لماذا يكون من الصعب تكوين عادات دائمة؟

تقودك الحماسة جيداً باتجاه اتباع عادات دائمة، لكنَّ ذلك على الأمد القصير؛ إذ إنَّك حين تضع هدفاً جديداً نصب عينيك، يمكنك على الأرجح استثمار الحماسة التي تشعر بها للسعي نحو تحقيقه لمدة أسبوع أو أسبوعين، وربَّما تقودك حماستك هذه نحو بلوغ غايتك لمدة شهر متواصل، عندما يكون هدفك فائق الأهمية، إلا أنَّ الحماسة تتضاءل مع مرور الوقت، وإن كان الهدف الذي تنوي تحقيقه يتطلب شهراً أو أكثر للوصول إليه، فلن تساعدك الحماسة وحدها على ذلك، بل ستحتاج إلى إنشاء عاداتٍ لنفسك والالتزام بها كي تحقق هدفك.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب الصحفي "سكوت يونغ" (Scott H. Young)، ويحدِّثنا فيه عن تجربته في اكتساب عادات جيدة لنفسه وكيف تغيَّرت حياته من بعدها.

تُعد طرائق بناء العادات رائعةً كونها تحوِّل الحماسة قصيرة الأمد إلى ما هو أكثر صلابةً، وإن وظَّفت طاقاتك في اتباع إجراءات منتظمة ومستمرة تستخدم المحفِّزات والجوائز والعقوبات، فيمكنك تحويل الحماسة في داخلك إلى نتاجٍ منظَّم ومستقر.

قانون العادات المتغيِّرة:

يبعث هذا الانتقال من الاندفاعات النابعة عن الحماسة نحو العادات المستقرة والراسخة على الشعور بقوةٍ هائلة غالباً، ممَّا يصيب الأشخاص الذين يجربونه للمرة الأولى بالتعلُّق الشديد محاولين تعليمه لمن حولهم.

وقد جرَّب أحد أصدقائي مؤخراً إنشاء العادات والالتزام بها، فتحوَّلت حياته من معاناة الذهاب بانتظام إلى النادي الرياضي، نحو إدارة العشرات من العادات باستخدام أنظمة هندسية معقَّدة.

أنا أعلم أنَّ ثمة عديدٌ من المدوِّنين - أشخاص يملكون مُدوَّنات كنشاط رئيس في حياتهم، والمُدوَّنة أشبه بالمذكَّرات أو اليوميات على الإنترنت، والتي تُعرض للقراءة مجاناً، وقد جلبت الشهرة والثروة للعديد من المدوِّنين - الذين نجحوا في الوصول إلى جماهير واسعة انطلاقاً من حديثهم عن تشكيل العادات؛ إذ يعود ذلك في جزء منه إلى انتشار وشعبية هذا الموضوع، لكنَّني أشكُّ في أنَّ السبب الحقيقي وراء ذلك يتعلق بقوة وفاعلية طرائق بناء العادات، لدرجة شعور الناس باضطرارهم إلى إنشاء مدوَّنة عنها.

ربَّما أعلم ذلك لأنَّني كنت أحدهم؛ إذ تحوَّلت حياتي من المعاناة لإكمال المشاريع أو المخطَّطات الصغيرة حتى النهاية، نحو تنسيق عاداتي وترتيبها بين تناول الطعام، وممارسة التمرينات الرياضية، والقراءة والنوم والإنتاجية وغيرها، ولا بدَّ أنَّ الأشخاص الذين لم يمروا بنفس تجربتي قد ظنوا أنَّني فقدت صوابي، لكنَّ الحقيقة ببساطة أنَّها المرة الأولى التي امتلكت فيها القدرة على فعل ذلك.

تتركز فاعلية العادات على الأمد المتوسط:

كنت أستخدم وسائل تغيير العادات لما يزيد عن عقد من الزمن حتى الآن، ولو اتبعت الفرضية الأساسية المتعلقة بالعادات، والتي تنصُّ على وجوب الاستمرار في ممارسة العادة عدَّة أشهر كي تصبح دائمةً، لكان لديَّ الوقت لأحقق استقراراً دائماً للعشرات أو المئات من العادات، لكنَّ ذلك لم يحدث.

