ما هو التعصب؟ وما هي النظريات التي تفسره؟

نعيش اليوم في عالم يحترم حقوق الإنسان، ولا تمييز فيه بين الأجناس والأعراق والألوان، فإلى أي مدى يمكن عَدُّ هذا الكلام صحيحاً؟ وهل ولَّت أيام التعصب والتمييز إلى الأبد وباتت القوانين هي الحكم بين الناس، أم أنَّ آثار التعصب ما زالت طافية في العقول حتى يومنا هذا؟ إذا أردت أن تعرف أكثر عن التعصب ونظريات تفسيره، ليس عليك إلا متابعة القراءة.



أولاً: ما هو التعصب؟ وما هي أنواعه؟

لنفهم التعصب أكثر علينا بدايةً التعرُّف إلى بعض المصطلحات المرتبطة به؛ فالجماعة العنصرية مثلاً هم مجموعة من الأفراد يتميزون عن غيرهم بواحدة أو أكثر من الصفات الآتية: "الجنس، والدين، والسلالة، واللون، والقومية، وغير ذلك"، وبناءً على هذه الصفات يمكن تقسيم أفراد دولة ما إلى العديد من الجماعات العنصرية.

فمثلاً إذا أردنا تقسيم دولة كأمريكا على أساس هذه الجماعات، فسنجد أنَّ نحو ثلث سكانها أعضاء في جماعات عنصرية؛ والاتجاه العنصري مصطلح آخر يرتبط ارتباطاً كبيراً بالتعصب؛ فهو يعني الاتجاه أو الرأي الذي نكوِّنه نحو فرد أو جماعة عنصرية لا ننتمي إليها، علماً أنَّ هذا الاتجاه أو الرأي يتأثر تأثراً كبيراً في المعلومات الشائعة عن هذه الجماعة، كما يدفعنا هذا الاتجاه أو الميول للاستجابة بطرائق معينة عند التعامل مع أفراد جماعة عنصرية ما، فقد تكون استجابتنا إيجابية أو سلبية أو متعادلة.

التعصب إذاً هو اتجاه عنصري سلبي تجاه جماعة ما أو أحد أفرادها، وغالباً ما يترافق مع سلوك عدواني ضدها، ويقوم التعصب على عدم احترام ممارسات أو عادات ومعتقدات الآخرين، وسلبهم في بعض الأحيان حقوقهم ومنعهم من التعبير بحرية عن آرائهم، والتعصب أيضاً يشمل رفضاً لوجود جماعة مختلفة ضمن المجتمع والتعامل معها بتمييز وازدراء.

كما ينشأ التعصب بسبب المواقف والخبرات التي يمرُّ بها الفرد، ويأتي محصلةً للتفاعلات الاجتماعية التي تتم بين الفرد والمجتمع، والحقيقة أنَّ التعصب من المشكلات الكبيرة التي تعاني منها المجتمعات المكوَّنة من جماعات عنصرية متعددة سواء أكانت قائمة على أساس الدين أم اللون أم العرق أم الجنس، ويسبب التعصب إفساداً للعلاقات القائمة داخل المجتمع، كما يؤثر في تماسك المجتمع وتجانسه.

فمن منَّا لم يسمع بالعنصرية الشديدة التي عانى منها الزنوج لسنواتٍ طويلة في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي ما زالت آثارها واضحةً حتى الآن؛ إذ كان الأمريكيون البيض يَعُدُّون الزنوج أقل مستوى منهم عقلياً وخلقياً، وظهر هذا التعصب ضد الزنوج في الكثير من مجالات الحياة ليشمل الحقوق السياسية والسكن والمهنة والتربية والمواصلات، وعلى الرغم من تغنِّي المجتمعات الأمريكية بالديمقراطية والحريات السياسية، إلا أنَّ مظاهر هذا التعصب ما زالت موجودة حتى الآن، وفي بعض الولايات الأمريكية لا يمارس الرجل الزنجي حقه السياسي.

