ما هي الأسباب الكامنة وراء المشكلات العاطفية بين الحبيبين؟

نسعى جميعاً إلى عيش تجربة عاطفيّة مميَّزة وناجحة، فلطالما كان الحبُّ بالنسبة لنا غاية الحياة والمعنى الحقيقي لوجودها، ونغوص في علاقة حب تأخذنا حيث الأمان والرَّاحة والسَّكينة، لِنُفاجأ بعد ذلك باهتزاز كبير في كياننا مكتشفين فصلاً جديداً للحب لم نعهده من قبل، فتتحوَّل التصرفات التي كانت لطيفة وجميلة إلى تصرفات طائشة وغير مسؤولة، ونفقد ذلك الشَّغف الذي كان يُهيمن على حياتنا وتلك اللَّهفة التي كانت سيدة مشاعرنا.



وعندها يأتي السُّؤال الأهم: "هل كان ما اختبرناه من لهفة واشتياق وشغف؛ وهماً، أم أنَّ هنالك طارئاً يفوق قدرتنا على الفهم والإدراك؟

ما هذا اللُّغز المحير؟ كيف يغدو مَن كان مصدر السّعادة في حياتنا، مصدراً للألم والسَّخط والتذمر؟ وما هو سبب التذبذبات اللا منطقية التي تحدث في قصص الحبِّ؟

يتعلَّق الحبيب بالطَّرف الآخر وكأنَّه مصدر حياته وأمانه، غير واعٍ إلى أنَّ الهدف من العلاقات العاطفية أعمق من هذا بكثير؛ ويُصادِر حريَّة الطَّرف الآخر ويُقيِّد مساحته الخاصة بحُجَّة الخوف عليه والغيرة الشَّديدة، دون الانتباه إلى كون الإنجاز يتناسب طرداً مع احترام المساحات والثقة المتبادلة، وينسى الكثيرون تنظيف دواخلهم من رواسب الماضي قبل الدُّخول في أي علاقة عاطفيَّة، الأمر الذي يُعرِّضهم إلى هجوم شرس لمشاعر الماضي المكبوتة على السَّطح، فيبدأ كل من الطَّرفين في لوم الآخر وتجريحه والنيل من وجوده وكيانه.

نحن يغيرنا الحبُّ، يُعرِّي دواخلنا، ويجعلنا أكثر رقةً وهدوءً وصبراً، ويستفزُّ في أحيان أخرى كل ذرة من ذرات جسدنا، ويطيح بكل سلام ننعم به، فيا لها من حالة غريبة تستحق التجربة، إنَّها وسيلة تطهيرية بامتياز.

يدخل الحب حياتنا فجأة دون أي إنذار ليقلبها رأساً على عقب، مختبراً ثباتنا وتوازننا النفسي وقدرتنا على العطاء، مستخدماً أقسى أنواع الاختبارات تارة، وأكثرها رقَّة تارة أخرى؛ مطهِّراً كل ذرة في داخلنا، هكذا حتى نصل إلى مرحلة أكثر نضجاً وعمقاً ورُقيَّاً، إنَّه الشيء الذي لا يمكن أن تكون بعده كما كنت قبله.

لماذا لا نستطيع الاستفادة من مزايا الحبِّ، فنغوص في المشكلات والضغوطات بدلاً من الاستمتاع والتطور؟ هذا ما سنتعرَّف إليه من خلال هذا المقال.

ما هي الأسباب الكامنة وراء المشكلات العاطفيَّة بين الحبيبين؟

يختبر معظم الأحبَّة الكثير من المشكلات العاطفيَّة التي قد تؤدي في كثير من الأحيان إلى الانفصال والهجران؛ ويعيش الحبيبان -بعد مرحلة الانفصال- مع مشاعر الألم والحزن، ومنهم مَن يتَّخذ قراراً باعتزال الغرام نهائياً. فكان لزاماً على كل حبيبين أن يتأنوا في تقييم الوضع، وأن يُحلِّلوا الأسباب التي أوصلتهم إلى تلك الحالة القاسية من الفتور والبرود، بهدف السعي إلى إنقاذ علاقتهم الهامة.