إن أعدت النظر في السنوات العشر الأخيرة، والوقت الذي قضيته بالعمل باستخدام عادات ثابتة، فسأجد أنَّني كنت في كثير من الأحيان أكثر ميلاً إلى اكتساب عاداتٍ جديدة من استئناف عاداتي القديمة والعودة للعمل وفقها.

حسناً، أستطيع التفكير في عادتين فقط كانتا دائمتين بصورة أو بأخرى؛ أولهما عندما كنت نباتياً، والآن أتبع نباتية الأسماك - اتباع النباتية لكن مع أكل الأسماك والمأكولات البحرية؛ أي تكون الوجبات خالية من لحوم الحيوانات والدجاج فقط - وثانيهما الأهداف اليومية أو الأسبوعية التي كنت أضعها لنفسي.

وكانت لدي بعض العادات التي مارستها لفترة زمنية طويلة كالذهاب إلى النادي الرياضي، والتي التزمت بها عدة سنوات قبل أن أضطرَّ إلى إعادة النظر فيها، إضافة إلى عديدٍ من العادات التي اضطُررت إلى استئنافها وتغييرها كلَّ عدة أشهر كالطقوس الصباحية.

في النهاية، عندما تبذل مجهوداً وتستثمر طاقاتك في بداية الطريق، فإنَّك تعد نفسك ببناء نظام مستقر وراسخ لحياتك فيما بعد، إلا أنَّ بعض العادات تتطلَّب جهوداً مستمرة على الدوام للمحافظة عليها.

تتطلب الأفعال نوعين من الجهود:

يتطلَّب إنجاز أيِّ عملٍ بذل نوعين من الجهود؛ أولهما جهدٌ داخلي يعتمد على الفعل الذي تودُّ إنجازه، وثانيهما مجهودٌ لأخذ قرارٍ بتنفيذ هذا الفعل أم لا، ويمكن للعادات أن تغيِّر المجهود الأول، لكنَّ السبب الرئيس لنجاحها هو قضاؤها على النوع الثاني.

ولإيضاح ما سبق، لنفترض أنَّك تهدف لقراءة كتابٍ كلَّ أسبوع، ومن ثم تقرر أن تجعل من هدفك عادةً؛ وفي هذه الحالة، تقرر أنَّه عليك قراءة 50 صفحة من الكتاب على الأقل يومياً لتحقيق هدفك.

في كل مرة تقرأ فيها ذلك الكتاب، توظِّف هذين النوعين من الجهود؛ إذ أولاً ثمة المجهود الناجم عن القراءة، واعتماداً على صعوبة الكتاب الذي تقرأه، قد تبذل مجهوداً عظيماً أو قد لا تبذل أيَّ جهدٍ على الإطلاق، وستدرك سبب ذلك عندما تتخيَّل الفرق بين كتاب يتحدث عن الفيزياء الكمية وكتاب من سلسلة "هاري بوتر" (Harry Potter)، وهي سلسلة مؤلَّفة من سبعة كتب لكاتبة بريطانية تحكي قصة الصبي الساحر "هاري بوتر"، وهي شخصية خيالية.

على أيِّ حال، إن كان الكتاب الذي تنوي قراءته يتطلَّب مجهوداً كبيراً، فإنَّه يتطلب أيضاً تكلفة ثانويةً للمجهود، ألا وهي الجهد اللازم للتغلُّب على الرغبة الملحَّة في المماطلة والتأجيل والبدء بقراءة الكتاب؛ لذا إن شعرت يوماً بالتعب بعد يومٍ لم تفعل فيه شيئاً على الإطلاق، فإنَّك ستتفهَّم تكلفة المجهود التي نتحدث عنها.

انطلاقاً من تجربتي، يبدو أنَّ اتباع عادات منظَّمة يقلل من هاتين التكلفتين بطرائق مختلفة:

  1. تقلل العادات من تكلفة المجهود الداخلي من خلال جعل أدائك أفضل للقيام بالمهمة؛ فكلَّما قرأت مزيداً من الكتب الصعبة، ستتطور قدراتك في القراءة وتقلُّ طاقاتك التي تستهلكها فيها.
  2. تقلل العادات المنظَّمة من المجهود المطلوب لاتخاذ القرار المتعلق بأداء المهمة أم لا من خلال إزالة الغموض عن موعد وكيفية إنجاز المهمة؛ لذا إن قرأت 50 صفحة يومياً على الغداء لمدة ثلاثة أشهر، فإنَّك ستبدأ بالقراءة تلقائياً في استراحة الغداء القادمة من دون الحاجة إلى التفكير في ذلك.

