ما هو دافع الكفاءة؟ وكيف نستخدمه؟

لا بدَّ أنَّك صادفت لوحات "موظف الشهر" في المتاجر وأماكن العمل، والتي تظهر أفضل موظف خلال فترة محددة؛ في الواقع، هذا شكل من أشكال التقدير للعمل الشاق للموظف، لكن ألا يمكن الثناء على الموظفين ثناءً شخصياً بدلاً من ذلك؟ فلماذا نعلنه حتى للعملاء؟ يهدف هذا الفعل إلى تحفيز الموظفين الآخرين على العمل بجدية أكبر من خلال تعزيز روح التنافس.



لماذا لا تحتاج دائماً إلى الحوافز؟

لا تحتاج دائماً إلى حوافز لإدراك ما يطلب منك؛ حيث كتبت المؤلفة سوزان فاولر (Susan Fowler)، في كتابها "لماذا لا يجدي تحفيز الناس، وما الذي يجدي؟ العلم الجديد للقيادة والتنشيط والمشاركة" Why Motivating People Doesn’t Work…and What Does: The New Science of Leading, Energizing, and Engaging): "المصطلحات القديمة، مثل السعي إلى تحقيق النتائج أو السلوك التحفيزي، تقودك إلى الطريق الخطأ، فيما إذا كنت تبحث عن الدافع الذي يولد الإنتاجية من دون المساومة على الطاقة والحيوية والسلامة الإيجابية والدائمة".

تُعدُّ الإنتاجية المرتبطة بالحوافز، عاملاً تحفيزياً قصير الأجل؛ حيث إنَّها تُدرِّب الذهن على البحث عن الحوافز في أيِّ نشاط، ومن ثمَّ قد يؤثر غيابها بشدة في جودة الأداء.

الفكرة وراء الدافع هي التمكين:

نحن نحتاج إلى مصدر طاقة لا ينضب في داخلنا، يدفعنا إلى النهوض من الفراش يومياً وإنجاز الأشياء، وتأتي هذه القوة التمكينية من الداخل، وتحثنا على النظر إلى ما وراء الرواتب، والغش في الحمية الغذائية، والمكافآت والحوافز الأخرى التي تصرف انتباهنا عن الهدف، ومن المثير للاهتمام، أنَّ مصدر الطاقة هذا هو من النوع الذي لا تكتفي منه؛ لذلك تصبح بفضله شخصاً لا يمكن إيقافه.

في عام 1959، نشر روبرت دبليو وايت (Robert W. White) مقالاً بعنوان "إعادة النظر في الدافع: مفهوم الكفاءة"؛ حيث طرح مفهوم "دافع التأثير"، والفكرة وراء هذا المفهوم تنبع من الغريزة الفطرية للسعي إلى التحسين والنمو، يقول وايت إنَّ الكفاءة لا تهدف إلى تلبية حاجة بيولوجية، بل إلى مساعدة الكائن الحي على تحسين نفسه، وهذا بالتحديد ما يفسر المنافسة؛ إذ إنَّنا نراها فرصةً لتقوية قدرتنا من خلال الممارسة والخبرة.

حفِّز كفاءتك:

عندما تحفِّز كفاءتك، فلن تكون بلا هدف أبداً، بل سيكون لديك هدف دائماً.

على عكس العطش والجوع، لا تختفي الرغبة في المنافسة والتفوق بعد تحقيق هدف واحد، بدلاً من ذلك، نجد أهدافاً جديدة، ويبدأ الجانب التنافسي لدينا، ويحثنا على تحقيقها، ومن ثمَّ، وبناءً على درجة رغبتنا في التفوق، هناك نوعان من الكفاءات:

  • تعزيز المهارات الموجودة: إذا شُحذت مهاراتنا الحالية باستمرار، ويمكن أن تُكسبنا الإتقان والكفاءة.
  • إتقان مهارات جديدة: تدفعنا الرغبة في العمل الجاد واستكشاف فرص أفضل إلى تعلُّم مهارات جديدة.

وفي حين أنَّ النوع الأول من الكفاءة يجعلنا نشعر بالرضا عن أنفسنا، فإنَّ إتقان المهارات الجديدة هو ما يمكن أن يساعدنا على التقدم نحو النجاح، ومن خلال السماح لدوافع الكفاءة لدينا بأخذ زمام المبادرة، فإنَّنا نعزز الإنتاجية، ونحسِّن الأداء، ونصبح أكثر نشاطاً، ونزيد من فرص تحقيق الرضا.