لذا سنذكر الآن الأسباب المسؤولة عن ظهور المشكلات بين الأحبَّة:

1. رفع سقف التوقعات:

يميل الشاب والفتاة إلى رفع سقف توقعاتهم في حالة الحب، مُعتقدين أنَّ الحب عبارة عن حالة مثالية تتدفق فيها المشاعر الإيجابية والرومنسية على مدار الساعة؛ الأمر الذي يُعرِّضهم إلى الكثير من المشكلات عندما يأخذ الحب شكلاً مختلفاً وفصلاً آخر، فهم غير واعين أنَّ للحب فصولاً مختلفة؛ فقد يكون حارَّاً ومفعماً بالطاقة أحياناً، وكئيباً وحزيناً في أحيان أخرى؛ وقد يدفعك إلى الرقص والطيران تارة، ويجعلك جليس الغرفة وعاشق الوحدة تارة أخرى.

إنَّه حالة فريدة من نوعها، وكلَّما ازداد وعي الإنسان بذاته وبالآخر وعقلانيته وصبره؛ ازداد تقبُّله لفصول الحب.

2. قلة الوعي بالاختلافات السيكولوجية بين الجنسين:

لا يَعِي أغلب الشركاء العاطفيين مسألة اختلاف العقلية بين الجنسين، فعقلية الرجل مختلفة تماماً عن عقلية المرأة؛ إذ يملك الرجل منهجية تفكير صندوقية؛ حيث يخصص صندوقاً منفصلاً لكل مفصل من مفاصل حياته، فتكون التفاصيل العائلية منفصلة تماماً عن تفاصيل الأصدقاء وعن الأمور العملية؛ كما يملك مساحة خاصاً للاستراحة، وفيها يستريح من أعباء التنقل بين الصناديق الأخرى.

في حين تملك المرأة صندوقاً واحداً لكل شيء، فهي لا تفصل بين أمور حياتها، فتُحوِّل عملها -على سبيل المثال- إلى مكان للتحدث عن مشكلاتها الأسرية والزوجية؛ وتُكسِبها عقليتها المنفتحة القدرة على الدخول في أكثر من موضوع، والتصويب على أكثر من هدف، وإنجاز أكثر من مَهمَّة في ذات الوقت وبنجاح.

إقرأ أيضاً: 5 أشياء لا يعلمُها إلا الرّجل الرّومنسي

وسنذكر الآن بعض المشكلات الناتجة عن عدم الوعي في الاختلافات بين الجنسين:

2. 1. اللامبالاة مقابل المساحة:

تُسِيء المرأة فهم الرجل عندما تناديه مراراً ولا يسمع نداءها، وتجد تصرفه بمثابة لامبالاة وعدم اهتمام بها، فهي لا تدرك أنَّه في حالة الاستراحة، وأنَّ ذهنه بحاجة إلى أخذ قسط من الهدوء بعد تعب الانتقال من صندوق إلى صندوق؛ في حين يُخطِئ الرجل في حال ميله إلى تقييد حرية المرأة ومساحتها الخاصة، بحجة الخوف الزائد والحماية؛ فعندما تتحول رعاية الرجل إلى حماية زائدة؛ يقل إنجاز المرأة وتشعر بالضيق النفسي والكبت العاطفي، فالمرأة مُصمَّمة على وجود مساحة كافية من الحرية في حياتها لكي تستطيع تقديم أفضل ما لديها، ولكي تستطيع جمع أكثر من مهمة بذات الوقت مع درجة عالية من الإتقان.

2. 2. الإصغاء مقابل الصمت:

يُعبِّر كل من الرجل والمرأة عن مشاعره السلبية أو مشكلاته الحياتية بأسلوب مختلف تماماً عن الآخر، فبينما يميل الرجل إلى الإنزواء والجلوس وحيداً عندما يتعرض إلى أي مشكلة في حياته؛ تميل المرأة إلى الكلام عن الأمر ومشاركته مع حبيبها.

تُخطِئ المرأة باعتقادها أنَّ حبيبها لا يثق بها وبأفكارها؛ لأنَّه لا يشاركها مشكلاته وضغوطاته. ويُخطِئ الرجل بتقديم الحلول لحبيبته عندما تشاركه تفاصيل يومها القاسي؛ لأنَّها لا تريد حلولاً، بل تريد حُسنَ الاستماع والاهتمام بمشاعرها واحتوائها فحسب.