يُعد تقليل تكلفة المجهود الثاني أعظم بكثير من الأول بالنسبة إلى عديدٍ من المهام، فعلى سبيل المثال، لم يصبح تنظيف أسناني باستخدام الخيط أسهل في المرة المئة، لكنَّني توقفت عن التفكير فيما إذا كان عليَّ فعله أم لا.

شاهد: كيف يمكن تكوين وترسيخ عادات جديدة في حياتك؟

تُعد العادات شبه مستقرة:

تفسِّر فكرة وجود نوعين من الجهود المبذولة في إنجاز المهام عدة نواحٍ من تجربتي الخاصة مع بناء العادات، وبالتحديد ما يأتي:

1. لا تتشابه كلُّ العادات في سهولة إنشائها:

ويبدو هذا منطقياً؛ ذلك لأنَّ بعض العادات تتطلب مجهوداً داخلياً أعلى، ومن ثم تحتاج إلى مجهود أكبر لاتخاذ قرارٍ بتنفيذها.

2. لا يمكنك إنشاء واتِّباع عددٍ غير محدود من العادات:

إذ إنَّه حتى مع إمكانية الاستغناء عن الجهد المطلوب لاتخاذ القرار عند الالتزام بعادات منظمة، سيتحتم عليك بذل المجهود الداخلي الذي يعتمد على نوع العمل الذي تنوي إنجازه، ممَّا يعني أنَّه يمكنك إنشاء عدة عادات بسيطة بطبيعتها كتنظيف الأسنان بالخيط، وليس عدة عادات صعبة ومعقَّدة كقراءة كتبٍ مملة.

إقرأ أيضاً: اجعل دوافعك أساساً لبناء عاداتك

3. تُعد أغلب العادات شبه ثابتة:

إذ إنَّ شبه الثبات مفهوم فيزيائي يشير إلى أنَّ الحالة الراهنة لبعض الأمور مستقرةً، لكن يمكن لأيِّ اضطراب أو تشويش صغير كسر هذا الاستقرار، فمثلاً، يملك رقَّاص الساعة نقطتي استقرار، إحداهما عند توضُّع الوزن في الأسفل، والأخرى حيث يتوازن الوزن بطريقة مثالية في الأعلى، إلا أنَّ الرقاص يعود إلى الأسفل في حال تلقَّى دفعةً خفيفة، بينما لن يعود إلى الأعلى أبداً إذا تلقَّى دفعةً كهذه.

تتطابق هذه الفكرة عن شبه الثبات مع تجربتي التي أعدُّها السبب في إيجاد عدد قليل من العادات الراسخة والدائمة؛ إذ تتحطم العادة وتتكسر بصورة حتمية بسبب أيِّ تغيير مؤقت في نمط الحياة، كالذهاب في عطلة أو الإصابة بمرضٍ ما أو الحاجة إلى العمل ساعات إضافية، ممَّا يخلق نوعاً من الصدمة التي تكفي غالباً لكسر العادة وترك الهدف الذي تطمح إليه، فيصبح الأمر أبعد ما يكون عن التلقائية أو العفوية حين تحاول العودة لممارسة هذه العادة.

إقرأ أيضاً: العادات: تعريفها، وفوائدها، وكيفية بناء عادات إيجابية

كيفية التعامل مع العادات ذات الأثر المتوسط:

يشير شبه الثبات الذي تتسم به العادات إلى أنَّ المواقف الأكثر أهمية التي ينبغي النظر إليها عند إنشاء عادةٍ ما هي خلال الاضطرابات المحتملة، وإن تحتَّم عليك ترك عادةٍ ما لفترة مؤقتة، ينبغي أن تكون أولويتك القصوى هي إعادة بنائها والالتزام بها بمجرد انتهاء سبب تعطيلها.

من الأفضل أن تتجنب كسر أيِّ عادة جيدة لديك على الإطلاق، واتباع عادة احتياطية تنوب عنها عند تركها؛ ويُترجم ذلك مثلاً بقراءة خمس صفحات من الكتاب بدلاً من 50 صفحة حين تكون مشغولاً، أو ممارسة التمرينات الرياضية في المنزل عوضاً عن الذهاب إلى النادي حين تكون مسافراً.

المصدر




مقالات مرتبطة