لماذا لا يجب على مؤسسي الشركات الناشئة تجاهل الصحة الذهنية؟

لا شك أنَّ تأسيس شركة ناشئة وتطويرها أمرٌ جيدٌ ومُرضٍ، ولكنَّه يشكِّل مخاطر جسيمة على صحتك الذهنية؛ إذ يواجه المؤسِّس غالباً - خلال مرحلة التوسع - أسابيع عمل طويلة مكثَّفة، وضغوطاً من مصادر مختلفة لإدارة الشركة، وجمع التمويل، واتِّخاذ العديد من القرارات؛ ممَّا يؤدي إلى الشعور بالكثير من الضغط.



من المؤسف أنَّه ليس هناك اهتمام بالصحة الذهنية في عالم ريادة الأعمال، وفي بعض الأحيان، تُناقَش هذه المشكلات ضمنيَّاً في سياق شعور المؤسِّس بالإرهاق أو محاولة إيجاد التوازن بين العمل والحياة الشخصية، وقد يمرُّ المؤسِّس الذي يعاني من الإرهاق بمراحل مختلفة؛ لذا يجب عليك تحديد ما إذا كنت على وشك الإنهاك من أجل اتِّخاذ خطوات لمعالجة الأمر على الفور.

دراسة حالة:

لقد أسَّس "مايك" شركة ناشئة سريعة التطوُّر تُقدَّر قيمتها بحوالي 7 ملايين دولار، وفي أثناء توسُّع الشركة، مرَّ "مايك" بجولتين لجمع الأموال: كانت تتمثَّل الجولة الأولى في جمع الأموال من المستثمرين الذي يتولُّون مجلس الإدارة، واحتفظ مايك بحوالي 32% من حقوق الملكية، وأخذ أعضاء مجلس الإدارة أكثر من 57% من الربح.

بعد ذلك، أراد "مايك" التحوُّل من مرحلة التقدُّم السريع إلى التركيز على المزيد من التقدُّم التدريجي المموَّل من الإيرادات بدلاً من رأس المال الاستثماري للوصول إلى الربح؛ ولكن أراد مجلس إدارته أن يواصل العمل في ظل التقدُّم السريع للشركة.

وعلى الرغم من وجود فوائد لكلا الحالتين، فإنَّ التحدي الأساسي الذي واجهه "مايك" هو الشعور بالقلق المتزايد والرهبة بشأن مطالبة المزيد من المستثمرين بالمال، وعلى الرغم من أنَّ هناك نصائح مكثفة لروَّاد الأعمال حول طلب جمع التبرعات والخوف من الرفض، فإنَّها غالباً لا تعالج المضاعفات الأساسية الناجمة عن القلق السريري والاكتئاب.

إقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع الرفض وتتغلب على الخوف منه؟

علامات لا ينبغي تجاهلها:

بدأ "مايك" في النهاية بالذهاب إلى تلقِّي العلاج وأخذ أدوية تساعد على استقرار حالته النفسية، ومع ذلك، رفض الكشف عن حالته لمجلس الإدارة، وأصرَّ على أنَّ ذلك لن يدعمه، وقد يدفعهم إلى التشكيك في كفاءته لقيادة الشركة، وتذكَّر مؤسسي شركات آخرين كانوا يخفون مشكلات صحتهم النفسية خوفاً من ردود أعضاء مجلس الإدارة.

في الواقع، تشير حالة "مايك" إلى أنَّه لديه انحياز للتشاؤم، وهو المبالغة في الانتباه إلى التهديدات المحتمَلة الشائعة لمن يعانون من القلق أو الاكتئاب، ويُعدُّ الانحياز للتشاؤم هو واحد من العديد من الأخطاء الناجمة عن إصدار الأحكام المبنية على الطريقة التي بُرمجَت بها أدمغتنا، وهو ما يسميه علماء علم الأعصاب الإدراكي والاقتصاد السلوكي "الانحياز المعرفي"، ولحسن الحظ، تُظهِر الأبحاث الحديثة في هذه المجالات كيف يمكنك استخدام الاستراتيجيات العملية للتغلُّب على هذه العقبات الذهنية.

لم يساعد التشاؤم "مايك"؛ فقد استمر المجلس بالضغط عليه، وعلى الرغم من قراره الحكيم بطلب المساعدة المهنية، أضعَف قلقه وتوتره قدرته على جمع التبرعات.

