ما هو اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)؟

قد يتعرَّض الكثير من الناس خلال حياتهم اليوميّة لتجارب خطيرة أو حوادث استثنائيّة وصادمة تثير فيهم الرعب وتكون خارجة عن إرادتهم، فقد يجد الشخص نفسه ضحيّة اعتداء مثلاً أو حادث سيّارة أو قد يشهد على أعمال عنف مثلاً. وغالباً ما يتجاوز الأشخاص هذه التجارب المريرة مع مرور الوقت ودون أي مساعدة نفسيّة، إلّا أنَّ هناك بعض الأشخاص الذين تسبِّب لهم هذه التجارب ردّة فعل نفسيّة قد تدوم لأشهر أو لسنوات وهذه الحالة يُطلَق عليها "اضطراب ما بعد الصدمة".



ووفقاً لدراسة أجرتها منظمة الصحّة العالميّة في 21 بلداً فإنَّ أكثر من 10% من المستجيبين أفادوا بأنّهم شهدوا عنفاً (21.8%)، أو تعرَّضوا لحالات عنف بين الأفراد (18.8%)، أو مرُّوا بحوادث (17.7%)، أو عانوا من ويلات الحرب (16.2%)، أو صُدِمُوا جراء فقدهم أحد أحبائهم (12.5%).

وبيّنت الدراسة أنَّ 3.6% من سكان العالم عانوا من "اضطراب ما بعد الصدمة" في عام 2012م.

ما هو اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD

اضطراب الكرب التالي للصدمة أو اضطراب ما بعد الصدمة ويُسمَّى أحياناً باضطراب الكرب التالي للرضح (PTSD - Posttraumatic stress disorder) نوع من أنواع المرض النفسي واضطراب مُتعلِّق بالشعور بالقلق أو الصدمة والذي يَحدُث بعد التعرُّض لحدث صادم والتورُّط فيه أو مجرَّد مشاهدته. ويمكن لمجموعة كبيرة من الأحداث أن تُسبِّب هذا الاضطراب، كحوادث الطرق الخطيرة والحروب والمعارك والاعتداء الجنسي أوالاغتصاب والاعتداء الجسدي والسرقة والسطو والكوارث الطبيعية أو أيَّ صدمة أخرى.

ولا يتعلَّق اضطراب مابعد الصدمة بخلل أو ضعف في شخصيّة المريض، وإنَّما هو رد فعل على التغيُّرات الكيميائيّة في الدماغ بعد التعرُّض لأحداث صادمة أو مهدِّدة. ويعاني الشخص المصاب باضطراب ما بعد الصدمة من إحساس قوي بالخطر، ممَّا يؤدِّي لشعوره بالتوتُّر أو الخوف، وذلك حتّى في المواقف الآمنة.

في ما مضى خلال الحرب العالميّة الثانية كان يُدعَى هذا الاضطراب "Shell Shock" أي صدمة القذائف أو القصف، ثمَّ لاحقاً أطلق عليه التسمية الحاليّة "اضطراب ما بعد الصدمة" وغيرها من التسميات وذلك لعدم اقتصاره على الأشخاص الذين خاضوا الحروب وإنَّما يشمل كل شخص تعرَّض لصدمة في حياته، وقد يَحدُث هذا الاضطراب لكلٍّ من النساء و الرجال على حدّ سواء ولمختلف الأعمار. وعلى الرغم من أنَّ اضطراب ما بعد الصدمة قد يُصيب أي شخص تعرَّض لحدث صادم إلّا أنَّ هنالك مجموعات من الناس قد تكون أكثر شيوعاً بينهم، نذكر منهم:

  • رجال الإطفاء.
  • المراهقون الناجون من حوادث السيّارات الخطيرة.
  • ضحايا الاغتصاب من الإناث.
  • أسرى الحرب

أنواع اضطراب ما بعد الصدمة:

يُمكِن تقسيم اضطراب ما بعد الصدمة إلى 4 أنواع:

  1. اضطراب التوتُّر الحاد: وتبدأ فيه الأعراض  بالظهور خلال 4 أسابيع من الحادث أو الصدمة.
  2. الاضطراب الحاد ما بعد الصدمة: وتستمر الأعراض فيه لمدّة 3 أشهر أو أقل.
  3. اضطراب ما بعد الصدمة ذو بداية متأخِّرة: حيث تبدأ فيه الأعراض بالظهور بعد 6 أشهر من الصدمة أو الحادث.
  4. اضطراب ما بعد الصدمة مُزمِن: وتستمر فيه الأعراض لمدّة تزيد على 3 أشهر.

أعراض اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD):

قد تبدأ أعراض الاضطراب بالظهور بعد أسابيع أو حتّى شهور من الحادثة. وعادة ما تظهر في غضون 6 أشهر من ذلك الحادث.

ومع مرور الوقت قد يصبح الشخص المصاب بالاضطراب أكثر شعوراً بالقلق والخوف والاكتئاب، حيث يمكن لهذا الاضطراب أن يؤثِّر سلباً ولسنوات عديدة على حياة الشخص المصاب، وقد تتسبَّب أعراضه في شلّ قدرته على العمل وممارسة أنشطته المعتادة.

وعادة ما يتم تقسيم أعراض اضطراب ما بعد الصدمة إلى أربعة فئات:

1- أعراض عيش التجربة:

قد تشمل أعراض عيش التجربة:

  • معاناة المصاب من تكرار الذكريات المؤلمة وغير المرغوب بها للحدث الصادم بشكل لا إرادي.
  • عيش ذكريات حيّة للحظة الحدث الصادم كما لو كان يحدث حقيقةً مرة أخرى.
  • تكرر أحلام أو كوابيس مزعجة عن الحدث الصادم.
  • ضغط نفسي أو ردود فعل جسديّة عند تذكُّر الحدث الصادم.

2- أعراض التجنّب والتهرّب من كل ما يتصل بالحدث الصادم:

وقد تشمل أعراض التجنُّب:

  • محاولة الشخص المصاب أن يتجنَّب التفكير في الحدث الصادم أو التحدُّث عنه أو التعبير عن مشاعره تجاه ذلك الحدث.
  • تجنُّب الأماكن أو الأنشطة أو المواقف أو الأشخاص الذين يذكِّرونه بالحدث الصادم.

3- التغيّرات السلبية في التفكير والمشاعر والحالة المزاجية:

قد تشمل أعراض التغيُّرات السلبيّة في التفكير والحالة المزاجيّة:

  • ظهور أفكار سلبيّة لدى المصاب عن نفسه أو عن الآخرين بشكل متكرِّر ومستمر.
  • الشعور بالانفصال عن الآخرين ومواجهة صعوبة في الحفاظ على العلاقات الوثيقة.
  • مشاكل تتعلَّق بتذكُّر الحدث الصادم.
  • الشعور بالقلق والذنب واللوم واليأس من المستقبل.
  • فقدان الاهتمام بأنشطة كان يستمتع بها الشخص المصاب في الماضي.
  • يصعب على الشخص المصاب أن يشعر بمشاعر إيجابيّة.
  • الشعور بالخدر العاطفي والانفعالي.
إقرأ أيضاً: تعرّف على أسباب تقلّب المزاج وأهم النصائح لعلاجه

4- أعراض الاستثارة وردود الأفعال البدنية والانفعالية

قد تشمل أعراض التغيُّرات في ردود الأفعال البدنيّة والانفعاليّة:

  • ردود فعل مُبالغ فيها كالشعور بالذعر أو الخوف بسهولة.
  • الشعور بشكل دائم بالخطر والترقب والحذر.
  • سلوك متهوِّر ومدمِّر للذات، مثل الشرب بشكل كبير أو القيادة بسرعة كبيرة.
  • مواجهة اضطرابات في النوم.
  • مواجهة صعوبة في التركيز.
  • سرعة التهيُّج.
  • نوبات من الغضب أو السلوك العدواني.

بالإضافة للأعراض السابقة، قد يُعاني الأشخاص الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة من عدد من المشاكل، بما في ذلك:

  • مشاكل في الصحّة العقليّة: (قلق، اكتئاب، رهاب، إيذاء النفس مثل استخدام المخدرات، أفكار وسلوكيات انتحاريّة).
  • أعراض جسديّة: (صداع، دوخة، دوار، إغماء، ضربات قلب متسارعة، الآم في الصدر، مشاكل معوية).

أمَّا بالنسبة للأطفال فقد تشمل الأعراض:

  • تبوُّل الطفل في السرير بعد أن كان قد تعلّم استخدام المرحاض.
  • نسيان الطفل كيفيّة الكلام أو عدم قدرته على الكلام.
  • تعلُّق الطفل الشديد بأحد الوالدين أو غيرهما ممّن يعتني به.
  • قيام الطفل بإعادة تمثيل الحدث أثناء اللعب.

عوامل الخطر:

وهي عبارة عن ظروف معيشيّة صعبة أو مجهدة، قد تؤدِّي لتطوُّر اضطراب ما بعد الصدمة. وقد تكون عوامل الخطر هذه موجودة قبل حدوث الصدمة (عوامل الخطر السابقة للصدمة)، أو قد تنشئ خلال الصدمة أو بعدها (عوامل الخطر اللاحقة للصدمة).

