لماذا لا يقدر بعض الناس على قول كلمة "آسف"؟

من اللافت للنظر مقدار صعوبة قول كلمات الاعتذار بصوتٍ عالٍ. لقد كنتُ محظوظة في معرفة العديد من الأشخاص على مر السنين الذين لا يعتذرون أبداً؛ وقلت "محظوظة" لأنَّ عدم الحصول على الاعتذار الذي كنت أتوق إليه - الذي اعتقدت أنَّني أستحقه - دفعني للبحث في علم نفس الاعتذارات، وكذلك علاقتي الخاصة بهم.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الطبيبة النفسية "نانسي كوليير" (Nancy Colier)، وتُحدِّثنا فيه عن تجربتها مع الأشخاص الذين لا يستطيعون الاعتذار.

لقد قضيتُ أيضاً الكثير من الوقت أتساءل لماذا يرفض بعض الأشخاص الاعتذار حتى عندما يعلمون أنَّهم تسبَّبوا في الأذى، حتى عندما تكون الإساءة صغيرة ولا تتطلب تحمُّل الكثير من المسؤولية.

وفي الآونة الأخيرة، واجهتُ صديقة رفضَت الاعتذار لإضاعة شيء اقترضَته مني، ولم يكن هذا الشيء موجوداً عند حاجتي له ولكن لم يشكِّل الأمر مشكلة بالنسبة إليَّ، ومجرد اعتذارها كان سيصحح الموقف في بضع ثوانٍ، ولكن يبدو الاعتذار مستحيلاً من قِبلها، وبالنسبة إليَّ قبل أن أفهم الأمور مثلما أفهمها الآن، كنت غاضبة للغاية وأطالب باعتذار عن شيء لم أكن أهتم به حقاً.

إقرأ أيضاً: اتيكيت الاعتذار

علم نفس الاعتذارات:

بشكل أساسي، الاعتذار هو الاعتراف بارتكاب خطأ ما، وبالنسبة إلى بعض الناس، الاعتراف بارتكاب خطأ أمر غير ممكن، حتى عندما يشعرون بالسوء حيال أفعالهم ويعرفون أنَّهم على خطأ؛ إذ إنَّه أمر وارد، ولكنَّ هذا الشخص الذي لا يمكنه الاعتذار يمكن أن يشعر بالندم، وقد يستمر في رفض الاعتذار لتصحيح خطئه على الرغم من ذلك.

تتطلب القدرة على الاعتراف بأنَّنا ارتكبنا خطأً ما مستوى معيناً من احترام الذات أو قوة الذات؛ إذ يمكن للأشخاص الذين يعانون من انعدام الثقة بأنفسهم أن يجدوا صعوبة في الاعتذار؛ والسبب أنَّ خطأ واحداً يمكنه أن يحرك فيهم مشاعر انعدام قيمة الذات انعداماً كاملاً، وفكرة أنَّهم حتى لو ارتكبوا خطأً يظلون أشخاصاً صالحين ذوي قيمة هي فكرة غير واردة بالنسبة إلى شخص يفتقر بشدة إلى احترامه لذاته.

والاعتذار هو اعتراف بقابلية الخطأ، الذي يؤكِّد عدم امتلاكهم الكفاءة، والعار الذي يحملونه؛ وهذا يهدد الفكر الهش الذي قاموا بتكوينه عن أنفسهم، وبالنسبة إلى شخص يعاني من ضعف في تقدير الذات، فإنَّ الاعتراف بالخطأ يمكن أن يكون مدمِّراً.

وهناك أيضاً الشخص الذي أُلقي اللوم عليه بكثرة عندما كان طفلاً، وأُخبِرَ منذ صغره بأنَّه مسؤول عن كل مشكلة حدثت وعُوقِبَ عليها؛ إذ يميل هؤلاء الأشخاص عندما يصبحون بالغين إلى السير في اتجاهين؛ إما أنَّهم يعتذرون عن كل شيء - حتى الأشياء التي لم يفعلوها - أو يرفضون الاعتذار عن أي شيء، حتى الأشياء التي فعلوها.

فلقد قرر الأشخاص الذين لا يعتذرون - بوعي أو بغير وعي - أنَّهم لن يقبلوا أبداً أي لوم من أي نوع، وألغوا أي مجال للقيام بهذا النوع من الأمور؛ فبالنسبة إلى هذا النوع من الأشخاص، فإنَّ الاعتذار يجعلهم يتواصلون مع المشاعر المرتبطة بتجربتهم المبكرة على أنَّهم مذنبون وسيئون دائماً، وبعد أن أُلقي اللوم عليهم بغير عدل عن كل خطأ، لم يتبقَّ لهم أي مساحة نفسية لتحمُّل المسؤولية.

وهناك النوع الذين يرفضون الاعتذار لأنَّهم يفتقرون إلى التعاطف، ولا يشعرون بالأسف لأنَّهم جرحوا مشاعرك، ويعتقدون أنَّ الاعتذار مناسب فقط في المواقف التي تسببوا فيها بالأذى عن قصد؛ فلا يعتذرون على الأمور التي حصلت إذا لم يكن الألم الذي شعرت به عن قصد، فهو ليس خطأهم فعليَّاً؛ إذ إنَّ الأذى، في حد ذاته، ليس له قيمة خاصة بالنسبة إليهم.

يوجد العديد من الأسباب التي تجعل بعض الأشخاص لا يستطيعون الاعتذار لشخص آخر؛ والقدرة على الاعتذار هي أن نكون قادرين على أن نكون ضعفاء، وهو أمر مخيف ومحزن وخطير للغاية بالنسبة إلى بعض الأشخاص.