2. 3. النقد ومحاولة التغيير:

قد تحب الأنثى رجلاً مختلفاً عنها ثقافياً، أي في طريقة التفكير، ومنهجية التعامل مع مشكلات الحياة، وفي معتقداته وآرائه وأسلوب حياته؛ الأمر الذي يجعلها دائمة الانتقاد له بهدف تغييره وتطويره. وبالمقابل، لا يمكن أن يستجيب الرجل إلى انتقاداتها، وذلك لأنَّ الثقة والقبول من أهم الاحتياجات النفسية لديه، فهو يترجم انتقاداتها على أنَّها رسائل توحي بأنَّه غير مقبول وغير موثوق به؛ لذلك على المرأة أن تكون حريصة على مشاعر حبيبها، وأن تتقبله كما هو، وتشجعه في تصرفاته وسلوكاته، وتُشعِره بأنَّه مقبول وموثوق به؛ فيقوم الرجل عندها بالتطور من تلقاء ذاته.

وكذلك الأمر بالنسبة للرجل؛ إذ عليه أن يستخدم أسلوباً ذكياً لإبداء ملاحظة على سلوك حبيبته، كأن يقول لها: "أنتِ إنسانة رائعة، وحبيبة مخلصة. وفي اعتقادي أنَّ سلوكك بما يخص ذلك الموضوع لم يكن مناسباً؛ لكنِّي واثق من أنَّك ستسلكين سلوكاً أكثر وعياً ونضجاً في المرات القادمة".

2. 4. الحدس:

تملك الأنثى حدساً قوياً؛ حيث إنَّها قادرة على الإحساس بحالة الرجل النفسية من خلال عينيه، وتتوقع منه أن يشعر بها كما تشعر هي به، وقد تكتئب في حال عدم إحساسه بها؛ في حين أنَّ وضع الرجل مختلفٌ تماماً عنها، فلا يملك الرجل ذلك الحدس، ويحتاج إلى الطلب المباشر، كأن تقول له: "لستُ على ما يرام، هل بإمكانك الجلوس معي والاستماع إلي؟"، فعندها سيبادر بكل تصرف إيجابي.

2. 5. السخرية والاحتقار:

يميل بعض الأحبَّة إلى التقليل من قيمة شريكهم والاستهزاء به أمام الآخرين بحجة التسلية والمرح؛ الأمر الذي يؤدي إلى تراكم الكثير من المشاعر السلبية لدى الطرف الآخر، ممَّا يحوله إلى قنبلة موقوتة قد تنفجر في يوم من الأيام؛ لذا كان لزاماً على كل من الطرفين تقديم الاحترام للآخر، وتقديره وصون كرامته.

شاهد بالفيديو: 7 علامات عن العلاقة العاطفية التعيسة تجعلك تشعر أنك محاصر

3. الماضي:

قد تستغرب وجود مشكلات بين حبيبين بالرغم من فترات الوئام التي كانت ظاهرة في بداية العلاقة؛ لعلَّ السبب في ذلك يكمن في قدرة الحب على التغلغل في أعماق اللاوعي، والغوص في تفاصيل قديمة اعتقد الإنسان أنَّه تجاوزها وانتصر عليها، إلا أنَّها تعود لتظهر على السطح بمنتهى القوة.

من مزايا الحب أنَّه يطهرنا من المشاعر الماضية المكبوتة، فهو فرصة للنمو والتطور والنضوج، وكلَّما ازداد قربك النفسي من الشخص؛ ازداد ظهور ترسبات الماضي في حياتك (تجارب سلبية سابقة، مشكلات أسرية، علاقة مضطربة مع الأبوين)؛ الأمر الذي يُؤثِّر على علاقة الشخص مع شريكه، حيث يميل إلى لوم الآخر، وإسقاط ألمه الداخلي الذي لم يفهم طبيعته بعد على الآخر.

