لماذا يعد الواثقون من أنفسهم أناساً سعداء؟

عندما طُرح سؤال عن أهم النتائج المترتبة على الثقة، ذكر كثيرون: النجاح وكسب احترام الآخرين والتقدير.



في المقابل، السعادة شعور نميل إلى ربطه بالرضا في الحياة والرفاهية والشعور بصحة جيدة والحصول على أصدقاء رائعين فضلاً عن العلاقات والإنجاز في العمل. لكن لا يبدو أنَّ موضوع ارتباط الثقة بالسعادة يحظى بكثيرٍ من الشعبية؛ إذ إنَّنا لم نسمع قَطُّ نصيحةً من قبيل "حافظ دائماً على السعادة تزدد ثقةً بنفسك"؛ فهل من الصحيح إذاً أن نربط بين الناس الواثقين من أنفسهم والناس السعداء؟
لنوضح ما كشفت عنه بعض العقول الأكاديمية العظيمة:

الصلة بين الثقة والسعادة:

سنناقش فيما يلي جزءاً صغيراً من الدعم الذي تلقاه فكرة ارتباط الاثنين ارتباطاً إيجابيَّاً:

لقد بيَّنت دراسة أُجريت عام 2014 على مئتي طالب أنَّ هناك علاقة إيجابية بين تقدير الذات والسعادة، أي أنَّ زيادة تقدير الذات تؤدي إلى تعزيز السعادة. وفي الآونة الأخيرة، كشف بحث آخر أُقيمَ على نطاق صغير من أيرلندا، ارتباط التقييمات الذاتية التي تُعبِّر عن الاستحسان ارتباطاً إيجابياً بالسعادة والرضا عن الحياة.

ولعل واحدة من أكثر الأوراق التي استُشهد بها على نطاق واسع بشأن الصلة بين السعادة والثقة هي تلك التي قدمها البروفيسور في علم النفس الاجتماعي روي بوميستر (Prof. Roy Baumeister) بعنوان: "هل يتسبب تقدير الذات في تحسين الأداء أو النجاح الفردي أو السعادة أو حتى أنماط حياة صحية أكثر؟"، وفيها يقتبس من دراسة أُجريت على نطاق واسع مع 31000 طالب من 49 جامعة في 31 دولة ضمن خمس قارات.

وكان تقدير الذات العاملَ الأبرز والمتوقع للرضا الشامل عن الحياة، وبلغت نسبة الارتباط بين الثقة والسعادة 47%، وهو ما يعد علاقة وثيقة للغاية في الأدلة الإحصائية، وأشار البروفيسور أيضاً إلى دراسات أخرى تدعم الاستنتاجات المذكورة أعلاه، مما يعني أنَّ تقدير الذات يُعَدُّ أحد العوامل التي تتنبَّأ بالسعادة.

إقرأ أيضاً: 6 نصائح تجعلك أكثر سعادة في حياتك

تقدير الذات وقدرته على التنبؤ بالسعادة:

قبل عقد من الزمن، أجرت ماري غيندون (Mary Guindon) -وهي رئيسة سابقة وأستاذة مشاركة في قسم المشورة والخدمات الإنسانية في جامعة جون هوبكنز (John Hopkins University) ومستشارة ومربِّية ومعلمة في قضايا الصحة العقلية والتطوير الوظيفي وتقدير الذات- دراسة استقصائية للمستشارين في مدارس نيو جيرسي، وطُلب من المشاركين أن يَذكُروا خمس صفات للطلاب الذين لديهم تقدير عالٍ وتقدير منخفض لذواتهم، وتبيَّن أنَّ الطلاب من ذوي تقدير النفس العالي يُنظَر إليهم بصفتهم واثقين وصادقين وسعداء ومتفائلين وإيجابيين ومتحفزين مقارنة مع الأشخاص الذين لديهم تقدير منخفض، والذين وُصِفوا بأنَّهم منعزلون وخجولون وهادئون؛ فضلاً عن نقص شعورهم بالأمان وقلة الإنجاز والسلبية، إلى جانب أنَّهم غير سعداء وغير مؤهلين اجتماعياً وغير مندفعين ومكتئبين وغير مستقلين وتابعين لغيرهم، وينظرون إلى أنفسهم نظرةً سيئة.

وأظهرت دراسات تجريبية في جزء آخر من البحوث التي تحظى بشعبية واسعة أنَّ الناس الواثقين مختلفون اختلافاً جذرياً في كل شيء تقريباً عن الناس الذين لديهم قيمة ذاتية منخفضة.

كما ويُعتقَد أنَّ من يعانون من قلة التقدير هم أكثر حساسية اتجاه النقد وأقل استقراراً عاطفياً ويتجاوبون سلباً مع الفشل ويعانون كثيراً من القلق الاجتماعي ويشعرون بكثيرٍ من الإحراج، وبذلك يرتبط انخفاض الثقة مع التعاسة المطلقة بينما يساعد ارتفاع مستوى تقدير الذات في التغلب على بعض الضيق العاطفي الذي ينشأ عن التعرض للأحداث السلبية والمحن والرفض.

