ما هو العلاج المعرفي السلوكي لنوبة الهلع؟

إنَّ العلاج المعرفي السلوكي هو مجال هام جداً في المعالجة النفسية، فلا يجب إغفاله، ولا يجب على المريض أو الطبيب النفسي أن يكتفي بالدواء فقط؛ لأنَّ الدواء يعالج الأعراض أما العلاج المعرفي السلوكي يساعد على علاج جذور المشكلة؛ لذا سنقدم لكم في هذا المقال لمحة مبسطة عن نوبة الهلع وأعراضها وأساليب علاجها من خلال استراتيجيات وأدوات العلاج المعرفي السلوكي.



ما هو تعريف نوبة الهلع؟

يُعرِّف علماء النفس نوبة الهلع على أنَّها حالة من الخوف الشديد أو انعدام الراحة، تصل إلى ذروة اشتدادها خلال فترة زمنية لا تتجاوز 10 دقائق، ويمكن أن تحدث في العديد من الحالات حسب أنواع المخاوف الموجودة عند الإنسان، فمن يخاف من الأفعى ستأتيه نوبة الهلع عندما يراها، ومن يخاف من مقابلة الناس، ستأتيه نوبات الهلع في المواقف الاجتماعية.

ما هي الأعراض الجسدية التي تترافق مع نوبة الهلع؟

  1. تسارع عدد ضربات القلب وإحساس المريض بذلك، وهو ما يعرف باسم الخفقان.
  2. وجود ألم أو انزعاج شديد في منطقة الصدر لدرجة تعوق التنفس.
  3. ارتجاف المريض بشكل شديد ويتعرق.
  4. الشعور بالاختناق وعدم القدرة على التنفس.
  5. الشعور بالغثيان أو بانقباضات في البطن.
  6. الشعور بانعدام الأمان، وهو شعور يصفه المريض على أنَّه خروج الروح من الجسد.
  7. الشعور بالدوار.
  8. الخوف من الموت، ومن فقدان السيطرة.
  9. الشعور بأحاسيس غريبة مثل الوخز أو الفوران الساخن.

ما هي أنواع نوبات الهلع وفق منهجية العلاج المعرفي السلوكي؟

يمكن تقسيم نوبات الهلع بحسب ارتباطها بالموقف المحرض إلى ثلاثة أنواع رئيسة:

1. نوبات هلع غير متوقعة أو غير واعية:

أي لا ترتبط مع الموقف بشكل واعٍ، وليس لديها مثير واضح أو محدد.

2. نوبات هلع محكومة بالموقف:

ويمكن أن نسميها "نوبات هلع واعية"؛ على سبيل المثال، نوبة الهلع التي تحدث عند رؤية الثعبان لمن لديه خوف شديد من الثعابين.

3. نوبات هلع لديها استعداد وفقاً للموقف:

وتحدث عند تعرض الشخص للموقف، ولكنَّها ليست محكومة به بشكل كامل؛ على سبيل المثال، قد تحدث نوبات الهلع عند شخص في حال قيادته للسيارة لكن ليس بشكل دائم، فقد يقود السيارة ولا تأتيه نوبة الهلع.

ما هي الأمور التي يلجأ إليها بعض الناس لتجنب نوبات الهلع أو الخوف المرضي؟

قد يلجأ بعض المصابين بنوبات الهلع إلى بعض التصرفات أو السلوكات الشخصية التي يعتقدون أنَّها تساعدهم على تجنب هذه النوبات، مثل:

  1. قد يلجأ بعضهم إلى تجنب المرور بالأماكن التي تعج بالازدحام أو الأماكن التي لا يوجد فيها ناس أو المصاعد وما إلى ذلك من الأماكن التي تحرض نوبات الهلع لديهم.
  2. قد يتناول الشخص بعض الأدوية قبل الدخول إلى الموقف.
  3. قد يلجأ بعض الناس إلى تناول الكحول قبل التوجه إلى المطار أو المصعد.
  4. فيما يلجأ بعض الناس إلى اصطحاب صديق أو قريب إلى تلك الأماكن التي يتوقعون حدوث هذه النوبات فيها.

