ما هي الحرية المالية؟ وكيف يمكن الوصول إليها؟

يقول السير فرانسيس بيكون: "المال نِعْمَ الخادم، وبِئسَ السيد"، ويقول الكاتب والمتحدِّث الأمريكي "أنتوني روبنز" في كتابه "المال سيِّد اللعبة": "قد يكون المال بالنسبة إلى بعضنا شيئاً ضرورياً ومصيرياً، ولكنَّه ليس أهم شيء؛ بل إنَّه مجرد أداة ومصدر قوة يُستَخدَم لخدمة الآخرين، وخدمة الحياة التي نعيشها بشكلٍ مُرْضٍ. لكن، هناك في المُقابل من يستنزفهم تعطُّشهم إلى المال، لدرجة أنَّه يدمِّرهم ويُدمِّر مَن حولهم جميعاً، حتَّى أنَّ بعضهم قد يكون مُستعداً للتضحية بأشياء أكثر قيمة منه بكثير لمجرَّد الحصول عليه، مثل: صحَّتهم، ووقتهم، وعائلتهم، وقِيَمَهم الشخصية، وحتَّى نزاهتهم أحياناً".



رغم اختلاف وجهات النظر حول أهمية المال وكونه وسيلة أو غاية بحدِّ ذاته، إلَّا أنَّ هناك حقيقة واحدة، وهي أنَّ هذا العالم لا يُمكن أن يتحرَّك من غير المال، وأنَّنا جميعاً نسعى بشكلٍ أو بآخر لنحصل عليه؛ فإمَّا أن نستخدمه، أو يستخدمنا؛ أو أن نتحكَّم به، أو يتحكَّم هو بنا بشكلٍ من الأشكال؛ لكن انتظر دقيقة:

ماذا لو لم يكن المال هامَّاً؟ كيف ستشعر لو أنَّك لن تقلق إزاء ذهابك إلى المكتب للعمل كلَّ صباح، أو دفع الفواتير، أو أقساط أطفالك المدرسية؟ كيف ستبدو الحياة في حال عشتها وفقاً لشروطك الخاصة؟ وكيف يُمكنك أن تعيش حياتك إذا كان بإمكانك الاستيقاظ كلَّ يوم ومعرفة أنَّك ستحصل على قدرٍ من المال لن يُغطِّي احتياجاتك الأساسية فحسب، بل أهدافك وأحلامك أيضاً؟ ماذا لو عملت لأنَّك تريد أن تعمل، لا لأنَّك مُجبَر عليه؟

نعم، هذا بالضبط ما يُطلَق عليه (الحرية المالية)؛ لكن، هل يمكننا تحقيقها حقاً كأشخاص عاديين؟ وما الوسيلة لذلك؟

سنتناول في مقالنا اليوم موضوع الحرية المالية، ونشرح ماهيتها، وطرائق الوصول إلى تحقيقها؛ لذا تابعوا معنا.

ما المقصود بالحرية المالية؟

ليس هناك من تعريفٍ مُحددٍ وواضح لمصطلح الحرية المالية، ولكن هناك العديد من المفاهيم المرتبطة بها، حيث ذهب بعضهم إلى أنَّها: امتلاك الشخص لثروةٍ شخصيةٍ كافيةٍ للعيش دون حاجته إلى العمل بشكلٍ متواصل لتأمين الضروريات الأساسية؛ إذ يكون الشخص حُرَّاً مالياً إذا كان يتمتع بقدرٍ وفيرٍ من الاستقلال المادي نتيجة بعض الأصول أو التدفقات النقدية التي تزيد عن مصاريفه.

أيضاً، يمكن شرح الحرية المالية بكونها تعني الاستقلال المالي، وأن يكون لدى الشخص مصادر دخل مضمونة تُحقِّق له دخلاً أعلى من مصاريفه الشخصية، فلا تتأثر مصادر دخله مهما زادت مصروفاته، ولا يحتاج إلى العمل أو إلى الاعتماد على الآخرين مادياً.

قد يستمر الكثيرون منَّا في العمل؛ ذلك لأنَّ هذا ما تعوَّدناه؛ فنحن نريد العمل حقاً، لا لأنَّنا مجبرون عليه، أو لأنَّ المال هدفٌ نسعى إليه؛ بل لأنَّنا نرغب من خلاله في تحقيق السعادة والثروة والرضا الذاتي؛ وهذا ببساطةٍ ما يعنيه الاستقلال المادي.