  • مُشاهدة شخص آخر يتعرض للأذى، أو حدوث مشاكل أخرى بعد التعرُّض للحدث الصادم كخسارة شخص مقرَّب.
  • التعرُّض لصدمة في الطفولة، كتعرُّض الشخص في الطفولة للانتهاك أو الاعتداء الجنسي.
  • وجود تاريخ مرضي من الاضطرابات النفسيّة أو تعاطي الأدوية والمخدّرات.
  • غياب الدعم الاجتماعي بعد التعرُّض للصدمة.
  • العيش ضمن بيئة تشهد أحداثاً خطیرة وصدمات.
  • رؤية جثّة.
إقرأ أيضاً: التحرش الجنسي بالأطفال - ملف كامل

علاج اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD):

في حال تمَّ تشخيص حالة اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، فهناك مجموعة من العلاجات النفسيّة والأدوية التي يلجأ إليها الأطباء النفسيين والمختصّين بالعلاج النفسي لمساعدة هؤلاء الأشخاص.

1- العلاج السلوكي المعرفي:

وهذا النوع من العلاج يقوم على تشجيع الشخص المصاب على تذكُّر الحدث الصادم الذي تعرَّض له ومواجهته ومن ثمَّ التعبير عن مشاعره حيال ذلك. ممَّا يساعده على الاسترخاء والتخلُّص من الحساسيّة للصدمة وتقليل أعراضها.

2- العلاج بالتعرُّض:

ويعتمد هذا النوع من العلاج على تكرار الحديث والتخيُّلات والذكريات المتعلّقة بالحدث الصادم وتفاصيله و وذلك وسط بيئة آمنة ومضبوطة ممَّا يساعد الشخص المصاب على مواجهة سبب الخوف والقدرة على التحكُّم بأفكاره ومشاعره.

هناك بعض التساؤلات التي طُرِحَت حول كفاءة هذا العلاج، ولذلك يتم التشديد على ضرورة إجرائه بعناية فائقة لتفادي خطورة تدهور الأعراض.

3- العلاج بالأدوية:

هناك بعض الأدوية التي قد يتم استخدامها في علاج اضطراب ما بعد الصدمة، مثل: (مضادات الاكتئاب، الأدوية المضادة لاضطراب القلق) والتي تساعد في علاج مشاكل النوم والحصول على بعض الراحة، وتقليل تكرار الأفكار المخيفة. حيث ترتبط هذه المشاكل عادةً باضطراب ما بعد الصدمة.

وبالرغم من ذلك، إلّا أنَّ هناك تقارير أثبتت وجود علاقة سببيّة بين استخدام مضادات الاكتئاب وارتفاع خطورة الانتحار وذلك لدى الأفراد الذين تقل أعمارهم عن 24 سنة.

إقرأ أيضاً: حبة دواء قد تلحق بك أضراراً ليست بالحسبان

4- العلاج النفسي الجماعي (مجموعات الدعم):

ويعتمد هذا النوع من العلاج على مساعدة الأشخاص الذين تعرَّضوا لصدمات مشابهة لبعضهم البعض بمشاركة ومناقشة تجربتهم ومشاعرهم. حيث يساعدهم هذا على إدراك أنَّ أي شخص آخر لو كان مكانهم لكان قد تصرَّف بطريقة مشابة وأنَّهم ليسوا وحيدين.

وفي الحقيقة فإنَّ الكثير ممَّن يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة يجدون أنَّ مشاركة مشاعرهم وأفكارهم والصعوبات التي واجهوها مع أشخاص عانوا من حالات مشابهة أسهل عليهم، ولذلك فإنَّ العلاج الجماعي قد يكون فعّالاً ومفيداً جدّاً لهم وللآخرين.

وأخيراً إذا كنت تعاني من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة إليك بعض الأمور الأخرى التي قد تُساعدك:

  • تعرَّف على ماهية هذا المرض لتساعد نفسك على فهم مشاعرك وكيفيّة التعامل مع هذه المشاعر.
  • إحصل على الدعم من عائلتك وأصدقائك، وتحدَّث مع شخص تثق به.
  • اتّبع نمط حياة صحّي ومتوازن. تأكَّد من تناوُل طعام صحّي، وممارسة الرياضة، وابتعد عن كل مايُسبِّب لك القلق والتوتّر.
  • قد يكون العلاج النفسي هو ماتحتاجه لمساعدتك على التعامل مع اضطراب مع بعد الصدمة. لذلك استشر ذوي الخبرة والاختصاص.
  • لا تتردّد في طلب المساعدة في حال سيطرت عليك أفكار مخيفة بإيذاء نفسك أو الآخرين ولم تعد قادر على التحكُّم في نفسك.

 

المصادر: 5 1 2 3 4




مقالات مرتبطة