يقول لاوتزه (Lao Zou): "من يسيطر على الآخرين فهو حكيم، أمَّا من يسيطر على نفسه فهو مستنير".

نحن عندما نتحكم في أنفسنا، نتحرر من المعتقدات والأفكار الوهمية التي تُفرض علينا، وتُسمَّى هذه المعتقدات الترويض، وهو نظام للتحكم بالسلوك يعتمد على الثواب والعقاب، والذي يُعدُّ - وفقاً للمؤلف دون ميغيل رويز (Don Miguel Ruiz) - أكبر عقبة أمام الحرية الشخصية للبشر؛ لذا فإنَّ التدجين أساساً هو نظام معتقدات وحوافز يفرضه الآخرون لإخبارك بما يجب عليك فعله، وكيف تعيش حياتك، ومن ثمَّ، يجعلك تعيش حياتك وفقاً للنظام، بدلاً من أن تعيشها وفق ما تعتقد أنَّه مهم.

عندما نعيش حياة السيطرة بدلاً من العيش وفقاً لشروط الآخرين، فإنَّنا نسعى وراء ما نريد؛ لذلك، لم يعد الأمر يتعلق بالحوافز، ولكن بأن تصبح نسخة أفضل من نفسك، وبأن يكون لديك الإيمان القوي بما تركز عليه، لتجد نفسك تفخر به.

إقرأ أيضاً: 8 أنشطة غير مرتبطة بالعمل تعزز الإنتاجية

عِلم النفس وراء دافع الكفاءة:

يكشف التحليل النفسي لدوافع الكفاءة الكثير عن كيفية عمل عقولنا والخيارات التي نتخذها؛ حيث يمكننا من خلال فهم أعمق لنفسيتنا، تجهيز كفاءتنا ودوافعنا لاستغلالها استغلالاً أفضل.

الفضول لا يقتل صاحبه، بل هو أحد أكثر محفزات الكفاءة؛ وذلك لأنَّه يدفع الناس إلى الاستكشاف والبحث والتعلم، فهناك حالتان:

  • إمَّا أن تستكشف استكشافاً عاماً من دون وضع هدف محدد في الحسبان.
  • أو أن تبحث بحثاً مركزاً مع وضع هدف معيَّن في الحسبان أو لسد "فجوة معرفية".

بغضِّ النظر عن نيتك، فأنت ملزم بالعثور على شيء مثير للاهتمام لمساعدتك على الاقتراب من هدفك.

تجميع الأجزاء معاً:

يتحدث التعبير اليوناني الشهير "يوريكا" (Eureka) الذي يقابله كلمة "وجدتها" في العربية، عن البهجة التي يبحث عنها البشر والناتجة عن الاكتشاف والاختراع؛ إذ إنَّنا نجد المتعة في حل المعادلات الرياضية، والوصول إلى ذروة الروايات والأفلام، والتوصل إلى فكرة عمل رائدة، وتعلُّم مهارة جديدة، وغيرها الكثير.

نحن نحب فك التعقيدات واكتساب معرفة جديدة، ويمكن أن يلهمنا الفرح الذي يهدأ بعد الانتهاء من هذا النشاط الممتع، لتحسين أنفسنا على المستوى الشخصي والمهني.

شاهد بالفديو: 18 نصيحة سريعة تساعدك على تحقيق النجاح

نحن نحب التحديات:

في طريقنا إلى اكتشاف الذات وتحسينها، علينا أن نقرر مستوى صعوبة المهام التي سنقوم بها، تماماً كما هو الحال في ألعاب الفيديو، هذه المستويات الثلاثة تتحدى كفاءاتنا، وتجعلنا نقرر وفقاً لذلك:

  • المستوى السهل: كلنا نحب الأشياء السهلة؛ وذلك لأنَّها لا تتطلب كثيراً من الجهد، ولكن بعد فترة تصبح مملة ورتيبة.
  • المستوى المتوسط: تُعرف هذه النشاطات أيضاً باسم المستوى الأمثل من التعقيد في علم النفس، وهي ليست صعبة للغاية ولا سهلة للغاية، نحن نميل ميلاً عاماً نحو هذا المستوى.
  • المستوى الصعب: نشعر أنَّ المهمة الصعبة والقابلة للإنجاز تجربة جيدة من حين إلى آخر، ولكن يمكن أن تكون بمنزلة مثبط كبير عند مواجهتها مواجهة متكررة.