في حال حدث وأصبحت حُرّاً مالياً، سيمنحك ذلك وقتاً كبيراً لتنفقه كيفما تشاء؛ سواءً في ممارسة هواياتك المحبَّبة، أم في السفر حول العالم، أم حتَّى في امتلاك الفرصة لبدء عملك الخاص.

إقرأ أيضاً: كيف تبني ثروة من عملك الخاص وتصبح غنياً؟

كيف يمكن الوصول إلى الحرية المالية؟

1. اتخذ أهمَّ قرارٍ ماليٍّ في حياتك (ادخر):

تعدُّ هذه من الخطوات البسيطة لتحقيق الحرية المالية التي قدمها الكاتب أنتوني روبنز في كتابه (المال سيد اللعبة)؛ وذلك بناءً على عملٍ بحثي موسَّع، ومقابلات مع أكثر من خمسين شخصاً من المليارديرات العصاميين وعمالقة سوق المال قام بها معهم أنتوني روبنز.

يقول أنتوني: "انظر إلى الأمور من هذا المنظور: أنت بمثابة صرَّافٍ آليٍّ من نوعٍ آخر. قد يُذكِّرك ذلك بنوع التجارة الخاسرة التي تقول: "اعمل مقابل الحصول على المال"، والتي تضع بناءً عليها نظاماً جديداً لنفسك، تستبدل بمقتضاه الأمور ذات القيمة الأكبر (الوقت) بما تحتاج إليه أكثر (الدخل). إذا رأيت أنَّ هذا الكلام ينطبق عليك، فتأكَّد أنَّك ستكون الطرف الخاسر في هذه الصفقة؛ فإذا توقَّفت عن العمل، فستتوقَّف عن جني الأموال؛ لهذا دعنا نَخرُج من هذه المعادلة، ونبحث عن أسلوبٍ بديل، ونجعل آلة النقود بديلاً لك، ونبحث عن طريقة لجعلها تجني النقود وأنت نائم. فكِّر بالأمر كأنَّه عمل إضافي دون موظفين أو رواتب أو نفقات عامَّة، وأنَّ كلَّ ما تحتاج إليه هو مخزون "النقود" الذي ستضعه في هذه الآلة، لتحصل في النهاية على تدفق نقدي مُتجدد لا ينضب أبداً، حتَّى وإن عشت مئة عام.

كلُّ ما تحتاج إلى فعله هو تشغيل هذه الآلة، فهي لا تستطيع أن تعمل حتَّى تتخذ أنت القرار المالي الأهم في حياتك كلِّها، والذي يتعلق بهذا الكم من راتبك الذي ستُقرِّر الاحتفاظ به.

اسأل نفسك: كم ستدفع لنفسك قبل أن تُنفق دولاراً واحداً على نفقات المعيشة اليومية؟ وما المبلغ الذي ستقرِّر عدم الاقتراب منه مهما حدث في حياتك؟ أريد منك حقاً أن تفكر بجدية في هذا الرقم؛ ذلك لأنَّ الجزء المُتبقي من حياتك يتوقف على قرارك بالاحتفاظ بنسبةٍ من دخلك اليومي كي يتوفر لك المال دوماً في المستقبل.

إنَّ هذا المبلغ الذي ستقرر الاحتفاظ به جانباً هو أساس خطَّتك المالية كلِّها؛ لذا لا تُفكِّر فيه باعتباره مدَّخرات، بل باعتباره صندوق الاستقلالية المالية خاصتك؛ فهو سيمنحك استقلالك المالي في وقتك الحالي وفي المستقبل".

الخلاصة: التزم بادخار نسبة بسيطة وثابتة من راتبك الشهري، واقتطاع هذا الجزء من دخلك كلَّ شهر، ووضعه في بيئةٍ آمنة؛ وتعهَّد على تحقيق ذلك مع توفير نسبة أكبر في المستقبل مع زيادة الأجر الذي تتقاضاه؛ فكلَّما زاد أجرك، ارتفعت النسبة تلقائياً إلى نسبة أكبر قليلاً؛ وتذكَّر دائماً مقولة: "جزء من كلِّ ما أجنيه هو ملكي لأحتفظ به".