إن كنَّا قد تطرقنا مطولاً إلى موضوع الزنوج، فهذا يرجع لكونه من أكثر اتجاهات التعصب شهرةً في العالم، إلا أنَّ التعصب لا يقتصر على جماعة الزنوج؛ بل يتعداه ليُمارَس ضد أيَّة جماعة أخرى تشترك بصفات معينة، ومن الجدير بالذكر أنَّ الناس الذين لديهم اتجاه عنصري سالب ضد مجموعة ما يبحثون لأنفسهم عن مبررات لإثبات صحة ادعاءاتهم ونظرتهم.

فيما يأتي سنورد بعض الحقائق التي تؤكد خطأ ادعاءاتهم:

  1. لا وجود للأجناس النقية حقيقة في العصر الحالي، وهذا ما أكدته الكثير من الدراسات.
  2. الفروقات التي نجدها بين أفراد الجماعات الواحدة تفوق الفروقات الموجودة بين الأجناس المختلفة.
  3. الصفات الجسمية حقيقةً يشترك بها أفراد المجموعة الواحدة، لكن لا يمكن تعميم ذلك على الصفات العقلية أو الاجتماعية أو الانفعالية.
  4. يميل بعضهم للحطِّ من ذكاء بعض الأعراق، كاقتراب الزنوج من الشكل الحيواني بسبب شكل أنوفهم، وهذا بالتأكيد ليس مقياساً، فإذا ما سرنا على هذا المنوال سنجد أنَّ جميع البشر على اختلاف أجناسهم لديهم صفات تقرِّبهم من الشكل الحيواني.

شاهد: 8 نصائح لإظهار التعاطف ومراعاة الآخرين

أنواع التعصب:

للتعصب أنواع مختلفة وهي:

1. التعصب الديني:

هو تمييز يتم على أساس الدين؛ وهذا ما ينتج عنه سلوك عدواني واضطهاد وتحيُّز ضد جماعة دينية مختلفة، وفي بعض الأحيان لا يكون الدافع الديني وحده وراء التعصب الديني؛ بل قد يكون الدافع ثقافياً أو سياسياً.

2. التعصب العنصري:

هو تعصب على أساس النوع سواء الأصل أم اللغة أم القومية، وهو أكثر أنواع التعصب تأثيراً في المجتمعات؛ ويرجع ذلك لتأثيره في البنى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية داخل المجتمع.

3. التعصب الفكري:

وفي هذا النوع يحاول شخص ما فرض آرائه وأفكاره على أفراد آخرين بشكل غير منطقي وبتجاهل تام لآرائهم وأفكارهم.

4. التعصب على أساس الجنس:

هو التعصب الموجَّه ضد النساء بِعَدِّهم ينتمون لجنس أدنى من الرجال؛ وهذا ما ينتج عنه الكثير من المشكلات داخل المجتمع كالعنف ضد المرأة واستغلالها في أماكن العمل وعدم إعطائها حقها وتحقير إنجازاتها لمجرد كونها امرأة.

5. التعصب الرياضي:

على الرغم من أنَّ هذا التعصّب قد يبدو أبسط من غيره، لكن في الحقيقة، قد ينتج عن التعصب تجاه فريق رياضي معين الكثير من أعمال العنف.

6. التعصب السياسي:

قد يُمارَس هذا التعصب من قِبل سلطة ما؛ وذلك من خلال إجبار الشعب على اتباع حزب ما أو رأي سياسي، وقمعهم في حال رفضوا الانصياع للسلطة، وقد يُمارَس من قِبل الفرد من خلال تحيُّزه لحزب أو فريق سياسي ما وانسياقه وراءه بشكل أعمى.

ثانياً: لماذا يتعصب البشر ضد جماعة ما؟

بعد أن تعرَّفنا إلى مفهوم التعصب وشكل العلاقات العنصرية وما سببته من كوارث للإنسانية في كل أنحاء العالم، سيخطر في بالنا أن نسأل لماذا يتعصب الإنسان إذاً ضد جماعة ما؟ كما ذكرنا آنفاً فإنَّ التعصب هو عبارة عن اتجاه عنصري سلبي، وحتى نفهم التعصب علينا التعرُّف إلى طبيعة هذا الاتجاه؛ إذ يتفق الباحثون في مجال الاتجاهات على وجود ثلاث جوانب مكوِّنة للتعصب وسنتعرَّف إليها فيما يأتي:

1. الجانب المعرفي:

المقصود بهذا الاتجاه من التعصب مجموعة الآراء والأفكار والمعتقدات التي كوَّنها الفرد عن جماعة ما؛ فمثلاً قام باحثون عام 1933 بإجراء دراسة طلبوا فيها من 100 طالب جامعي اختيار مجموعة من الصفات من بين 48 صفة يرون أنَّها تميِّز جماعة ما من بين 10 جماعات هم: الأمريكيون، والصينيون، والألمانيون، والإنجليزيون، والأيرلنديون، والإيطاليون، واليابانيون، والأتراك، واليهود، والزنوج، وقد توصلت الدراسة إلى وجود اتفاق كبير على مجموعة من الصفات نُسبت إلى جماعة ما، على الرغم من أنَّ العديد من أفراد العينة لم يتواصوا طوال حياتهم مع فرد من هذه المجموعات.

فيما يأتي عدد من الصفات المنسوبة لكل جماعة والتي اتفقت عليها العينة:

  1. الألمانيون: عمليون، وجادون، وغير عاطفيين.
  2. اليهود: حب المال، والجدية واللؤم.
  3. الزنوج: كسالى، وسهل قيادهم، ويصدِّقون الخرافات.
  4. الإيطاليون: عاطفيون، ومندفعون، وأغلبهم من الفنانين.
  5. الصينيون: مرحون، وخرافيون.
  6. الأتراك: لا يمكنك الاعتماد عليهم، وقساة، ومتدينون.
  7. اليابانيون: جادون في العمل وأذكياء.
  8. الأمريكيون: المادية، والجدية بالعمل، والذكاء.
  9. الأيرلنديون: أذكياء لكن يسهل استفزازهم.
  10. البريطانيون: تقليديون، وأذكياء ورياضيون.

لقد أُجرِيت الكثير من الدراسات للكشف عن مدى استمرار مثل هذه الأفكار الشائعة عن جماعة ما، ولمعرفة السبب وراء تصديق الناس لها وتبنيها والبحث في صحتها ومدى توفر جانب من الحقيقة فيها.

2. الجانب العاطفي:

ويُعَدُّ هذا الجانب هاماً جداً، فمن خلاله يتم قياس كمية العداء لجماعة ما، وحتى كمية الحب أو قبول الصداقة معها، وقد نال هذا الاتجاه اهتمام العديد من الدراسات التي كانت تسعى إلى قياس الاتجاه من خلال الصورة العامة لمشاعر الفرد.

3. الجانب النزوعي:

يرتبط هذا الاتجاه بالاتجاه السابق، فإذا كان الفرد جاهزاً من الناحية العاطفية للتعصب ضد جماعة ما، فهذا سيدفعه إلى النزوع لاتخاذ سياسة معينة ضدها، فيضع في باله نتيجةً لذلك خطة لكيفية التعامل مع هذه الجماعة.

ثالثاً: ما هي النظريات التي تفسر التعصب؟

نتيجةً لاهتمام علماء النفس بالتعصب وفهمه وتفسيره، فقد وُضِعت نظريات عدة لتفسيره، وهي:

1. نظرية الاستغلال:

تقوم هذه النظرية على فكرة مفادها أنَّ التعصب ضد جماعة ما تُنمِّيه طبقة من المستغلين بهدف وصم هذه الجماعة بالنقص حتى يَسهل استغلالها.

يَعُدُّ مؤيدو هذه الجماعة ما فعله الأمريكيون ضد الزنوج أكبر دليل على صحة كلامهم، فتاريخ الولايات المتحدة الأمريكية حافل بكافة أنواع الاستغلال ضد الزنوج وفي كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ويقول المعارضون لهذه النظرية إنَّها تفسر تعصب الأمريكيين ضد الزنوج ولكنَّها لا تستطيع تفسير تعصب الأمريكيين ضد الكاثوليك مثلاً.

2. النظرية الحضرية:

الحياة الحضرية ليست حياةً بسيطة كحياة الريف؛ بل هي حياة قائمة على المنافسة والغش والخداع والصراع؛ لذلك فإنَّ الخوض فيها يولِّد الكثير من الخوف من عدم القدرة على التماشي والاندماج مع هذه الحياة؛ وهذا يسبب كرهاً لمن لم يستطع الوصول؛ لأنَّ هؤلاء يذكروننا بإمكانية فشلنا كالزنوج مثلاً، وكرهاً لمن تمكَّن من الوصول إلى هذا المستوى لأنَّه يمثل الحياة الحضرية بما فيها من سيطرة للمال ورياء وغش، ولذلك نكره الزنوج.

3. نظرية كبش الفداء:

الحياة مليئة بالكثير من الصعوبات والمواقف المحبطة التي ينتج عنها في الأغلب سلوك عدواني، ولأنَّ الفرد لا يوجِّه عداءه هذا تجاه المثيرات الحقيقية لإحباطه؛ أي العوائق التي وقفت في طريقه خوفاً من رفض المجتمع له أو حتى خوفه من رفض ذاته وكرهها، فإنَّه يبحث عمن يوجِّه سلوكه العدواني هذا ضده، فيقوم بتوجيهها إلى أفراد الأقليات بحيث يصبح أفراد هذه المجموعات كبش فداء، والكثير من الأبحاث أكدت أنَّ التعصب ضد الأقليات يزداد في أثناء مرور الجماعات بأزمات تُشعرها بالخطر كالأزمات الاقتصادية.

إقرأ أيضاً: ما هو مفهوم التسامح؟ وما فوائده وأهميته؟

4. النظرية البيئية:

تقول هذه النظرية إنَّ التعصب هو اتجاه يتعلمه الطفل منذ نشأته؛ أي يقوم باكتسابه، فالطفل يتعرض للكثير من الخبرات والمؤثرات التي تعمل على تشكيل شخصيته؛ إذ يتعلم أنَّه ينتمي إلى مجموعة معينة، وأنَّ هناك مجموعات أخرى في المجتمع، ولكل فئة ومجموعة صفات معينة، كما يتعلم الطفل أن يسلك سلوكاً محدداً تجاه هذه الجماعات وأن ينهج نهج جماعته في سلوكها حتى يكسب رضاها وقبولها، وبذلك فإنَّ تعصب الفرد ما هو إلا انعكاس لما تعلَّمه واكتسبه في حياته.

5. النظرية الفينومينولوجية:

في هذه النظرية يتم تفسير التعصب بأنَّه يحدث ضد جماعة أو فرد ينتمي إلى جماعة ما عندما نشعر أنَّ فيها تهديداً لنا أو بسبب اتصافها بصفات غير مقبولة من وجهة نظرنا، وقد يكون هذا السلوك الموجَّه ضد الآخرين نتيجة اتصافهم فعلاً بصفات غير مقبولة وقيامهم بتصرفات تثير الكراهية، أو بسبب عوامل ذاتية مرتبطة بتعصب الفرد التي تجعله يرى أموراً غير موجودة؛ فمثلا يتجنب الكثيرون التعامل مع اليهود لاتصافهم بالجشع والغش، وقد يكون اليهودي متصفاً بهذه الصفات وقد لا يكون.

إقرأ أيضاً: العنصرية وآثارها السلبية على المجتمع

في الختام:

في النهاية التعصب من الممارسات المرفوضة في المجتمع، والتي تؤدي إلى الكثير من الفجوات بين أفراده وتزعزع أمنه واستقراره؛ ونتيجةً لذلك يجب على الدول أن تأخذ موقفاً جدياً تجاهه؛ وذلك من خلال سن قوانين رادعة والقيام بمحاكمة حقيقية لمن يمارسه.




مقالات مرتبطة