ما هي الأشياء التي تشترك فيها فِرق العمل الرائعة؟

قد تكون فكرة تأسيس شركة تضم أشخاصاً مختلفين للتعاون في مشروع هي أعظم فكرة في تاريخ البشرية، فمن خلال الشركات تمكَّنَّا من بناء وخلق قيمة أكبر مما يمكن لأي فرد أن يتخيله بمفرده، والشركات مبنية على الفِرق.



 لذا يجدر طرح السؤال: ما هو العامل المشترك بين الفِرق الرائعة؟ وما الشيء المشترك للفِرق التي تضيف قيمة ثابتة؟ وما الشيء الذي تمتلكه الفِرق التي يتجاوز أداؤها التوقعات وتفتقر إليه الفِرق ذات الأداء الضعيف؟

حسب الدراسات، هناك ثلاثة أشياء تشترك فيها الفِرق الرائعة:

  • التنوع الفكري.
  • السلامة النفسية.
  • هدف يستحق الكفاح من أجله.

في هذا المقال، سنتعمق في كل عنصر من هذه العناصر الثلاثة، بغض النظر عن نوع الفريق الذي تعمل فيه - في المكتب أو عن بعد أو هجين - فإنَّ هذه العوامل لها الأهمية نفسها، سواءً كنت تجتمع في مكتب اجتماعات أم عن بعد عبر "زووم" (Zoom) أم مكالمة "سكايب" (Skype)، فأنت بحاجة إلى هذه العناصر الثلاثة لتُكونِّ فريقاً رائعاً:

1. التنوع الفكري:

أول شيء تشترك فيه الفِرق الرائعة هو التنوع الفكري، ففي عالم الشركات، يُستخدَم مصطلح "التنوع" بشكل أساسي للإشارة إلى التنوع العرقي أو القائم على نوع الجنس، ومع ذلك، فإنَّ التنوع الفكري يذهب إلى نطاق أوسع بكثير من ذلك، ويتضمن جميع جوانب آراء وخبرات ووجهات نظر الشخص أو المجموعة.

يميل الأشخاص الذين ينتمون إلى خلفيات مختلفة أو الذين لديهم تجارب حياتية مختلفة إلى أن تكون لديهم وجهات نظر مختلفة، فعندما تعمل مجموعة من الأشخاص المختلفين معاً، فإنَّهم يميلون إلى أن يكونوا أكثر قدرة على حل المشكلات من الأشخاص الذين يفكرون بالطريقة نفسها ولديهم تجارب مماثلة.

في النهاية، مهمة الفريق هي حل المشكلات، وإذا كان الجميع ينتمون إلى الخلفية نفسها وتلقُّوا تعليماً مماثلاً ومروا بالتجارب العرقية أو القائمة على نوع الجنس نفسها، فإنَّ الأفكار التي يولِّدونها تميل إلى أن تكون هي نفسها، ولكن عندما تتنوع هذه العناصر كلها داخل أعضاء الفريق، فإنَّ نطاق الأفكار المحتملة التي يولدونها سيكون أوسع بكثير، ويصبح العثور على الفكرة الصحيحة التي تعمل على حل المشكلة أكثر احتمالاً.

أظهرت دراسة أُجرِيَت عام 2011 بشكل بسيط وواضح كيف يمكن أن يخلق التنوع بين الجنسين تنوعاً فكرياً أكبر ومن ثم قيمة أكبر؛ حيث نظر الباحثون إلى العديد من الفِرق المختلفة، ووجدوا أنَّه عندما يضم فريق عدداً أكبر من النساء، فإنَّه يتخذ قرارات أفضل، وينطبق هذا على أي مقياس آخر للتنوع تقريباً طالما استمر في توفير التنوع الفكري الأساسي، ويُعَدُّ هذا التنوع جزءاً أساسياً من المعادلة الكامنة وراء الفِرق الرائعة، ولكنَّه ليس الوحيد.

إقرأ أيضاً: 3 طرق لجعل مؤسستك أكثر ترحيباً بالجميع

2. السلامة النفسية:

على الرغم من أنَّ معظم الشركات تدرك أنَّها بحاجة إلى السعي إلى تحقيق التنوع الفكري، إلَّا أنَّ العديد من الفِرق تعاني مع حقيقة أنَّه على الرغم من تنوعها الفكري، لا يشعر جميع الأعضاء بالحرية في مشاركة أفكارهم، ولا حتى المساهمة بشكل كامل.

من هنا تبرز الحاجة إلى السلامة النفسية، فهي المقياس لمدى الحرية التي يشعر بها أعضاء الفريق بمشاركة أفكارهم وخبراتهم وأنفسهم بالكامل مع بعضهم بعضاً، وهذا لا يؤثر فقط في الأفكار التي تساهم بها وتناقشها؛ بل يؤثر أيضاً في مدى رغبة الناس لتحمُّل المخاطر والاعتراف بأي خطأ؛ إذ تجعل السلامة النفسية أعضاء الفريق مستعدين استعداداً أكبر لتقديم أفكار رائعة يمكن أن تقود الفريق في اتجاه جديد ومختلف؛ مما قد يؤدي إلى زيادة مهارة الفريق.