يقول الخبراء أنَّه من الأفضل أن تُخطِّط للادخار بحدٍّ أدنى 10% من راتبك الشهري، رغم أنَّه قد يكون من الأفضل في وضعنا الاقتصادي الحالي اقتطاع نسبة 15%.

ستتمكَّن من الاستفادة من قوة الادخار المتراكم، وتسمح لها بالتحليق في السماء؛ إذ قد تجعلك نسبة بسيطة تقترب من الأرقام التي مكَّنت "ثيودور جونسون" -مؤسِّس شركة يو بي إس- من تكوين ثروة هائلة؛ فهي نسبة تحقق نتائج حقيقية، وقد ثبت صحَّة هذا مراراً وتكراراً.

شاهد بالفيديو: كيف تضع ميزانية تساعد على الادّخار؟

2. تخلَّص من ديونك:

أهمُّ خطوة نحو تحقيق استقلالك وأمانك المالي، هي أن تتخلَّص من كلِّ ما يثقل كاهلك من ديون متراكمة؛ حيث يضع وجود ديون أو التزاماتٍ مالية مُستَحَقَّة في ذمَّتك لأشخاصٍ أو جهاتٍ -عدا مصروفاتك الشخصية- قراراتك تحت وطأة القيود، ويجعل استفادتك من أموالك محدودة؛ لذلك عليك جدولة الديون المُستَحَقة وحجم كلٍّ منها، ومن ثمَّ تحديد خطة زمنية عاجلة وذات وقتٍ مُحدد -مثلاً: ستَّة أشهر، أو سنة، أو أقل من ذلك- لسداد هذه الديون، سواءً بدأت بسداد الدين الأكبر ومن ثمَّ الأصغر، أم العكس؛ وذلك وفقاً لظروفك ولمصدر الدين.

على سبيل المثال: إذا كان الدين لبنك، فغالباً ما يترافق مع فائدة تبدأ بالتراكم عليك؛ لذا من الهام أولاً في هذه الحالة أن تبدأ سداد هذا الدين مهما كان حجمه؛ أمَّا في حال كان الدين لشخصٍ ما أو أقساط سيارة أو منزل أو جمعية دون فوائد، فتستطيع في هذه الحالة سداد الديون الأصغر فالأكبر، الأمر الذي سيمنحك حافزاً وشعوراً بالإنجاز والراحة.

3. تجنَّب أخذ القروض وبريق بطاقات الائتمان:

من الخطوات الأساسية نحو تحقيق حريتك المالية، هو أن تتجنَّب ما أمكن أخذ القروض ذات الفوائد الكبيرة من البنوك، أو الاعتماد على بطاقات الائتمان التي تمنحك شعوراً وهمياً بالراحة المالية في حين أنَّها تُغرِقك في الديون؛ ذلك لأنَّ الاعتماد على القروض وبطاقات الائتمان يبعدك عن الأمان والاستقلال المالي، وتصبح بدلاً من ذلك مثقلاً بديون هائلة تتضخَّم مع الوقت؛ حتَّى تصل إلى مرحلة لا تتمكَّن فيها من السيطرة على حياتك المالية.

في حال كنت قد بادرت بأخذ قرض، فيجب عليك الحذر من المخاطرة بشكلٍ كامل، ودراسة خياراتك في كيفية استثمار هذه الأموال؛ فمثلاً: إذا أخذت هذه القروض من المصارف، ووضعتها في سوق الأسهم الذي لا تعرف أيَّ شيءٍ عن آلية الربح فيه؛ فقد تخسر كلَّ أموالك بطرفة عين، وتصبح مديناً للبنك؛ لذلك يجب أن تُفكِّر ألف مرةٍ قبل الدخول في أيِّ مخاطرة.

4. استثمر في نفسك:

هذه أيضاً إحدى نصائح أنتوني روبنز في كتابه (المال سيِّد اللعبة) في سبيل الوصول إلى الحرية المالية، حيث يُشير إلى أنَّ سر النجاح الاقتصادي يكمن في فهم كيف تصبح ذا قيمة أكبر في السوق، إذ يقول:

"لكي تمتلك أكثر، عليك ببساطة أن تصبح أكبر. لا تتمنَّ أن يكون الأمر أسهل، بل تمنَّ أن تكون أنت أفضل؛ فلكي تتغيَّر الأمور، عليك أن تتغيَّر أنت؛ ولكي تتحسَّن الأمور، عليك أنت أن تتحسَّن".

