ما هو الارتباط الشرطي؟ وكيف يمكننا فكّه؟

كيف أُلغي الارتباط الشرطي الذي خلقه عقلي بيني وبين شيء ما والذي يمنعني من عيش حياتي بحرية وسعادة؟ كيف لي أن أدخل بعلاقة عاطفية مع رجل دون أن ينتابني ذلك القلق الرهيب والخوف الشديد من خيانته وعدم إخلاصه لي؟ هذا ما سنعرفه من خلال هذا المقال.



"أخاف كثيراً، وأتوقع الألم الكبير بمجرد سماعي لصوت اهتزاز آلة طبيب الأسنان، إلى أن أصبح الطبيب يتململ من معاينة أسناني والكشف عليها"، "لا أستطيع التحكم في انفعالاتي، فأنهار تماماً عند سماعي لخبر وفاة شخص ما، وأقوم باستحضار كل المشاعر السلبية التي انتابَتني لحظة وفاة والدي"، "أنا أكره كثيراً المرور في تلك المنطقة، وأُصاب بحالة من الحزن الشديد عند وجودي فيها، فكيف لي أن أنسى الحادث الأليم الذي أصابني فيها منذ عشرين سنة"، "السعادة مرتبطة مع الحب بالنسبة إليَّ، وبما أنَّني لم أعشق بَعْد، فأنا لم أحيَ بَعْد؛ أي إنَّني حية مع وقف التنفيذ".

يبني الكثير من الناس قناعاتهم وأفكارهم وردَّات أفعالهم بناءً على تجارب سابقة كانوا قد تعرَّضوا لها، ومع وجود مبالغة غير منطقية في المشاعر وعدم توازن في تفسير الأمور، ينزع الكثير من الناس إلى خلق أحكام قاسية جداً على الأشياء، ويميلون إلى خلق روابط قوية مع الأشياء من حولهم، بحيث تتشوَّش لديهم الرؤية، ويبتعدون عن العيش بطريقة سعيدة، ويقبعون في حالة من مشاعر الألم والقلق والتوتر بالرغم من اختفاء المثيرات التي حرَّضَت تلك المشاعر بدايةً؛ أي إنَّ غياب المثير لم يستطع إيقاف الاستجابة السلبية الحاصلة، الأمر الذي يحوِّل الإنسان إلى قنبلة موقوتة قابلة إلى الانفجار في أيَّة لحظة.

كيف يعمل عقلنا الباطن؟

يميل عقلنا الباطن (غير الواعي) إلى التحكم في كل أفعالنا وتصرُّفاتنا، ومن دون أن نلاحظ ذلك؛ فكم عدد المرات التي ردَّدتَ فيها كلمات أغنية ما على الرغم من عدم متابعتك لأعمال مغنِّيها وعدم تركيزك السابق فيها؟ وكم عدد المرات التي دخلتَ فيها إلى مركز لبيع الأطعمة الغذائية، وقمتَ باتخاذ قرار الشراء بطريقة عفوية وغير مدروسة، لِتُفاجَأ بعد ذلك بأنَّك اشتريتَ منتجات العلامات التجارية الأكثر مشاهدةً على شاشة التلفاز وشاشات الإعلانات على الطرقات؟

يخزِّن عقلنا الباطن في الحقيقة كل شيء، وإن كنتَ تُعِدُّ أنَّ عقلك الواعي هو المسيطر فقط على حياتك، فهذا يعني أنَّك واهمٌ جداً؛ حيث تغزو ملايين المعلومات بطريقة غير مباشرة عقلنا غير الواعي، فاسحةً المجال للكثير من البرمجيات والقناعات الجديدة بالدخول إلى عقولنا بطريقة غير مباشرة بناءً على التكرار، وهذا هو مبدأ وسائل التواصل الاجتماعي الذي يقوم على التدفق الكبير للمعلومات مع التكرار الدائم لها، بحيث يميل الإنسان إلى تبنِّي أفكار جديدة لم يكن يتوقع تبنِّيها في حياته؛ فعلى سبيل المثال: باتت مسألة الأعراس الباذخة، وجلسات التصوير المبالغ فيها، والتفاصيل المادية الأخرى، إحدى أهم مقتضيات اكتمال علاقة الحب بين شخصين.

شاهد بالفيديو: قوانين العقل الباطن

العلاقة ما بين العقل والجسد:

نحن نتيجة لأفكارنا؛ فانظر إلى استجابة جسدك لفكرة القلق التي تشعر بها نتيجة خضوعك إلى امتحان ما، ألم تنتبه إلى تعرُّق يديك وخفقان قلبك، واحمرار وجنتيك؟  ألا يدل هذا على الارتباط الوثيق ما بين عقلنا وجسدنا؟

ينعكس كل ما تكرره من أفكار على جسدك وسلوكاتك، فعلى سبيل المثال: إن استمررتَ في قول: "أنا غبي" إلى نفسك، فحينها ستدعم سلوكاتك كلها هذا القول لا محالة، وسيَسعى عقلك إلى إثبات غبائك في كل مرة.

لذلك، إن كنتَ ترغب في إعادة برمجة عقلك الباطن، فما عليك إلَّا تكرار الأفكار الإيجابية، حتى في حال عدم قناعتك الكاملة بها، على سبيل المثال: إن كنتَ تشعر بالخوف من قدرتك على بلوغ هدف ما، فعندها قل لنفسك: "أنا قادر على فعلها، أنا لها"، وتجاهَل ذلك الخوف الذي يقبع في داخلك، صدِّقني أنَّك ستشعر فعلاً بالقوة الحقيقية والتحفيز مع تكرار ذلك الحديث الإيجابي على مدار فترة زمنية معيَّنة.