إعادة البناء المعرفي في العلاج السلوكي المعرفي لنوبات الهلع:

ترتكز هذه الاستراتيجية في العلاج على تغيير الأفكار التي تساهم في تحريض نوبة الهلع أو تسيء إليها بشكل أو بآخر مثل:

  1. يجب عليَّ أن أكون قوياً طوال الوقت.
  2. يجب أن أخفي ضعفي عن أعين الجميع.
  3. لا بد أن أتحكم بجسدي بشكل مضبوط ومحكم.
  4. تعني هذه الزيادة في معدل ضربات قلبي أنَّني سوف أصاب بصدمة قلبية.
  5. يعني هذا الدوار الذي أعاني منه أنَّني شخص ضعيف لا حول له ولا قوة.

إنَّ هذه الأفكار الكوارثية الموجودة لدى المريض تؤدي إلى تسهيل حدوث النوبة، ومفاقمتها وإطالة مدتها؛ لذا يجب على المعالج النفسي إخبار المريض بأنَّ هذه الأنماط من التفكير تسيء إلى حالته، وهنا يأتي الدور الأهم للمعالج بأن يساعد المريض على حذف هذه الأفكار أو استبدالها بأفكار أخرى مفيدة.

مثال عملي عن نوبة الهلع:

لدينا صديقتنا "هانا" ذات الأربعين عاماً وهي أم لطفلين، وتعمل محاسبة في أحد البنوك، وقد عانت منذ خمس سنوات من نوبات الذعر الشديد، وكانت أول مرة حين دخلت إلى مصعد مزدحم نوعاً ما، وبدأت تشعر بتسارع ضربات القلب والتعرق الشديد، فشعرت كأنَّ أحداً ما كان يحاول خنقها.

إذ عانت "هانا" من هذه النوبات في الأماكن المزدحمة بشكل خاص، وبقيت هذه النوبات تأتيها لمرة أو مرتين في الشهر، وكان لديها شعور بالأمان عندما تكون قريبة من المستشفى، كما كانت تقلق من الأماكن المزدحمة لأنَّها تشعر بصعوبة تلقي المساعدة؛ لذا كانت تشعر بالأمان عندما تكون قريبة من المستشفى، وقد كانت تصطحب زوجها معها عندما تسافر وتمر بمناطق الازدحام، فحاولت "هانا" معالجة الأمر؛ لذا راجعت الطبيب ووصف لها مضادات الاكتئاب، ولكنَّها لم تفلح ولم تحصد "هانا" أيَّة نتيجة من تناول هذه الأدوية.

شاهد: أسباب الاكتئاب الشتوي وطرق علاجه

استراتيجية التربية النفسية في العلاج السلوكي المعرفي لنوبات الهلع:

إنَّ المريض - وبسبب ثقافته النفسية المتواضعة - سيعتقد بعد نوبة الهلع أنَّه مصاب بمرض خطير أو لديه مشكلة كبيرة وما إلى ذلك من المعتقدات الخاطئة التي تفاقم من حالة المريض وتجعله يدور في حلقات مفرغة.

لذا يجب على المعالج النفسي أن يشرح له أنَّ ما يمر به من نوبات هلع، يمر به الكثير من الأشخاص، وهذا ليس اضطراباً نادراً؛ بل هو شائع بكثرة في جميع المجتمعات والثقافات لكن لا يتم الحديث عنه من قِبل أصحابه؛ نظراً لأنَّها تجارب سيئة ومؤلمة، وتجلب الحرج لهم، وسنلاحظ على المريض حالة من الارتياح عندما يعلم بأنَّه ليس الشخص الوحيد الذي مر بمثل هذا الأمر.

فمن الهام أن يعلم المريض ولو بشكل مبسط الآلية الصحيحة لحدوث نوبات الهلع كي لا نتركه فريسة سهلة للإشاعات والأكاذيب والمعلومات الخاطئة، ومن الضروري أن يعرف المريض أنَّ نوبات الهلع ما هي إلا استجابة طبيعية لكن بمحرِّض أقل من المرض الطبيعي، فمن الطبيعي أن يتولد لدى الإنسان نوبة هلع عندما يتعرض لخطر حقيقي، لكن ما يحدث هنا هو إحساس الخطر في ظروف لا تستدعي الشعور بالخطر.

فإنَّ فهم المريض لما يحدث خلال نوبة الهلع ربما لا يخلصه من النوبة، لكن يجعله يمر بهذه الخبرة بشكل مقاوم نوعاً ما؛ وهذا يجعل لديه قدرة أكبر على تحمُّلها، ويصبح لها تأثير أخف فيه.

هل تفيد تمرينات التنفس في علاج نوبات الهلع؟

لتمرينات التنفس دور هام وكبير في علاج نوبات الهلع؛ وذلك لأنَّ الأعراض النفسية والجسدية التي يمر بها المريض خلال نوبة الهلع تُحدث تغيرات في معدل وعمق التنفس؛ وهذا يؤدي إلى الشعور بالاختناق أو الإحساس بأنَّ شيئاً سيئاً سوف يحدث، وهنا يأتي دور تمرينات التنفس في تنظيم معدل التنفس، والتحكم به ولو بشكل جزئي؛ وهذا يخفف من الخوف والقلق، ويعطي المريض بعض الوقت وبعض الثقة من أجل استجماع قواه وأفكاره، واستذكار تعليمات المعالج النفسي في التعامل مع نوبة الهلع.

إقرأ أيضاً: 7 نصائح مهمة للتخلص من نوبات الهلع

ما هي أهم نقطة في العلاج السلوكي المعرفي لنوبات الهلع؟

إنَّ أهم فكرة في العلاج المعرفي السلوكي لنوبات الهلع هي "التقبل"، فإذا لك يتقبَّل الشخص فكرة أنَّها يمكن أن تحدث مرة أخرى، فإنَّه سيظل يعاني أكثر؛ إذ إنَّ التقبل يساعد المريض على أن يتسامح مع نفسه، ولا يجلدها على أشياء لا حول لها بها ولا قوة؛ وهذا يعطيه فرصة من أجل التفكير في الآلية المناسبة له للتعامل مع النوبة.

استراتيجية تعديل الانتباه والمواقف في العلاج المعرفي السلوكي لنوبات الهلع:

على الرغم من أنَّ نوبات الهلع قد تأتي في كثير من الحالات بشكل غير متوقع، ودون أن يرتبط حصولها بأي سبب ظاهر، لكن عندما يطلب المعالج النفسي من المريض أن يراقب الظروف التي أدت إلى حصول النوبة مثل المكان والموقف والزمان والنتائج والآثار التي أحدثتها، فإنَّ نموذج النوبة يصبح أمراً واضحاً في أغلب الحالات.

في مثالنا السابق لاحظت صديقتنا "هانا" وجود حالة من الاضطراب الانفعالي لديها قبل حدوث النوبات، وخصوصاً بعد جدالات حادة نوعاً ما بينها وبين زوجها، وكذلك اعترفت "هانا" أنَّ درس اليوغا كان أحد العوامل المحرضة؛ إذ ينتابها شعور بعدم الراحة، فوجدت أنَّ تمرينات التركيز على حركات التنفس وضربات القلب، من الممكن أن تشعرها بالقلق وتساهم في تهيئة الظروف لحدوث نوبة الهلع.

كما وجدَت "هانا" أنَّ معرفتها لهذه الأمور تقلل تقليلاً كبيراً من حدة نوبات الهلع؛ وذلك لأنَّها أعطتها شعوراً بأنَّها قادرة على التحكم بنفسها، وأيضاً أكسبتها مقدرة على التنبؤ بحدوث هذه النوبات؛ وهذا قلل من قلقها إزاء حدوث هذه النوبات.

إقرأ أيضاً: نوبات الهلع: أنواعها، وأعراضها، وعلاجها، وطرق التعامل معها

في الختام:

يؤكد المعالجون النفسيون أهمية رفع حب الاستطلاع والاكتشاف لدى المريض حيال ما يحصل خلال نوبة الذعر؛ إذ وجدوا أنَّ ذلك يخفف تخفيفاً كبيراً من الخوف الحاصل خلال النوبة، وتذكر دائماً أنَّ خيارك في التوجه نحو الطبيب أو المعالج النفسي هو خيار صائب دوماً، ومن المستحيل أن يكون خاطئاً، وهو دليل وعي وثقافة عالية، وهو كما يقول علماء النفس "خير دليل على أنَّك أفضل حالاً ممن هم حولك".

المصادر:




مقالات مرتبطة