نحن نتلقى مالاً مُقابل إضافة قيمة إلى السوق، لا مُقابل الوقت؛ فكيف نصبح ذوي قيمة أكبر حقاً؟ ينبغي أن نتعلَّم أن نعمل على أنفسنا بجدٍّ أكبر ممَّا نعمل على وظائفنا.

يشير وارن بافيت إلى أنَّ الاستثمار الأقوى الذي قام به في حياته -والذي يمكن لأيِّ شخص أن يقوم به- هو الاستثمار في نفسه.

إقرأ أيضاً: أربعة أسباب تجعلك تستثمر في برامج تطوير الذات

5. تحكم بنفقاتك ولا تجعلها تتحكَّم بك:

وذلك من خلال تطبيق قاعدة "أنفق أقلَّ ممَّا تكسب، واستثمر الفارق"، والتي تعد أحد دعامات الحرية المالية، وتقوم على تخصيص نسبة محددة من دخلك لتعيد استثمارها، وألَّا تنفق كلَّ ما تكسبه.

إنَّ معظم الناس في الحقيقة غير قادرين على التحكم بنفقاتهم، ويميلون إلى إنفاق كلِّ ما يقبضوه تحت ذريعة عدم كفاية المدخول الشهري، وبالتالي تصبح حياتهم تحت رحمة نفقاتهم التي تستهلك كلَّ ما يجنونه؛ كما ويعاني معظم الناس أيضاً من مشكلة عدم امتلاك خطة إنفاق واضحة، فيعيشون فوق مستوى إمكانياتهم الفعلية، ما يؤدي إلى تراكم الديون على المدى البعيد، أو عدم القدرة على مواجهة الحالات الطارئة والأمور العارضة.

6. استثمر وخاطر بالقليل لتجنِّي الكثير، وراقب ونوِّع استثماراتك:

يعدُّ الاستثمار من أفضل الطرائق المعقولة لزيادة رأس المال والوصول إلى الحرية المالية، وغالباً ما ينطوي أيُّ استثمار على مخاطرة من نوعٍ ما؛ لذلك فإنَّك تحتاج إلى استثمارات آمنة تحقِّق سنوياً ما لا يقل عن 4% من الأرباح لتغطي قيمة مصروفاتك السنوية؛ وكلَّما زادت تجاربك في هذا المجال، زادت خبرتك وحكمتك.

يقول أنتوني روبنز لنا أيضاً في كتابه (المال سيد اللعبة): "حتَّى مديرو أكبر الشركات الاستثمارية في العالم الذين تعتقد أنَّهم قد يرتاحون للمخاطرة، يركزون في الحقيقة بشدة على حماية أسعار أسهمهم من الهبوط؛ لذلك خاطر بالقليل، لتجني الكثير؛ فبينما يحاول معظم المستثمرين العثور على طريقة لتحقيق عوائد جيدة، يبحث كلُّ هؤلاء المشاهير -بلا استثناء- عن أمر مختلف تماماً، وهو إصابة الهدف؛ فهم يعيشون للكشف عن الاستثمارات التي يمكنهم المخاطرة فيها بالقليل وجني الكثير، ويطلقون على ذلك (التباين بين المخاطر والعوائد)".

إذا أردت الاستثمار، فينصحك أنتوني روبنز أن تترقَّب وتنوِّع استثماراتك؛ إذ يترقَّب أفضل المستثمرين حتى يجدوا فرصة التباين بين المخاطرة والعوائد، ويُجرون الأبحاث اللازمة حتى يتأكَّد حدسهم أنَّهم كانوا على حق -إلَّا إذا كانوا مخطئين بالطبع- ويتوقعون الفشل فينوعون استثماراتهم؛ ذلك لأنَّ كلَّ المستثمرين العظماء يضطرون في نهاية المطاف إلى اتخاذ قرارات بمعلومات محددة.

 

المراجع: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة