنَّك شخصٌ جذابٌ أو مرغوبٌ فيه أو ذكيٌّ أو سعيدٌ إلى أنَّك تجسِّد صورةً ذاتيةً إيجابية.

حتى لو شعرت بطريقةٍ ما بأنَّ صورتك المثالية عن نفسك قاصرة، فأنت لا تشعر بسلبيةٍ مفرطة حيال ذلك؛ هذا لأنَّك تملك كلَّ هذه المشاعر الإيجابية تجاه نفسك.

ببساطة شديدة، عندما تنظر في المرآة إلى انعكاسك، فأنت تختبر مشاعر إيجابية.

3. كيف نطور الصورة الذاتية؟

تشبهنا صورتنا الذاتية من حيث أنَّها ليست ثابتةً بأيِّ حالٍ من الأحوال؛ فهي تتكيف وتتطور مع تقدمنا ​​كأفراد، ومن خلال تفاعلاتنا مع الآخرين.

فعلى سبيل المثال: عندما نمتلك مهارات وقدرات معينة، ونتعلم وننمو؛ فمن المرجح أن ننظر إلى أنفسنا على أنَّنا أشخاص يمتلكون المقدرة والكفاءة، حيث تقيِّم صورتنا الذاتية باستمرار هذا النوع من المعلومات والمواقف التي نحملها تجاه أنفسنا.

مثال آخر قد يكون مرتبطاً بمظهرنا الجسدي: تخيل أن تكتسب بضعة كيلوغرامات من الوزن خلال الشتاء، لابد أنَّ ذلك سيؤثر سلباً في صورتك الذاتية؛ وعلى النقيض من ذلك، تخيل الآن أنَّك حافظت على روتينٍ رياضيٍّ منتظمٍ وأصبحت بأفضل هيئة حصلت عليها في حياتك. هذا مثالٌ جيد، ومن المحتمل أن تنحو الصورة الذاتية لأنفسنا نتيجة التزامنا ببرنامجٍ رياضيٍّ منحىً إيجابياً.

لكن لا يتعلق الأمر بالأشياء التي نفعلها لأنفسنا وتؤثر في صورتنا الذاتية فحسب؛ ذلك لأنَّها يمكن أن تتأثر أيضاً بتفاعلاتنا وعلاقاتنا مع الآخرين.

على سبيل المثال: إذا كنت تتفاعل بانتظامٍ مع أشخاص داعمين ومشجعين لك، فمن المرجح أن تطوِّر صورةً ذاتيةً إيجابيةً مقارنةً مع الصورة السلبية التي تطوِّرها بتفاعلك المنتظم مع أشخاص سلبيين وغير داعمين؛ ويمكن لهذه العلاقات أن تعزز الأشياء التي نراها عندما ننظر في المرآة، بغضِّ النظر عمَّا إذا كانت وجهة نظرنا عن أنفسنا مشوَّهة تماماً أم لا.

إقرأ أيضاً: 7 طرق لتحافظ على الإيجابية إذا كنت محاطاً بالأشخاص السلبيين

4. كيف ننشئ صورة ذاتية إيجابية؟

نحن ندرك الآن أنَّ صورتنا الذاتية ليست ثابتة، وتتأثر بالعديد من جوانب حياتنا المختلفة؛ لذا سنتحدث عن الطريقة التي يمكننا من خلالها العمل على إنشاء صورة ذاتية إيجابية.

ليس هناك حلٌّ سحريٌّ ينجح مع الجميع ويساعدهم في تحسين صورتهم الذاتية، وتتمثل الخطوة الأولى لتحقيق ذلك دائماً في تعلُّم قبول وحب أنفسنا.

يمكنك البدء بإعداد قائمةٍ بصفاتك الإيجابية، وتحديد الأشياء التي تريد تحسينها، وجعلها أهدافاً معقولة وقابلة للتنفيذ، ووضعها في مكانٍ يمكنك مشاهدتها فيه وتذكرها بانتظام؛ ومن ثمَّ العمل على تحقيقها.

شجع نفسك بالكثير من العبارات الإيجابية في أثناء تطوير نقاط القوة هذه، وركز على الأشياء الجيدة؛ فأنت تريد الامتناع من خلال هذه العملية عن مقارنة نفسك بالآخرين.

تذكر أنَّ تعلم أنّ حبّ الذات يستغرق وقتاً طويلاً؛ فأنت شخصٌ فريدٌ من نوعه يختلف عن غيره، وتتمتع بنقاط قوة وضعف فريدة تخصُّكَ وحدك فقط، ولقد قطعت شوطاً طويلاً من حيث بدأت؛ لذا قدِّر هذا واستخدمه لتحفيز نفسك للمُضِيِّ قُدُمَاً.

بمجرد أن تكون على المسار الصحيح، قد تشعر برغبةٍ في الاستثمار أكثر لتحسين صورتك الذاتية؛ فإذا وجدت نفسك في هذه المرحلة، فهناك تمرينات يمكنك ممارستها لتعزيز صورتك الذاتية، منها:

1. وضع قائمة بالأشياء التي تحبها في نفسك:

هذا تمرينٌ بسيطٌ، ولكنَّه فعَّال. قد تجد الأمر صعباً في البداية؛ ولكن عندما تنخرط في الأمر، سيصبح أسهل بكثير.