نحن نتحمَّس للقيام بمهام في الحياة تساعدنا على التطور إلى كائنات أفضل اعتماداً على ذوقنا، وإذا كنت تحب الأشياء السهلة، فقد تكون عالقاً في المستوى الأول إلى الأبد.

القيمة العاطفية لأهدافنا وأحلامنا:

تجعلنا القيمة العاطفية للحلم نركز في الحياة، فنحن جميعاً نريد القيام بأشياء مختلفة في الحياة، وكل هدف يحمل الكثير من المعاني بالنسبة إلينا.

ومع ذلك، فإنَّ مطاردة الأحلام لا تتعلق بالكامل بإشباع رغبات المرء وتلبية احتياجاته، وفي مكان ما، يريد جزء منَّا أن يرى العالمُ التغيير الذي شهدناه في أنفسنا بعد تحقيق شيء ما، ويأتي هذا الإدراك مع معرفة ما هو على المِحك في اتخاذ قرارات معيَّنة، واختيار مسار مختلف من الحياة أو التخلي عنه.

يمكن أن تصبح الأحلام حقيقة عندما تركز على بناء كفاءتك.

يعتقد الكثير منَّا أنَّ نقاط التحول العظيمة والفرص في حياتنا تحدث بالصدفة، وأنَّها خارجة عن سيطرتنا، لكنَّ الدكتور كريستيان بوش (Christian Busch)، مؤلف كتاب "عقلية الصدفة: فن وعلم خلق الحظ السعيد (The Serendipity Mindset: The Art and Science of Creating Good Luck) قضى عقداً من الزمن في استكشاف كيف يمكن للمواجهات غير المتوقعة، إذا تم التصرف بناءً عليها، أن توسع لقاءاتنا الاجتماعية العشوائية التي يمكن أن تعزز نظرتنا إلى العالم، وتوسع شبكات علاقاتنا الاجتماعية، وتخلق فرصاً مهنية جديدة.

عادة ما تتعلق الصدفة بربط النقاط التي ظلَّت مُحيِّرة في السابق، وتشير النتائج التي توصَّل إليها بوش إلى أنَّ الحظ السعيد ليس مجرد صدفة؛ بل يمكن تعلُّمه والاستفادة منه، فعندما تكون مدركاً وفضولياً ومنفتح الذهن ومتشوقاً لرؤية الفرص، فقد يراك الآخرون رؤية سلبية فحسب، وإذا لاحظت شيئاً غير عادي ولكن أمكنك ربط هذا الجزء من المعلومات بشيء آخر، فأنت في العقلية الصحيحة لإيجاد الصدفة.

الخطوة الأولى هي الحلم؛ تخيل إمكانات إنشاء شيء شخصي للغاية ومُرضٍ، لكن، بالطبع، يبقى الحلم حلماً إذا لم تتخذ خطوات لجعله حقيقة، وهذا يقودنا إلى مرحلة الإيمان.

بعد ذلك يأتي الإيمان الذي هو تحديد وتوثيق حلمك: ما هو وكيف يعمل لتلبية احتياجاتك الشخصية؟ لكنَّه يجب أن يفيد الأشخاص الآخرين أيضاً.

إنَّ التوفيق بين حلمك ومعتقدك، يربط حلمك هذا وواقعك بالآخرين، فإذا حددت أهدافاً واقعية وغير واقعية، وتبنيت عدم اليقين، وبقيت إيجابياً، فسوف تهيئ نفسك لتحقيقها.

الحلم + الصدق + التوفيق = التحقيق

إقرأ أيضاً: 8 نصائح لتوظيف عنصر التحفيز بشكل فعال في العمل

في الختام:

أنت فحسب من يمكنه اختيار الأهداف التي تحددها، والدافع أمر بالغ الأهمية في تحقيق أهدافك، لكنَّ اختيار الأهداف لا يكفي، فأنت بحاجة إلى تحديد الأهداف الصحيحة، وتحديد خطة تجعلك مسؤولاً عن تحقيق أهدافك.

يفسر كل ما سبق دوافع الكفاءة، وذلك لأنَّنا نعطي معنى للحياة من خلال أفعالنا الصغيرة والمهمة، ويدور دافع الكفاءة حول إيجاد هدف في الحياة والالتزام به، ثم إنَّ رؤية مستقبل أفضل لأنفسنا وللعالم من حولنا هي ما يحفزنا.

المصدر




مقالات مرتبطة