ولكن كيف يكون ذلك؟

يعود السبب إلى أنَّ الناس الواثقين بأنفسهم لديهم عقلية مختلفة عندما يتعلق الأمر بالفشل، وهذا ما اكتشفه البروفيسور جوناثون براون (Prof. Jonathon Brown) وهو عالم نفس اجتماعي مشهور وباحث في مجال تقدير الذات من جامعة واشنطن في سياتل، الولايات المتحدة؛ والذي يعتقد أنَّ الثقة تعمل عملَ "درع الحماية"، ويؤكد بحثه أنَّ الأفراد الواثقين من أنفسهم ينظرون إلى الفشل على أنَّه نكسات مؤقتة وفرص جديدة، والأهم من ذلك أنَّهم لا يحكمون على أنفسهم بالإحباط مما يعني أنَّ قيمتهم الذاتية تبقى كما هي بعد الإحساس بالخيبة.

يبحث الناس الواثقون عن العلاقات:

غالباً ما يقترن انخفاض التقدير الذاتي بالنفور الاجتماعي والخجل والرغبة في الانعزال وانعدام الرغبة في مقابلة أشخاص جدد.

وعلى النقيض من ذلك، يتطلع الأشخاص الواثقون إلى الاختلاط الاجتماعي وتوسيع شبكة أصدقائهم ومعارفهم، وكونهم يؤمنون بأنفسهم وبالقيمة التي يتوجب عليهم أن يقدِّموها إلى العالم فإنَّهم يدركون أيضاً أهمية التواصل وخلق الروابط باعتباره وسيلةً ليصبحوا موضع تقدير ودعم واعتراف.

وفقاً للبحوث فإنَّ الأمر الأكثر أهمية هو أنَّ علاقاتنا الوثيقة هي المتنبئ الرئيس بالسعادة في الحياة، وبالتالي تميل الدراسات مرة أخرى إلى الإجماع بأنَّ الأفراد الواثقين بأنفسهم هم أكثر سعادة؛ حيث يسعون إلى خلق علاقات دائمة والاهتمام بها.

إقرأ أيضاً: 6 نصائح مهمة لبناء علاقات إيجابيّة مع الآخرين

لا يبحث الناس الواثقون عن ثناء الآخرين:

لا يبحث من يثقون بأنفسهم عموماً عن ثناء الآخرين مقارنة مع من يعانون من تقدير منخفض لذواتهم؛ وذلك لأنَّهم يعلمون تماماً ما هي قيمتهم.

وكما ندرك جميعاً، تشكِّل المقارنات مع الآخرين سبباً رئيساً للتعاسة والقلق وعدم الرضا عن الحياة، وتشكل جملة "أريد أكثر من الآخرين" إطاراً ذهنياً خطيراً للغاية والذي يجعلنا في مقارنة دائمة معهم، وبأنَّ كل شيء ليس جيداً كفاية حتى أنفسنا.

ومع ذلك، تخبرنا نظرية المقارنة الاجتماعية أنَّ الناس الواثقين قد يُجرُون مقارنات مع الآخرين الذين يتفوقون عليهم أيضاً ولكنَّها بدافع التحسن وليس الرغبة في إثبات أنَّنا نستحق ذلك لأنفسنا وللآخرين.

الخلاصة:

تجدر الإشارة في النهاية إلى أنَّه ربما يكون من الخطأ افتراض أنَّ الناس الواثقين هم دائماً سعداء، فهم لا يرون الحياة وردية طوال الوقت؛ حيث إنَّنا نعاني جميعاً من النكسات والإخفاقات والأحداث غير المواتية، والتي تجعلنا نشعر بالهلع والقلق والأسى والحزن، وهذا كله جزء من الحياة.

وكما ذكرنا من قبل، يميل الأفراد الواثقون إلى أن يكونوا أكثر استقراراً عاطفياً ولديهم نظرة بناءة أكثر ويشعرون بقدر أكبر من القبول الذاتي والاحترام وبسبب ذلك، فهم قادرون أيضاً على التركيز على الإيجابيات في الحياة وبناء مزيدٍ من العلاقات والامتناع عن مقارنة أنفسهم بالآخرين، وبدلاً من ذلك فهم يسعون إلى إغناء حياتهم من خلال التجارب وتحسين الذات، وهم ببساطة مجهزون بشكل أفضل للتعامل مع الحياة وإدارة الضغوطات والوصول إلى أهدافهم.

وتُترجَم كل هذه الفوائد التي تجلبها الثقة إلى تحسين الرفاهية والرضا عن الحياة على الأمد البعيد، تلك الحالة التي نسميها الحياة الطيبة، والتي بدورها تعطينا شعوراً بالفرح والسلام مع أنفسنا والإثارة والامتنان أو بعبارة أخرى: السعادة.

 

المصدر




مقالات مرتبطة