ما هو الارتباط الشرطي؟

لعلَّ جميعنا يعلم تجربة "بافلوف" الشهيرة مع كلبه؛ حيث كان يسيل لعاب الكلب (استجابة طبيعية) بعد تقديم "بافلوف" الطعام له (المثير الطبيعي)، ومن ثمَّ قام "بافلوف" بالربط ما بين الجرس والطعام، بحيث قدَّم الطعام للكلب عقب رن الجرس تماماً، ولاحظَ "بافلوف" بعد فترة من الزمن سيلان لعاب الكلب بمجرد سماعه لصوت الجرس، على الرغم من عدم رؤيته الطعام؛ أي إنَّ الكلب قد خلق ارتباطاً شرطياً ما بين الجرس (مثير غير طبيعي) والطعام بحيث أنَّه يعطي استجابةً (سيلان اللعاب) لمجرد سماع صوت الجرس، وهنا اكتسب الجرس خاصية التأثير، حيث إنَّه قادر على خلق استجابة طبيعية (سيلان اللعاب) حتى مع غياب المثير الطبيعي (الطعام).

تقودنا هذه التجربة إلى مسائل هامة جداً في حياتنا الشخصية، فكم نبقى أسرى تجارب معيَّنة، بحيث نحتفظ باستجابات سلبية وعنيفة تجاهها، بالرغم من زوال المثير الأساسي لها، على سبيل المثال: "قد يتعرَّض شخص ما إلى فقدان شخص عزيز عليه كالأب مثلاً (مثير طبيعي) الأمر الذي يجعله حزيناً (استجابة طبيعية)، ولكن قد تتكرر تجارب الموت في حياته، بحيث يواظب على تفسير الحدث في كل مرة بطريقة سلبية وحزينة، مصحوباً بحالات من الانفعال الشديد، إلى أن تأخذ فكرة الموت خاصية التأثير على كامل حياته، فيصنع ارتباطاً شرطياً ما بين فكرة الموت والخوف؛ بحيث تنتابه مشاعر القلق والحزن لمجرد سماعه كلمة الموت بالرغم من اختفاء المثير الأساسي (موت الأب).

إقرأ أيضاً: حياتك تكمن داخل عقلك الباطن

كيف أفكُّ الارتباط الشرطي؟

ينشأ الارتباط الشرطي نتيجة تعرُّض الشخص لمثير ما وبشكل متكرر، مع خلق تفسير سلبي في كل مرة يمرُّ بها الحدث، بالإضافة إلى صبغ الحالة بمشاعر من القلق والتوتر، الأمر الذي يخلق سلوكاً تجنُّبياً هروبياً طلباً للراحة. ولفكِّ هذا الارتباط، عليك أن تقوم بما يلي:

1. التعرُّض التدريجي للحدث (المثير):

إن كان لديك خوف هستيري من الخروج خارج المنزل، فعليك أن تبدأ بمواجهة مخاوفك؛ فالهروب لن يفيدك في شيء؛ بل سيزيد الأمر سوءاً، وابدأ في الخروج لمدة عشر دقائق مع الالتزام بالبسمة في أثناء العودة إلى المنزل، ومن ثمَّ تستطيع إطالة مدة الخروج يومياً مع الالتزام بفترات زمنية قصيرة بين كل تعرُّض وآخر.

2. تقبُّل القلق:

أنت تقوم بفك ارتباط شرطي يبلغ من العمر سنوات وسنوات، فلا تتوقع سير الأمور بالكثير من المشاعر الإيجابية، ومن المؤكد أنَّك ستشعر بالقلق في أثناء تعرُّضك التدريجي للمثير ذاته الذي كنتَ تتجنَّبه فيما سبق، على سبيل المثال: ستشعر بالقلق في أثناء حضورك في مكان مغلق إن كان لديك ارتباط شرطي ما بين الأمكنة المغلقة والخوف؛ لذا تقبَّل هذا الخوف في أثناء تعرُّضك التدريجي العلاجي للمثير.

3. التفسير المتوازن:

اسعَ إلى خلق تفسير متَّزن للمثيرات التي تثير قلقك وخوفك؛ كأن تتحدث مع شخص تثق به عن خوفك الشديد من المستشفيات من جرَّاء مرض والدتك ووفاتها في المشفى، وعن التفسير الذي تبنَّيتَه بخصوص المشافي عادَّاً إيَّاها "أمكنة الموت"، ومن ثمَّ تأخذ وجهة نظره المحايدة والمنطقية عن الأمر، فقد يقول لك: "إنَّ المستشفى مكان لعلاج المرضى من الآلام، ولا علاقة ما بين المشفى ووفاة والدتك؛ فالموت قدر على الجميع ولا مفرَّ منه، كما أنَّه الانتقال الأكثر جمالاً إلى الدار الآخرة".

إقرأ أيضاً: 5 حقائق عجيبة عن القوى الخفية للعقل الباطن

4. تقبُّل العودة إلى الوراء:

أنت تعيد برمجة عقلك الباطن، فعليك أن تتوقع مقاومةً من برمجتك القديمة وسخطاً وغضباً منها؛ لذلك توقَّع تقدُّمك خطوتين وتراجعك خطوة إلى الوراء في الفترة الأولى من العلاج؛ فأنت تروِّض عقلك الباطن على أفكار جديدة وسلوكات مختلفة تماماً.

الخلاصة:

لا تكن ضحية المثيرات التي تتعرَّض لها خلال حياتك، ولا تجعلها تُسمِّم داخلك؛ بل حافِظ على وعيك وتوازنك، وابنِ تفسيرات منطقية للأحداث التي تختبرها، فكل ما تكرره من أفكار وأقوال يتقرر تماماً في حياتك وسلوكاتك.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة