ما الذي يحفز الناس على العمل؟

هل فكرت يوماً في الأمر الذي يحفزك على العمل الجاد؟ بالنسبة إلى معظمنا، تتعدى الإجابة المال أو المكاسب المادية، إنَّ السؤال عن الأمر الذي يحفز الناس على العمل، وما الذي يلهمهم للذهاب يومياً إلى العمل ولماذا يبذلون كل جهودهم فيه، يؤدي إلى طرح سؤال أعمق، وهو: ما الذي يحفز الناس في المخطط الكبير للحياة؟ فالناس عبارة عن مخلوقات معقدة، وتتشكل سلوكاتهم من خلال قيمهم ومعتقداتهم ومشاعرهم وتجاربهم، بالإضافة إلى احتياجات الإنسان الأساسية، مثل النمو والتواصل.



لحسن الحظ، بعض الأشخاص - مثل "دانييل بينك" (Daniel Pink)، مؤلف الكتب المتعلقة بالأعمال والسلوك البشري - يفكرون في هذه الأشياء كثيراً، وقد حوَّل الأشخاص الموجودون في المنظمة التي تدعى "الجمعية الملكية للفنون والمصنوعات والتجارة" (The Royal Society for Arts) محاضرته التي تدور حول الأشياء التي تحفز الناس إلى فيلم قصير رائع من الرسوم المتحركة.

يناقش "دانييل" في هذا الفيلم نتائج الدراسات العلمية عما يدفع الناس إلى العمل الجاد في وظائفهم، والمفاجأة كانت، أنَّ الأمر الذي يدفعهم لا يتعلق بالمال؛ بل يتعلق بالاستفادة من شغف الشخص والحاجة إلى المغزى والنمو والمساهمة.

ويتضح من البحث أنَّ الشغف والإبداع ينتجون الدافع معاً، وأظهرت دراسة نُشِرَت في مجلة "جورنال أوف نيوروساينس" (Journal of Neuroscience) أنَّه كلما زاد شعور المشاركين بالإلهام في أثناء قيامهم بنشاط معين، أصبحت اللوزة الدماغية؛ أي المركز العاطفي للدماغ أكثر نشاطاً.

فالناس توجِّههم قيمهم الخاصة، وليس محاولات الآخرين للتحكم بسلوكهم، أو حتى الظروف الخارجية، وينطبق هذا الأمر سواء كنت تريد معرفة ما الذي يحفزك على العمل الجاد، أم تحقيق أهداف معينة، أم حتى تغيير شيءٍ معينٍ فيك.

ما الذي يحفز الناس على العمل؟

إنَّ دراسة ما يحفز الناس على العمل تؤدي إلى بعض الاستنتاجات المثيرة للاهتمام؛ إذ يشير العلم إلى العديد من الحقائق التي تتعارض مع المعتقدات التقليدية؛ على سبيل المثال، في الواقع نحن بصفتنا أشخاصاً عاملين ومستهلكين، لا ننخدع بسهولة بالمؤثرات التي قد تقنعنا بها الاقتصاديات السلوكية؛ بل بدلاً من الاستجابة لأنظمة "المكافأة مقابل العقاب" من أجل تحفيز السلوكات المختلفة، يستجيب الناس استجابة أفضل للحوافز التي تراعي إدراكهم واهتماماتهم.

طالما أنَّ العاملين يحصلون على تعويض كافٍ لكي ينجزوا عملهم، فتوجد ثلاثة دوافع غير مالية تجعل العاملين يعملون بجد، وهي: الاستقلالية، والإتقان، والهدف.

1. الاستقلالية:

لكي يشعر الموظفون بأنَّهم أعضاء مساهمون في القوى العاملة، يحتاجون إلى الشعور بأنَّهم ماهرون وجديرون بالثقة في وظائفهم؛ لذلك، يُعَدُّ تمكين مستوى معقول من الاستقلالية في مكان العمل أحد أكثر الأشياء فاعلية التي تحفز الناس.

2. الإتقان:

سواء كنت تملك مشروعاً صغيراً أم كنت موظفاً في شركة متنامية، فإنَّ إتقان عملك في وظيفتك يُعَدُّ جزءاً هاماً من الأمور التي تحفز الناس على العمل، ولكي تعلم كيفية إلهام الأشخاص إلهاماً فعالاً، احرص على أن يملك كل شخص على وشك أن يبدأ بالعمل، الأدوات والمعلومات التي يحتاج إليها للتميز في وظيفته.

3. الهدف:

ما الذي يحفزك على العمل الجاد؟ بالنسبة إلينا جميعاً تقريباً، فإنَّ أفضل حافز هو الإحساس بالهدف في مكان العمل، فالمال ليس الأمر الذي يجعل الناس يعملون بجد؛ بل الهدف والمساهمة اللذان يشعران بها في الوظيفة هما ما يدفعهم إلى العمل بجد؛ لذا استثمر في الاحتفاظ بالموظفين وبالروح المعنوية، وستفهم ما الذي يجعل الموظفين سعداء ومتفانين في عملهم، وستكتشف ما الذي يحفز الناس في الحياة.

