ما هو دافع الإنجاز؟ وكيف تستخدمه؟

"في إمكانك النجاح"، "استمر"، "ستتمكن من هذا، لا تستسلم"؛ هذه بعض عبارات الدعم التي قالها لي الآخرون، والتي بالكاد استطعت أن أسمعها، بينما كنت أواجه صعوبةً في إنهاء واحدة من أصعب التدريبات التي قمت بها على الإطلاق، انتهى الجميع - بمن فيهم امرأة حامل في أشهرها الأخيرة من الحمل - وكانت كل الأعين موجهة إليَّ، كان ذلك في أوائل الأيام التي بدأت فيها ممارسة تمرينات كروس فت (CrossFit)، وكنت لا أزال أحاول التأقلم، لم أكن أعرف بعد أنَّ الجميع ينتظرون ويشاهدون حتى ينتهي آخر شخص من التمرين، لقد كان هذا جزءاً من الدعم الاجتماعي الذي قدموه لبعضهم بعضاً في الأوقات الصعبة.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب ريك أورنيلاس (Rick Ornelas) والذي يُحدِّثنا فيه عن تجربته في استكشاف دافع الإنجاز.

بالنسبة إليَّ، شجعتني هتافات الآخرين بينما أكملت التمرينات واحداً تلو الآخر، وكنت أعلم أنَّ كل واحدٍ منها يُحتسَب في مجموعي النهائي، ويُقاس تمرين كروس فت (CrossFit)، مثل العديد من الرياضات الأخرى، بأرقام مختلفة للإشارة إلى النجاح، كالوزن والوقت والتكرار وما إلى ذلك، وتوفِّر هذه المقاييس معيار التميز الذي يبذل الرياضيون أقصى ما في وسعهم ليُلَبُّوه، إنَّه في الواقع أمر خطير بالنسبة إلى الكثيرين منهم كما سأكتشف قريباً.

بعد فترة وجيزة من ذاك اليوم، أدركت أنَّ العديد من الرياضيين الذين عملت معهم - بمن فيهم أنا - كانوا مدفوعين بنوع خاص من الحافز، كان هذا شيئاً طبيعياً بالنسبة إلي؛ وذلك لأنَّني جئت من بيئة رياضية تنافسية، فضلاً عن أنَّني درَّبت عملائي على التحفيز يومياً، ومع ذلك، كنت أعلم أنَّ هناك قوى أكبر تلعب دوراً هنا؛ لذلك قررت دراسة الأمر بتمعن، وعندها صادفت مصطلحاً لم أكن أعرفه من قبل: دافع الإنجاز.

ما هو دافع الإنجاز؟

بالنظر إلى أنَّ مفهوم دافع الإنجاز قد يكون غير مألوف لك أيضاً، فإليك تعريفاً موجزاً لمساعدتك على الفهم.

يُعرَّف دافع الإنجاز على أنَّه الحاجة إلى الإنجاز، وهو عاملٌ مهم مرتبط بالطموح والجهد والمثابرة، عندما يتوقع الفرد أن يُقيَّم أداءه وفق بعض معايير التميُّز.

في حالة التمرين مثلاً، كنت أدفع نفسي للحصول على أفضل نتيجة ممكنة، لعلمي أنَّها ستُقارن بنتائج جميع الرياضيين الآخرين، وستُكتب في السبورة ليراها الجميع.

وعلى الرغم من أنَّ تعريف القاموس قد يوفر سياقاً مفهوماً لمعنى دافع الإنجاز، إلا أنَّك لا تزال تتساءل، ما دافع الإنجاز، وكيف يستخدمه المرء؟

لنلقي نظرة أعمق تساعدك، ليس على فهمه فهماً أفضل فحسب، ولكن ربما للتقدم في التدريبات الخاصة بك وغيرها من مجالات حياتك.

نظرية دافع الإنجاز لأتكينسون:

يعود مفهوم دافع الإنجاز لأربعينيات القرن الماضي؛ حيث وضعت العديد من الأعمال المتعلقة بالنجاح والفشل، جنباً إلى جنب مع مفهوم الغرور، الأساس المبكر لما سيصبح نظرية دافع الإنجاز لجون دبليو أتكينسون (John W. Atkinson) في عام 1966، والتي يُرمز لها بالاختصار (AMT).

تشرح نظرية دافع الإنجاز العلاقة التكاملية بين خصائص الفرد وحاجته إلى تحقيق شيء ما في الحياة، كما تأخذ بالحسبان نوع الدافع التنافسي الذي يتعين على الشخص تحقيقه وتحديد الأهداف، وبالنسبة إليَّ، كان هذا هو الدافع لقضاء وقت ممتع في التمرين، ومن الأمثلة الأخرى التي قد تنطبق عليك، كيفية أدائك في العمل أو المدرسة أو حتى في المنافسات الرياضية المحلية.

في جميع الأحوال، هناك قوى مختلفة تؤثِّر فيك، ثم إنَّ من المكونات الأساسية التي يجب ملاحظتها، وجود عوامل داخلية وخارجية تؤدي دوراً في التحفيز؛ حيث تقول النظرية إنَّ الدافع الذي يملكه المرء لأن يحقق شيئاً ما في الحياة يخضع بشدة لهذه العوامل.

وفيما يلي بعض الأمثلة:

العوامل الداخلية: الرغبة والتصميم والالتزام بالمواعيد والدافع الشخصي.

العوامل الخارجية تُعرف أيضاً بالعوامل البيئية: الضغوط والتوقعات والأهداف؛ حيث يحدد كل ذلك، المنظمات ذات الصلة أو أفراد الأسرة أو المجتمع.

في حالة تمرين الكروس فت الخاص بي، حُدِّد الوقت وعدد التكرارات في بداية الفصل، وبإعادة التفكير فيه، يمكنني أن أخبرك أنَّه كانت هناك عوامل داخلية وخارجية مؤثرة.

أولاً، كنت أشعر برغبة وعزم شديدَين على الانتهاء، وكان هذا الدافع الداخلي محفزاً للغاية بالنسبة إليَّ في ذاك الموقف، نظراً إلى أنَّني كنت ملتزماً بالانتهاء منذ البداية، ولم أكن لأستسلم.

ثانياً، انتهى جميع الرياضيين الآخرين الحاضرين، وكان انتظار الجميع لي غير مريح؛ ممَّا أعطاني الضغط الإضافي الذي أحتاج إليه لمواصلة الحركة.

عموماً، أعطتني العوامل الداخلية والخارجية الدافع الذي احتجت إليه لإنهاء التمرين.

إقرأ أيضاً: 5 نصائح ريادية لتحفيز الذات

عوامل مؤثِّرة أخرى:

بصرف النظر عن العوامل المذكورة آنفاً، هناك العديد من العوامل الأخرى التي لديها القدرة أيضاً على التأثير والتفاعل مع دافع الإنجاز الخاص بك، خاصة في المواقف التي تشمل أشخاصاً آخرين، مثل تمرين الكروس فت، ويمكن تصنيف بعضها على أنَّها داخلية وبعضها الآخر على أنَّها خارجية، لكنَّها جميعاً متشابكة ويمكن أن تؤدي دوراً مؤثراً.

قيمك وخلفيتك التعليمية وخلفيتك الثقافية، والدعم الخارجي من المنظمة التي أنت جزء منها، والجوائز والاحتفال بالإنجازات والاعتراف بالنجاح، وتقديم التعليقات البنَّاءة ومساعدة الفرد على النمو من خلال توفير آلية الدعم المناسبة؛ كلها أمور مهمة، وتؤدي بالقدر نفسه من الأهمية، دوراً حيوياً في تحقيق الدافع المطلوب.

والقول المأثور: "نحن نتاج بيئتنا" صحيح بالتأكيد عندما يتعلق الأمر بدافع الإنجاز.

تبادرت فكرة أخرى إلى ذهني عندما قرأت هذه القائمة، وهي أنَّني أستطيع أن أرى بوضوح سبب شهرة تمرين كروس فت، فهو يوفر تقريباً كل واحد من هذه العوامل المؤثرة في بيئة ترحيبية، ويوضح لنا هذا المثال قوة المكونات الخارجية.

هل يعتمد نجاح دافع الإنجاز عليك؟

في هذه المرحلة، قد تقول لنفسك: "بالتأكيد، العالم الخارجي له تأثير فيَّ، لكنَّني أتخذ اختياراتي الخاصة بي بنفسي؛ ينبع الدافع من داخلي"، هذا صحيح، نحن جميعاً نتخذ خياراتنا وتقودنا مشاعرنا الداخلية.

نحن كائنات عاطفية تفكر أحياناً وليس العكس، عليك أن تأخذ خطوة إلى الوراء وتفكر في محفزاتك المُعتادة في موقف معيَّن، هل ما يحفزك عادة هو الدافع الداخلي أم الخارجي؟ إليك معلومات إضافية حول هذين اللغزين في حال لم يكونا مألوفين لك.

الدافع الخارجي: هو حافز خارجي يدفعك إلى المشاركة في نشاط معيَّن، وخاصة الدافع الناشئ عن توقع العقوبة أو المكافأة؛ كأن ترغب مثلاً في نجاح دعاية ترويجية من أجل كسب المزيد من المال، وفي هذه الحالة أنت مدفوع بالمكافأة الخارجية وهي المال.

الدافع الداخلي: هو حافز يدفعك إلى المشاركة في نشاط معيَّن ينبع من المتعة في النشاط نفسه، وليس بسبب أي فوائد خارجية يمكن الحصول عليها؛ مثل أن ترغب في الحصول على ترقية، لتشعر بأنَّك أكثر رضىً عن عملك، وفي هذه الحالة أنت مدفوع نحو تحقيق ترقية من خلال عملك الجاد والدؤوب.

عندما تضيف هذه التعاريف إلى المزيج، تصبح الصورة أكثر وضوحاً قليلاً، وقد تختلف تجربتك من موقف إلى آخر، ولكنَّك تميل إلى أحد هذين الخيارين عادةً.

شاهد بالفديو: 20 قول رائع في تحفيز وتطوير الذات

مقارنة النجاح بالفشل:

من الجوانب المهمة الأخرى، أنَّ دافع الإنجاز ينبع من حاجتين منفصلتين؛ إحداهما الدافع لتحقيق الأهداف، وترتبط برغبة المرء في تحقيق أهداف ناجحة، والأخرى هي الدافع لتجنب الفشل.

يتردد بعض الأفراد في تحمُّل مسؤولية تحقيق الأهداف أو المشاركة في الأنشطة، وذلك لأنَّهم يخشون الفشل، والدافع لتجنب الفشل يشمل القلق بشأن عواقب الفشل، وانتقاد الذات، وتشتت الانتباه، أو تسارع معدل ضربات القلب أو العصبية، والتي يمكن أن تؤدي جميعها إلى ضعف الأداء.

في المقابل، يكون أولئك الذين يشعرون بالحاجة إلى تحقيق الأهداف بنجاح، أكثر تحفيزاً للاستمرار في الأهداف التي يعرفون أنَّهم يستطيعون تحقيقها؛ الأمر الذي يعني أنَّ سلوكك الموجَّه نحو الإنجاز يتأثر بقوة ميولك إلى تحقيق النجاح.

يمكن رؤية دافعَي النجاح والفشل في البيئات التنافسية في جميع أنحاء العالم، من صالات تمرين الكروس فت المحلية إلى الألعاب الأولمبية؛ لذا استمع فحسب إلى المقابلات التي تُجرى بعد المباراة، وسوف تسمع الدلائل التي تشير إلى القوة الدافعة للرياضي، وأنا شخصياً أستمتع بالاستماع للموسيقى التي تُشغَّل في المباريات، مثل أغنية كل ما أفعله هو النجاح (All I Do is Win) للدي جي خالد (DJ Khaled)، أو أغنية خاسر "Loser" لبيك (Beck)؛ حيث تُظهر الموسيقى دائماً كيف ينظر العالم الخارجي إلى الرياضي أو المباراة، ممَّا يعيدنا إلى قوة العوامل الخارجية.

وهي السائدة بشكل خاص في المجالات التي يُقيَّم فيها الأداء؛ حيث يُلفَت الانتباه إلى الدور المهم للميول التحفيزية الخارجية في الأنشطة الموجهة نحو الإنجاز؛ وهذا يعني أنَّه قد يكون من الصعب معرفة ما إذا كانت القوة الدافعة هي الدافع الخارجي أو دافع الإنجاز.

إقرأ أيضاً: 10 وسائل بسيطة لتحفيز نفسك والوصول إلى النجاح

هل دافع الإنجاز حقيقي؟

في هذه المرحلة، قد تشعر بالارتباك قليلاً وتتساءل عمَّا إذا كان دافع الإنجاز موجوداً حقاً، أم أنَّه مجرد نوع آخر من الدوافع المقنَّعة، صدقني، قد تؤدي بعض هذه المكونات إلى الارتباك قليلاً، ولكنَّ هناك مبدأ واحداً شاملاً سيؤثر في إيمانك بدوافع الإنجاز.

وفقاً لنظرية دافع الإنجاز، فإنَّ حاجة الشخص إلى تحقيق شيء ما، والسبب وراء دافعه العام لتحقيق هدف معيَّن، يأتي من الداخل في أغلب الأحيان، ويرتبط بشدة بحاجة الفرد إلى القوة والانتماء؛ بمعنى آخر، نعم، أنت تقوم باختياراتك الخاصة، ورغبتك في السيطرة هي ما يدفع هذه الاختيارات.

أراهن أنَّك سعيد بسماع ذلك، غير أنَّ الشيء المهم الذي يجب تذكُّره هو أنَّ دافع الإنجاز ينبع من شعور عاطفي.

في المثال المذكور آنفاً، كانت مشاعري هي التي دفعتني؛ دفعني شعوري التنافسي وكبريائي الذكوري ورغبتي في عدم التعرض للإهانة، إلى الإنجاز مهما كان الإنجاز صغيراً، وكان صغيراً فعلاً، ولا أعرف أي ذاكرة أقوى في ذهني، صعوبة التمرين أم إحراز نتيجةٍ سيئة.

ومع ذلك، استفدت من دافع الإنجاز، ولم يمضِ وقت طويل حتى بدأت بهزيمة الجميع والوصول إلى القمة تقريباً؛ حيث استمرت السيدة الحامل في الفوز عليَّ حتى اليوم السابق للولادة، أعتقد أنَّه لا يمكنك الفوز بكل شيء، ولكن يمكنك أن تكون متحمساً للمحاولة.

المصدر




مقالات مرتبطة