يمكن أن تتضمن قائمة الأشياء التي تحبها في نفسك بعضاً من الصفات المفضلة، إذ ربَّما تعتقد أنَّك ذكي، أو جذاب، أو مضحك؛ كما يمكن أن تتجاوز صفاتك أيضاً، فربَّما تريد أن تدرج بعض مهاراتك الشخصية المفضلة، والتي قد تكون أشياء مثل أن تكون رياضياً أو فنياً.

سيساعدك إعداد قائمة السمات والمهارات الإيجابية هذه في التركيز أكثر على الجوانب الإيجابية لصورتك الذاتية، كما سيساعدك تعلم التركيز على هذه الأشياء وتقديرها على تحسينها أيضاً.

2. إنشاءُ قائمة بلحظات حياتك التي تفتخر بها:

هذا تمرينٌ رائعٌ آخر يمكنك المشاركة فيه لمساعدتك في التركيز أكثر على الأشياء التي تمكَّنت من تحقيقها في حياتك بالفعل. نحن ننسى أحياناً كم أنَّنا مدهشون كأفراد؛ لذا ستساعدك هذه القائمة على تذكر هذا.

يمكن أن تتضمن هذه القائمة أشياء كبيرة مثل: الفوز بالمسابقات الكبيرة، أو نيل الاعتراف بمساهمةٍ كبيرةٍ منك، أو إنجازٍ عالي المستوى كنت تعمل من أجله لفترة طويلة؛ كما يمكن أن تكون أيضاً أشياء أصغر مثل: تعلم أن تكون اجتماعياً، أو أن تكون شخصاً يكمل مهامه.

قد ترغب أيضاً في التفكير في طريقة مواجهتك للتحديات والعوائق في حياتك، وكيف ساعدتك مهاراتك في التغلب عليها.

لاحظ كيف أنَّك عملت لتحقيق هدفك في هذه المحنة، وكوفئت بعد ذلك بجني ثمار عملك؛ لذلك احرص فقط على أن تذكرك إنجازاتك ولحظات شعورك بالفخر بحياتك بما لديك لتقدمه لهذا العالم، وبما يمكنك القيام به عندما تعقد العزم.

3. كتابة مجموعة من أسباب تقديرك للحياة:

هذا هو التمرين الأخير الذي يجب أن تتعلمه، وهو تمرينٌ جيد. ترى الكثير من التمرينات المماثلة الآن في أشياء مثل مذكرات الامتنان التي تجعلك تفكر في بعض الأشياء اليومية التي أنت مُمْتَنٌّ لوجودها.

ستنشئ أساساً في هذا التمرين قائمةً أخرى، لكنَّ هذه القائمة ستكون أكبر بكثير من سابقتيها؛ لذا تأكد من أنَّ لديك القليل من الوقت لإكمال هذا التمرين.

هدفك هنا هو كتابة -على الورق- قائمة شاملة ووافية لجميع الأشياء التي تشعر بالامتنان لوجودها في حياتك الآن، حيث سيبتكر كلُّ شخصٍ قائمة فريدة؛ ذلك لأنَّ لكلِّ شخص حياة مختلفة، وأشياء مختلفة يشعر بالامتنان لوجودها.

بمجرد الانتهاء من القائمة، جزِّء كلَّ عنصرٍ وضعه في وعاءٍ من نوع ما، وكلَّما شعرت أنَّك بحاجةٍ إلى تعزيز صورتك الذاتية قليلاً، اذهب واسحب أحد أسباب تقديرك للحياة من المجموعة التي صنعتها واقرأه.

يمكنك اختيار القواعد التي تناسبك؛ فربَّما تُبعِد عنصراً ما من المجموعة بعد قراءته، أو ربَّما تفضل إعادته إلى المجموعة؛ وربَّما تريد أن تقرأ شيئاً أو شيئين يومياً، أو ربَّما تفضل أن تمد يدك وتسحب واحدةً عشوائياً عندما تريد ذلك.

القواعد مرنة، والأمر متروك لك لسنِّها؛ فهذه مجموعتك الخاصة، وكلُّ ما يهم هو أن ينتهي بك الأمر بوضع مجموعةٍ من أسباب الامتنان التي يمكن أن تساعدك قليلاً في تعزيز صورتك الذاتية كما ترغب.

أفكار أخيرة:

لقد كان هذا حديثاً طويلاً إلى حدٍّ ما حول الصورة الذاتية؛ وما يهمُّك أكثر من كلِّ ما سبق هو أن تدرك أنَّ صورتك الذاتية ليست دائمة، وأنَّها مفهومٌ ديناميكيٌّ يختلف عندما تنمو وتتطور وتتغير الطريقة التي ترى بها نفسك؛ لذلك لا تسمح لنفسك بأن تعلق داخل صورةٍ ذاتيةٍ سلبية، واعلم أنَّ لديك الآن الأدوات اللازمة لتغيير صورتك الذاتية للأفضل، وأنت مدينٌ بذلك لنفسك.

 

المصدر




مقالات مرتبطة