لقد كان حريَّاً بهذا الشخص الجلوس مع شريكه في جلسة مصارحة، ومحاولة فهم الأسباب الكامنة وراء مشاعره السلبية، والبحث سوياً في خفايا الماضي وتفاصيله، ومن ثم استخدام رسائل الحب لتطهير الماضي؛ كأن يكتب الرجل رسالة حب إلى والديه القاسيين، بحيث تتضمن مشاعر غضب واستياء وخوف وندم وحب، وذلك بهدف تطهير قلبه، والسير قدماً في علاقته العاطفية مع شريكه الحالي.

4. الهدف من العلاقة:

يدخل الكثير من الأشخاص في علاقات عاطفية دون أن يَعُوا الهدف الأساسي لتلك العلاقات؛ حيث يهدف الكثير من الأحبَّة إلى تعليق آمالهم وسعادتهم على الطرف الآخر، مُتَّبعين سياسة التعلق المرضي، بحيث يصبح الآخر مصدر أمانهم وراحتهم وتوازنهم النفسي، فيضطربون ويختل توازنهم بغيابه؛ في حين تقوم العلاقات الواعية على مبدأ التطور والارتقاء، بحيث يَعِي كل من الشريكين أنَّهما في علاقة هادفة إلى إيجاد النسخة الأفضل من كليهما، وبالتالي سيكونان مستعدان نفسياً لعملية التطهير الداخلي الذي سوف يقوم به الحب، فيُدرِكان أنَّ ما يشعران به من استفزاز وانفعال على مدار العلاقة؛ دليل قاطع على وجود مكان ما في الداخل بحاجة إلى اعتراف وحب.

ومن جهة أخرى، يميل كلا الطرفين إلى احترام مساحة الآخر، مع وجودهما تحت كنف رسالة واحدة هي رسالة التطور والسعي للأفضل.

إقرأ أيضاً: أهمية فترة الخطوبة وطرق تقوية العلاقة مع الشريك

5. الأخلاق:

تعدُّ الأخلاق والقيم رابطاً مشتركاً بين شخصين، ودافعاً قوياً لاستمرار العلاقة العاطفية، في حين يؤدي عدم تقاطع القيم والأخلاق بين شخصين إلى ظهور المشكلات والعراقيل فيما بينهما؛ فلا بدَّ أن يشارك كل طرف من الطرفين هرم قيمه مع الآخر، لاستنتاج إمكانية وجود علاقة متينة بينهما.

6. الكذب والخيانة:

تُعدّ الخيانة سبباً أساسياً للمشكلات العاطفية، وذلك عندما يميل أحد الشريكين للتعرف على طرف جديد مع استمرار علاقته بالطرف الأول، أو يميل إلى إظهار المشاعر الإيجابية والمحبة إلى شريكه في حين أنَّه لا يشعر بها في داخله حقيقةً.

من جهة أخرى، يؤدي تبنِّي أحد الطرفين لسياسة الكذب وتزوير الحقائق، إلى انعدام الثقة بين الطرفين، وإلى تدهور العلاقة العاطفية؛ لذلك كان تبنِّي قيمة الصدق والصراحة والوضوح من أساسيات استمرار العلاقات العاطفية.

شاهد بالفيديو: 7 علامات تكشف خيانة زوجك

7. العامل النفسي:

قد يميل أحد الطرفين إلى المزاجية المفرطة، أو قد يكون مغروراً جداً، أو حساساً جداً، أو مصاباً باضطراب نفسي يجعله يعيش حالة من عدم السَّواء النفسي؛ الأمر الذي يؤدي إلى الكثير من المشكلات والضغوطات بين الطرفين.

لذلك كان لزاماً على كل طرف من الطرفين مراقبة حالته النفسية وطلب المساعدة من مختص نفسي في حال عدم القدرة على السيطرة على الحالة.

الخلاصة:

تحتاج العلاقات العاطفية إلى عمل والتزام ووعي، وهي محرك قوي جداً لإبداعنا وتقدمنا؛ لذلك على كل من الطرفين احترام وتقديس حالة الحب، واستثمار وجود الشريك العاطفي بالشكل الأمثل، فطاقة الحب من أقوى الطاقات وأكثرها إيجابية في حياتنا.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6




مقالات مرتبطة