شاهد بالفيديو: 12 نصيحة للحفاظ على الصحة النفسية

نقطة تحوُّل "التوقيت هام":

كان "مايك" في هذه المرحلة على وشك الإنهاك؛ فقرَّر أخيراً توضيح حالته النفسية للمجلس، وكانت النتيجة رائعة؛ إذ أعرب الجميع عن قدر كبير من الدعم، وقال العديد من الأعضاء الذين ضغطوا عليه إنَّهم فعلوا ذلك بسبب قلقهم وخوفهم من المنافسين الكبار الذين قد يحاولون استثمار ميزة التحرُّّك المبكر التي كانت تفعلها الشركة الناشئة؛ وذلك لأنَّهم شهدوا الكثير من هذه السيناريوهات؛ لذا كانوا يحاولون تحقيق تقدُّم سريع من خلال رأس مال المستثمرين.

وقد عانى أحد أعضاء مجلس الإدارة هؤلاء من التشاؤم أيضاً، فتحدَّث إلى "مايك"، ووافقوا على التراجع عن أهداف جمع التبرعات، والتركيز بدلاً من ذلك على المزيد من النمو التدريجي.

ومع ذلك، لم تكُن نهاية القصة سعيدة؛ إذ لم يستطِع "مايك" تحقيق هذه الأهداف حتى بسبب الإرهاق الشديد؛ ففقد شغفه بالشركة وكره الاستيقاظ للعمل، ومع ذلك، كان يعتقد أنَّ في إمكانه الاستمرار، ولكنَّه لم يستطع تحقيق ما أراد بغض النظر عن مدى صعوبة المحاولة؛ لذا قدَّم استقالته وعرض أسهمه للبيع لبقية المستثمرين بسعر منخفض.

بعد ذلك، بحثت الشركة بحثاً مكثفاً عن بديل له، ولكنَّهم لم يجدوا من يتحلَّى بالمصداقية والسمعة التي كان يتحلَّى بهما "مايك"، ممَّا أثَّر في عملية البيع للمستهلكين، ومن ثم لم يساعد شعور العديد من موظفي الشركة الناشئة بالولاء لقيادة "مايك" ورؤيته، وشعر معظمهم بالاستياء من استقالة "مايك"، وأُلقي اللوم على مجلس الإدارة، وغادر العديد منهم في الأسابيع والأشهر اللاحقة؛ ممَّا أدى إلى إعاقة الشركة.

في النهاية، تعثَّرت الشركة بدون قيادة مايك وتوجيهاته، واشترت شركة أكبر الأسهم بأقل من 2.5 مليون دولار، وهو جزء ضئيل من قيمتها الأساسية.

الإرهاق بعد فوات الأوان:

لقد كان من الممكن أن يتغيَّر الوضع كثيراً لو شارك "مايك" التحديات النفسية التي يمرُّ بها مع مجلس الإدارة؛ ممَّا كان سيؤدي إلى منع الانهيار التام للشركة، كما كان من الممكن أن تُحلَّ مسألة تحويل التقدُّم السريع إلى تقدُّم تدريجي من خلال بذل بعض الجهود في جمع الأموال، ومن ثم إتاحة الفرصة إلى "مايك" للتركيز على شغفه بإرضاء العملاء وبناء علامته التجارية، بدلاً من إجباره على التعامل مع مهمَّة يكرهها، وهي التماس أموال المستثمرين.

نأمل أن يأخذ مؤسِّسو الشركات الناشئة العبرة من هذه القصة على محمل الجد، ويؤثِّروا في أصحاب المصلحة الرئيسين ليكونوا أكثر وعياً واهتماماً بالصحة الذهنية، كما يجب أن تكون هذه القصة بمنزلة إشارة تحذيرية لقادة الشركات الناشئة الذين يخشون الكشف عن معاناتهم الذهنية لكبار المستثمرين وأعضاء مجلس الإدارة، فضلاً عن أنَّها تنبيه لكبار المستثمرين وأعضاء مجلس الإدارة لتشجيع المؤسسين على الاهتمام بصحتهم الذهنية وعدِّها أولوية قصوى.

إقرأ أيضاً: أسباب الإرهاق أثناء العمل وطرق التخلص منه

الكفاح من أجل الصحة الذهنية والتحلِّي بالقوة:

لن يؤدي العيش في ظل مستقبل مضطرب وغامض إلَّا إلى المزيد من التوتر والقلق، ولا يجب أن نخسر مؤسِّسي الشركات الناشئة الموهوبين من خلال عدم الانتباه إلى مخاطر تحديات الصحة الذهنية؛ لذا يتعيَّن على المؤسِّسين والموظفين على حدٍ سواء تشجيع الشفافية حول الصحة الذهنية، فضلاً عن التدريب على كيفية دعم الزملاء في أوقات الشدة، وعدم عدِّ التحديات الذهنية وصمة عار.

المصدر




مقالات مرتبطة