شاهد: 8 خطوات للحفاظ على التحفيز الذاتي حتى في الأوقات الصعبة

كيف يمكن توضيح هذه العوامل لقائد يتطلع إلى إلهام موظفيه؟ وكيف يمكنك اتخاذ إجراءات هائلة لتطبيق الاستراتيجيات الرامية إلى تحسين الإنتاجية وتحقيق السعادة؟

فيما يأتي بعض الأشياء المحددة التي تحفز الناس:

  1. استضافة حدث للأشخاص المهتمين في تحسين أو بناء برنامج جديد، أو ما يسمى "هاكاثون" (hackathon): في الفيلم المذكور آنفاً، يتحدث "دانييل" عن شركة محددة تمنح مطوريها يوماً واحداً كل ربع سنة يمكنهم العمل خلاله على أي شيء يريدونه؛ إذ أدى ذلك اليوم من الاستقلالية إلى القيام بالكثير من الإصلاحات، وإنتاج منتجات جديدة وابتكارات استراتيجية على نطاق واسع.
  2. توفير فرص التطوير المهني: لقد وجدت العديد من الدراسات أنَّ الموظفين يريدون فرصاً للتطوير المهني وسيتركون الوظيفة إذا لم توفَّر هذه الفرص لهم؛ لذا امنح موظفيك الوقت للحصول على الشهادات، والذهاب إلى المؤتمرات، وتلقِّي الدروس، وتحسين مهاراتهم.
  3. إثارة التحدي: غالباً ما يكون المتفوقون موجَّهين نحو الهدف، ويستمتعون بإكمال المهام ويقدِّرون التحديات الجيدة بوصفها طريقة لتحسين مهاراتهم؛ لذا تأكد من أنَّك تضع خططاً للنمو باستخدام الأهداف الذكية (Smart Goals).
  4. إيصال رؤيتك: للاستفادة من الهدف بوصفه أحد الأشياء التي تحفز الموظفين، تأكد من أنَّك تعبِّر عن أهدافك أيضاً؛ إذ إنَّ الرؤية القوية للشركة مع التركيز على الجائزة الأكبر؛ أي على إحداث تغييرات إيجابية وجعل العالم مكاناً أفضل، سيساعد على جذب الموظفين الموهوبين والاحتفاظ بهم.
  5. رد الجميل: بصرف النظر عما يحفزك على العمل الجاد، فإنَّ رد الجميل يجعل الناس يشعرون بالرضى؛ وذلك لأنَّه يلبِّي العديد من احتياجاتنا البشرية؛ لذا وفِّر فرصاً لموظفيك للعمل في مشاريع مجانية، وتبرَّع بخدماتك للمحتاجين، ونظِّم أياماً للتطوع؛ فعند القيام بذلك، سوف تربط موظفيك بهدف محدد وتحافظ عليهم.
إقرأ أيضاً: تحفيز الموظفين في زمن التغيير وانعدام اليقين

ما الذي يدفع الناس للتغيير؟

يجب الاستفادة مما يحفزك على العمل الجاد من أجل العمل على نموك الشخصي، وقد يكون تغيير سمة أو عادة شخصية أمراً شاقاً للغاية، لدرجة أنَّ كثيراً من الناس يقاومون تحسين الذات من أجل تجنُّب التحدي؛ فغالباً ما يتمسك الناس بالعادات القديمة والمألوفة، ما لم يكن لديهم سبب قوي للتغيير.

وتشير مجلة "سيكولوجي توداي" (Psychology Today) إلى أنَّ التغيير السلوكي يحدث على بُعدَين: داخلي أو خارجي، وإيجابي أو سلبي؛ إذ تتحد هذه الأبعاد لتكوِّن أربع طرائق مختلفة، كل منها ينتج تأثيراً مختلفاً، مثل:

  1. عندما يُلهَم شخص ما للتغيير من خلال بعض العوامل الداخلية، مثل الشغف، والنتائج الإيجابية، مثل تحقيق الأحلام أو الأهداف، فمن المرجح أن ينجح في تغيير نفسه.
  2. عندما يكون الشخص مدفوعاً بعوامل خارجية، مثل الظروف، والنتائج الإيجابية؛ فمن المرجح أن ينجح في تغيير نفسه جزئياً على الأقل.
  3. عندما يُلهَم شخص ما للتغيير من خلال العوامل الداخلية والنتائج السلبية، مثل التهديد بالفشل أو الخسارة؛ فقد ينجح في التغيير إلى حدٍّ ما، لكن يوجد خطر بالانتكاس والتغيير إلى سلوك غير مرغوب فيه.
  4. عندما يُلهَم شخص ما للتغيير من خلال العوامل الخارجية والنتائج السلبية؛ فمن غير المرجح أن ينجح الشخص في أي مستوى من التغيير الشخصي.
إقرأ أيضاً: 27 نصيحة لإتقان أي شيء

في الختام:

قد يختلف ما يحفزك على العمل الجاد عن الأشياء الأخرى التي تحفز الآخرين، لكن في النهاية، يمكن أن يرجع ما يدفع الناس إلى ثلاثة عوامل رئيسة، وهي: الاستقلالية والإتقان والهدف، ويستخدم القادة العظماء إبداعهم وذكاءهم العاطفي وقوة الإصغاء العميق لكشف الأمور التي تهم موظفيهم، ومن ثم يضعون استراتيجيات قوية للحصول على النتائج التي يرغبون فيها.

المصدر




مقالات مرتبطة