ما هو نمط الحياة التقليدي؟ وهل هناك خيار أفضل؟

ادرس ثمَّ احصل على شهادة جامعية وتقدَّم لوظيفة، ووقِّع عقد إيجار، وارتقِ في السلَّم الوظيفي للشركة، ثمَّ تزوج وأنجِب أطفالاً لتكبر وتصبح عجوزاً لطيفاً، حتى نهاية حياتك.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن "إيفان تارفر" (Evan Tarver)، ويُحدِّثنا فيه عن الاختلافات بين نمط الحياة العابرة والتقليدية، وكيف يمكن الوصول إلى حلٍّ وسطٍ بينهما.

على الأغلب أنت الآن في إحدى مراحل هذا المسار الخطي للحياة، فتلك هي الطريقة التقليدية للعيش بالنسبة إلينا نحن بشرُ القرن الواحد والعشرين؛ لكن لمَ هذا "المسار" المحدد والثابت؟ هل سألت نفسك؟

بالطبع، من المنطقي أن نحصل على شهادات جامعية كي نتمكَّن من الحصول على وظائف جيدة الأجر، وكسب ما يكفي من المال للاستمتاع في الحياة، ولكن هل تُعَدُّ الحياة التي تعمل فيها 40-50 ساعة في الأسبوع في مكتب مكيَّف كي تتمكَّن من قضاء الإجازة التي تحلم بها مرة في السنة حياةً ممتعة؟

أنت تُفكِّر على الأرجح أنَّه ما من طريقة أخرى، وأنَّ تخيُّل حياة أخرى هو مضيعة للوقت، لكن هذه "الحياة التقليدية" ليست الطريقة الوحيدة للعيش، مع أنَّها قد تكون الطريقة المناسبة لمعظمنا، فقد يستمتع معظم أصدقائي بنمط الحياة التقليدي، بخلاف ما أستمتع به أنا.

إذ قرَّرت وأخيراً الاستفادة من طبيعة عملي التي لا تتطلَّب وجودي في المكتب، وانتقلت إلى مدينة "أوستن" (Austin) الشهر الماضي، فقد تخلَّيت مع هذا التغيير في نمط الحياة عن إجازتي السنوية مقابل حياة هي مزيج من الإجازة والعمل الدائمين، وهذه الطريقة في العيش ليست أفضل أو أسوأ من حياتي السابقة، لكنَّها بالتأكيد غير تقليدية، وسأشرح السبب.

الحياة العابرة:

أعملُ مستشاراً مع أصحاب الشركات الصغيرة، وكنت قد بدأتُ هذه الطريقة "غير التقليدية" لكسب الدخل منذ قرابة 9 أشهر، وفي الآونة الأخيرة، تأمَّلت في طريقة حياتي السابقة مقارنة بالحالية؛ إذ لدي صديقي العزيز هنا في "أوستن" وهو رجل تقليدي، ولأكون صادقاً، كان من المغري بعض الشيء العودة إلى نمط حياتي السابق عند سماعه يتحدث عن أيام العطلة في المكتب وعن راتبه المستقر.

فكَّرت أنَّه ليس لدي أيام عطل، فأسلوب عملي يتطلَّب أن أعمل لأعيش في كل لحظة، فالهدف في طريقة عملي الآن هو استثمار الوقت الكافي في البداية بحيث يمكنني تحقيق الدخل السلبي في النهاية، لكن حتى الآن، يجب عليَّ العمل مقابل كل قرش، ثمَّ أدركت أنَّه لا يمكنني أخذ إجازة تقليدية، في حين يمكنني التوقف عن العمل متى شئت، لكنَّني لا أحصل على أجر مقابل إجازتي.

فقد كنت في البداية حزيناً حين أدركتُ ذلك، لكن بعد ذلك فكَّرت أكثر في الأمر، بالطبع لا يمكنني أخذ إجازة مدفوعة الأجر لمدة أسبوعين، لكن يمكنني السفر أينما أريد ومتى أريد؛ لذا إنَّ أسلوب الحياة غير التقليدي الذي أتحدث عنه، والذي يحلم به الناس عندما يستمعون لكل تلك المدونات الصوتية عن ريادة الأعمال، ليس بالضرورة أفضل، لكنَّه بسهولة مختلف، وهذا الاختلاف يناسب بعض الناس ولا يناسب الآخرين.

أُطلِق على نمط الحياة هذا اسم "أسلوب الحياة العابر"؛ وذلك لعدة أسباب؛ فالسبب الرئيس هو الاستقلالية من حيث مكان العيش بالتأكيد، لكن له معنى أعمق من ذلك، فعندما تختار نمط الحياة هذا، يتضاعف الأشخاص الذين تقابلهم وتتوسَّع شبكة معارفك، لكنَّك تخسر في الوقت نفسه شيئاً؛ وذلك لأنَّك عندما تستلم وظيفة في شركة، وتوقِّع عقد إيجار لمدة عام لشقة، فأنت تلتزم بموقع واحد، وخلال هذه الأشهر ستعثر على مطاعمك المفضَّلة وتقابل أعز أصدقائك، وقد تعثر على شخص مميَّز.

ولكنَّ الأمر مختلف مع نمط الحياة العابرة؛ وذلك لأنَّك ستوقِّع عقد إيجار لمدة شهرين، وستكون كل تجربة جديدة، ولن تُتاح لك الفرصة لتجربتها سوى مرة واحدة، وستقابل أشخاصاً جدد رائعين بضع مرات فقط قبل الانتقال إلى مكان آخر؛ لذا مع أنَّني قابلت الآن مجموعة من الأشخاص الرائعين في "أوستن"، وعلاقتي بهم الآن جيدة بما يكفي لأطلب معروفاً صغيراً إذا كنت أحتاج إلى ذلك، لكنَّني لا أستطيع أن أصفهم على أنَّهم من أقرب أصدقائي بعد، وبعضهم قد لا يصبحون كذلك أبداً، وذلك ليس أفضل أو أسوأ، هو واقع الحال.

شاهد: 8 أشياء يجب أن تقوم بها حتى تعيش شغف الحياة

الحياة التقليدية:

لنقارن الآن ما ورد آنفاً في الحياة التقليدية؛ أولاً، حين تعيش حياة تقليدية ستتمتَّع براحة البال المالية بفضل الأمان الوظيفي، ويمكننا التجادل إن كانت وظيفة الشركة آمنة، في حين من الممكن أن تُطرَد في أيَّة لحظة، لكن لنعُمِّم هنا ونقول إنَّ الوظيفة التقليدية توفِّر أماناً نسبياً، ويتجلَّى هذا الأمان في الاستقرار المالي؛ إذ يمكنك معرفة بثقة كم ستجني كل شهر.

وثانياً، يتجلَّى هذا الأمن على شكل استقرار في حياتك، فمن الرائع عندما تعرف بالضبط أنَّه يوجد سقف فوق رأسك لمدة عام كامل، ولا حاجة للبحث عن مكان إقامة مؤقَّت كل شهر، ويسمح هذا الاستقرار للشخص التقليدي بتكوين علاقات عميقة مع الأشخاص الذين يلتقي بهم في المدينة التي يقيم فيها.

ويمكن لأي شخص يعيش حياة تقليدية العثور على مطعمه المفضَّل، والمشاركة في نشاطاته المفضَّلة، وإقامة علاقة صداقة مع شخص يعيش بالقرب منه، فكل تلك من محاسن الاستقرار.

أظنُّ أنَّ هذا الشعور يعود إلى علم النفس التطوري لدينا؛ إذ نتوق بطبيعتنا إلى الانتماء إلى قبيلة ثابتة، حتى أنا، في حين أستمتع بنمط الحياة العابرة، أتوق أحياناً إلى هذه المزايا.

لكن من ناحية أخرى، واحدة من أكبر عيوب نمط الحياة التقليدية هي "متلازمة الفقاعة" (Bubble syndrome) التي تصف كيف يمكن أن نقع ضحية للروتين، ونتوقف عن عيش تجارب جديدة ومثيرة، فقد يتسبَّب هذا المطعم المفضَّل الذي ترتاده دائماً في تفويتك لفرصة تجريب مطاعم أفضل، وقد تمنعك هذه العلاقات العميقة من مقابلة أشخاص آخرين مثيرين للاهتمام.

إقرأ أيضاً: كيف تغير حياتك نحو الأفضل؟

القواسم المشتركة بين الطريقتين:

توجد طريقة تمكِّننا من الحصول على فوائد نمطي الحياة، وأظنُّ أنَّني وجدتها، فقد غادرت "أوستن" بالأمس وأنا حزين؛ وذلك لأنَّ الفترة التي قضيتها فيها لم تكن كافية؛ فلا يمنحك شهر واحد الوقت الكافي للاستمتاع بكل ما في المدينة من تجارب، لكن هل كنتُ سأفضِّل قضاء عام كامل؟ الحقيقة هي أنَّك إذا كنت ممارساً حقيقياً لأسلوب الحياة العابرة، فالجواب هو "لا"؛ وذلك لأنَّ عيش سنة في مكان واحد مقيَّداً بعقد إيجار طويل أشبه بالعبودية.

فالحل الوسط هو الموازنة بين أسلوب العمل التقليدي والأسلوب العابر؛ وذلك لأنَّنا جميعاً نريد الحرية والاستقلالية، لكنَّنا سنكون أكثر سعادة عند العيش في المكان نفسه طوال العام إذا كان لدينا خيار الانتقال متى أردنا، عوضاً عن أن يُفرَض علينا الانتقال كل شهر.

إقرأ أيضاً: ما هو نمط الحياة الخامل؟ وما هي طريقة التخلص منه؟

لكنَّنا كما نريد الحرية، نريد أيضاً روتيناً ثابتاً وعلاقات قوية؛ لذا عوضاً عن التنقُّل باستمرار، يمكنك البقاء لمدة ثلاثة أشهر، أو حتى ستة أشهر، أو تغيير الشقق مع المكوث في نفس المدينة، وهكذا قد تعيش في ثلاثة مواقع مختلفة في ثلاثة أشهر متتالية، لكنَّ هذه المواقع كلها داخل المدينة نفسها.

إذاً، بيت القصيد هو السعي إلى الحرية في عملك، وإذا استطعت جني الدخل جنياً مستقلاً، والعمل في أي مكان تريده، فالخيارات لا حصر لها، حينها إذا قررت أن تعيش "أسلوب حياة ثابتاً"، فلن يكون سبب اضطرارك إلى ذلك لأنَّك تحصل على راتبك من الشركة؛ بل لأنَّه خيارك.

السرُّ هو إنشاء نمط حياة بحيث تختار بنفسك مَن تريد مقابلته، وأين تريد أن تعيش، وإلى متى، وإذا استطعت تحقيق إيرادات مستقلَّة، فستشعر بحرية أكبر من أي وقت مضى، حتى لو كنت تعيش في قبوٍ.

المصدر




مقالات مرتبطة