قادت "إيمي إدموندسون" (Amy Edmondson) الأستاذة في "جامعة هارفارد للأعمال" (Harvard Business School)، دراسة تأسيسية للسلامة النفسية؛ حيث فحصت "إدموندسون" (Edmondson) الممرضات المسؤولات في طوابق مختلفة من المستشفى، وسرعان ما لاحظت شيئاً مثيراً للاهتمام، فغالباً ما كان لدى الممرضات المسؤولات اللواتي حُكِمَ عليهن من قِبل فِرقهن على أنَّهن قادة أفضل معدلات أعلى من الأخطاء الموثقة من الممرضات المسؤولات اللواتي حُكِمَ عليهن على أنَّهن قادة أسوأ.

ولدى توسعها في البحث، اكتشفت التفسير: لقد خلق القادة الأفضل بيئة قائمة على السلامة النفسية؛ لذلك شعرَت ممرضاتهم بالحرية في الاعتراف بالأخطاء وتلقِّي التصحيحات، والأكثر من ذلك، استفاد الجميع من التعلم الذي جاء من الأخطاء التي كُشِفَ عنها.

وعلى خلاف ذلك، لم يُوفِّر القادة من ذوي الأداء الضعيف بيئة قائمة على السلامة النفسية؛ لذا شعرَت ممرضاتهم بأنَّهم اضطروا إلى إخفاء أخطائهم، وإلى جانب الآثار الأخلاقية الواضحة، ترك هذا أيضاً أشخاصاً في تلك الفِرق محرومين من التعلم منها.

فقط عندما يكون لدينا بيئة تدعم السلامة النفسية وعندما نشعر أنَّه يمكننا المساهمة بإخلاص دون تجاهل أو انتقاد، يمكننا المخاطرة والاعتراف بالأخطاء، فالسلامة النفسية هي ما يسمح فعلاً للفريق بالاستفادة من تنوعه الفكري.

يسير التنوع الفكري والسلامة النفسية جنباً إلى جنب لجعل الفِرق الجيدة رائعة، لكنَّ هناك عاملاً آخر.

إقرأ أيضاً: 8 خطوات تساعدك على تحقيق السلامة النفسية

3. هدف يستحق الكفاح من أجله:

العنصر الثالث والأخير الذي تشترك فيه الفِرق العظيمة هو هدف يستحق الكفاح من أجله، فلقد عرفنا منذ أكثر من 20 عاماً أهمية الرؤية المشتركة والرسالة المشتركة والهدف المشترك في تعزيز أداء الفريق.

ومع ذلك، في كثير من الأحيان، يمكن أن تكون بيانات رسالة الشركة أو بيانات الهدف غامضة للغاية؛ حيث لا يمكن لفِرق معينة استيعابها وتطبيقها على عملها اليومي، وكونها غامضة، فهي لا تقدم أحد العوامل الرئيسة التي تجعل المجموعة تتعاون من أجل تحقيقه، وهو الهدف الفرعي.

لا يكفي أن يكون لديك هدف يعمل الناس من أجله؛ حيث إنَّ الفِرق الرائعة لديها هدف تقاتل من أجله، ففي الدراسات حول الأسباب التي تجعل الأفراد ينضمون إلى الثورات المسلحة وحركات التمرد والمنظمات الإرهابية، وجدَت مجموعة الأبحاث "أرتيست إنترناشيونال" (Artist International) أنَّه في الأوضاع الحرجة يسمو الهدف الذي نعمل على تحقيقه في المستقبل، إلى مستقبل نكافح من أجله.

وهنا يحدث أمران حاسمان؛ الأول، هو الارتقاء بالقيم الأساسية إلى القيم المقدسة، عندما يكون هناك شيء يستحق الكفاح من أجله، فهو أكثر من هام، وإنَّه أمر مقدس، ويتحول عمل الناس اليومي من عمل يحتاج إلى القيام به، إلى عمل مطلوب للدفاع عن تلك القيم أو لنشرها بشكل أكبر.

والثاني، هو أنَّ أعضاء الفريق يكتسبون إحساساً أقوى بهوية المجموعة؛ إذ إنَّ الكفاح نفسه يحدد المكافحين، ويربطهم ببعضهم بعضاً؛ ونتيجة لذلك، ينتهي بهم الأمر بالعمل من أجل بعضهم بعضاً بقدر ما يعملون من أجل المهمة.

الهدف والرسالة والرؤية كلها أمور هامة للغاية، ولكن عندما تنظر إلى الفِرق الرائعة التي تخلق باستمرار القيمة أو تلك التي تغيِّر العالم، فعادة ما يقولون إنَّ هدفهم يستحق الكفاح من أجله، ولتلخيصِ ذلك؛ تحتوي الفِرق الرائعة على ثلاثة عناصر رئيسة: التنوع الفكري، والسلامة النفسية، وهدف يستحق الكفاح من أجله.

بالطبع، نادراً ما تتوفر هذه العناصر تلقائياً؛ حيث تتطلب هذه الجوانب القيادة، إما قيادة فرد أو مجموعة من الأشخاص الذين يقودون معاً فريقاً، فتحتاج الفِرق إلى قادة يدركون متى تكون هناك حاجة إلى مزيد من التنوع الفكري، والذين يبنون السلامة النفسية داخل المجموعة، والذين يأخذون على عاتقهم مهمة تنظيمية ويحولونها إلى قضية تستحق الكفاح من أجلها.

المصدر




مقالات مرتبطة