إذ إنَّ قول: "أنا آسف"؛ يعني أيضاً الإقرار بأنَّني أهتم بمشاعرك وبكونك تعرَّضتَ للأذى؛ أي إنَّني أهتم بك لدرجة كافية لأكون على استعداد لوضع غروري جانباً، والتوقف عن الدفاع عن وجهة نظري لفترة كافية لسماع وجهة نظرك في هذه اللحظة، وأنا أهتم بك بما يكفي لأكون على استعداد للاعتراف بأنَّني غير كامل.

إقرأ أيضاً: لماذا يجد بعض الأشخاص الاعتذار صعباً؟

أهمية الاعتذار الصادق:

إنَّ تلقِّي اعتذار صادق هدية رائعة؛ إذ إنَّنا نشعر بأنَّنا مسموعون ونحظى بالقبول ونُفهَم ونُقدَّر، ويمكن حل أيَّة مشكلة تقريباً بعبارة "أنا آسف" صادقة من القلب؛ فعندما ينظر إلينا شخص آخر في أعيننا ويخبرنا أنَّه يأسف لشيء فعله وسبَّب لنا الأذى، نشعر بأنَّنا هامُّون، وأنَّ المعتذر يتحمَّل مسؤولية نتائج أفعاله؛ سواء كانت عن قصد أم بغير قصد.

وعندما يحدث ذلك، نشعر بالارتياح، فلسنا مضطرين إلى التخاصم بعد الآن لإثبات أنَّ مشاعرنا صحيحة، وأنَّنا لا نستحق أن نُجرَح أو نُهان، وهذا أمر هام؛ إذ أخبرتُ صديقة عزيزة مؤخراً عن شيء كانت تفعله، وشعرت أنَّه يضر بصداقتنا ويجعلني أرغب في تجنُّبها، وكنت متوترة لإخبارها؛ نظراً لأنَّني قد خضتُ الكثير من العلاقات مع أشخاص لا يعتذرون أبداً، ولكنَّ هذه الصداقة هامة بالنسبة إليَّ، ولم يكن في إمكاني التخلي عنها.

كنت بحاجة إلى التعبير عما كان يزعجني، وكان عليَّ أن أغتنم الفرصة بأن أخبرها بالحقيقة بلطف، فقد يقودنا هذا الحديث إلى مكان أفضل، وما حدث كان شفاءً عميقاً؛ إذ أخبرتُها بحقيقة أنَّ سلوكها كان مؤلماً بالنسبة إليَّ، واستمعَت لي، ثم فعلَت شيئاً رائعاً: قالت إنَّها آسفة. لقد أعربَت عن أسفها لأنَّها تسببت في هذا الأذى، حتى لو كان ذلك غير مقصود وحتى لو لم تكن تعلم أنَّه يحدث، ومضت لتقول العديد من الأشياء الأخرى المليئة بالحب، لكنَّها لم تكن بحاجة إلى ذلك؛ فلقد حصلت على غايتي عندما اعتذرت، وليس الهدف هنا جعل الشخص الذي لا يعتذر أبداً يعتذر.

بالنسبة لي، لقد فشلتُ في تلك المهمة في حياتي، وما تحسَّنتُ فيه، مع ذلك، هو تقبُّل الأمور التي لا يمكنني تغييرها، ووضع طاقة أقل في السعي إلى الحصول على اعتذار من شخص ليس لديه القدرة على تقديمه، ولقد تحسَّنتُ أيضاً من خلال تكريم رغبتي الشديدة للحصول على اعتذار؛ وبالمقابل الشعور بالتعاطف وخلق التبريرات التي أسعى إليها.

وكلما كنت أعي أنَّني في موقف لن يكون فيه اعتذار، قلَّت حاجتي إليه للتحقق من صحة ما أعرف أنَّه صحيح؛ فعندما يتأذى شخص آخر، فإنَّ أجسادنا تحتاج إلى اعتذار من أجل الاسترخاء والتقدُّم والتخلص من الأذى، ولكن في بعض الأحيان، عندما لا نستطيع الحصول على ما نعتقد أنَّنا بحاجة إليه، علينا أن نتعلم الاسترخاء وحدنا، دون المساعدة التي تأتي من الحصول على الاعتذار.

وتُعَدُّ معرفة أنَّنا نستحق هذا التعاطف، وأنَّنا محقُّون، بدايةً لعملية الشفاء الشخصية؛ لذا ضع في حسبانك القيمة العميقة لعبارة "أنا آسف" السهلة والصادقة، وعندما تكون محظوظاً بما يكفي لتتلقَّى اعتذاراً حقيقياً، فتقبَّله واشعر بروعة ما يقدِّمه الشخص الآخر، وتقبَّل استعدادهم لأن يكونوا ضعفاء ويتحمَّلوا مسؤولية خطئهم، لاهتمامهم بمشاعرك بدلاً من غرورهم؛ فهذا تصرُّف رائع.

وعندما تدرك فرصة لتعتذر وتعني ما تقوله، استمتع بفرصة إعطاء هذه التجربة لشخص آخر، ولتكن جريئاً واخرج من منطقة راحتك، وكن كريماً، واحترم عمق الهدية التي تقدِّمها؛ فعبارتا: "أنا آسف"، و"شكراً لك" وجهان لعملة واحدة.

المصدر




مقالات مرتبطة